الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(1).

ماجد الشمري

2017 / 3 / 27
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2017 - أثر النزاعات المسلحة والحروب على المرأة


لن ننساق هنا تلك اللازمة المكررة و المملة من العويل و الندب الغنائي،وترديد الكليشيهات المبتذلة الجاهزة عن الحريات و الحقوق و المساوات الجندرية للمرأة . فكل هذا هو تحصيل حاصل و نتائج مترتبة لمدى الاستغلال و الاضطهاد و الاجحاف و الضيم و التمييز و القمع الذي تعرضت له المرأة ، و منذ هزيمتها التاريخية و طغيان السيطرة الطبقية الذكورية ، بفناء مجتمع المشاعة،وانقسام المجتمع جنسيا وطبقيا . فقد كانت المرأة طوال التاريخ الطبقي و أنماط الانتاج للمجتمع البشري مُستَغَلة مرتين ، فهي عبدة السيد ، و عبدة العبد ، و قنة الاقطاعي ، و رقيقة الفلاح ،و أجيرة الرأسمالي، و بروليتارية بدون أجر للعامل !. لذا فوضع المرأة بالغ التركيب والتعقيد. و أستغلالها و أغترابها و تشيؤها ، مركب و مزدوج و مضاعف . فيجب ان يكون نضالها أيضاً مركباً و مضاعفاً ومزدوجا، و متعدد المستويات و الجبهات : النظام الطبقي البرجوازي ، الايديولوجية الطبقية و الدينية و القيمية المجتمعية البرجوازية و البطرياركية السائدة و المتجذرة ، و أيضاً جبهة الرجل بكل حمولته الثقافية الذكورية التقليدية ، و أيضاً اللاوعي الجمعي الذي رزح تحت ثقله لألاف السنين ، و الذي يعكسه في علاقته بالجنس الاخر- المرأة- . فالرجل هو صانع الحضارة و التاريخ و المدنية ، و المرأة هي الطبيعة بغرائزها وتقلبها و غموضها و بدائيتها ! هو المعبود و هي العابد! هو الفاعل و هي المنفعل ! . هو الخالق و هي المخلوق ( في حين انها نصف المجتمع ، و خالقة نصفه الاخر !) . هو الخير و المنطق و النظام، و هي الشر و العاطفة الهوجاء و الكاووس البدئي !. هو الكمال و الجمال البايولوجي ، و هي القبح و النقص الفيزيولوجي ، هو القضيب المنتعض المقتحم و المتفاخر !، و هي القضيب المنبعج و المخصي و المحتل الذليل ! هو الشرف والسؤدد وهي العار والانكسار!.هو الدين القويم وهي الهرطقة والكفر!.هو الاله وهي الشيطان!.نستطيع بسهولة الاستمرار في تعداد هذه الثنائيات المتضادة المتناهية من الاختلاف و التنافر ، و تجيير عشرات الاوراق في ذكرها !. المرأة تلك،سواء في الاذهان او الاعيان هي مجرد: أسيرة السرير ، مزرعة الاطفال وجليستهم ، معبد الشبق ، سجينة المطبخ و عبدته- و هو مصنع تبلدها و انحطاطها العقلي - النفسي،حبيسة الدار - و حسها الدنيوي المحدود والمغلق !. هذا هو بأختصار حال المرأة في المجتمع البطرياركي -الزراعي-مع تقدم محسوس في المجتمع الصناعي المتطور- . و الطامة الكبرى هي : ليس فقط الرجل من يحتقر المرأة و يزدريها ، و يكرس دونيتها بأيديولوجيا واعراف ودين وقوانين المجتمع السائدة، بل هي نفسها - المرأة - تؤمن و تعتقد:وعيا ولاوعيا بأنها اقل من الرجل مكانة و تستحق بل هي جديرة بهذا التمييز المنحاز ضدها ، بل وحتى تدافع عن تلك الدونية و الصغار والاحتقار،وتعتبره طبيعيا-تكوينيا وابديا، و تدافع عن جلادها -سيدها، و تتضامن مع تكريس عبوديتها بأسم الطبيعة و الدين و الثقافة و العلم و غيرها من خزعبلات زائفة و متسيدة. كل هذا ليس موضوع مقالنا هذا. فقد تحدثنا عن ذلك في مقال سابق و نشر في الحوار المتمدن بعنوان(الجنس المقهور) -على هذا الرابطhttp://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=508591-. .ما سنطرقه في هذا المقال هو رحلة سريعة و مختصرة في تاريخ الثقافات و الاثنوغرافيات التي عمت و سادت المجتمعات البشرية بشكل عام ، والعصر الوسيط في الغرب المعادي للمرأة بشكل خاص. تلك الاساطير و الخرافات ، التي رسمت صورة المرأة بالغة البشاعة و التشويه و القتامة ، فلم تكتف بقمعها و أستغلالها و أمتهانها ، بل شرعت في تشويهها و مسخها و تحطيم صورتها لدرجة الابلسة المطلقة و كمنبع للشرور و الاثام ، و أس البلاء و الدمار واللعنة و الذنوب التي لحقت بالرجل بسببها،فهي علة كل الشرور! ، فهي قرينة الشيطان و عميلته لتخريب الوجود و تدمير الرجل ! انها تلك التصورات السيكولوجية اللاشعورية المبطنة بالادانة المسبقة و التجريم التاريخي والاسطوري للمرأة!. تلك المختلفة الغامضة و المليئة بالاسرار و الخفايا و الظلمة والدناءة. و التي أدت الى ذلك الخوف الهلوسي -البنيوي بالمعنى القار- القائم في اللاشعور - من المرأة! و الذي تكرس بثبات وانسجام في الدين و الثقافة و التاريخ و الاساطير و الحكايات الشعبية و التي نسجت عن المرأة ، كعنصر غواية و خطورة و شر داهم . وتحميل صورتها بكل ما هو مرعب و كريه و سلبي و غامض في الطبيعة و التكوين . انه تجريم عريق القدم لازم و أستمر حتى بداية العصور الحديثة ولازال!. . الخوف من المرأة هو في نفس الان خوف من الكائنات غير المرئية من الجان و العفاريت و الشيطان !. الشيطان الذي أُعتُبِرَ سيدها و معلمها و هي واحدة من ابرز حواريه و مريديه وجنوده!. و قد ورث عصر النهضة تلك المفاهيم الزائفة ، و الصور الشيطانية المتوهمة و المرعبة خلال العصور الوسطى، و التي ضخمت و أضيف اليها الكثير ، و انتشرت في عموم العالم ، و بشكل لم يُعرف من قبل بفضل الطباعة و الكتب وانتشار الثقافات وتمازجها، و ليس من قبل الكهنوت فقط ، بل و حتى مثقفين و علمانيين ، تبنوا هذه الرؤية عن المرأة ! و في عصر كان يجب ان يكون للادب و الفن و الحياة المتغيرة في صالونات النبلاء و الملوك ، و توسع اللاهوت البروتستانتي و غيرها من مظاهر التطور أن تصب في صالح تغير النظرة الى المرأة بأتجاه تنقيتها من ما علق بها من تشويه و شيطنة !.و هذا مايدفع لتسليط الضوء على هذه الصور المعقدة ، و توضيح كيفية تحول توجس و حساسية عفوية للمختلف الجنسي، الى خوف مرضي هستيري منظم و مبرر عقلانياً و سيكولوجياً من قبل كل الثقافات السائدة . ان الموقف الذكوري من " الجنس الثاني" كان ذا طابعاً متناقضاً على الدوام ، و قلقاً بين الانجذاب الجنسي و النفور النفسي ، بين الاغراء الحسي الشبقي والانجذاب الطبيعي،وبين العدائية ذات الجذر الثقافي- الديني ، وقد غير الفكر اليوناني الكلاسيكي و العهد القديم من هذه العواطف المتناقضة و كانت المرأة منذ العصر الحجري الحديث - الذي ترك لنا من التصور النسائي اكثر بكثير مما خلف من الصور الذكورية و حتى العصر الرومانسي - موضع احترام و تكريم لدرجة ما ، عندما أعتبرت منذ البدء كألهة للخصب " الام الوفية الثديين" ذلك الرمز للطبيعة الكريمة ذات العطاء المدرار . ثم اصبحت مع الهة الحكمة "أثينا "ثم مع "العذراء مريم" نبع النعم و الخير و الطيبة و السلام. ان " الانوثة الابدية" التي ألهمت الشعراء منذ دانتي الى لامارتين " تسمو بنا الى الاعلى" على حد تعبير غوته الشاعر الالماني ، و ما يحكى عن "يوحنا فم الذهب " انه : عندما كان طفلاً متخلفاً في دراسته ، وقف يوماً امام تمثال العذراء ليصلي ، وإذا بالتمثال حياً يخاطبه قائلاً :" يوحنا .. تعال قبل شفتي ، و سوف تحل عليك المعرفة، لاتخف" و كان خائفاً متردداً للحظة و ثم طبع شفتيه على شفتي السيدة العذراء ، و كانت تلك القُبلة الفريدة كافية لتملاءه حكمة و معرفة شاملة بالفنون جميعاً - و رغم بعض الايحاء الجنسي المكبوت للمراهقة في هذه الحكاية!- الا ان هذا الاجلال الذي احاط به الرجل المرأة ، لم يشمل جميع النساء -فقد اقتصر على امهات الالهة والربات!-، فله اصله اللاهوتي-الاسطوري. و قابله في الجانب الاخر ، نوع من الخوف السيكولوجي من الجنس الاخر المختلف و خصوصاً في المجتمعات ذات البنية البطرياركية . وهو الخوف الذي طالما اهملت دراسته و تحليله من قبل علم النفس و لفترة طويلة ، فأمتنع عن اعطائه تلك الاهمية التي يستحقها من الفهم و التحليل ، و قد وجد هذا العداء المتبادل الذي فرق بين الجنسين المكونين للبشر طيلة العصور التي مضت ، والذي يحمل اغلب سمات الدافع اللاشعوري و هذا يعني ان حياة الازواج هنا هو متعلق بتوضيح تلك المعطيات الغائرة الجذور ، و ان يقبل الشركاء بكل عقلانية و منطق ، مبدأ التمايز و الاختلاف و الحرية في التعامل المشترك دون ضغينة. فالتوجس من المرأة هو سيكولوجي بأمتياز ، فهو وهم مصطنع مبرقع بأعتقاد ديني ومدعوم بعلموية شعبية زائفة!......
..............................................
يتبع.

وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو