الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منطقة الفرات وتحولات السياسة التركية

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2017 / 4 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


لم يأت الإعلان التركي عن " توقف عمليات درع الفرات، بعد أن حققت اهدافها " بعيداً عن سياقات السياسة التركية الجديدة، التي جاءت مع تولي بن علي يلدريم رئاسة الحكومة، في مؤشر حمل معه تحولاً ملموساً في السياسة الخارجية التركية، لم يكن إقصاء أحمد داود أوغلو، بسياسته وافكاره، أحد تجلياتها فحسب، لكن ملامحها بدأت بالتبلور تدريجياً، منذ فتح صفحة جديدة في العلاقات التركية - الروسية، وتداعياتها على مجمل الأوضاع في المنطقة، بصورة عامة، وعلى المسألة السورية بشكل خاص.
لكن المتابع للشأن التركي، يلاحظ أن التحول في الموقف التركي، قد بدأ مطلع عام 2014، حين قال الرئيس التركي السابق عبدالله غول، ما معناه أنه يتوجب إعادة النظر في المواقف والسياسات، بما يخدم مصالح جميع الأطراف في المنطقة، وأن ذلك يسلتزم الصبر والهدوء معا. وقد قُلّل من شأن ذلك التصريح، واعتبر أنه لا يمثل تحولا،ً بقدر ماهو ضرورة براغماتية تخدم القضية السورية.

تحولات وتقلبات
حافظت أنقرة على مسار تصاعدي واضح التحول، خلال الفترة الماضية، يعتمد على ابراز أولوية مصالحها القومية، في ظل أوضاع مضطربة، خاصة وقد بدت، وكأنها تستجيب لضغوطات شتى، تلمّست مفاعيلها في محاولة انقلاب تموز الماضي. لكن تركيا لم تُخف يوماً هذه الأولوية، وإن لم تكن تُظهرها إلى العلن بصورة مباشرة، فخطابها السياسي، كان وما يزال يحمل بعدين: أحدهما موجه للتأثير في مجرى الأحداث على الأرض، بالتماس مع حدودها الجنوبية، بما يشبع رغائبها بلعب دور إقليمي، كما يفترض لدولة تمتلك قدرات كبيرة لإنعاش أحلام تاريخية، ما فتئت تتنافس في ذلك مع قوى أخرى، مثل إيران بمشروعها الصفوي في المنطقة. وفي هذا الخطاب رسائل مهمة الى الداخل التركي، ونخبته السياسية.
أما البعد الثاني، فيتصل بالسعي الى انتزاع اعتراف دولي، بأهمية الدور التركي، وقدرته على القيام بمهام حاسمة في الصراعات والنزاعات القائمة. لكن أياً منها لم يؤد الى نتائج فعّالة. فالسياسة والموقف التركي، كان أقرب الى المرواغة، وانتهاز الظروف الملائمة، ناجماً عن حجم الضغوطات التي وجدت انقرة فيها نفسها، بدءاً بتوتر العلاقات مع إدارة الرئيس الأمريكي أوباما، واعتراضها الدائم على المخططات التركية في الشمال السوري، وصولاً الى موقف إدارة ترامب، الأكثر حدّة في تحجيم الدور التركي، في المسالة السورية.
يمكن القول أن الموقف التركي حيال المسالة السورية، اتسم بخصيصتين، هما التحول والتقلب. وحين نتحدث عن ذلك، فهذا لا يعني انتقاصاً من قيمة موقع تركيا في دعم الثورة السورية، وهو الموقف المبدئي الذي لم يطله تغير حتى الآن في الملامح العامة. ولعل ذلك مرتبط بثلاثة محددات:
- العلاقات بين الدول الحليفة، فقد أدى تراجع، او انكماش دور الدول الداعمة للثورة السورية، الى بقاء تركيا، وحيدة في المواجهة، وذلك ناجم عن حجم المسؤوليات التي تفرضها تطورات النزاعات والصراعات التي أضحت تحفل بها المنطقة. التحول في المواقف والسياسات طال مجموعة اصدقاء سوريا، ومن ثم أدى ذلك مع سياسة أوباما، الى إضعاف كل من الدور السعودي والقطري، وبالتالي فإن تركيا ليس بمقدورها تحمّل أعباء اختلال التوازنات، على وقع متطلبات الداخل، وتقلبات الخارج.
- مواقف واشنطن من الدور التركي، حيث اصطدمت مخططات انقرة بشأن تأمين الشمال السوري، وإقامة منطقة عازلة، برفض أميركي مباشر وصريح. وعلى مدار عدّة سنوات، كانت ادارة أوباما تطالب تركيا بتعاون أوسع في مراقبة نشاط قوى المعارضة السورية، وخاصة المسلحة منها، والحدّ من تدفق " المقاتلين، والأسلحة " الى سوريا، وأن يكون دورها اساسياً عبر التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. وقد عملت واشنطن على إضعاف متواتر للدور التركي، ومارست ضغوطاً على حلفائها، لمنع اتخاذ خطوات، أو القيام بأعمال دون الرجوع الى واشنطن / و موافقتها المسبقة، مثال ذلك عاصفة الشمال، والمنطقة العازلة، والمشاركة في " تحرير الرقة ". إضافة الى تجذر الخلاف بينهما حول استخدام ميليشيا صالح مسلم، كأداة برية ضاربة في الشمال السوري.
- ومع اسقاط الطائرة الروسية، تكّشف الموقف الأطلسي، ليترك تركيا عارية أمام التحديات، وهو ما أجبرها على توثيق العلاقات مع موسكو، وكذلك إيران، وهي خطوات أخذت بالتسارع، مع ازدياد حجم الضغوطات، وبقاء تركيا بلداً شبه معزول عن محيطه الإقليمي، والدولي. خاصة في ظل تطور الخلافات مع دول اوربية، بشأن السياسات الداخلية التركية.
وفّرت الظروف الداخلية والإقليمية، مناخات ملائمة، لتصل التحولات والتغيرات التركية الى نقطة مفصلية في اتخاذ قرار ينهي عملية " درع الفرات " وكأن انقرة تنحني للعاصفة.. كي تمرّ بسلام !

التوقف والإنجاز
هل هناك – إذن – إعادة رسم للدور التركي ؟ هذا السؤال يطرح نفسه، مع إدراكنا العميق، بأن خيبة الحكومة التركية، من الاستمرار في المضي بمخططاتها، في ظل رفض أميركي، وعجز تركي عن فرض أمر واقع، حاولت القيام به عبر " درع الفرات " لكنها لم تنجح. في اعتقادي، أن عدم الاستجابة لطلب تركيا بأن تشارك كقوة رئيسة في تحرير الرقة، هو الدافع الجوهري، لإعلان مجلس الأمن التركي عن وقف عملياتها العسكرية المساندة للجيش الحرّ. وهذا يمثل رداً مباشراً على دعم الولايات المتحدة لـ " تمدد قسد " التي قطعت طريق التوجه شرقا نحو منبج ومن ثم الرقة، وأفسحت الطريق أمام نظام الأسد، كي يتقدم بدعم روسي.
لم تنتهي أغراض " درع الفرات " فخطر داعش ماثلُ، وإقامة كيانات كردية ما تزال محاذيره قائمة، وإن كانت تركيا قد أمّنت حدودها غرب الفرات، فإن ميليشيا صالح مسلم تسيطر على المنطقة الممتدة من اليعربية حتى عين العرب، وهي تجاور المناطق التركية الأكثر حساسية، باعتبارها مناطق ذات أغلبية كردية. إذن، ليس ثمة ما يدرء مخاطر دور حزب العمال الكردستاني ( في نسخته السورية ) حال تدهور العلاقة بين الكورد وانقرة.
على الوجه الآخر، فإن محدودية المنطقة الجغرافية التي أمنتها " درع الفرات " لا تشكل نموذجاً لخلق منطقة استقرار آمنة، بالقدر الذي سيجعل منها خزاناً بشرياً، تقام فيه مزيداً من مخيمات المهجرين، مع محدودية الموارد، واحتمال تنامي عمليات النزوح والتهجير من مناطق الفرات الأوسط، مدينة الرقة وريفها، الذي يشهد مرحلة جديدة من عمليات " غضب الفرات " لمحاربة داعش. وحيث تتسبب كل من المجازر بحق المدنيين، و فيضان أقنية الفرات ( قناة البليخ مثالاً ) بموجات نزوح تدريجي للأهالي.

مؤشرات
تطورات الموقف التركي، تؤشر الى انكفاء دور أنقرة في المسالة السورية، وقد يبقى إطاره السياسي، في المرحلة المقبلة، دوراً هامشيا وظيفياً، بحكم علاقتها مع الفصائل السورية المسلحة، وقوى المعارضة السورية، التي تستضيفها فوق أراضيها، إضافة لما ينوف عن مليوني لاجئ – مهجر سوري. ورأس مال ورجال أعمال وأيدٍ ماهرة، لم تستطع ان تكوّن قوة ذات تأثير في القرار التركي المتعلق بمصائرها، حتى اليوم.
المهم في المسألة، أن الثورة السورية، باتت أكثر انكشافاً، ولم يعد ثمة من يقدم لها قوة الدعم السياسي والمعنوي الذي تحتاجه، خاصة في ظل تغوّل الموقفين الروسي والأميركي، اللذان يريدان التسلط والسيطرة على كل شئ خدمة لمصالحهما التي تتعارض ومصالح الثورة السورية بالتأكيد. وفي غياب الدور التركي الفاعل، سوف تزداد المعارضة السورية ضعفاً، هشاشة وضياعاً، وتزداد الحالة السورية ألاماً ومآسٍ، ما لم يحدث شئ ما، يغير واقع الحال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام