الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا صعد الإخوان ... سؤال أعمق من إجاباته الصاعدة !

هاني نسيره

2006 / 1 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


انشغل الراحل الجليل هشام شرابي بمعالجة الأبوية المحدثة التي هي نتاج هجين من الحداثة من جانب والنظام الأبوي الفكري والسياسي من جانب آخر . ا تنتصر الأبوية لقيم الذكورة والطاعة والكاريزما ومعها قيم الأمر والسمع والطاعة ، ولا تعرف السياسة إدارة للتنوع قدر ما هي إدارة للتوحيد والسيطرة والهيمنة الفوقية . تجسدت هذه الأبوية المحدثة – خاصة فيما يخص مسألة المرأة في الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة - رغم التقدم النسبي الذي حدث فيها قياسا بسابقاتها - وهو ما يمكن أن نرصده بعيدا عن التناول السجالي المسجون داخل " ماذا لو حكم الإخوان ؟ " ولماذا وكيف نجح الإخوان ؟ وكأن الإخوان فقط هم الإشكالية كلها وكفي ! ، وفي رأيي أنهم أكثر تطورا على مستوى الخطاب – الذي يظل التناقض كامنا فيه رغم تطوره – أو إدارة للجدل مع النخب أو مع الشارع والجماهير عن سواهم . مع زخم إسلامي بدأ منذ السبعينيات في القرن العشرين ولا زال مستمرا حتى الآن كما ان الثقافة السائدة لا زالت أقرب إليهم وبينما راهن الآخرون على الدولة والسلطة راهن الإخوان منذ مرحلة " دعاة لا قضاة " وانقلابهم على مفهوم الحاكمية على الشارع وعلى القواعد وعلى المجتمع المدني الذي يستطيعون أن يملأوه في ظل وجود مقومات التطوع لديهم بدرجة أكبر من غيرهم .هذا في ظل نخبوية الطرح العلماني والمدني في العالم العربي بعموم ربما باستثناء المغرب ولبنان ، وكون أغلب مشاريع نهضته مشاريع فوقية لا ترتبط بقواعد وحوامل اجتماعية في الغالب ، وهو ما ألجأ العديد من النخب – منذ ثمانينيات العقد الماضي - منجذبة للثقافة السائدة في صيغة توفيقية أو تراجعية – والوصف هنا ليس تقييميا – حتى صارت عندنا ظاهرة في الفكر العربي المعاصر عرفت بمفكري التخوم لم تنل حقها من الدرس بعد ! وهو وصف يعبرعن حالة الكثير من المثقفين الذين يرون في التراث ثورة أو يلتزمون حلا وسطا وتوفيقيا بين مرجعية العقل والنقل . فهناك أزمة في الفكر قبل أن تكون هناك أزمة عميقة في الدولة ، وكلاهما تقليدي وسلفي أو إذا شئنا الدقة كلاهما " أبوية محدثة " وليس الإخوان وحدهم ، وإن تميزوا بقدرة أكبر على التعبئة وتعاطيا أكثر استيعابا للمتغيرات والمواجهات ومناخ الأزمة الذي يحياه المواطن والوطن ، سواء فيما يطرحونه من حلول فكرية وسحرية للإصلاح تختزل في اللجوء للمطلق " والدين " ويرد الابتعاد عنه سببا لبقاء هذه الأزمة في الحس الديني السائد أو في غياب وضبابية المشروع النهضوي عند الآخرين .
مقولة النموذج وفسادها
غلب نقد الصعود الإخواني على أساس النموذج الذي يتمثله ، خاصة بعد تكرر تجارب الشمولية الدينية في السودان وأفغانستان والجزائر بشكل ما . وهو ما نرى أنه لا يصح الامتداد به في مواجهة " الإسلام السياسي في مصر " خاصة وأن النماذج غير الإسلاموية للدولة ليست بخير المنال وهي كائن متجسد مشاهد ، لم يستطع حتى اللحظة أن يحقق يوتوبياته ووعوده المواطنية والوطنية في التحرر أو التنمية أو المواطنة أو اوالشفافية فأزمة النموذج ليست فقط إسلاموية في إيران أو السودان أو الجزائر ، ولا الانتصار للجماعة الأم وصعودها الأخير بأنها قد تكون قريبة من النموذج التركي للعدالة والتنمية حيث يرفضه الإخوان في مصر ويتبرءون منه كعلمانية مؤمنة ملتحقة بالغرب لا ينتمون إليها , وليس أدل على أزمة النموذج العلماني للدولة في بلادنا من الاعتذارات والتصحيحات التي اعترفت بها عدد من الأنظمة في العقد الأخير من قبيل ديوان المظالم في المغرب أو الوفاق المدني في الجزائر أو تعقد الموقف أكثر في بلاد كسوريا ولبنان ، أو حدوث انتخابات حقيقية – بدرجة كبيرة – لأول مرة في مصر هذا العام منذ الاستقلال , وهو ما جعل تفسير البعض التصويت ضد الحزب الحاكم مثلا بأنه تصويت احتجاجي ناتج عن الارتباط المصمت بين الحكومة والحزب الذي يدعو الكثيرون لفكه بتخلي الرئيس مبارك عن رئاسة هذا الحزب الشائخ ! في ظل فساد كثير من المنتمين أو القريبين للنخب الحاكمة " كان آخرها سقوط واحد من أكبر القيادات الإعلامية وآخر مسئول عن أهم بنك للتتنمية والائتمان الزراعي " إن ترهل الدولة العربية – لغياب المؤسساتية عنها - وسيطرة الأفراد والمزاج الفردي على المؤسسات ومعهم الفساد في كثير من الأحيان ، جعل الثقة في الدولة ضئيلة كما أن علينا أن نعترف أن النموذج العلماني لم يستطع في كثير من الأحيان أن يصنع شحنا طهريا ونضاليا – رغم ترويجه منذ الستينيات لمفهوم الالتزام السارتري – وبعد أن كانت السياسة موقفا يقفه خالد محمد خالد أمام عبد الناصر في الستينيات ويقفه العقاد أمام الملك في آواخر العشرينيات ، صارت تورتة للمناصب والهبات وربما المنح الأجنبية ، مع تقديري للاستثناءات القليلة ، وبينما ظل المسجد أداة جذب انسحب الإعلام العربي المدني نحو السجال والاتهام والتشويه المستمر وعدم الاهتمام بالوعي المدني والحقوقي فضلا عن الانتماء إليه ، فصار جاذبا لمجتمع تقليدي بوعي تقليدي ، لا يعنيه سوى الكلام الكبير ، من هنا غابت النماذج العلمانية حكومات ونخبا بينما ظل العبق الديني التاريخي سائدا ومعه عبق حاضر في كل مناطق الصراع ، وتلامس حي مع الناس في الشارع ، بعيدا عن الفضائيات التي لا يخترقها من الإسلاميين سوى القليلين ! .
النخب العلمانية وهشاشة الوجود والطرح
كلما كان الطغيان كان الاعتزال السياسي طريقا ! من هنا نرى اعتزال العديد من النخب المثقفة للعمل السياسي الذي صار تصدره في أحيان كثيرة حكرا على البيروقراطيين والتقليديين ، وبينما ينشغل معظم المحللين العرب بالسياسة فهم لا يشتغلون بها ، بل يحتفظون بمسافة بينهم وبينها ، بينما يظل المثقف التقليدي والشيخ المستنير والبرجوازية المتدينة تمارس الاجتماع بهدف الوصول للسياسي بعيدا عن الطرح العلماني الغريب والمتهم عند العوام فالسطات الحاكمة في المؤسسات والأحزاب اغتالت طاقات من النشاطية السياسية في توجهها لتهميش أصحاب المواقف والقناعات لصالح أهل السمع والطاعة للأب الملهم المسيطر على الحكم أو على الحزب " مع كل احترامي لمن تم فصلهم في الأحزاب المدنية المصرية وليس منير فخري عبد النور وحده " كما أنتجته بشكل ما سلطة الثقافة السائدة التي لا زال العامل الديني يمثل رأسها ومركزها الوحيد . تسيطر الأبوية التقليدية والأبوية المحدثة على المشهد بعموم ، وصار جهد كثير من النخب المدنية ومنظماتها قاصرا على المراكز في العاصمة وقاعات الفنادق الكبيرة ، بينما الشارع وأزماته وثقافاته لا تعرف قبلة سوى للدين والمتحدثين باسمه الذين يملكون مقومات مجتمع مدني من التراث في شكل الصيغ التكافلية للصدقة والزكاة وكفالة الأيتام والفقراء . كما أن النخب العلمانية والمدنية تصلبت أطروحاتها عند شاشات الفضائيات سجالا مقيتا لا يحدث تطويرا أو تغييرا في رؤى طرفيه ، وهي أشبه بلغة المنافرة والمفاخرة القديمة التي عرفها العرب في سوق عكاظ ، حيث يلح كل من المتصارعين على تعرية الأخر وتبيين نقصه ومؤكدا على كرامة عنصره وقدم سؤدده فقط ، دون أن يرى عيوبه مهما ألح الآخر عليها أو على ضرورات يحتاجها . فعجز الأفراد كما المؤسسات عن إحداث نقلات نوعية في أفكارها أو ممارساتها أو جماهيريتها حتى الآن ! ليبقى الصعود للآخرين هو الطريق الطبيعي ، ربما أكثر مما تتصور النخب شبه المدنية وشبه العلمانية في مفهوم مشتبه للدولة كذلك !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر