الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اي داعش جديد سيحل محل داعش المحتضر في العراق ؟

بهاءالدين نوري

2017 / 3 / 30
مواضيع وابحاث سياسية



بعد 35 عاما من حكم التقتيل و التدمير لصدام حسين و بعد ثماني سنوات من حكم الاستبداد الطائفي لنوري المالكي وما اقترن به من توتير العلاقات بين مكونات المجتمع العراقي ومن اضعاف الروح الوطنية واثارة الفتن و الصدامات الطائفية ، الشيعية – السنية ، تمكن ارهابيو داعش بمنتهي السهولة ، في اواسط 2014 ، من غز و المدن و المناطق العربية السنية ( محافظات الموصل و الانبار و صلاح الدين و مناطق من محافظتي كركوك و ديالى ) حيث هرب جيش المالكي دون اطلاق رصاصة و رحب الكثيرون من الشباب السنة بمقدم الارهابيين حقدا على المالكي . و حصل الارهابيون على كميات خيالية من الاسلحة و التجهزات العسكرية المتقدمة ، التي كلفت خزينة الدولة مليارات الدولارات . ولو لم يتصد البيشمركة ضد الارهابيين لكانت كركوك و مناطق اخرى ضمن خلافة ابوبكر البغدادي . وبدلا من تنحي المالكي عن الحكم اعترافا بفشله الذريع في سياسته فأنه انغمر في نشاط مسعور لتمديد و لايته اربع سنوات اخرى و لتعميق اخطائه و مشاكل البلد ، الى أن بادر التحالف الوطني الشيعي ، ولو بعد خراب البصرة ، الى ازاحته عن السلطة ، ولكن من دون محاسبته على ماقام به من الحاق الاضرار بالعراق . وبدلا من ان يكون الآن في السجن عقابا على نهبه لأموال الدولة و مسؤوليته عن استيلاء داعش على مدينة الموصل ، فانه نائب لرئيس الجمهورية و لايزال سكرتيرا لحزب الدعوة .
ان الغزو الداعشي بتلك السهولة لم يكن فقط نتيجة لسياسة الستبداد الطائفي للمالكي ، بل كان كذلك ناتجا عن المساعي التآمرية لدول اجنبية و اوساط عراقية ، عربية – سنية و كردية . وجاء ذلك ردا طائفيا سنيا على النهج الطائفي للمالكي ، او حربا سرية طائفية بين الشيعة و السنة على صعيد المنطقة . و مما زاد الطين بلة ان رئيس الحكومة الجديد حيدر العبادي لم يستلم من سلفه فقط خزينة فارغة و منهوبة في بلد يسوده الخراب و يحتل الارهابيون مساحات شاسعة منه ، بل تفاجأ بهبوط اسعار النفط هبوطا حادا ، مماخلق له متاعب كبرى . وقد افلح العبادي في اجتياز الازمة المالية رغم اخفاقه في اتخاذ اي اجراء لاسترجاع المليارات المنهوبة و معاقبة اي من كبار الحرامية ، وافلح ، بدعم من التحالف الدولي ، في تهيأة مستلزمات القتال ، ولو ببطء ، ومقرونا بارتكاب اخطاء – وابرزها القبول بالميليشيات الطائفية التي اسسها سلفه المالكي ، والتي لايجمعها جامع مع الانضباط العسكري ولامع القانون والديمقراطية .
بدأت حكومة العبادي ، المدعومة من التحالف الدولي ، القتال ضد الدواعش واحرزت انتصارات كبيرة و باهضة الثمن من الارواح و الممتكلات . وكانت حصة اليزيديين الكرد من الآلام و الويلات هي الاكبر . واذا كان المالكي هو المسؤول الأول عن هذه الكارثة على صعيد العراق فان البارتي ( ح . د . ك ) هو المسؤول الاول على صعيد الاقليم لأن قواته ( البيشمركة ) انسحبت من خطوط القتال دون اطلاق رصاصة عند هجوم الدواعش و تركت اليزيديين تحت رحمة الارهابيين . ولم يقترن هذا الفشل ضد داعش بأي عقاب للمسؤولين عن تلك الهزيمة ولا بأي اعتذار لليزيديين و للشعب في الاقليم و العراق .
ان هزيمة داعش عسكريا على ارض العراق اصبحت قريبة . والسؤال المطروح الآن : وماذا بعد داعش و هل سينعم العراقيون بالأمن و الاستقرار ، أم سيختفي مشهد ليعقبه مشهد مأسوي مشابه ؟
تجب الاشارة اولا الى ان تأسيس حركة طالبان و القاعدة قصة معروفة لدى الجميع . فهي كانت من صنع الادارة الامريكية بمساعدة دولتي السعودية و باكستان ، حيث دعموا حركة طالبان ، التي كان يستحيل عليها ان تستولي على افغانستان دون ذلك الدعم ، ونقلوا الى هناك رجل الدين السعودي اسامة بنلادن و شجعوا الشباب الاسلاميين من شتى البلدان العربية و غيرها ، زاعمين انهم سينجحون ليس فقط لطرد الجيش السوفيتي واسقاط النظام الافغاني اليساري ، بل كذلك لاقامة نظام موال لهم . لكن التطورات اللاحقة دحضت توقعاتهم ولم يلبث ان انقلبت الآية و وقع الامريكيون في البئر التي حفروها للسوفيت .
وافاد العقيد التركي ، احمد ، الهارب من اردوغان و اللاجئ الآن في احدى البلدان الاوروبية ، ان لديه مستمسكات لاثبات ان حركة داعش شكلت من قبل اردوغان و السعودية واحدى الشركات الامريكية الكبرى . واذا صح ما اورده هذا العقيد فان من غير المستغرب ان يغيب داعش في العراق و يظهر تنظيم جديد ولو باسم آخر ولكن لنفس الغرض .
يروي لنا التأريخ قصص العنف قبل داعش بقرون ، منذ عهد الملك البابلي نبو خذ نصر ومرورا بقتل خليفة المسلمين علي ابن ابي طالب و حفيد النبي حسين بن علي ، وبطش حجاج الثقفي . وفي السنة الثالثة من مجئ المستعمرين الانكليز جوبهوا ببنادق الثوار وارغموا على التنازل . وشهدت بلاد الرافدين عشرات الانتفاضات في اقل من اربعين عاما حتى توجت بثورة 14 تموز 1958 ، حيث قتل الملك و الوصي و كبير اعوان الاستعمار نوري السعيد وطرد الاستعمار البريطاني . وفي شباط 1963 قام حزب البعث الفاشي بانقلاب مدعوم من لندن و واشنطن ، فقتل عبد الكريم قاسم و الضباط المقربون منه و قتل تحت التعذيب أو بالرصاص ألوف الشيوعيين و الديمقراطيين . وفي الانقلاب البعثي الثاني ، المدعوم ايضا من واشنطن و لندن ، اتى الجلاد المعروف صدام حسين ليحكم 35 عاما كداعش كبير ضد شعوب العراق وايران و الكويت . وفي سني مابعد سقوط صدام يعرف الجميع ماحدث من تقتيل و تدمير على ايدي فلول البعث و الميلشيات الشيعية – السنية الطائفية ، ومن ثم على ايدي ارهابيي الدواعش . ذكرت ماسبق لأقول ان ثقافة العنف ترسخت في العراق عبر آلاف السنين ولاتمكن ازالتها بجرة قلم ، بل يستغرق ذلك وقتا و يتطلب التخطيط و الاجراءات المتنوعة فكريا و سياسيا و قضائيا .
ان ضعف العراق بسبب سياسة صدام حسين سابقا ، من جهة ، والاخطاء الجسيمة لحكامه الحاليين عربا و كردا ، من جهة اخرى ، أغرى جيرانه ، خاصة في انقرة و طهران و الرياض ، على التدخل في شؤونه الداخلية ، كل يحاول انتزاع حصة اكبر من مواضع الاقدام لنفسه . وللدول الكبرى في الغرب و الشرق حضور على الخط ، خصوصا منذ أن تجددت الحرب الباردة . فالرياض مع واشنطن و طهران مع موسكو و انقرة تحاول اللعب على حبلين ، لافي الساحة العراقية و حدها ، بل في بلدان الشرق الاوسط كلها .
في ظروف من تواجد و تنافس تلك الدول القوية الباحثة عن اي سبيل للتدخل و لتحقيق اطماعها و طموحاتها ، واستعدادها لانفاق المال بسخاء من اجل مبتغاها ، وفي ظروف الضعف البالغ للعراق ووجود صراعات متفاقمة ، طائفية و قومية ، بين مكوناته ، يكون من غير الممكن أن يسود الأمن و الاستقرار ربوع هذه البلاد اذا استمر نظام الحكم في بغداد وفي اربيل على نفس النمط الذي وجد عليه قبل اليوم ، يمكن القضاء على داعش خلال فترة محددة ، باستخدام السلاح و الجيش ، ولكن افكار داعش باقية في اذهان و أدمغة فئات من ابناء العراق و شتى الدول الاسلامية . بل تنتعش هذه الافكار باطراد مع تزايد التعقيدات و المشاكل السياسية – الاجتماعية ، واعتماد اساليب الحكم البوليسي المقرون بالفساد المستمر ، بدلا من اشاعة الحكم الديمقراطي . قبل ان ينتهي القتال في الموصل تظهر علائم التحضير لاثارة فتن ومشاكل جديدة في العراق ! من منا لم يسمع عن الاجتماع الطائفي – السني – مؤخرا في استنبول برعاية أردوغان و السعودية و دول اخرى و بمشاركة اقطاب من الطائفة السنية في العراق ؟ اليس من المتوقع أن يعقد اجتماع مواز في طهران ايضا ، علنيا كان ام سريا ؟
ان الطريق المؤدي الى حل هذه المشاكل و الاضطرابات يمر عبر التخلص من الاسباب المؤدية اليها ، وهي الملخصة أدناه :
1- وجود نظام سياسي – اجتماعي فاسد قائم على مبدأ احتكار السلطة و رفض تداولها ، و تجاهل التقدم العلمي – التكنيكي المعاصر و ( العولمة ) ، بل رفض حرية الفكر و النشر و حرية الاضراب و التظاهر و التنظيم و اللجوء الى اساليب القمع البوليسي ضد المعارضين ... الخ . فالسمة المميزة لنظام الحكم القائم في العراق ، و بالأخص في منطقة ادارة البارزاني ، هي العداء للديمقراطية مقرونا بالفساد المالي الواسع . وليس من الصدف ان اقطاب الحزبين الحاكمين البارتي و أوك يحكمون الاقليم منذ 26 عاما و يقلدون امثال حسني مبارك و زين العابدين بنعلي .
2- الفساد العام المالي و السياسي في الحكم في كل العراق و اخفاء فايل النفط في الاقليم عن الشعب ، بل عن البرلمان ووزارة المالية الاقليمية ، مما سبب قطع رواتب موظفي الاقليم أو دفع جزء من الرواتب خلال السنوات الثلاث المنصرمة ، في حين يملك اقطاب الحكم شركات بعشرات مليارات الدولارات ، ويقترن ذلك بالفقر و البطالة الواسعة و تسكع خريجي الجامعات في البيوت و المقاهي .
3- التدخل الخارجي الواسع ، خصوصا من قبل الدول الكبيرة المجاورة . ومما يفاقم المشكلة ان معظم الحاكمين على الصعيدين العراقي و الاقليمي يقبلون هذا التدخل لأنهم يشعرون بالضعف ازاء المعارضين لهم و يبحثون لدى المتدخلين الاقوى عن مصدر قوة لانفسهم . تستند السعودية على واشنطن و طهران على موسكو فيما يحاول اردوغان اليوم ان يلعب على حبلين ، وقد ينتهي به المطاف الى ما لا ينتظره و لايسره .
4- التخلف الاجتماعي في العراق ، شأن بلدان اخرى في المنطقة ، وفر تربة خصبة لنمو الافكار المتطرفة بين الشباب قليلي الوعي و الساخطين على الفوارق الطبقية الكبرى ، المخدوعين بدعايات الاسلام السياسي المتطرف ، الذي يبشرهم بأن الذي يموت في عملية تفجير انتحارية ضد اعداء الاسلام يدخل فورا قصره في الجنة ليحيا حياة خالدة بين الحور و الغلمان . فهل من مشكلة في ان ينتحر اذا كانت النتيجة هي الوصول الى حياة خالدة وسعيدة ؟
5- الفيدرالية للسنة . في العالم دول فيدرالية كثيرة ، ومنها ما ليست فيها تعددية قومية أو دينية أو طائفية ، بل لمجرد اعتبارات تأريخيه أو اقتصادية – كالامارات العربية المتحدة و المانيا . وفي العراق ، ورغم التعدد القومي و الطائفي ، رفض نوري المالكي طلب السنة العرب باقامة فيدرالية لهم بذريعة ان ذلك معناه الانفصال . وأرجو ألا يكرر العبادي نفس الخطأ . وحبذا لو اصدر التشريع لهذه الفيدرالية منذ 2014 مع تأجيل تنفيذه لما بعد طرد داعش . ويجب ان تشمل الفيدرالية المناطق الشيعية ان هي ارادت . وبدون ذلك يتعقد الوضع و تحتدم المشاكل في العراق و تصل الى حد المصادمات الدموية .
6- مشكلة المناطق المتنازع عليها في كردستان . الدستور ( المادة 140 ) وضع حلا ديمقراطيا لهذه المشكلة عن طريق استفتاء حر نزيه باشراف un والمجتمع الدولي ، والطرف العربي تهرب من هذا الاستفتاء طوال 12 سنة المنصرمة . وحكام الاقليم الكردي ارتكبوا خطأ جسيما باهمالهم هذه المشكلة . وهي المشكلة رقم ( 1 ) بالنسبة للعلاقات العربية – الكردية في العراق . الحديث عن انفصال الاقليم عن العراق في الظروف الراهنة كلام فارغ يقال لغرض المزايدة السياسية و ليس لغرض التنفيذ . والمشكلة في العراق اليوم هي مشكلة المناطق المتنازع عليها ، وهي المشكلة التي يمكن أن تتحول الى كارثة كبرى من المصدامات الدموية ان لم يحقق لها حل ديمقراطي سلمي وفق الدستور . الحل المشار اليه هو الطريق المجرب لتعزيز الثقة المتبادلة و التأخي القومي .
في الختام الخص العلاج الأساسي في جملة : اشيعوا الديمقراطية و الشفافية ، وستجدون عراقا جديدا قويا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هكذا دخلت شرطة نيويورك قاعة هاميلتون بجامعة كولومبيا حيث يت


.. وزير الدفاع الأمريكي يقول إن واشنطن ستعارض اقتحام رفح دون خط




.. وقفات احتجاجية في جامعات الكويت للتضامن مع غزة


.. وزير الخارجية الأمريكي: إسرائيل قدمت مقترحات قوية والكرة الآ




.. الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد قال إنها لتجهيز فرقتين للقتال في