الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النص السياسي

محمد سيد رصاص

2006 / 1 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


تتحدد قيمة النص السياسي من خلال أربعة محدِّدات، إما من خلال الكل أو الجزء أو أحدها:
1 ـ منهج التحليل.
2 ـ المعلومات.
3 ـ وجود أفكار جديدة في النص، أو شرح جديد لأفكار قديمة.
4 ـ قدرة النص على الصمود أمام الوقائع اللاحقة (أو أن يكون تنبؤياً بها).
تختلف مناهج التحليل عند الكتّاب السياسيين من خلال نظرتهم إلى (السياسة): نجد، عند الذي يؤمن بأن السياسة مبنية على التوازنات والأفعال الموضوعية وعلى الممكنات وإدارتها، أن التحليل يقوم على (الوقائع) (التي تشكل الحقائق السياسية)، وعلى إثبات فكرته من خلال الوقائع والمعلومات، للوصول إلى خلاصة أو فكرة محددة، من دون إقحام ذاته في النص، ولو أن اتجاهه وميوله يكونان متخللين ومتضمنين من خلال (المنهج)، مع معرفة مرافقة بأن مصالحه وأهدافه السياسية لا يمكن تحققهما إلا عبر طريق ممكنات الوقائع وتوازناتها. فيما نجد أن من ينظر إلى السياسة من خلال "نظرة ثقافية" يقوم بإقحام منطق التجريد النظري في فعل السياسة الذي هو قائم علي الممارسة، وعلى علاقة معقدة للأخيرة على الأفكار، مما يجعله يقدّم نصاً لا توجد فيه معلومات أو وقائع لإثبات الفكرة أو لتركيب الأخيرة عبر بنية نصية، وإنما نصاً مليئاً بالأفكار التي تريد أن تثبت نفسها برهانياً عبر الفكرة بالفكرة، أو من خلال المنطق الصوري وبناءاته الذهنية التي لا تقوم على علاقة بالمحسوسات، وإنما بالذهنيات والمجردات. بينما نجد أن من ينظر إلى السياسة من رؤية أو منطق أخلاقي، أو عبر ثنائية (الخير ـ الشر) المانوية، يكون وعظياً، وناصحاً ومرشداً، من خلال نظرة إرادوية تجاه الوقائع السياسية (وبغض النظر عن كون التوازنات لصالحه أم لا، وغالباً ما يكون من يقوم بذلك في موقع المهزوم والعاجز والمغتصب، مع تحليلات رغبوية تقفز ولا تعترف بالوقائع المعاكسة لها، أو تميل إلى وضع إرادتها (غالباً على الورق وليس في الواقع الذي لا تسعى الى تعديله وتغيير ممكناته) مقابلها مما يجعل نصوص الحالة الأخيرة مليئة بكلمات (ينبغي) و(يجب) و(من الضروري أن...).
انتصرت النظرة الأولى للسياسة في العالم الحديث على النظرتين "الثقافية"، و"الأخلاقية"، وقد تجسد ذلك بتبني اليمين (الوضعية + البراغماتية) واليسار (الماركسية بفرعيها الشيوعي والاشتراكي ـ الديموقراطي) لها على صعيد الفكر السياسي بالعالم المتقدم، فيما في ميدان الممارسة لا يمكن للسياسي العملي أن يكون في المعسكر المقابل لذلك.
لم تنتصر، بعد، تلك النظرة في الفكر السياسي، أو في السياسة العربيين، وإنما ما زالت الرؤية "الأخلاقية" و"الثقافية" هما السائدتان في الكتابات السياسية العربية: من هنا امتلاء الأخيرة بتحليلات رغبوية لها علاقة بأيديولوجية وتمنيات وإرادة كاتبيها، وليس برؤية تحليلية للوقائع (حالات نادرة قليلة)، مما يجعل الذاتية الوعظية، أو الرغبوية ـ الارادوية، طاغيتين في صحن معظم النصوص السياسية العربية، وهو الشيء نفسه الذي يجعلها فقيرة بالمعلومات من خلال كونها تدير الظهر للوقائع، بينما نجد أن هناك أيديولوجية (أو تحيزات وميول فكرية ـ سياسية) عند صاحب النص السياسي العربي، إلا أنه يدير قلمه من خلال منهج تحليلي للوقائع السياسية تكون فيه مكانة الذات السياسية في وسطها (الوقائع) بمثابة ذات فاعلة وفق ممكنات موضوعية تجدها أمامها انطلاقاً من فهم محدد يعتبر السياسة "مملكة للأفعال الموضوعية" وليس للذاتية الارادية، وهو ما يترافق مع معرفة بالفلسفة والتاريخ، مما لا يستقيم فهم الحراك السياسي من دونهما ولا القبض لمعرفي عليه.
عبر عدم التعامل مع الوقائع لا يستطيع الكاتب تشكيل أفكار سياسية جديدة (وكذلك لا يمكن أن يتم تقديم الأفكار القديمة عبر ثوب جديد)، لأن الأولى هي المادة الخام لتشكل الثانية، لذلك يمكن أن نجد كتّاباً، سوّدوا آلاف الصفحات، ولم يقدموا بعد فكرة سياسية جديدة، أو قديمة بشكل جديد، ولا قدموا تحليلاً جديداً لموضوع سياسي "ما"، إضافة إلى كون كتاباتهم مفارقة للوقائع منذ لحظة ولادتها، مما يجعلها مثل "الخبز البائت" عند لحظة خروجها من الفرن، فكيف بعد ذلك أمام الوقائع اللاحقة؟...
كم يبقى من نصوصنا العربية إذا تم تطبيق تلك المقاييس الأربعة؟...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس