الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-إن الناس يصنعون تاريخهم بيدهم ، إنهم لا يصنعونه على هواهم-

محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)

2017 / 3 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


"إن الناس يصنعون تاريخهم بيدهم ، إنهم لا يصنعونه على هواهم" *

لو لم ينجح بورقيبة في إغتيال بن بوسف ، لما صدع رؤوسنا أمثال بسيس بزندقتهم السياسية (التبلعيط ) !!، هكذا قال أحدهم مازحا بمرارة على الوضع القميئ الذي نحياه منذ جانفي 2011 لا بل منذ عقود من الزمن قد تكون أربعا أو ثلاثا .
إن صاحبي ومثله كثر يمتعضون بصدق من إهدار إمكانية القضاء على إغتراب الانسان وتحريره من ربق الاستغلال والاستيلاب ويتألمون لضياع فرصة أي كانت قد تفتح المجال لمن هم تحت لكي يمسكو بتلابيب السلطة السياسية قصد تركيعها خدمة لمصالح الغالبية العضمى من أبناء الشعب الكادح وطبقته الثورية وهم صادقون في مطلبهم وصادقون في كرههم لبيادق النظام وقوادته الذين -للاسف- لا يمكن قتلهم فلا رأس لهم بل هم أذناب دائمة مسترسلة في الزمن ، كأنهم "أشباح" لا تطالها يد ، ولكن صديقي ورفقته من المقاتلين لا يكفون عن إستحضار "الاشباح" لمقارعة الاشباح ،لا يكفون عن إستحضار "الذيول" لمحاصرة الذيول ، إنهم يغفلون مقولة (اقطع الرأس تنشف العروق ) أو بالاحرى يخشون مواجهة الرأس والبحث عنه حتى .
فالتاريخ (للاسف ) وغصبا عن إرادتنا مجمعة لا يصنعه الافراد ولا تصنعه بطولات فردية مهما كانت -سالبة أو موجبة ،ثورية أو رجعية ...الخ - للسبب البسيط و التاريخي جدا في كون البشرية ليست مركز الكون وجوهر الحياة وكونها لا بداية ولا نهاية حتمية و محددة لها (الا في منطوق اللاهوت وهذا ليس مجال بحث هذه التدوينة ) ، بل هو نتاج مشترك وجماعي للفعل المشترك للبشر متحرك ، متفاعل ومتطور دوما بغير وجهة بعينها يتم ضبطها وتحديدها مسبقا ،وهو يتحرك في كل الاتجاهات الممكنة والمتاحة وفق موازين القوى الاجتماعية في لحظة تاريخية محددة ،ولا يمكن لأي كان التنبأ بمنتهى هذه الحركة الناجمة عن تبادل/تفاعل العلاقات بين البشر ،وهي العلاقات الاجتماعية التي يتبادلها الناس غصبا عن اراداتهم الفردية وفق تموقعهم الطبقي والدور التاريخي لكل منهم (بوصفهم ترسا/قطعة ذات دور محدد وحاجيات محددة ومضبوطة لتحقيق ذلك الدور ) في في إنتاج وسائل الحياة وإعادة إنتاجها دوريا وبشكل غير منقطع ،تستحوذ فيها طبقة مالكي وسائل الانتاج على النصيب الاكثر بينما يتم فرض الادنى ثم الادنى دوريا على من لا يملكون سوى قوة عملهم وحياتهم برمتها للمضاربة بها في سوق التبادل السلعي والمالي الطبقي سواءا كان إقطاعيا صرفا أو رأسماليا أو بين بين (مرحلة الانتقال ) ، وهم اصحاب الحقيقة الذين يستجيبون لمتطلبات فعل التأريخ وخصائصها التي يفترضها في "أبطاله" ،إن شأنا وطلبنا الانصاف ،بعيدا عن أطروحة أنصاف الآلهة (هرقل ) أو الاعجاز والتأليه الكاذب لشخص أو مجموعة أشخاص ... الخ ، الجموع و الجموع وحدها تتحرك وفق وجهة التاريخ ، الذي يطلب التماهي/التوحد مع الانسان ليكون هو ذاته ، ليكون منتهاه ، ليكون الانسان هو التاريخ وليصبح التاريخ إنسانيا لما يتوقف إغترابه .
كل البطولات زائفة ،لا بورقيبة ولا كل البورقيبيين ولا بن يوسف ولا كل اليوسفيين ، التاريخ يكتبه المنتصر غصبا ، ولكنه يمضي ، لا يتوقف عند حدود التزييف والبطولات المزيفة إنه يمضي رغما عن انف كتبته ،أنصاف الآلهة وحتى الالهة الذين يزيفونه ، وغصبا حتى عن الشياطين ومستحضري "الاشباح " . لا يمكن لأي متنبإ أن يقنعنا أنه لو كان بن يوسف عوض بورقيبة أو الامين باين عوض الاثنين !! لكان حالنا أفضل أو أسوء !!! أو أنه ربما لولا ديغول و اعاقات الجمهورية الفرنسية الرابعة !! لكان حالنا غير الحال !! .
إن كتبة التاريخ يتفانون في تزييفه وتخليق "الابطال" المناط بعهدتهم مهمة مقدسة هدفها إنهائه وإرجاعه الى الله خالقه ومسطره ،عند المؤمنين منهم هو المقدس الازلي ضابط الموازين ومحدد علاقات الاستغلال وديمومتها حتى نهاية الساعة ،وعند أصدقائهم هي قوانين السوق والاستقرار التي تضبط أنساق الاستغلال وعلاقاتها حتى نهاية التاريخ حيث الانسان الاخير السعيد بموته داخل علاقات القهر والاستبداد "الديمقراطي" .
بن يوسف كما بورقيبا مثلا مشروعا برجوازيا من حيث المنشأ والبنية مثلهما مثل الباي الاخير "الامين" لا لنذالة (خيانة ...الخ ) متأصلة فيهما ولكن لأن الواقع الاجتماعي والطبقي حينها في المستعمرات ومنها تونس لم يؤهل بعد الطبقة الثورية موضوعيا وتاريخيا لدخول مسرح الاحداث بشكل مستقل ،فالمجتمع التونسي (المغاربي عموما ) غلبت عليه الحرفية و الفلاحين (كبارا أغلبهم من الغزات المستوطنين ومتوسطين أغلبهم من محضيي الباي و العرب المستوطنين وفقرائهم من أهل البلاد ) ومن الحرفيين و متوسطي الفلاحين نتجت بواكير "الصفوة" طبقة البرجوازية ،أصحاب المال التي إنحدر منها كل من "الزعيم" الفائز و "الزعيم " المغدور ومن فقراء الفلاحين وباكورات "البروليتاريا" تجمع جيش المقاتلين المقاومين "الفلاقة" في معركة تحرير أحرار تونس من ربق الاستعباد المذل لأحرار فرنسا الذين يستعبدون عبيد فرنسا بدورهم ،بن يوسف بورقيبة ،ديغول ،وحتى الامين باي دفعهم التاريخ أن يتفقوا على أن يتشاركوا في إستعباد بقية أهل الحاضرة والبادية وأن يستنهض كل منهم ما في جعبته ليجعل منا أسلحة تصنع الاسلحة ،تمولها وتغذيها لنطلقها في ظهور بعضنا البعض حتى يستتب لاسيادهم الأمر ،وذاك مربط الفرس ورأس "الافعى" ، صراع بين شقوق من البرجوازية الصاعدة الفتية عندنا والمسيطرة الشائخة عندهم ،لقبر حلم الفلاحين في الانعتاق وتملك أرضهم وسيلة إنتاجهم الاساسية ، انتصر فيها "الامين باي" والارستقراطية من خلال بن يوسف ذو الاصول المالكة للأموال التجارية ضرفيا لصالح ملكية الارض الفلاحية بينما إنتصر فيها بورقيبة لصالح البرجوازية الصغيرة "التحديثية " المقبلة على تحرير الفلاح وتحويله الى عامل صناعي "بروليتاريا" تتماهى مع متطلبات التاريخ ومطالب "الميتروبوليتان الفرنسي" وكان أن إنتصرت فرنسا المقبلة على "الجمهورية الخامسة" الى الخيار التاريخي القائل بضرورة التحويل الرأسمالي لمستعمراتها (دول الاطراف ) ايذانا بدخول طور جديد للرأسمالية العالمية وإستجابة لحاجتها (أي الرأسمالية العالمية ) لجيوش من العمال الصناعيين الاحرار في بيع قوة عملهم والمتحررين من فكرة ملكية الارض (فلاحين ) والمتكنين من أدنى معرفي (علمي ) وسياسي وحضارب يمكنهم من استيعاب تسارع المكننة الصناعية من ناحية وإستهلاك منتجات السوق الاوربية الحديقة من الاخرى ،فكان إن إنتصرت فرنسا لشارل ديغول ضد كل فرنسا وأن إنتصر "ديغول" لبورقيبة ضد بن يوسف والامين باي ضد كل فرنسا ،وكان أن تمكن بورقيبة من الانتصار على الامين باي عبر بن يوسف وعلى بن يوسف عبر الفلاحين و الحرفيين قبل أن يستثمر بن يوسف "إتحاد الفلاحين " و"إتحاد الصناعة والتجارة " الذي إستمات في تأسيسه لهم .
إنه التاريخ يصنعه أبطال مجهولون كل يوم وهم في الحقول ،في ورشات الحرف وفي المصانع والموانئ بين بنادقهم والمطرقة والمنجل يموتون في حب الارض وبحبها ،يسير بهم ومعهم وبينهم غصبا وبكل تأدة وصلابة ،رغما عن سفه كاتبيه الذين يصنعون أبطالا وهميين في كلا الضفتين (معارضة وموالاة ) ليوهمونا بقدرة إعجازية وجبارة لهذا أو ذاك ليصنع ما يريد ،إستحضارا لأشباح من يريد .

---------------------------
(.... )
إن الناس يصنعون تاريخهم بيدهم؛ إنهم لا يصنعونه على هواهم. إنهم لا يصنعونه في ظروف يختارونها هم بأنفسهم بل في ظروف يواجهون بها وهي معطاة ومنقولة لهم مباشرة من الماضي. إن تقاليد جميع الأجيال الغابرة تجثم كالكابوس على أدمغة الأحياء. وعندما يبدو هؤلاء منشغلين فقط في تحويل أنفسهم والأشياء المحيطة بهم، في خلق شيء لم يكن له وجود من قبل، عند ذلك بالضبط، في فترات الأزمات الثورية كهذه على وجه التحديد، نراهم يلجئون في وجل وسحر إلى استحضار أرواح الماضي لتخدم مقاصدهم، ويستعيرون منها الأسماء والشعارات القتالية والأزياء لكي يمثلوا مسرحية جديدة على مسرح التاريخ العالمي في هذا الرداء التنكري الذي اكتسى بجلال القدم وفي هذه اللغة المستعارة. (... ) وعلى هذا النحو يعمد دائما المبتدئ الذي تعلم لغة جديدة إلى ترجمة هذه اللغة بالفكر إلى لغته الأصلية وهو يستعمل اللغة الجديدة. .
*كارل ماركس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام