الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دماء علي كرسي الخلافة - 1

علي مقلد

2017 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية



إن أية حرب حالية أو مستقبلية على الجماعات الإسلامية المتطرفة ، في أية بقعة من الأرض لن تجدي نفعا كبيرا في حال نجاحها ، ما لم يتم تفكيك البنية الفكرية المؤسسة لتنظيمات الإرهاب المتأسلم ، فالملاحقات الأمنية مجرد مسكنات لأعراض مرض مستوطن في جسد التاريخ الإسلامي ، ينشط هذا المرض اللعين كلما وجد بيئة خصبة وظروف مواتية ،كما أن الحديث عن دوافع سياسية واقتصادية أو اجتماعية ، أو ما يشاع عن وجود عمليات تآمر خارجية أو داخلية، وراء انتشار الإرهاب ، فهو حديث مراوغ ، يخرجنا من أصل المشكلة إلى فروعها وجزئياتها ، خاصة أن صفوف الإرهابيين تكتظ بشباب متعلم في أعرق الجامعات العالمية ،ورجال أعمال أغنياء ، ومن جنسيات وأعراق مختلفة ، وعدد كبير منهم نشأ في ظروف وبيئات سياسية واجتماعية تكاد تكون مثالية،لكنهم انخرطوا في جيوش الإرهاب ،وهم على أتم استعداد لبذل كل غال ونفيس ... إذن المشكلة أعمق من كل التحليلات التي ترجع الإرهاب للفقر والجهل والتخلف .



هنا تبرز الأسئلة المهمة، أين الخطأ ، ولماذا كلما قطعنا فرعا لشجرة الإرهاب ، نبت مكانه عشرات الفروع ؟ ،ولماذا انزلق مهندسون وأطباء وخبراء في الذرية والكيمياء والفيزياء والكمبيوتر وغيرهم في هوة الإرهاب ؟ أسئلة أخرى تدور في هذا الفلك، والإجابة من وجهة نظري ، تكمن في أننا لم نجرؤ أن نأخذ بزمام المبادرة ، ونعمل على تفكيك النصوص المؤسسة للإرهاب ،ولم نواجه تاريخنا بما يستحق من نقد ونقض ،خاصة أن ذيول الإرهاب والتطرف والرجعية المنتشرة في كل مؤسساتنا ،تمثل حائط صد أمام مبادرات تفكيك النصوص والأفكار الداعمة والمنشأة للإرهاب ، ولعل أهم فكرة يتمحور حولها الفكر الإرهابي ،هي قضية "الخلافة" فالطمع في السلطة أغرى الكثيرين منذ العصور الأولى للمسلمين في التقاتل وسفك الدماء الحرام واستباحة المقدسات وانتهاك الأعراض ،طمعا في السلطة ،من وراء أقنعة الدين ،وظلت تلك الجماعات تتقاتل وتفني بعضها بعضا ،وكلما خرجت طائفة من الصراع ،حلت أخرى واتخذت مسميات مختلفة وشعارات براقة ،لكن هدف الجميع كان إقامة "الخلافة" ،والجميع كان يزعم أنه يسعى لذلك من أجل إقامة حدود الدين ونشر العدل ومحاربة الفساد والذود عن حياض الدين منذ الفتنة الكبرى وحتى داعش والإخوان ومن هم على شاكلتهم ومن سوف يخرج من مسميات في المستقبل .



تقول غالبية أدبيات الجماعات المتأسلمة " إن الخلافة أصلٌ ، استقرت عليه قواعد الملة، وهي رئاسة تامة، وزعامة عامة، وخلافة للنبوة لحراسة الدين وإقامته، وحفظ الحوزة، وإقامة العدل، ورفع الظلم، والقضاء في الخصومات، وسياسة الرعية ورعاية شئونها، والقيام على مصالحها، وحمل الدعوة، وإقامة الميزان بالقسط، وسياسة الدنيا بتطبيق الشريعة، وإظهار شرائع الدين، وإقامة حدوده، والإئتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، والتزام أحكامه، وتطبيق أنظمة الإسلام السياسية في الحكم والقضاء والإدارة، والاقتصاد، والتعليم، والاجتماع، والعقوبات"... بيد أن المتأمل في التاريخ الإسلامي ، يرى أن الخلفاء منذ اندلاع الصراع على السلطة لم يفعلوا ما تزعمه هذه الأدبيات وأن كان بعضهم فعل خير فقد خالطه بأفعال سوء ،كما أن القارئ للتاريخ يعرف أن "كرسي الخلافة" تحول من رمز ديني إلى منصب دنيوي ، من أجله أريقت دماء الملايين من البشر طيلة الأربعة عشر قرنا الماضية ،واستحلت الحرمات وانتهكت الأعراض ، ولم تسلم حتى الكعبة ،ذاك الرمز الأكثر قدسية لدى المسلمين ،من فجر المتقاتلين على السلطة فرميت بالمنجنيق ،وهدمت أركانها ،ولم يأمن من لاذ بها، مثل الخليفة عبد الله بن الزبير ،فقتل وصلب على ما تبقى من جدرانها وقطعت رقبته بيد الحجاج بن يوسف الثقفي ، وأرسلت إلى عبد الملك بن مروان حيث مقر الخلافة الأموية في الشام ،وهذا مثال واحد من آلاف الأمثلة ،ورقبة واحدة من ألاف الرقاب التي قطعت والأجساد التي صلبت في هوجة الصراع على "كرسي الخلافة" ،ومن وصل لذلك الكرسي على بحار الدم، لن يفكر بالطبع في إقامة دين أو نشر عدل أو محاربة فساد إلا بما يخدم سلطانه وملكه وجبروته ،ولعل نظرة سريعة في تاريخ من يسمون بالخلفاء ،توضح لنا أن هؤلاء كانوا ملوكا وجبابرة وأباطرة ، لم يتركوا خطيئة إلا ارتكبوها ، لكنهم وجدوا بعض من الفقهاء والشعراء والمؤرخين المأجورين الذين سطروا ملاحم في فضلهم وكرمهم وعدالتهم وتناسوا عن قصد جرائم هؤلاء الخلفاء .



وجيلا بعد جيل تراكمت الأكاذيب المروجة لعدالة الخلفاء وأهمية الخلافة ،حتى صارت كأنها أصل الإسلام وركنه ،وسنام أمره ،مع أنه لا توجد نصوص صريحة قطعية الثبوت وقطعية الدلالة عن شكل الخلافة ولا طريقة اختيار الخليفة ،ولا مهامه الدينية والدنيوية ،ولعل غياب النص القطعي هو ما أوجد الحيرة لدى صحابة رسول الله ، منذ اللحظات الأولى لوفاة النبي عليه الصلاة والسلام ،وتنقل لنا كتب التاريخ ، الصراع الذي اندلع فجأة حول من الأحق بخلافة النبي ، هل المهاجرين أم الأنصار ؟ وإن كانت في المهاجرين فهل في الهاشميين خاصة أم في القرشيين عامة؟ ،وإن كانت في الأنصار فهل هي في الأوس أم في الخزرج؟ ، ولولا قوة وبأس عمر بن الخطاب ،وحكمة ومكانة أبو بكر ، وحالة الحب والود التي كانت لا تزال قائمة بين المسلمين الأوائل لتفرقوا من ساعتها ، لذلك كانت خلافة أبو بكر الصديق "فلتة وقى الله المسلمين شرها " كما قال عمر ،وأراح الصديق المسلمين بعد رحيله بالوصية لعمر بن الخطاب ، والذي أوصى بدوره لستة ليس فيهم أحد من الأنصار، بل ثلاثة من الهاشميين وثلاثة من الأمويين ولما خشي بن الخطاب أن يصطف كل ثلاثة في فريق فيتفرقوا ،أوصى بأن الغلبة عند تساوي الأصوات للفريق الذي فيه عبد الرحمن بن عوف ،فكان اختيار عثمان بن عفان ، بداية الشرر الكامن في النفوس ، حتى قتل في حادثة "يوم الدار" عندما خرج المسلمين على خليفتهم وقتلوه في عقر دار الخلافة ، وهو من هو في خدمة الدين ، وفي قربه من النبي ،ثم جاءت خلافة علي بن أبي طالب في وقت تفرق وفوضى وصراع مكتوم ، ظل يزداد يوما بعد يوم حتى قتل علي وهو في الصلاة ،لينهى اغتياله ، مرحلة مهمة في التاريخ الإسلامي ، وهي ما يعرف بالخلافة الراشدة ورغم مكانة الأربعة خلفاء الأوائل، إلا أن ثلاثة منهم تم اغتيالهم ، وما إن انتهى زمن تلك الخلافة ، حتى فتح من بعده باب القتل والصلب والحرق على مصراعيه ، وارتوت الأرض من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب بدماء المتصارعين على السلطة ، وفي كل مكان يظهر شخص، قل وزنه أو كبر يدعي أنه الخليفة ، ويستل سيفه لقتال منافسيه ويزج بالمقهورين في حرب هو وحده من يجني ثمارها ، من هنا ظهرت ميليشيات القتل والإرهاب التي عاثت فسادا في الأرض ، تحت رايات وشعارات براقة ،ظاهرها إقامة الدين وباطنها البحث عن السلطة وامتلاك السيادة والقوة والمال ،وتحولت الخلافة إلى ملك غضوض جائر ،وتحول بيت الخليفة إلى مرتع تمارس فيه كل الموبقات في الداخل ، في حين أن الخليفة ومناصريه يظهرون للناس على أنهم حماة الدين ،وأن حاكمهم خليفة الله في الأرض ،وانتشرت الفتن وطالت نيرانها العلماء والفقهاء والأدباء وعامة الناس ، لكن رغم كل المساوئ التي ارتكبت تحت راية الخلافة ، لا يزال البعض يزعم أن استعادتها هو ما ينقذ الأمة من ضياعها ويعيد إليها هيبتها،ويزيف الحقائق بذكر قشور التاريخ ، ليوهم الناس بأشياء لم تكن ،ووقائع لم تحدث أو حدثت في سياق معين ، ولأننا تعودنا على ثقافة السمع ، وأن نصدق من نثق فيه أو من استطاع أن يخدعنا ، وتغيب عن فضيلة تدقيق المعلومة والتأكد من مصداقيتها من مصادرها الأصلية ، لذلك تجد الغالبية العظمى يحلمون بعودة دولة الخلافة ، لكنهم لو يعلمون ما جرى من صراعات على ذلك الكرسي لأشمئزوا منها ،وتصدوا لمن دعا إليها ، لذلك يجب على المؤسسات الدينية ،إن كانت راغبة بحق في تجديد خطابها أن تعمد إلى قضية الخلافة وتكشف للناس الحقائق دون تزوير أو تزييف ، ليميز الله بهم الخبيث من الطيب ،وإلا فسكوتهم عن ذلك ، يمهد كل يوم الأرض بحسن نية أو سوء قصد ، لجماعات الإرهاب التي تدفع بشبابنا كل يوم إلى آتون حروب لا متناهية بحثا عن وهم معسول اسمه "عودة الخلافة".



من ناحيتي سأبدأ في نشر مقالات مقبلة في هذه الزاوية ،لسرد قصة الخلافة ،وكيف وصل كل خليفة إلى عرشه ،وكم الدماء التي أريقت من أجل أن يصل لملكه ، وكيف عاش وكيف حكم ،وحجم الفتن في الشارع والمؤامرات في بلاط الخلافة بين المتنافسين على السلطة والمال والنساء والغلمان ، سوف نقص الحكاية من بداية الفتنة الكبرى وحتى إسقاط الخلافة العثمانية عام 1924 بإعلان الجمهورية التركية من قبل مصطفى كمال أتاتورك... معتمدين على المصادر التاريخية التي تلقى قبولا لدى الغالبية ،حتى لا نتهم باجتزاء النصوص من سياقها ،ولن نتدخل الأحداث التاريخية ،ولن ننزل أحد من قدره ،ولن نرفع شأن من لا شأن له ... كل أملنا أن نفكك أهم فكرة يغتنمها الإرهاب في تجنيد الشباب وتجديد منابع الدم كلما هدأت واستكانت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير