الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفوق الكاذب جداً

ياسر العدل

2006 / 1 / 21
حقوق الاطفال والشبيبة


مع نظام التعليم الحالى فى بلادنا، وعلى مدى السنوات الماضية، لا يرصد المراقب تقدما يذكر فى جودة مخرجات ذلك النظام، ومن بين مخرجات نظامنا التعليمى تظل الثانوية العامة بؤرة فساد تورث أمتنا مزيدا من الجهل والفقر وتخلف عقلنا الجمعى، فالكثير جدا من طلاب الثانوية العامة يحصلون على الدرجات النهائية فى المواد التى يدرسونها، ومع ذلك التفوق المزعوم فإن هذا الكثير يفشل فى إحراز النجاح فى مرحلة التعليم الجامعى، ويختلف المحللون فى تفسير تلك الظاهرة.
بعض المحللين يرون أن ارتفاع درجات الطلاب فى الثانوية العامة، إنما هو نتيجة لجهد المسئولين فى تطبيق سياسة شعارها التفوق لجميع الطلاب أيا كانت مشاربهم الاجتماعية وأيا كانت قدراتهم الشخصية، الشعار براق يجلب التهليل فى مجالس السمر وحالات الشروع فى الالتصاق بكراسى السلطة، لكنه شعار غير مدروس لا يفرق بين الأغنياء والفقراء، يعطينا عند التنفيذ نتائج مغايرة، فالأبناء المدللون لكثير من الأغنياء هم بضاعة جاهزة نفسيا للاستيلاء على مقدرات البلد باعتبارها إرثا ينتقل من الآباء الى الأبناء. المدللون بضاعة تصدير صالحة للعمل عبيدا فى كفالة نظم حضارية متخلفة تطحن أى فكر مستنير وتميت أى انتماء قومى، والأبناء المحبطون لكثير من الفقراء هم بضاعة جاهزة نفسيا للبطالة، الفقراء بضاعة صالحة لأن يطويها الفقر ويحسر عنها كل القيم الحضارية.
إن أصحاب سياسة التفوق للجميع، يراهنون على وجود إمكانيات اقتصادية واجتماعية وثقافية يحفل بها مجتمعنا، إمكانيات تجعل التفوق العلمى حاجة للطلاب والمعلمين ولكل أفراد المجتمع، لكن قراءة الواقع لدينا يعطى نتائج مختلفة ويحتاج الأمر الى دراسة متأنية.
الحقيقة أن تفوق طلابنا فى حصد درجات الثانوية العامة، راجع الى أسباب تقع فى الجانب الآخر من التوقع المنطقى لتحليل هذا التفوق، فقدراتنا الاقتصادية ضعيفة، ومئات من المدارس الحكومية غير صالحة للتعليم، وألوف من المعلمين يتداولون الدروس الخصوصية، ومؤسساتنا التعليمية الخاصة يحركها العائد المادى، فتكون الحصيلة مئات الألوف من آلات تحفظ المقررات تكون فى نهاية المطاف آلافا من طلاب علم لا يعرفون الألف من كوز الذرة.
قيمنا الاجتماعية تحكمها روح القبلية، تركز على عبودية الأصغر نحو الأكبر، يحدد بموجبها الآباء لأبنائهم ما يدرسون، تركز على تدليس الأكبر تجاه الأصغر، تحول الغش الفردى والجماعى الى نوع من الكرم يمنحه للطلاب، إنها قيم تجلب الفشل فى التعليم والقصور فى التربية لطلاب لا يملكون حق اختيار ما يدرسون وبالتالى تضعف ارادتهم فى اختيار ما يريدون أن ينتموا إليه، وهكذا يولد لدينا قيادات مستقبلية تتسابق فى التدليس وخيانة الأمانة.
العقلية الثقافية لجموعنا مهترئة، تستمد أعمدتها من شراشف حضارية متضاربة، تميل بعقلنا الجمعى نحو التفتت، وتلقى فى وجدان الكثيرين بأن العلم مضيعة لطالبيه، وأن قيمة البشر تتحقق بالسفر خارج زمان ومكان الوطن، هكذا ومع هذه الشراشف ينجح الكثير فى الترويج لثقافات خدم البيوت ويستمرئون أعمال النخاسة فى دول الغربة.
وعقلية الغالبية من أساتذتنا مهترئة، الطموح العلمى لكثير من أساتذتنا مقرون بالبحث الهلامى عن المعجزات فى تاريخنا، وإهمال المحاولات الجادة لتفسير الخوارق فى واقعنا، طموح الكثير من أساتذتنا أن يضيفوا الى محفوظاتنا ومدوناتنا مزيدا من البلاهة والتعمية، وكأن العالم يتقدم بالتفسير الشخصى لما تحويه ذاكرتنا دون محاولة التفسير الموضوعى لواقعنا.
لذلك يرى كثير من المحللين، ان الإهمال المتعمد فى إصلاح ظروفنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحالية، هو الذى يجعل من ارتفاع درجات الطلاب فى الثانوية العامة، وتضخم الكثير من أرقام التصريحات الحكومية، نتيجة منطقية لتنفيذ قرارات سياسية، تلقى بأعداد هائلة من الطلاب أنصاف الأميين الى الجامعة ليزداد المجتمع انحشارا بالملايين من حاملى الشهادات الضعيفة، وتظل القرارات غير المدروسة تنشر أفراحا زائفة بين السذج بالتفوق الكاذب جدا، أفراح تستجلب الصمت لملايين من المغلوبين على أمرهم، ولن ينقذ هذا البلد غير مشاريع كبيرة فى نظم التعليم تضع سياسات معروفة ومعلنة، تقبل التمحيص والمناقشة الديمقراطية بين الجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - الأونروا: الأوضاع في غزة كارثية ج


.. جهاز الشاباك: حذرنا بن غفير والأمن الوطني من استمرار الاعتقا




.. شهادات أسرى غزة المفرج عنهم حول التعذيب في سجون الاحتلال


.. مواجهة شبح المجاعة شمالي غزة بزراعة البذور بين الركام




.. مدير مستشفى الشفاء: وضع الأسرى في السجون الإسرائيلية صعب ومأ