الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات الفلسطينية بين مطرقة البلطجة وسندان المال السياسي

عامر راشد

2006 / 1 / 21
القضية الفلسطينية


موازنات بعشرات الملايين من الدولارات تم رصدها للحملة الانتخابية، هذا الخبر لا يخص بلداً أوروبياً، ولا بلداً نفطياً، ولا حتى بلداً مستقلاً، انه يخص الفلسطينيين الذين يستعدون لاجراء انتخابات المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية. شوارع المدن والبلدات والقرى لم تعد تتسع جدرانها للملصقات الملونة، وشعارات الكتل الانتخابية وصور المرشحين، واليافطات، والصور الجدارية. وفوق كل هذا وذاك تغص الشوارع ومضافات المخاتير وشيوخ العشائر وإدارات النوادي الاجتماعية والرياضية والجمعيات الخيرية، بمروجي الكتل الانتخابية المتمولة، عروض من كل حدب وصوب وشيكات مفتوحة، ووعود بجنة عدن، ووظائف ومناصب، ومنح دراسية وعلاجية، ودفعات على الحساب "لمقاولي الأصوات". السلطة الفلسطينية وضعت كل امكانياتها بتصرف حركة فتح، وارصدة السلطة والصندوق القومي فتحت أمام الموازنات الإستثنائية تلبية لحاجات فتح، ملايين الدولارات لا يدخل في حسابها التغطيات الاعلامية الواسعة في وسائل الاعلام الفلسطينية المرئية والمسموعة والمقروءة، ولا اسطول مركبات السلطة، وانفاق الوزارات، والمؤسسات الرسمية بما فيها التعليمية والخدمية، وبالمقابل أنفقت حماس أكثر من عشرة ملايين دولار على انتخابات المجلس البلدية في 15/12/2005، والآن عشرات الملايين مرصودة للانتخابات التشريعية، وتزاحم على خط البذخ والموازنات المفتوحة، قائمة الدكتور مصطفى البرغوثي، والدكتور سلام فياض اللتين حصلتا على دعم أوروبي يقدر بعشرات ملايين الدولارات.
والطامة الكبرى بأن كل هذا غير مخالف للقانون، فقانون الانتخابات الفلسطيني لا يلزم الكتل الانتخابية الإعلان عن موزناتها للحملات الانتخابية، ولا أوجه صرف هذه الموازنات، ولا مصادر التمويل، والصورة تزداد قتامة إذا ما اضفنا الى ما سبق المبالغ الطائلة المرصودة من قبل بعض المرشحين في الدوائر الفردية، كمستقلين أو كممثلين لقوى سياسية وأحزاب، علماً بأن بعض أولئك المرشحين مدانون بقضايا فساد كبرى من قبل لجان الرقابة في المجلس التشريعي الفلسطيني المنتهية ولايته، وبعضها يمس الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية، مثل تشغيل مئات الملايين من الدولارات من أموال الصندوق القومي مع ضباط مخابرات اسرائيليين سابقين وضياع أصول هذه المبالغ، وتوريد الإسمنت المصري لحساب الشركات الاسرائيلية التي تعهدت بناء جدران الضم والفصل العنصرية، وتأمين لوازم البناء للمستوطنات الإسرائيلية المقامة على الاراضي الفلسطينية المحتلة، والاتجار بالاراضي مع الوكالة اليهودية ووكلاء وزارة الاسكان والبنى التحتية الإسرائيلية، واستيراد الطحين الفاسد.. الخ.
وفي ذات السياق يستشري سباق محموم لشراء ولاء الأجنحة العسكرية الفتحاوية، ووضعها وجه لوجه في لعبة التوازنات الفتحاوية، وصراع القوى فيها، الذي انتقل الى الدوائر الفردية بعد توحيد القائمة النسبية لفتح، وهو ما بات يهدد جدياً بإشعال حرب دموية عبر عنها أبو علي شاهين عضو المجلس التشريعي عضو المجلس الثوري لفتح بأن "يوم الانتخابات في 25 يناير سيتحول إلى يوم أسود على الشعب الفلسطيني"، ولا أدل على ذلك من احتلال مقرات لجنة الانتخابات المركزية، وبعض مؤسسات السلطة الفلسطينية ووزارة الداخلية، ومهاجمة معبر رفح والاعتداء على حرس الحدود المصري، واختطاف الأجانب وفق "خطة مخططة ومبرمجة" على يد أوساط في السلطة … الخ. ولم تفوت قوات الاحتلال الاسرائيلي انشغال الاجنحة العسكرية بالخلافات الداخلية، واستغلت ذلك بتنفيذ مجموعة من العمليات استهدفت عدداً من قيادات الاجنحة العسكرية الفلسطينية، وقادتها الميدانيين.
ما سبق يضعنا أمام سؤال جدي بإمكانية إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، تعيد بناء ومأسسة الحالة الفلسطينية على أسس ديمقراطية وتعددية. وهذا السؤال تتفرع عنه أسئلة غاية في الاهمية، مع خطر تحول السجال والمنافسة السياسية الى صراع تناحري داخل البنى الفتحاوية، وبين فتح ومنافستها حماس، واللتين تخوضان صراعاً إقصائياً، يقوم على نظرية احتكار السلطة والاحتكار الآخر، ولرفضهما من حيث المبدأ القبول بالتعددية أساساً لإعادة صياغة العلاقات الوطنية الداخلية، وبناء النظام السياسي الفلسطيني الجديد. ويتجلى عدم القبول في الخطاب السياسي لكل من الحركتين، تشدد في الخطاب الموجه الى الداخل الفلسطيني، ومرونة عالية في الرسائل الموجهة الى أوروبا وأمريكا والعواصم الاقليمية الرئيسية في الشرق الأوسط، ومرد ذلك الى تقديرات خاصة، وعلى سبيل المثال فإن خطاب حماس محكوم الى تقدير حماس بان البيئة الاستراتيجية الجديدة التي أوجدها الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة وضعت حماس امام فرصة جدية للدخول في مؤسسات السلطة، وتعزيز مواقعها انطلاقاً من شعار "التنمية والاصلاح" في مواجهة عجز قيادة السلطة الفلسطينية والمؤسسات الفتحاوية عن مكافحة الفساد المستشري في كل اجهزة ومؤسسات السلطة، ومشاركة حماس في مؤسسات ووزارات السلطة غير السيادية سيفتح لاحقاً على فرض نفسها على يد قاعدة الاحتكار الآخر تحت شعار "الإسلام هو الحل" والخطاب الشمولي، لذلك والى ذلك الحين فإن الاستحقاقات السياسية التي تفرضها مشاركة حماس في السلطة يمكن ان تبقى مؤجلة الى حين توافر شروط النقلة النوعية الثانية التي تنتظرها حماس لفرض "شرعيتها الاسلامية" بديلاً عن "الشرعية الثورية" التي أوصلت فتح الى السلطة باستفرادها قبل ان تتآكل شرعيتها بفعل الفساد السياسي والمالي، وتحول فتح الى حزب شمولي حاكم، كما الحال في عديد البلدان العربية والعالم الإسلامي، بما يتناقض وبشكل جذري مع حقائق ومتطلبات الحالة الوطنية الفلسطينية التي مازالت تعيش مرحلة التحرر الوطني. وهذا بدوره يطرح سؤالاً آخر، ترى هل في المصلحة الوطنية توظيف الحراك السياسي واالاجتماعي الوطني العام على أبواب الانتخابات التشريعية لإعادة انتاج سياسة التفرد والاحتكار الانقسامي والإقصاء تحت يافطات وعناوين اخرى؟، واشاعة ثقافة الفساد تحت يافطات وشعارات "وطنية" ؟!.
إن مواجهة حالة التناحر الانقسامي، والشلل السياسي الثنائي، والصراع الاقصائي، وتوظيف المال السياسي، والسلاح، وما يحمله ذلك من مخاطر على القضية الوطنية الفلسطينية يتطلب وضع الانتخابات التشريعية الفلسطينية في حدودها، بما هي محطة على طريق إمَّا الاحتكار وإلغاء التعددية الديمقراطية، أو إعادة بناء نظام سياسي ديمقراطي برلماني جديد طال انتظار شعبنا له وأصبح استحقاقاً وطنياً عملاً بمبدأ "شركاء في الدم شركاء في القرار"، وتوحيد الحالة الفلسطينية، وتمليكها لبرنامج قواسم مشتركة موحد، واحترام الديمقراطية والتعددية، ورفض النزاعات والنزعات الانقسامية الاحتكارية السلطوية، وما يقابلها من اشاعة للفوضى والفلتان الامني والشلل وتعطيل العملية السياسية بالكامل، بينما التعددية والشراكة الديمقراطية وحدها تضمن حماية الانتفاضة وحق الشعب الفلسطيني في المقاومة المشروعة واستمرار النضال حتى انتزاع حقوقه الوطنية.
وقبل كل هذا وذاك فإن إشاعة الثقافة والتعددية الديمقراطية هي وحدها التي يمكن لها ان تمكن ابناء الشعب الفلسطيني من الاستمرار بالنضال والتمسك بحقوقهم وهويتهم، والعطاء، أما تحويل الانتخابات الى بازار للفساد فهذا سيؤدي الى المس بشعور الوطنية والانتماء والقيم، ويعزز سلطة العشائر والانتماءات الجهوية والقبلية، ومافيات الفساد السياسي، ويضعف مقاومة الشعب الفلسطيني، ويفتح الباب أمام تسويات تنتقص من حقوق الفلسطينيين، وكل من مارس افساد الانتخابات بالمال السياسي لن يكون براء منها.
واخيراً وليس آخراً ما سبق يظهر بجلاء المسؤولية التاريخية التي تعول على امكانية قيام تيار ثالث يلعب دوراً توازنياً في مواجهة الصراع التناحري الاقصائي المدمر، والسؤال هنا هل سيكون بمقدور القوى الديمقراطية لعب هذا الدور، وقد شكل الائتلاف الوطني الديمقراطي (الجبهة الديمقراطية، حزب الشعب، فدا، المستقلون) تياراً بارزاً ببرنامج ملموس وواقعي يتيح للقوى الديمقراطية (التقدمية والليبرالية) الأخرى الانخراط في هذا الطريق التوحيدي؟، هذا عامل الإنقاذ الوطني، ودعوة لجميع المؤمنين بالتعددية والديمقراطية للعمل من أجله، وهذا ممكن اذا ادرك العقل الجمعي الفلسطيني ان الوجود الفاعل لهذا التيار الديمقراطي بات ضرورة وطنية ملحة، أما التناحر الإقصائي الثنائي إلى مزيد من الانقسامات وهدر الزمن والطاقات، والطريق المجهول في أنفاق الظلمات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جمال نزال: وجود السلطة في غزة رهن بحل شامل يتضمن انسحاب إسرا


.. نهضة بركان يستقبل الزمالك في مهمة رد الاعتبار | #هجمة_مرتدة




.. جامعة سيول تضم صوتها للحراك الطلابي العالمي المتضامن مع فلسط


.. استشهاد رضيع وأمه جراء قصف إسرائيلي على منزل بمدينة غزة




.. مراسل الجزيرة: مستوطنون إسرائيليون يحرقون منزلا لعائلة الدوا