الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصيدة في الطريق إليكم

محمد علاء الدين عبد المولى

2006 / 1 / 21
الادب والفن


في الطّريقِ إليكم نسيت الغناءْ
فأخذتُ من اليأسِ محبرةً لأرتّب أغنيتي
وأنظّفَها من تفاؤلكم
وغسلتُ أصابعَها بالمهاوي
وعطّرتُ فلّتها بالدماءْ
أبعِدوا هذه الأرضَ عنكم
دعوها هنالكَ تتّخذ الريحَ ثوباً
وترضعُ من حيوانٍ عقيمٍ مخيّلةَ الكيمياءْ
احملوها بنخل السّوادِ إلى قمرٍ موحشٍ
تجدونيَ أحفر قلبي لها
أنزلوها ورُدّوا عليها الفضاءْ
ولكم ـ بعد هذي الجنازةِ ـ طول الشواطىءِ
تمرضُ في جانبيها السّماءْ
*
في الطّريقِ إليكم
لغتي ارتفعتْ عالماً ثالثاً يتساقطُ من أوّلِ الفقراءْ
في الطريقِ تنفّستُ طين الفصولِ,
تصدّعتُ من أيّ شيءٍ
وكان التّّصدّعُ كيسَ هواءٍ
يُقصُّ ويحشى هباءْ
كنتُ أحمل بعضاً من الحُبّ
بعضاً به أسقفًُ الكونَ كي يسكن الروح
في غفلةٍ عن ذئاب العراءْ
آه منّي عشقتُ وقرّبتُ أطرافَ من هجروني
وضوّأتُها ثم أجريتُ فيها من المسكِ
ما تستطيع به أن تكوّن مئذنة الياسمينِ
ليجتمع الشهداءْ
يغسلون ملابسهم ـ قُدَّ معظمها من دُبُرْ ـ
عندما كانت الحربُ تدنو فتدنو النساءُ
يفتّشن عن ذكرٍ واحدٍ أو خيالِ ذكرْ
لا تموتوا... ويمسكْنَ بالعاشقين الصغار
ولكنّ صوت الخليفة أعلى
فيتركن قافلة العاشقين تمرّْ
...
آه مني خرجتُ عن الحقل...
حقلي مباحٌ,
وها لغتي انقلبت أيَّ منقلبٍ
فنسيت الغناءْ
قد أقول القصيدةُ تكمن تحت معاطفكم
قد أقول وراء جبالٍ من الخوفِ عمّرتموها
وفي زهرةٍ أُهملتْ خلف ذاك السياجِ
وفي حلمةِ امرأةٍ تشتهون توهّجها
قد تكون على بعد عطرٍ قريبٍ
تظنّونه في السحابْ
القصيدة ملّت من العازفينَ
وكفّت عن الرقص كي تتبعوها
اتبعوها / اتبعوني أدلّ البحارَ على الرملِ
أُسْمِعِكُمْ صوت ماضيكمُ المتكسّرِ
أشعل فيكم لهيبَ الطموحِ الشهيدِ
أعيدُ لكم بعضَ ما فقدَ الصّوتُ
من جرأةٍ في النشيدِ
أقرّب منكم بروجاً
وأغسلُ عنكم ضجيجاً
ولا تحسبوني نبيّاً
ولكنّني بالقصيدةِ أكشفُ ما لا يرى الأنبياءْ
*
في الطّريقِ إليكم
رأيتُ القصيدةَ ذئباً من الهيجانِ المدمِّرِ
والاكتئابْ
وسمعتُ ضميرَ القصيدةِ يعوي
يسبّح في أبدٍ من خرابْ
إذ يرى وطناً شُقَّ نصفين
والنصفُ نصفينِ
أو سرطاناً تدفّقَ من قبّعات الملوكِ
أو الأرض تعتاد فتكَ الخلايا ببعضٍ
لتبقى على هوّةٍ بانتظار السقوطْ
هكذا حين جئتُ تلمّسته جسدي:
خيبةً خيبةً, نكسةً نكسةً, كذبةً كذبةًَ,
كلّه جاهزٌ للصعودِ
ونقرِ الدّفوفِ وقرعِ الطبولِ
مجاملةِ الحالمينَ
وإعطائهم قدحاً آخراً
وحنوطاً جديداً لفرعونهم
غير حنجرتي تتأبّى عليّ
وترجوكمُ أن تتيحوا لها برهةً للبكاءْ
هي أصفى من الشعرِ إن لوّثته الرّبا
هي تأتي إذا عرسكم ذهبا
وتغيب عن الحقل في ليلةٍ تتخنّثُ فيها الرموزُ
ويتّخذون بها شبه مستنقعٍ
يرفعون إليه صلاة الشتاءْ
هو ذا, حين جئتُ بلا حنجرةْ
خاف مني الملوكُ استغاثوا بأبراجهم:
كيف سالتْ على عقدة الشنقِ خمرةُ حنجرتي
وأنا ما أزال أرقِّصُ خصرَ النشيدِ بصوتي؟
يا ملوكَ البريقِ المزيَّفِ...
سرّ الحياةِ عصيٌّ على الأمراءْ
*
أطفأ القلبُ مصباحَه
وانزوى جانبَ الموقدِ المنحني
وتلوّى يميناً يساراً, تسارعَ أبطأ,
لكنّ هذا الصقيعَ أصمّ
أذوّب قلبي على شمعةٍ لا تذوبُ
وأغويه بالسّاحراتِ العذارى
أزيّنه بنهارِ المرايا
أرتّب أضلاعَه ثم أعقِد فيها الثّمارَ
فينقضّ ينهش لحميَ...
ـ قلبي /
أنتَ قلبي, فكيف تهاجمني بالعواءْ؟
ـ أنا يا سيدي
مضغةٌ فيك معجونةٌ بالنزيفِ
معلّقةٌ في الخريفِ
تلاعبها العاصفاتُ
فيرتجف الكونُ فيها
ويأوي إلى سِدرةٍ لا تظلّلُ
يا سيدي كيف تحفرني مثل بئرٍ
وتلقي بها فارغاتِ الكؤوسِ؟
فُتات الشموس الذبيحةِ؟
أركُن فيك وأنتظرُ المدهشاتِ من الشعرِ
والقاتلاتِ من الحبّ
والذّاهباتِ إلى اللاّمكانْ
مضغةُ القلبِ يا سيدي استُضعِفَتْ
تلِفت مادة النورِ فيها
تلقّفها قلقٌ لا يحولُ
وأَدخلَها مدخلَ اليائسينِ الذين إذا
رفعوا صوتهم بالغناءِ,
هوى فوقهم كوكبٌ من دخانْ
يا مغنّي البحارِ
ومُجري الينابيع من حجرٍ
يا مضيءَ العوالمِ من أزلٍ
ذاهباً بالترابِ إلى منتهاه
ومستفرداً بالسماءْ
فاضَ بي ملكوتُ القصائدِ,
ما عدتُ أحتملُ الشعراءْ
أنتَ تجلدني بمخيّلةٍ من عجائبَ
تجْمَعُ فيها الحرائقَ من كلّ وادٍ
وتحسبني صنماً ثابتاً في الضلوعْ
لا يداعبه مرضٌ
لا تخامرُهُ وحشةٌ وهْوَ يحنو عليكَ
ويحملُ أوزارَ حلمكَ عنكَ
يوازنُ بين الفراغِ وبين المكانْ
ويهيّءُ من خوفه مهدكَ المطمئنّْ
ينحني فوق صدركَ حين تئنّْ
ويعود إلى كهفه خالياً يستجير بأشباحه
يتأمّلُ وحدتَه
يتقصّفُ من داخلٍ مثل سقفٍ سقطْ
آه يا سيّدي لا أريد فقطْ
غيرَ بعضِ الأمانِ... الأمانْ
*
في الطريقِ إليكم
هل نسيت الغناءْ ؟
إنما خانني الأهلُ
واستوطنوا خلفَ بابي
يعدّون أنفاسَ طفلي وأحلامَه
يقطعونَ جسوري لأنهارَ
...نم يا صغيريَ
نمْ طيّباً أشقراً
مثقلاً بالكآباتِ...لا بأسَ,
دعني أباً يقضم اللعنة الأزليّةَ
يأكل لحمَ أظافرهِ
يولمُ الليلَ للبردِ والجوعِ والانطفاءْ
ثم يسهرُ في نجمة الكبرياءْ
*
في الطريق إليكم سمحتُ لسيل الشتائمِ
أن يتدفّق منّي فلا تعذروني...
لماذا عليّ التشبّثُ بالأفق المتداعي؟
أرمّمه بينما كلماتيَ قبرٌ وحيدٌ
أمام العراءْ؟
بعد ليلٍ سأفتحُ بابي
أفاجأُ أن العدوّ يصافحني
سوف ينشىء في حيّنا متجراً
سيشاركنا فجرنا الوطنيّْ
بعد ليلٍ سأُجلِسُ حلْمي على الطاولةْ
شمعةً تتراقصُ بالنورِ فوق الجدارِ العجوزْ
نتبادل أسماءنا
يلبس الحلمُ وجهي ويهربُ,
أتبعه وأراه تقمّصَ في حارس وثنيّْ
بعد ليلٍ سأبقى بلا أيّ ليلٍ يدلّ عليّْ
فلماذا عليّ التشبّث بالأفق المتداعي
بينما جوقة المنشدينَ
تواصل تجميلَ هذا القبيحِ
تراه دليلاً إلى غابة العشقِ
يمشون في هدْيه ينحرون الأضاحي
فكيف يمرّ عليهم زمان غشيمٌ
ولا يستطيعونَ أن يبصروا في أصابعه
عشرات الأفاعي؟
ـ لماذا خرجتَ على النصّ؟
قال ليَ القلبُ
وانساب في الحبرِ أعمقَ ممّا أشاءْ
قال: خذني إلى الزهرِ والنهرِ
طف بيَ حول قباب النساءْ
أغلقِ البابَ عن طبلهم
واكتشف خلفَ هذا التلوّث جوهرةً للصفاءْ
قلتُ: لا بأس يا سيدي أن ننوّع في الاحتفالِ:
هنا شاعرٌ للضريحِ
هنا للمديحِ
ولكنّ وجه القبيح يحرّضني شاعراً للهجاءْ
*
في الطّريق إليكم
تركتُ القصيدةَ في شرفةٍ وحدها
جلستْ تتأمّل إيقاعها
ليس يدهشها أحدٌ
لا يثير غريزتَها مشهدٌ
ولها وقتُها المستقلُّ
بحاستِها النّبويّةِ تقرأ
ما قد يكون وما لا يكون
تقيسُ المدى بأصابعها
وتحدّق في العابرين وتزورّ عنهم
وتغمضُ أعينها كلّها
لترى بوضوحٍ جليٍّ كتاب الضياءْ
هي أجملُ من أن تقالَ
فلا تبحثوا عن تفاصيلها في يديّ
وإني لَتاركُـها بيننا حجّةً للّقاءْ
نتساءل عن اسمِها المتخفّي
نحاول ضبطَ تموّجها في الجهاتِ
وإلى أن تباغتني فجأةً وتخلّصني من شتاتي
أقولُ لكم: في الطريقِ نسيت الغناءْ
ما أتيتُ لأطلبَ صكّ دخولٍ إلى جنّة ما
جسدي جنّتي وجحيمي
وتلكَ معابدُ ذاكرتي
سأجمِّعُ أخشاب أبوابها حطباً للشتاءْ
فإذا ما تلوتُ على جمعكم هذياني المبينْ
وفقدتُ صوابي في زحمةِ المخطئينْ
فنفرتُ ونفّرتُ
وارتعشتْ من بكائي فتاةٌ تخاف عليّ
وأربكتُ بعضاً من الصالحينْ
فأقيموا على ردّتي حدَّكم
واجلدوني بتأويلكم
لتريحوا ضمائركم وتناموا على مخدع الأولياءْ
واتركوا حفرتي دونَ ردمٍ إلى أبد الآبدين
لكي يقرأ القادمون من الريح
خاتمة الشعراءْ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه


.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان




.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو


.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف




.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول