الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المانيا وسياسة الباب المفتوح للاجئ السوري

عيسى محارب العجارمة

2017 / 3 / 31
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ألمانيا... وسياسة الباب المفتوح بوجه اللاجئ السوري


ولا تنكر ألمانيا أن لها قوات على الحدود التركية- السورية، ولكنها لا تستخدمها في تنفيذ أية ضربات عسكرية. كل ما تقوم به هو إرسال طائرات مقاتلة للاستطلاع، وأخرى لتزويد طائراتالحلفاءبالوقود فقط. هذا الدعم جاء بناء على طلب الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند الرئيس الفرنسي من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وذلك بعد اعتداءات باريس في نوفمبر 2015. جاء ذلك بعد موافقة البرلمان الألماني. وهكذا، فإن ضغوط الحلفاء مثلت عاملًا مهمًا في تحديد شكل السياسة الخارجية الألمانية تجاه المسألة السورية.

وبالنظر إلى خصوصية السياسة الألمانية تجاه الصراع السوري، وخصوصية النموذج الألماني في التعامل مع أزمة اللاجئين السوريين، سواء داخل ألمانيا أو في مناطق تواجد اللاجئين السوريين خارج الأراضي الألمانية، الأمر الذي أدى إلى تحول ألمانيا إلى "حلم" اللاجئ السوري، تأتي أهمية دراسة السياسة الألمانية تجاه أزمة اللاجئين السوريين. وتزداد أهمية هذا الدراسة بالنظر إلى التحديات المهمة التي باتت تواجه استمرار هذه السياسية في المرحلة المقبلة.

أولًا: السياسة الخارجية الألمانية تجاه أزمة اللاجئين السوريين

لم يشهد العالم منذ الحرب العالمية الثانية أزمة للاجئين مثل تلك الأزمة أزمة اللاجئين السوريين الحالية. وقد قامت ألمانيا بدور مهم في هذا المجال، على عدة مستويات. المستوى الأول هو الدور التوعوي، من خلال الدور الذى تقوم به الوزارة الاتحادية للشئون الخارجية في توعية طالبي اللجوء بظروف الاستقبال والإقامة داخل ألمانيا، وتحذيرهم من مخاطر تعرضهم للهجرة غير الشرعية. وتتم هذه العملية بشكل خاص داخل بلدان المغادرة.

بالإضافة لذلك لم يتوقف دعم ألمانيا عند الحدود الألمانية أو الأوروبية بل يشمل سوريا و الدول المجاورة لها. على مستوى سوريا، نجحت الحكومة الألمانية في تسليم سيارات الإسعاف والمستلزمات الطبية لمدينة حلب، كما عملت على استعادة البنية التحتية الحيوية المدمرة، كتمكين توصيل المياه والكهرباء للسوريين. وقد ساعدت هذه الجهود الرامية إلى تحسين الظروف المعيشية لما يقرب من 300000 شخص، كانوا محرومين تمامًا من الحصول على الخدمات الأساسية. وقد بلغ حجم المساعدات التي قدمتها ألمانيا منذ بداية الصراع السوري، أى منذ عام 2012، أكثر من مليار يورو، وهو ما يجعل ألمانيا ثالث أكبر مانح في مجال المساعدات الإنسانية المرتبطة بالصراع السوري.

وعلى مستوى دول الجوار (تركيا والأردن ولبنان)؛ قام الصندوق التابع للوزارة الاتحادية للشئون الخارجية بتوفير مستلزمات لأكثرمن 100000 لاجئ سوري في تركيا. هناك أيضًا مكتب تابع للوزارة على الحدود التركية-السورية منذ عام 2013، يسهم في توفير احتياجات السكان السوريين في مناطق المعارضة السورية، فضلًا عن جهود الصليب الأحمر الألماني (DRK) في هذا المجال. وبفضل دعم ألمانيا للاجئين السوريين داخل لبنان، أمكن توفير خدمات الإسعاف والرعاية الطبية والمستلزمات الغذائية الأولية والمساعدات الشتوية لأكثر من 65000 شخص من اللاجئين السوريين واللبنانيين الذين يعانون من ظروف صعبة. الأمر ذاته فيما يتعلق باللاجئين السوريين على الحدود السورية- الأردنية.

كذلك تعمل الحكومة الألمانية على مكافحة الأسباب التى أدت إلى النزوح أو الهجرة الجماعية؛ فعلى المستوى الأوروبي تدعو ألمانيا إلى إدارة أزمة اللاجئين عن طريق تعزيز دورها في المنظمات الدولية التي تتعامل مع أزمة اللاجئين مثل مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين (UNHCR)، وبرنامج الأغذية العالمي. وبالإضافة إلى هذه الجهود تقوم ألمانيا بتنفيذ عدد من المشروعات على الأراضي السورية بهدف خلق فرص البقاء والتمهيد لمرحلة إعادة التعمير المتوقعة بعد تسوية الصراع، بهدف تسريع عملية عودة اللاجئين.

ثانيًا: نحو تفسير للسياسة الألمانية تجاه أزمة اللاجئين السوريين

في عام 2015 مثلت ألمانيا الوجهة الأولى للاجئين. ويرجع ذلك إلى قيام المكتب الاتحادي الألماني للهجرة واللاجئين BAMFبتعليق العمل باتفاقية دبلن فيما يخص المواطنين السوريين، ما أدى إلى قبول السوريين الذين خالفوا الاتفاقية، وإلغاء أوامر عودة السوريين الذين بصموا في دول أخرى وعودتهم إلى هذه الدول. وفى العام ذاته أكدت ميركل أن بلادها تستوعب حجم كبير من اللاجئين بدون أي زيادة للضرائب.

ومن يراقب المشهد جيدًا يلاحظ أن الحكومة الألمانية تعطي امتيازات للاجئ السوري أكثر من اللاجئين من الجنسيات الأخرى؛ فنجدها مثلا تعفي اللاجئ السوري من الإجراءات البيروقراطية المتمثلة في تقديم المستندات المطلوبة للحصول على وضع "لاجئ" أو الوضع تحت "الحماية الدولية". ويلاحظ أيضًا أن ألمانيا لا تستخدم صفة "لاجئ" في معاملاتها مع اللاجئين السوريين، تجنبًا للتمييز الذي يعد جريمة يعاقب عليها القانون. ويشار في وثائقهم أنهم يتمتعون بـ"الحماية الدولية" بموجب المادتين 25، 26 من قانون إجراءات الإقامة، ويكتب على وثائق سفرهم أنها منحت بناء على أحكام اتفاقية جنيف لعام 1959.

لقد كان لهذه الإجراءات تأثير كبير في تحول ألمانيا إلى وجهة أساسية للاجئين السوريين. لكن تظل هناك حاجة لتفسير السياسة الألمانية لتسهيل نفاذ اللاجئين إليها واستيعابهم على هذا النحو، وتحسين ظروفهم في مناطق تركزهم، سواء داخل سوريا أو دول الجوار. وواقع الأمر هناك أكثر من رأي في هذا المجال. هناك رأي يرى أن ميركل ترى في أزمة اللاجئين فرصة جيدة للتأكيد على دور ألماني أكبر على الساحة الدولية. هناك رأي آخر يرى أن هذه السياسة مدفوعة برغبة في تحسين صورة ألمانيا، من خلال تقديم نموذج للانفتاح والتسامح مع الآخر، وذلك على العكس من دول أوروبية أخرى تبنت سياسة أكثر تشددًا، مثل إيطاليا واليونان .

هناك تفسير ثالث هو التفسير الاقتصادي؛ يستند على حاجة ألمانيا لضخ دماء جديدة في ظل ما يعانيه المجتمع من مظاهر شيخوخة[ . فهناك تقارير تؤكد أن الدولة الألمانية بحاجة في السنوات المقبلة إلى 1.5 مليون من الأيدي العاملة للمحافظة على قوة اقتصادها الذى يعد الاقتصاد الأقوى في أوروبا. هناك أيضًا بعض التقارير التي تفيد بأن عدد سكان ألمانيا الذي بلغ 80.8 مليون نسمة في عام 2013 قد يكون مرشحًا للانخفاض في عام 2020 إلى 67.6 مليون نسمة. التقارير ذاتها أوضحت أن عدد الأطفال الصغار الذين يدخلون المدارس انخفض بنسبة 10% خلال 10 سنوات، إذ يلتحق بالمدارس 800 ألف طفل سنويًّا، بينما يحال إلى التقاعد 850 ألف شخص سنويًّا.

ويطرح البعض هنا سؤالًا مهمًا، هو: إذا كان الدافع هو رغبة ألمانيا في استقطاب أيدٍ عاملة، فلماذا لا تفتح باب الهجرة أمام أصحاب المؤهلات والخبرات؟ يجادل البعض هنا بأن القوانين الألمانية ليست مشجعة للمهاجر صاحب المؤهل؛ فهي تمنح المهاجر ما يعرف بـ"الكارت الأزرق" BLUE CARD المحدد المدة، حيث تستمر صلاحيته لمدة عامين قابل للتجديد، وذلك على العكس من نظيره الذي يمنح للمهاجر إلى الولايات المتحدة Green Card غير محدد السقف الزمني. ويعيبه أيضًا أنه في حالة استغناء صاحب العمل عن المهاجر فإنه يصبح مهددًا بالمغادرة إذا لم يجد عملًا آخر في وقت سريع. من المؤكد أن ألمانيا تحتاج لزيادة عدد سكانها ولكن من طبقة العمال وليس من أصحاب الخبرة من المهاجرين، حيث تحتفظ بأغلب المناصب ذات المؤهلات للمواطن الألماني أو للمواطن الأوروبي.

الإجراءات الألمانية في معاملة اللاجئ منذ وصوله الحدود الألمانية

بمجرد وصول اللاجئ إلى ألمانيا، سواء عن طريق الدول المجاورة عن طريق المطار أو القطار، فإنه يقوم بتقديم طلب اللجوء في المطار أو في مراكز خاصة باللجوء، وحينها يتم التحقيق معه. بعد التحقيق معه يتم تحويله إلى مركز اللجوء التابع للمدينة أو مركز اللجوء التابع للمطار في حالة وصوله إلى ألمانيا عن طريق المطار، وذلك انتظارًا لمرحلة فرز اللاجئين. ومنذ اللحظة الأولى لطلب اللجوء يصرف لطالب اللجوء معونة شهرية قدرها 140 يورو، بالإضافة إلى مستلزمات النظافة الشخصية ووجبات الطعام.
هذه المراكز هي عبارة عن مراكز مؤقتة لا تستمر الإقامة فيها أكثر من أيام معدودة. وخلال هذه الفترة تحدث عملية فرز للاجئين وإعادة توزيعهم على معسكرات أخرى داخل نفس الولاية أو في ولايات أخرى حسب الكثافة القائمة، حيث يظلون في هذه المعسكرات حتى موعد المحكمة. وفي المعسكرات تجري عمليات الفحص الطبي على طالبي اللجوء، ويستمر تقديم المعونة المالية بذات القيمة، كما يتسلم طالب اللجوء بطاقة شخصية مؤقتة.
وأثناء العرض على المحكمة يرافق اللاجئ مترجم فوري ليقوم بشرح الأسباب التي دفعت باللاجئ إلى المجيء إلى ألمانيا. ولكي يحصل اللاجئ على حق الإقامة يجب عليه أن يثبت للقاضي عن طريق إجاباته أن حياته معرضة للخطر. وتختلف الفترة اللازمة لرد المحكمة والحصول على حق الإقامة من شخص لآخر، فقد يحصل البعض عليها خلال أسبوع وقد تطول أحيانًا لأشهر.
بعد الحصول على حق الإقامة يتم تحديد موعد مع دائرة الأجانب للحصول على جواز سفر. وبعد الحصول على الإقامة يستطيع اللاجئ البدء بإجراءات "لم الشمل" إذا كان متزوجًا، حيث يحق له جلب زوجته وأولاده تحت عمر 18 سنة (هناك بعض التغيرات التي طرأت على تلك السياسة سيتم تناولها لاحقًا). أما من هم فوق ١٨ عامًا والوالدين فهم غير مشمولين بذلك الحق. وفي حالة رغبة اللاجئ في جلب الوالدين أو الأخوة والأخوات يصبح أمامه بديلان. الأول، هو محاولة الاستفادة من قوانين لم الشمل التي تصدرها الحكومة الألمانية بين فترة وأخرى، حيث يتم تقديم الطلبات في دائرة شئون الأجانب، ثم تقوم الدولة باختيار عدد محدد منهم. البديل الثاني، هو العمل أو الكفيل، فالأول يعني أن يكون اللاجئ مستقلًا عن الدولة بحيث لا يحصل منها على أي مساعدات على الإطلاق. وفي حالة عدم القدرة على التأقلم مع هذا البديل يصبح عليه البحث عن كفيل تتحقق فيه هذه الشروط.
وبمجرد حصول طالب اللجوء على حق الإقامة يجب عليه التسجيل في "مركز العمل" JOB-CENTER التابع للمدينة التي يسكن بها لضمان حصوله على معونته الشهرية. ويتطلب هذا التسجيل الأوراق التالية: الإقامة، ورقة من البلدية موضحًا بها عنوان إقامته وحسابه البنكي والتأمين الصحي، وخطاب من مكتب العمل يثبت أنه لا يعمل.
وبعد التسجيل يبدأ اللاجئ في البحث عن مسكن، ويبدأ دراسة اللغة الألمانية، وبدورها تتكفل الدولة بتكاليف دراسة اللغة حتى مستوى B-1، وهو إجباري على كل اللاجئين. وبعد إتمام عملية التسجيل يتولى "مكتب العمل" متابعة اللاجئ للوقوف على تمكنه من الحصول على فرصة عمل من عدمه، ففي حالة الحصول على فرصة عمل يتم وقف المعونة الشهرية المقدمة له ولزوجته ووقف دفع إيجار السكن، وذلك في حالة كفاية المرتب. أما في حالة عدم كفاية المرتب فيتم تقديم معونة جزئية. أما الأبناء فيظلون يحصلون على المعونة حتى إذا حصل والدهم على عمل.
وتجدر الإشارة هنا أن طلبات لجوء السوريين القادمين عبر مفوضية اللاجئين تعد مقبولة من البداية، ولا يحتاجون إلى استجوابات أو دراسة أمنية؛ لأن هذه الإجراءات تكون قد تمت عند اختيارهم من بين مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في دول الحدود مع سوريا كلبنان والأردن وتركيا على سبيل المثال.
ثالثًا: التحديات التي تواجه خيار اللجوء إلى ألمانيا
على الرغم من الدعم الكبير الذي قدمته الحكومة الألمانية لتسهيل سياسة لجوء السوريين، لكن استدامة هذه السياسة تواجه العديد من الصعوبات والتحديات. وتتنوع هذه الصعوبات والتحديات بين التكاليف المالية والأمنية، وتلك ذات الصلة بظروف وشروط الإقامة واللجوء، فضلًا عن مجموعة التحديات المرتبطة بالعلاقة بين المواطن الألماني واللاجئ السوري. ونشير فيما يلي إلى أهم هذه التحديات بأنماطها المختلفة.

١ تحديات ذات صلة بالتكاليف المالية والأمنية

لقد باتت السياسة الألمانية بشأن اللاجئين السوريين مكلفة جدًا. فقد أعلنت وزارة الداخلية الألمانية في عام 2015 أن 30% من طالبي اللجوء الذين يزعمون بأنهم سوريون ليسوا سوريين[13]. كما أن تكلفة اللاجئ الواحد داخل ألمانيا تكلف دافع الضرائب الألماني 11800 يورو سنويًّا. هذه التكاليف تشمل تعليم أبناء أسر اللاجئين، والسكن، ودورات تعلم اللغة الألمانية، ودورات التأهيل والتطوير المهني، والتأمين الصحي[14]. وحتى في الحالات التي يصل فيها اللاجئ لمرحلة تؤهله للعمل وتغطية نفقاته ونفقات أسرته فإن ذلك يأخذ وقتًا كثيرًا.

كذلك لا يمكن إغفال التكلفة الأمنية، وهي الأهم بالنسبة للحكومة، فهناك من بين هؤلاء اللاجئين من هم منضمين لجماعات إرهابية أو يحملون أفكارًا دينية متشددة. التحدي الأمني يشمل أيضًا العنف تجاه اللاجئين من قبل اليمينيين المتطرفين؛ فقد سجلت الشرطة الألمانية أكثر من 450 هجومًا على ساسة ومعاونين للاجئين في عام 2016، تعود غالبيتها إلى دوافع يمينية متطرفة.

هذه التكاليف فرضت عل الحكومة الألمانية نوعًا آخر من التكاليف والأعباء الإضافية تمثلت في تعيين موظفين إضافيين في المركز الاتحادي للهجرة لاستيعاب هذا الكم الهائل من الأعمال لخدمة طالبي اللجوء، بالإضافة إلى توفير معلمين لدورات اللغة الألمانية ولدورات الإندماج داخل المجتمع.

وبالإضافة إلى التحديات السابقة، ذات الطبيعة المالية والأمنية واللوجيستية، هناك تحدٍ آخر لا يقل أهمية يرتبط بقانون الإندماج ذاته. ففي 7 يوليو 2016 صدق البرلمان الألماني على "قانون الاندماج" الجديد، وهو القانون الأول من نوعه في تاريخ ألمانيا. ويتضمن القانون عددًا من الإجراءات والضمانات الداعمة لاندماج اللاجئين في ألمانيا؛ من خلال العمل على فتح سوق العمل أمامهم، عبر إزالة العقبات القانونية، وذلك بعد أن كان قانون العمل الألماني لا يخدم إلا المواطنين الألمان ومواطني الاتحاد الأوروبي فقط. الأمر ذاته فيما يتعلق بتحفيز اللاجئين على الاندماج في المجتمع الألماني، من خلال ربط استمرار تدفق المساعدات والمزايا المالية والاجتماعية باستمرار الالتحاق بدورات تعليم اللغة، حيث ينص القانون على تخفيض هذه المزايا في حالة انقطاع اللاجئ عن دورات تعليم اللغة ودورات الاندماج بدون تقديم مبررات مقبولة[15]. ومع أهمية المزايا والضمانات الواردة بالقانون، تظل هناك بعض الانتقادات، كتحديد القانون مكان سكن اللاجئ، وضرورة مساهمته بنحو 10 يورو شهريًّا في تكاليف دورات الاندماج وتعلم اللغة[16]. كما أن بند حق الإقامة الدائمة لم يأت واضحًا بالقانون، حيث تعامل كل لاجئ معاملة لجوء على حدة.

٢ تحديات ذات صلة بظروف اللجوء والإقامة

مع أهمية المزايا المالية والاجتماعية التي يحصل عليها اللاجئ السوري بموجب القانون، لازال هناك أيضًا عدد من المشكلات التي يواجهها في رحلة اللجوء والإقامة في ألمانيا. ويأتي في مقدمة هذه المشكلات السكن المشترك طوال فترة الانتظار قبل الحصول على الإقامة، حيث تكتظ المراكز المخصصة للسكن بطالبي اللجوء. وحتى بعض الحصول على الإقامة ليس بالأمر السهل العثور على مسكن، ففي كثير من الأحيان يتعرض هؤلاء لاستغلال بعض "السماسرة" المشبوهين. أضف إلى ذلك المشكلات التي يتعرض لها اللاجئ في حالة الوفاة، حيث ترفض البيروقراطية الألمانية السماح بالدفن في ألمانيا ما لم يكن مصرحًا لذويه بذلك، بالإضافة لإثبات دفع إيجار المقبرة لمدة لا تقل عن عشرين عامًا بعضها قابل للتجديد وبعضها غير قابل. وتجدر الإشارة إلى أن الحصول على هذه المستندات يتكلف حوالي ألف يورو.

كذلك هناك فترة انتظار طويلة يجب أن يتحملها اللاجئ قبل الالتحاق بأحد معاهد اللغة، بالإضافة لصعوبة تعلم اللغة الألمانية ذاتها، وصعوبة الحصول على فرصة عمل، ما يعني أن اللاجئ سيعيش وقتًا طويلًا معتمدًا على المساعدات المالية المقدمة من الحكومة، التي لا تسد أكثر من الحاجات الأساسية.

ومن أكثر الأشياء التي تؤرق اللاجئين السوريين أن هناك من العرب من قاموا بطلب لجوء بجوازات سفر سورية مزورة، الأمر الذي عرض السوريين أصحاب الجواز السوري الأصلي لاتهامات ووقت كبير للتحقيق من سلامة جوازات سفرهم. مشكلة الاضطهاد أيضًا لا يمكن إغفالها؛ فالكثير من اللاجئين يشعرون بالاضطهاد من بعض الألمان بسبب الأحداث الفردية التي يقوم بها بعض اللاجئين السوريين.

وأخيرًا، يمكن الإشارة إلى مشكلة تعدد زوجات بعض السوريين من طالبي اللجوء، وهو ما لا يعترف به القانون الألماني على الإطلاق، لذلك لا يستطيع اللاجئ في هذه الحالة سوى تقديم عقد زواج واحد للسلطات الألمانية[17].

٣ تحديات ذات صلة بالعلاقة بين المواطن الألماني واللاجئ السوري

على الرغم من اندماج آلاف المواطنين الألمان في الأنشطة التطوعية الخاصة بمساعدة اللاجئين السوريين (لا توجد تقديرات رسمية لعدد المندمجين في هذه الأنشطة لكنهم يتراوحون وفقًا لبعض التقديرات بين 500 ألف إلى مليون شخص[18])، فضلًا عن وجود عائلات ذات ظروف مادية جيدة تقوم بإيواء بعض اللاجئين لديها، لكن رغم ذلك لا يمكن نفي تعرض بعض اللاجئين لبعض الممارسات المتشددة من جانب اليمينيين، فضلًا عن وجود توجهات رافضة لفكرة استيعاب هذا العدد من اللاجئين داخل ألمانيا؛ فقد كشف استطلاع للرأي أجرته الكنيسة البروتستانتية في ألمانيا أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30-39 عامًا لديهم قلق بشأن هذا الكم من اللاجئين في بلادهم، أما المتقدمين في السن والذين تتراوح أعمارهم بين 60-69 عاما أبدوا تفاءلهم من ضخ دماء جديدة في بلادهم[19].

رابعًا: هل تتراجع ألمانيا عن سياسة "الباب المفتوح" أمام اللاجئين السوريين؟

تثير مسألة تدفق مئات الآلاف اللاجئين داخل ألمانيا انقسامًا داخليًّا واضحًا في ألمانيا، خاصة داخل أوساط التحالف الحاكم؛ الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري. كما أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة "بيلد أم زونتاج" الألمانية Bild amSonntag، أن التأييد الشعبي للحزب الديموقراطي المسيحي يشهد تراجعًا بشكل كبير. لذلك تسعى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلىخفض أعداد اللاجئين في بلادها بعدما استقبلت خلال عام 2015 حوالي 1.1 مليون لاجئ، وهو ما دفع الأحزاب اليمينية والحركات المتطرفة لشن حملات واسعة على ميركل وتنظيم فعاليات احتجاجية ضد اللاجئين.

وترتب على هذه الأحداث صدور قرار وزير الداخلية الألماني، توماس دي ميزيير Thomas de Mesar، في مارس 2016، بوقف تلقى طلبات لم شمل وتعليق العمل بهذا القانون حتى عام 2018. فحتى نهاية عام 2015 كان يحصل السوريون على حماية كاملة بموجب اتفاقية جنيف، يشمل ذلك حق الإقامة لمدة ثلاث سنوات بالإضافة لحقهم في لم شمل أسرهم؛ فحتى مارس 2016 لم تتخط نسبة الحاصلين على الحماية الفرعية من اللاجئين السوريين 2%، ارتفعت في أغسطس من العام ذاته إلى 70%، وهو ما أدى إلى صدمة بين اللاجئين السوريين، سواء الذين حصلوا على إقامة فرعية أو من كانو ينتظرون أسرهم للانضمام لهم. وفي حالة أن عاد هؤلاء مجددًا إلى بلادهم في حالة عدم تجديد الحماية لهم ربما سيكون هناك خطر كبير على حياتهم[20].

واستنادًا لأحكام سابقة، من بينها المحكمة العليا في مكلنبورغ- فوربومرن Mecklenburg-Vorpommern، ترى المحاكم الألمانية أن اللاجئين السوريين يستحقون الحماية الكاملة بموجب اتفاقية جنيف وليست الحماية الفرعية. وفي الاتجاه ذاته، يرى الحقوقيون والقانونيون الألمان أن المكتب الاتحادي للهجرة يتصرف بشكل غير قانوني لعدم تنفيذ نصوص اتفاقية جنيف على اللاجئ السوري الذي تتوفر فيه شروط الحصول على الحماية الكاملة[21].

وفي نوفمبر عام 2016، وبعد الجدل القانوني حول "الحماية الفرعية" أو "الجزئية" للاجئين السوريين، قضت المحكمة الإدارية العليا في ولاية شليسفيغ هولشتاين Holstein Schleswig بقانونية "الحماية الجزئية". وبموجب هذا الحكم لن يستطيع اللاجئون التمتع بحق لم شمل أسرهم. وقد جاء ذلك الحكم بعد دعوة رفعتها لاجئة سورية[22]. وهكذا، ينتظر المراقبون الانعكاسات القانونية المتوقع أن يرتبها هذا الحكم وتأثيره على قرارات المحاكم العليا للولايات الأخرى.

وفي ديسمبر من العام ذاته أيضًا، قررت المفوضية الأوروبية إعادة العمل باتفاقية دبلن مرة أخرى لكل اللاجئين الذين وصلوا لليونان بداية من 15 مارس 2017، فإذا قام اللاجئون بترك اليونان للوصول لدولة أخرى فسوف يتم إعادتهم مرة أخرى إلى اليونان. ولكن هذا القرار لا يشمل الأطفال أو أصحاب الحالات المرضية الصعبة. كذلك،قام الاتحاد الأوروبي بمنح اليونان مليار يورو من أجل تحسين أحوال اللاجئين لديها[23]. وهكذا، فإن حلم الوصول للدول الغنية كألمانيا والسويدسيصبح مستحيلًا للاجئين السورين العالقين في اليونان وإيطاليا.

كل هذه التطورات تشير إلى أن هناك مراجعة ألمانية لسياسة "الباب المفتوح" أمام اللاجئ السوري، الأمر الذي قد يدفع باللاجئ السوري أيضًا إلى مراجعة مماثلة فيما يتعلق بموقع ألمانيا بين الوجهات المستهدفة.
التدخل العسكري لم يكن خيار الدولة الألمانية في الأزمة السورية منذ بدايتها في عام 2011، فهذا التدخل – وفقًا لوجهة النظر الألمانية- سيزيد من تفاقم وضع المدنيين السوريين، وذلك على العكس من حلفائها من الاتحاد الأوروبي، خاصة فرنسا، التي تقوم بتنفيذ ضربات عسكرية، بجانب إنجلترا، في سوريا.
وتتفق الأغلبية والمعارضة في ألمانيا على أهمية تعزيز الدور الألماني في إيجاد حل دبلوماسي وليس عسكريًّا لهذه الأزمة، وهو ما لن يأتي إلا عن طريق روسيا. كما يرون أيضًا أن الصراع الدائر في سوريا ما هو إلا صراع أمريكي- روسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم


.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة




.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.


.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة




.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال