الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تبرئة مبارك المسمار الأخير في نعش الثورة المصرية

تميم منصور

2017 / 3 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


تبرئة مبارك المسمار الأخير في نعش الثورة المصرية
تميم منصور
غالبية شعوب العالم تملك القرارات التي تحدد رغباتها وارادتها السياسية باستثناء الشعوب العربية ، فهي في غالبيتها جديرة بأن تتصدر موسوعة " غينس " بكونها أكثر من بقية شعوب العالم خنوعاً ومعاناة من علل كثيرة متواجدة في جيناتها ، من بين هذه الأمراض المزمنة هذا التسليم المستمر لاستبداد وفساد حكم قادتها وحكامها ، الهزائم النفسية والمعنوية تلاحقها ، الروح الثورية هجرتها بعد ما حل بها فيما عرف بالربيع العربي .
غالبية شعوب العالم اكتفت بثورة واحدة ، لتضعها على سكة الحياة السياسية الموضوعية المتحضرة والمتطورة ، في الولايات المتحدة فان الحرب الأهلية خلفت الدمار والخراب ، لكنها رسمت الطريق السياسي الديمقراطي للشعب في الولايات المتحدة ، في بريطانيا كانت هناك ثورات ضد الاستبداد في القرن السابع عشر ، فأثمرت عن صدور وثيقة تضمن حقوق المواطن عرفت باسم الماغنغا كارتا، فكانت الأخيرة التي وضعت للشعب البريطاني أسس النظم التعددية الديمقراطية ، في فرنسا كانت ثورة واحدة عام 1789 ، صنعت فرنسا جديدة رغم المعاناة ، لكنها عبدت كافة الطرق لمستقبل يتمشى مع الحضارة الحديثة ، حررت الشعب الفرنسي من هيمنة الملكية والكنيسة .
هناك شعوب دمرتها الحروب ، كالشعب الروسي لكن الثورة التي قام بها لينين عام 1917 ، حولت روسيا الى دولة عظمى ، كذلك الحال في المانيا التي خاضت حربين عالميتين ، لكنها عادت وبنت نفسها ، بعد أن أعاد الشعب الألماني السلطة الى يديه ، هذا ما حدث في اسبانيا بعد الحرب الاهلية وإيطاليا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية ، كذلك الأمر في اندونيسيا وماليزيا وايران وافريقيا الجنوبية وغالبية دول أمريكا الجنوبية .
هناك شعب واحد لا زال يزحف في غالبيته زحفاً للوصول الى غاياته للعيش بكرامة ، رغم حدوث أكثر من ثورة واحدة في غالبية الأقطار العربية ، باستثناء دويلات المسخ الخليجي ، ودولة آل سعود ، لكنه حتى الآن لا زال بعيداً عن الوصول الى دار الأمان ، التي تضمن له الحرية والكرامة والتعبير الصادق عن ارادته .
نعترف ان هناك تفاوتاً بين الشعوب العربية في نسبة خنوعها واستسلامها لأقدار حكامها ، فإذا أخذنا الشعب المصري الذي دعم ثورة يوليو بقيادة الضباط الاحرار ، لكنه لم يتحرك ودخل في دور السبات في عهد السادات ، وفي عهد مبارك الذي استمر 30 عاماً ، أصيب الكثيرون بخيبة الأمل من الشعب المصري الذي صبر طويلاً على طغيان السادات وطغيان وفساد حسني مبارك ، لكن كان هناك أمل دائماً بأن سيل المهانة التي الحقها مبارك وزمرته بمصر سوف يتحول الى تيار جارف ، يطهر أرض الكنانة ويغسل العار الذي الحقه مبارك بها ، عار الهزيمة والخنوع والتبعية وفقدان استقلالية القرار .
تدفق هذا التيار في كافة مناطق مصر ، وتحول الى ثورة مميزة ، ثورة شعبية لم يقودها العسكر ، اسوة بالثورة التي وقعت في تونس ، نعم انها ثورة شعبية كشفت عن معدن الشعب المصري الحقيقي ، هناك من تأمل أن تكون امتداداً لثورة يوليو بقيادة الضباط الاحرار ، أي أنها تقوم بإعادة المكاسب التي وفرتها الثورة المذكورة ، والتي سرقها أعوان السادات وأعوان مبارك .
ثورة كانت أهم نتائجها خلع مبارك ، وكان لا بد من تعريته وفضح كل تجاوزاته مع أعوانه وكل القطط السمان التي نهبت أموال وقوت الفقراء والكادحين ، شارك الاعلام المصري بكامله لفضح مبارك وسلط الأضواء على حالات الفساد والمحسوبية والتبعية التي اتسم بها هذا العهد ، لم ينتظر المواطن معاقبة مبارك ومن حوله فقط ، انتظر هذا المواطن ان تكون الثورة سياسية وطنية وثورة اجتماعية ثقافية ، لكن عجلة الثورة توقفت بسرعة لأنها كانت بدون قيادة منظمة ، ملتزمة ، ولأنها كانت ارتجالية أكثر منها واقعية ، فلا برنامج سياسي او اقتصادي ، ثورة خالية من كل الأفكار والمبادئ التي حملتها الثورات التي اعادت السلطة للمواطن ، ثورة تركت هامشاً قيادياً فارغاً ، مما ساعد الاخوان المسلمون على سرقتها ، مستغلة قيادتها التي لم تتمكن من الالتحام مع مطالب الجماهير .
بعد تولي الاخوان المسلمون مقاليد السلطة لم يصدقوا انفسهم ، كانت خطواتهم الأولى تجديد التحالف مع القوى العربية الرجعية ، تحت غطاء الدين ، وتقوية هذا التحالف مع نظام اردوغان المشبوه ، والاستمرار في سياسة مبارك الخارجية بالنسبة لموقف مصر من إسرائيل ، ومن الدول الامبريالية ، بقيت في عهدهم مصر على حالها ، مع الانحراف الى محاور عصور الظلمات ، حيث فرضوا الحصار على المرأة وعلى الكثير من القضايا الفنية والثقافية ، ووقف مد أي تطور فكري وابداعي .
هذا وغيره دفع المواطن من جديد الى الشارع ، لأنهم لم يعودوا بعد الى سباتهم المعهود ، وهذا من شأنه دفع الجيش للتدخل ، والقيام بخلع الرئيس مرسي ومن حوله ، فعاد الأمل الى النفوس ، انتظروا ان يعيد نظام العسكر مصر الى نفسها ، الى شعبها ، الى دورها القومي والوطني ، لكن هذا العهد لا زال يتخبط في قضاياه ومواقفه السياسية المتناقضة غير الواضحة ، لا نعرف هل هو مع الدولة السورية أو ضدها ؟ لا نعرف هل هو مع الارهابين والتكفيرين الذين يهددون الدولة السورية ؟ لا نعرف هل هو مع المقاومة أو ضدها ؟ أما قضية جزيرتي صنافير وتيران وإصرار والسيسي على منحهما للسعودية فكانت قمة العجائب والفضائح التي تُضاف للتساؤل ! أما انضمام مصر الى الحلف – الدنس – المعادي لليمن مع السعودية وباقي اتباعها فهي أيضاً تساؤلات تكاد تصرخ في وجه الواقع المصري .
أما تقييد الحريات ، ومنع التظاهر والاعتماد على المؤسسات التي كانت في عهد مبارك في إدارة البلاد ، كل هذا يؤكد فشل الثورة الثانية خلال ثلاث سنوات والتي تعرف بثورة الثلاثين من يونيو ، لقد عرى هذا النظام نفسه من خلال اطلاق سراح أبناء مبارك بعض الرجال الذين كانوا حوله ، ولكن دق آخر مسمار في نعش الثورتين المصريتين المتتالتين عندما قام القضاء الذي يعمل تحت وضغط سياسي بتبرئة مبارك.
ان أصدقاء مبارك خاصة السعودية وإسرائيل والامريكان ، لم يصدقوا هذه المكرمة من السيسي وحكومته وقضائه ، أن هذه الخطوة ستبقى وصمة عار في تاريخ القضاء المصري ، وفي تاريخ حكم مصر السياسي ، ان تبرئة مبارك واعوانه واسرته يساعد ويشجع غيره على الفساد وعلى نهب أموال الشعب المصري ، هذا التصرف الأحمق أعاد مصر الى نقطة الصفر ، أعادها الى عصر الظلمة الذي بدأه السادات واستمر به مبارك .
ان دماء الآلف شهيد الذين قتلوا على يد شرطة حبيب العادلي وزير داخلية مبارك وغيره من الضباط تلعن هؤلاء ، وتلعن كل سياسي ومواطن يبقى صامتاً ، ولا يقوم بالاحتجاج ورفض التبرئة ، لأن تبرئة مبارك ومن حوله تعني تبرئة عهده الفاسد وتعني عدم مصداقية ثورة الخامس والعشرين من يناير ، بل كانت هناك محاولات بمقاضاته بسبب اتهامه بالاختلاس وسرقة أموال الدولة .
حقيقة ان السيسي غير قادر على مقاضاة مبارك سياسياً ، لأنه ارتدى جلبابه السياسي في كافة المجالات ، أهمها تقييد الحريات في الداخل ، العلاقات والتنسيق مع إسرائيل ، الانضمام الى حلف العدوان على اليمن ، الوقوف المشبوه من محور المقاومة ، والاستمرار في الدوران في فلك التبعية لامريكا ، أما جلبابه الداخلي الذي ارتداه فقد برز في تزايد نسبة الفقر واختفاء الكثير من المواد الأساسية في حياة المواطن مثل السكر ، والغلاء الفاحش ، وهبوط الجنيه الى أدنى نسبة عرفتها مصر .
هذا يحدث على مرأى ومسمع من الشعب المصري ، السؤال متى سيستيقظ هذا الشعب من جديد كي يقول كلمته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح