الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يمين ويسار، أم تقسيم جديد للانتماء السياسي

إبراهيم فتحي

2017 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


هل من الصواب أن نقول وداعًا لتصنيف اليسار مقابل اليمين لأن الصراع المهم الآن هو التفتح ضد الانغلاق؟ منذ الثورة الفرنسية فصاعدًا صارت السياسة تتحدد بالتمييز بين اليسار واليمين، وفى بريطانيا وأماكن أخرى فى الغرب تصارع المحافظون والاشتراكيون وفق خطوط اجتماعية اقتصادية؛ وكان الانتماء الطبقى هو أفضل مؤشر لسلوك فى عملية التصويت. فهل صار التصنيف الذى يرجع إلى أواخر القرن الثامن عشر عتيقًا الآن على نحو متزايد كما تكتب صحف كثيرة فى الغرب؟ هل تتجاوزه سياسة انفتاح ضد انغلاق أم أن ذلك التصنيف نتاج للانقسام بين يمين ويسار؟ فى بريطانيا قسم استفتاء عضوية الاتحاد الأوروبى المحافظين والعمال معًا إلى باقين ومغادرين، وانقسم كل من أنصار اليمين ومؤيدى اليسار إلى باقين ومغادرين.

وفى الولايات المتحدة أعاد انتخاب دونالد ترامب تشكيل الولاءات التاريخية، فبرنامجه السياسى المؤكد للحدود المغلقة والجمارك التجارية وتخفيض الضرائب مع زيادة الإنفاق الحكومى هو فى زعم بعض الصحف برنامج يقترض من اليمين واليسار معًا. ولكن ترامب يمينى حتى النخاع كما يبدو واضحًا من وضعه وانحيازاته. وعبر أوروبا ناضل القوميون بالوسائل نفسها التى استخدمها ترامب. فقد جذبت زعيمة الجبهة الوطنية مارى لوبن فى فرنسا اشتراكيين بل حتى شيوعيين على إنهاء تعدد الألوان التى ترمز إلى اليمين واليسار، وبالوعد بإجراء استفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي. وفى ألمانيا تصعد اتجاهات عنصرية تعارض سياسة أنجيلا ميركل المرحبة باللاجئين. وفى هولندا يواصل الحزب القومى المسمى صوت الحرية تحقيق تقدم فى استطلاعات الرأي، وبولندا والمجر تحكمهما أحزاب يمينية متطرفة، ويناضل الديمقراطيون الاشتراكيون جاهدين للاحتفاظ بمكان مرموق.

وعلى الرغم من أن الانفتاح مقابل الانغلاق هو التصنيف الجديد فهو ليس الوحيد المقترح، فهناك انقسامات أخرى يشهدها الواقع السياسي: الشباب مقابل كبار السن، خريجو الجامعات مقابل غير الخريجين، الأغلبية البيضاء مقابل الأقليات العرقية وسكان المدن الكبرى مقابل سكان الأطراف.

ولكن هذه الانقسامات ليست منعزلة بل تتبادل التأثير فيما بينها وقد تطورت كنتاج لتغيرات اقتصادية وثقافية. فالشباب وخاصة خريجو الجامعات يغامرون بمغادرة المدن الصغرى متجهين إلى عواصم ومدن كبرى كوزموبوليتانية تتوافر فيها فرص عمل فى الشركات والمشروعات متعددة الجنسيات ويعيشون فى مجتمعات متعددة الأعراق منفتحة على العالم متقبلة للأقليات. والفجوة بين الشباب وكبار السن ليست فجوة فى العمر فحسب ولكنها فجوة فى الثروة. فالفرص المتاحة للشباب أقل بكثير مما كان متاحًا للجيل الذى نشأ فى أعقاب الحرب العالمية الثانية واستفاد من الرخاء الاقتصادى وكون ثروات وحصل على مكاسب بعد التقاعد. والميول السياسية للجيلين كما تشير نتائج التصويت فى الانتخابات البريطانية والأمريكية على سبيل المثال شديدة التباين. ومثلما أدت الثورة الصناعية إلى تغيير الأوضاع الاجتماعية والانتماء الطبقى الذى وجد تمثيله فى صعود حزب العمال وأحزاب الديمقراطية الاشتراكية، خلقت العولمة أوضاعًا جديدة غيرت البنية الاجتماعية والثقافية فى الغرب. وبينما كان الاعتقاد السائد أن الدول الغربية المتقدمة تستطيع أن تنقل المصانع للدول النامية وتحتفظ بدورها فى تطوير التكنولوجيا والخدمات المتطورة، فقد كثير من الذين ينتمون إلى الطبقة العاملة فرص العمل. وفى ظل أزمة اقتصادية طويلة الأجل وانكماش فى الاقتصاد ارتفعت نسبة البطالة واتجهت قطاعات من الأغلبية البيضاء تؤيدها صحافة صفراء إلى لوم المهاجرين على تضاؤل فرص العمل.

ويمكن فهم تلك الانقسامات فى ضوء فشل الديمقراطية الاشتراكية فى مواجهة عاصفة الرأسمالية الجديدة. ففى أوج نجاحات الديمقراطية الاشتراكية فى التسعينيات حينما كانت معظم الأحزاب الحاكمة فى أوروبا الغربية تنتمى بدرجة أو أخرى إليها حذر مؤرخون مثل ديفيد ماركواند من عواقب فشل تلك الأحزاب المحتمل فى المواجهة مع العاصفة. رأى ماركواند فى اختيار الناخبين فى التسعينيات لجوءًا إلى بديل مطروح لتغول السياسات الرأسمالية، ولكنه حذر من أن هناك طرقًا أخرى للهرب من تلك العاصفة الرأسمالية إذا ما فشلت الديمقراطية الاشتراكية فى الحماية منها وعدد «الأصولية الدينية والسلطوية الأخلاقية واتخاذ الأقليات كبش فداء» كاتجاهات محتملة. وربما كانت مخاوف ماركواند نبوءة تتحقق بعد عقدين من الزمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية