الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشبابيك: عيون البيوت التي تكشف الشوارع

محمد أبو زيد

2006 / 1 / 21
الادب والفن


للشباك عند فتاة سمراءكقصيدة تطل منه ذكريات خاصة، تتذكرها الآن وهي تطل من شباك منزل زوجها إلى بائع الخضراوات في الشارع وتدلي له «السبت» قبل أن ترفعه مليئا بالخضراوات مرة أخرى، فعن طريقه عرفت لأول مرة الشارع، منه عرفت لأول مرة زوجها ـ ابن الجيران ـ وحوله تقافز قلبها فرحا بدقات الحب الأولى، ومنه تراقب الآن أولادها وهم يذهبون إلى مدارسهم، ومنه أيضا تنتظر عودتهم إليها.
الشبابيك هي عيون البيوت التي تطل على الشارع والتي تحرسها من الغبار والذباب، وهي التي يطل أصحاب البيوت منها على الشارع في الليالي الصيفية الحارة، وهي التي يغلقونها في الليالي الباردة، وهي التي إذا دخل الفقر من الباب قفز الحب منها، وهي المدخل الطبيعي للصوص، اسمها الشبابيك والنوافذ، والعيون التي تغلق ليلا لتنام وينام أصحابها.

أشهر النوافذ، نوافذ السجون، ونوافذ عربات السجن، تصبح بالنسبة للمساجين الرمز الوحيد للحرية، ويفضل الرسامون أن يرسموا يدين تقبض على قضبانها، حجمها مربع صغير، به قضبان متجاورة عالية، يتسلل الضوء في النهار منها، قافزا فوق أسوار القيد، وفي المساء ينسحب الضوء رويدا رويدا، مخلفا المساجين يتطلعون إلى النافذة الحديدية في أمل.

بالنسبة إلى الكثير من المساجين، فإن شباك عربة السجن، يظل هو الملاذ الأخير لهم، الباب الأخير الذي يفتح ناحية الحرية، أمام مديرية أمن القاهرة بباب الخلق، رأيت عيونا كثيرة تتقافز خلف الشباك الضيق، وأمهات خارج العربات يحاولن أن يقفزن من بين أيدي الجنود، لكي يعطين لأبنائهن هؤلاء القابعين داخل العربة الزرقاء المغلقة، بعض السجائر والساندوتشات، أكثر من يد كانت تمتد ناحية الشباك لترتفع بالساندوتشات ناحية العربة، لتلتقطها أصابع رفيعة من الداخل ممدودة في أحيان كثيرة بنقود أكثر من ثمن المشتريات، في شارع «درب سعادة» الكائن خلف المديرية، كان المحتجزون ينادون على أهلهم في الخارج، بينما الأهل ينادون عليهم بالتبادل، يطمئنونهم بأن المحامي سيقوم باللازم، يمكن تخيل الموقف بالداخل هكذا: رجلان يرفعان آخر، فيما عشرات الوجوه تتزاحم كل يريد أن يخاطب أهله، حاملين داخل أعماقهم امتنانا كبيرا للشباك.

الشباك ابن شرعي للمشربية، الذين ذهبوا إلى القاهرة الفاطمية يعرفونها، والذين صلوا في المساجد القديمة يتذكرونها، والذين قرأوا ثلاثية نجيب محفوظ، التي تدور في ثلاثينيات القرن الماضي تخيلوها جيدا.

سميت المشربية بذلك لأن بروزها كان يكثر هواءها، فتوضع فيها قلل الماء للشرب، وهي تصنع من خرط دقيق من الخشب، واسم المشربية مشتق من الأصل «يشرب»، ويطلق على النوافذ المصنوعة من الأعمدة الخشبية الرفيعة المتشابكة وتتقارب القطع الصغيرة الدقيقة التي تتكون منها المشربية، فلا يستطيع الجيران ولا المارة أن يروا ما بداخل البيت، لكنها تأذن في الوقت نفسه بمرور الضوء الخافت والهواء إلى الداخل، وفيها فتحات صغيرة يمكن فتحها أوقات الضرورة. مروة تحب الشباك بحكم العادة، ولأن الشبابيك أكثر ارتباطا بالنساء منها بالرجال، في مجتمع شرقي يرى أن مكان المرأة خلف الشباك، تطل منه إلى الشارع في انتظار عودة رجلها إليها، مروة لم تعرف بماذا تجيب عندما سألتها عن علاقتها بالشباك، الأمر بالنسبة إليها لا يحمل أي أبعاد فلسفية، الشباك كما قالت أحيانا يصبح منشرا جيدا، إذا لم يكف منشر البلكونة المجاورة، كما أنه بالنسبة إليها مدخل البيت الذي يجب أن تحافظ عليه فعن طريقه يستطيع الجيران الذين يسكنون البناية المقابلة أن يكشفوا ـ على حد تعبيرها ـ البيت وما فيه، ولذا فهي تحرص على إغلاقه، أو عدم الجلوس أمامه، عن طريقه أيضا عرفت زوجها، ابن الجيران السابق، عن طريقه سقطت أول وردة تحت قدميها، أول رسالة حب في ورق مفضض، أول «صباح الخير» بشكل مختلف.

الجيل الجديد لا يحب الأغاني القديمة، مثلها تلك التي تغني للشباك «شباك النبي، على باب الله، ولا فيش أجنبي، على باب الله، يا صبية الصبي، على باب الله» الجيل الجديد ـ حسبما ترى مروة ـ لا يحتاج إلى الشباك، لكي يدخل في قصة حب مع بنت الجيران، مفهوم بنت الجيران أصبح مختلفا، فالحياة الآن مفتوحة عن الماضي، ابنها طوال الليل يجلس على الانترنت ليعرف بنت جيران مختلفة، ويفتح نوافذ، ويغلق أخرى.

نوافذ الانترنت مختلفة تماما عن النوافذ الخشبية المسكينة، فنظام الـwindows يفتح نوافذ من نوع مختلف، ونوافذ الشات في مقاهي الانترنت وفي البيوت، تؤكد أن مفهوم النافذة أصبح مختلفا.

جاءت الشرفة بعد اختفاء المشربية، في إطار مرحلة التحرر، ففي حين كانت المشربية جزءا من حجاب المرأة، أصبحت النافذة جزءا من انفتاحها على العالم في الخارج، كما أن وقت الأصيل بالنسبة للكثير من الفتيات هو الوقت المناسب للاستراحة من عناء غسيل الأطباق أو المذاكرة هوالوقت المناسب للتطلع، وبالنسبة لبعض ربات البيوت يصبح هذا الوقت وهذه النافذة، هي المكان المناسب لتبادل أخبار الشارع، وأهم ما جرى من أنباء عائلية، وأحيانا يصبح غلق النافذة أو فتحها دليلا على التزام العائلة دينيا من عدمه، تماما مثل طريقة نشر الملابس من خلال مناشر الغسيل.

وتلعب النافذة لدى بعض الأسر في الأحياء لشعبية دور حجرة الخزين، حيث يتم تعليق الثوم والبصل فيها، كما تحرص بعض الأسر على تغطية النوافذ بالحديد درءا للصوص، أما أشهر النوافذ لدى المصريين، فهي نوافذ المصالح الحكومية، التي يطل من خلفها الموظفون، ويرددون عبارة «فوت علينا بكره يا سيد» أو «الشباك التالت شمال يا أستاذ»، وهي الشبابيك التي ينتظر المصريون خلفها طويلا انتظارا لقضاء حاجة، أو إنهاء أوراق حكومية أودفع إحدى الفواتير، وترتبط هذه النوافذ بالطوابير الكثيرة التي تتقاطر أمام المصالح الحكومية بلا نهاية.

النوافذ القديمة تختلف عن الحديثة، ففي حين تكاد تكون الحديثة، قطعة مصمتة من المبنى، وأحيانا تكون زجاجية، لا يمكن تمييزها، تتميز القديمة بذوق عال في التصميم، يمكن ملاحظة هذا في عمارات وسط القاهرة، كما أنها عالية بارتفاع البيوت، ويصل طولها أحيانا طول أحد الأبواب الجديدة.

النافذة هي التي ينفذ منها الضوء، وربما كان هذا سببا وجيها لتسميتها بهذا الاسم، والشرفة مأخوذة من الاشراف على الطريق أسفلها، والشبابيك هي التي غنى من أجلها محمد منير «شبابيك، الدنيا دي كلها شبابيك، دي عنيك، شبابيك»، أما المشربية فقد ذهب زمانها مخلفا ذكريات جميلة لدى من عاشوه، وشرفات، وعيونا على الشوارع كثيرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع