الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقرير السياسى الصادر عن الجمعية العمومية لحزب العيش والحرية المصرى- فبراير 2017

سعيد ابوطالب

2017 / 4 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


نظام مأزوم وبديل ديمقراطي محاصر
حزب العيش والحرية·MONDAY, APRIL 3, 2017
التقرير السياسي الصادر من الجمعية العمومية لحزب العيش والحرية بتاريخ 10 فبراير 2017
المحتويات
أولا: خمس أزمات تحاصر النظام
تفاقم الازمة الاقتصادية متوجةً بقرارات نوفمبر ٢٠١٦
غياب الظهير السياسي للحكم
توحش الارهاب
غياب حقوق المواطنة
الانقضاض عل الحق في التنظيم وكافة الادوات الديمقراطية
ثانيا: الوضع الدولي والاقليمي
صعود اليمين المتطرف وحصار القوى الديمقراطية ... مؤقتا
ثالثا: معارك راهنة/قادمة للحركة الديمقراطية التقدمية
مقدمة:
شهدت الشهور الماضية مؤشرات متناقضة فيما يخص النضال الديمقراطي في مصر والذي يعد حزبنا نفسه مكونًا أصيلًا من مكوناته. فمن جهة أولى تمكنت النخب الحاكمة وحلفائها الاجتماعيين من شن هجوم شامل على مقدرات حياة المصريين عبر حزمة من القرارات الاقتصادية في نوفمبر الماضي لم يتجرأ أي نظام مصري في الإقدام عليها منذ انتفاضة الخبز في يناير ١٩٧٧. والغريب أن هذه القرارات على فداحتها قد مرت بسلاسة نسبية وبدون أن تثير رد الفعل الشعبي المتوقع والمتناسب مع عمق تأثيرها. كذلك بدا النظام منتعشًا على الصعيد الدولي نتيجة صعود اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وروسيا بطبيعة الحال، وفي ظل انتصارات النظام الأسدي المجرم في سوريا، والتي دعمت من وضع هذا النظام دوليا كشريك أصغر محتمل فيما يعرف بالحرب ضد الإرهاب. ولكن في المقابل، تمكنت القوى الديمقراطية من تحقيق أول انتصار صريح لها في معركة إرادات مع النظام الحاكم في قضية جزيرتي تيران وصنافير. كذلك شكل تصاعد الهجمات الإرهابية ووصولها إلى قلب القاهرة مع تفجير الكنيسة البطرسية الإجرامي مؤشرًا إضافيًا على تخبط السياسات الأمنية في التعامل مع هذه الظاهرة على العكس من الدعاية الرسمية. ويرتبط بهذا التصاعد في العمليات الإرهابية والضغط على معاش المصريين تراجعًا محسوسًا في شعبية السيسي قبل عام واحد من المعركة الرئاسية.
في الواقع تبدو هذه الإشارات المتناقضة في التحليل الأخير ملامح لأزمة النظام البنيوية الملازمة له منذ لحظة ميلاده في ٣ يوليو ٢٠١٣ وكذلك أزمة بديله الديمقراطي الاجتماعي الذي يتقدم بمعدل بالغ البطء لا يتلاءم مع فداحة الأزمة الشاملة لهذا النظام. كذلك تحيلنا هذه الإشارات المتناقضة إلى أزمة مماثلة على الصعيد الدولي والإقليمي يستفيد منها النظام على المدى القصير بقدر ما تفرض قيودًا على الحراك الديمقراطي البطئ أصلًا. فتصاعد اليمين المتطرف شرقًا وغربًا هو في حد ذاته مؤشر على هذه الأزمة الضاربة كافة جوانب النظام الرأسمالي العالمي السياسية والاقتصادية. ومع هذا التصاعد تتراجع فرص النضال الديمقراطي حكمًا في المدى المنظور، ولكنها لا تغيب أبدًا في المدى المتوسط والبعيد، بل يمكن القول أنها ستشهد تصاعدًا حتميًا.
يفرد التقرير السياسي للحزب الصفحات القليلة المقبلة لتحليل طبيعة أزمة نظام السيسي الحالية من واقع تلك المؤشرات المتناقضة، كما يحاول أن يلقي الضوء على الانتعاش المؤقت الذي يمنحه صعود اليمين المتطرف على الصعيد العالمي لهذا النظام. ويخصص التقرير جزءه الأخير لاستعراض وتقييم نضالات الحزب في هذا السياق المعقد وما يفرضه علينا هذا السياق من تحديات ومهمات لا تحتمل التأجيل.
أولا: أربع أزمات تحاصر النظام
تفاقم الأزمة الاقتصادية متوجةً بقرارات نوفمبر ٢٠١٦
منذ تولي السيسي الحكم لم يساورنا الشك في أن نظامه يمثل استمرارًا لنظام مبارك في انحيازه وتمثيله لكبار الملاك الرأسماليين في مصر. وقد حددنا في تقاريرنا السابقة طبيعة مشروع النخبة الحاكمة حاليًا والممثل لفئات الرأسمالية المالية والتجارية والعقارية والصناعية الكبرى والشرائح العليا من البيروقراطية العسكرية والمدنية وذويهم وشركائهم من الشركات العالمية متعددة الجنسيات والمعبرة عن مصالح رأس المال العالمي. وفي تمثيلها هذا، تتبني النخبة الحاكمة بقيادة السيسي شخصيًا سياسات الليبرالية الجديدة وتوجهها نحو آليات الاقتصاد الحر وتوازنه المزعوم والتي تدعمها المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي وغيرهما. وقد أوضحنا في تقاريرينا السابقة كذلك توجه السياسات المالية والاقتصادية على وجه الخصوص تجاه البحث عن سبل لتخفيض عجز الموازنة العامة من خلال الاقتراض وخفض الإنفاق العام تقليص الدعم للسلع الأساسية وصولًا لإلغاءه وانتهاءًا بخصحصة الخدمات العامة وتسليعها وكف يد الدولة عن دعمها. وعلي النقيض من ذلك، تدعم الدولة وتسهل مراكمة ثروات وأرباح كبار الرأسماليين المحليين والعالميين ممثلةً في الاحتكارات العالمية والمؤسسات النقدية الدولية المذكورة. ويكفي في هذا الصدد أن نراجع التعديلات المتوالية في قانون الاستثمار وما تقدمه من حوافز للمستثمرين الاجانب.
لقد أوضحنا أيضًا في تقريرنا السابق أن هذه السياسات لم تؤد، للمفارقة، إلا لتزايد مستمر في عجز الموازنة وأن الحكومة تتعامل مع هذا العجز علي أنه عجزًا دوريًا وليس هيكليًا. وقد ظلت الحكومات المتعاقبة منذ عقود تمول هذا العجز من خلال القروض المحلية والأجنبية. ونفس الملاحظة تنطبق على الدين العام، إذ يتزايد عامًا تلو الآخر حيث يبلغ العجز الكلى المستهدف للعام المالي الجاري 310 مليار جنيه أى حوالى 34% من الإنفاق العام و 9.8% من الناتج المحلى فى حين تبلغ خدمة الدين (فوائد + سداد أقساط) حوالى 292 مليار جنيه ممثلة ما يزيد عن 30% من الإنفاق العام و مع توسع الدولة فى الاقتراض من الخارج لسد الفجوة التمويلية التى تقدر بـ35 مليار دولار لمدة 3 سنوات. لم يكن مفاجئا أن يقفز الدين الخارجى إلى 60.2 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضى، مقابل 55.76 مليار دولار فى يونيو الماضى، بمعدل نمو 7.9% وزيادة قدرها حوالى 4.4 مليار دولار. أما الدين العام المتراكم فيقترب من إجمالي الناتج المحلى. وقد أظهرت وثائق قرض صندوق النقد الدولى التى تم إلكشف عنها مؤخرا أن الدين الخارجى مرشح للنمو إلى 102.4 مليار دولار بنهاية العام المالى 2020/2021 ، مقابل 55.7 مليار فى نهاية يونيو الماضى، الا ان الدين الخارجى مرشح للزيادة أكثر فى الفترة المقبلة، لأن الرقم الذى أعلنه البنك المركزى، لم يتضمن حزمة التمويلات والقروض التى تلقتها مصر خلال الربع الأخير من 2016، والتى تتخطى قيمتها الإجمالية 5 مليارات دولار، تشمل مليار دولار من البنك الدولى، و500 مليون دولار من بنك التنمية الإفريقى، و2.75 مليار دولار من صندوق النقد، هذا إلى جانب التمويلات الثنائية التى تم تدبيرها للحصول على قرض صندوق النقد، حيث أصدرت الحكومة سندات دولارية فى الأسواق الدولية بقيمة 4 مليارات دولار الأسبوع الماضي. وأشاروزير المالية إلى أن الطرح تم على 3 شرائح ستدخل الاحتياطي بالبنك المركزي ، مطلع فبراير المقبل، الشريحة الأولى بقيمة 1.750 مليار دولار على مدى 5 سنوات بمعدل فائدة 6.12%، ونحو مليار دولار على 10 سنوات بمعدل فائدة 7.5%، أما الشريحة الثالثة، فستكون على 30 عامًا بقيمة مليار دولار وبمعدل فائدة 8.5%. ومن المقرر طرح حوالى 2 مليار أخرى فى وقت لاحق.
حقيقة الأمر، نحن بصدد آلية ممنهجة لتوحش الراسمالية العالمية والمحلية، ففي الوقت الذي يرزح فيه ملايين من الفقراء تحت خط الفقر يلهث كبار الملاك نحو نهب ومراكمة الثروات وقد توج ذلك بقرارات نوفمبر 2016 بتعويم الجنيه المصري وإلغاء الدعم الجزئي عن الطاقة وبعض السلع التموينية والتطبيق الفعلي لضريبة القيمة المضافة. لقد ترتب علي هذه الاجراءات تخفيض قيمة الجنيه بما يتجاوز 100% أعقبه ارتفاع جنوني في أسعار كافة السلع والخدمات. لقد بدأ تحرير سعر الدولار إلي 14 جنيها ولكن السعي الي شراء كميات ضحمة من الدولار دفع بالبنوك الي زيادة سعر الشراء حتي اقترب سعره من ال 20جنيه. لقد ارتفعت نسبة الفقر من 26.3% من عدد السكان خلال عام 2014، وهو ما يساوي نحو 22.8 مليون نسمة، من أصل 86.77 مليون نسمة في يوليو 2014، وصولًا إلى 27.8% من عدد السكان خلال عام 2016، أي نحو 25.36 مليون نسمة، بحساب عدد سكان مصر البالغ 91.2 مليون في يوليو الماضي وفقا لاحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء المنشورة حديثا. ومع تخفيض قيمة الجنيه نتوقع تزايد عدد الفقراء الي مايزيد عن 50 مليون نسمة ناهيك عما يعانيه ملايين ممن كان يطلق عليهم شرائح الطبقة الوسطي. لقد تدخلت اجهزة الدولة وبالتعاون مع كبار المستوردين في فرض اسعار احتكارية لعدد من السلع الاساسية – السكر الزيوت الارز الدقيق الدواجن ...الخ من خلال حجب السلع ومن ثم يرتفع السعر نتيجة لزيادة الطلب الي ان يتم فرض سعر مرتفع يقترب من تكلفة الاستيراد او الانتاج عند سعر مرتفع للدولار بعد التعويم.
علينا ان ندق ناقوص الخطر لتدني مستويات المعيشة لغالبية السكان من الفقراء والمهمشين نتاجا لارتفاع اسعار السلع والخدمات والسكن والنقل والمواصلات وفي المقابل مزيد من الثراء وتراكم الثروات لدي حفنة من الاسر المالكة. السياسات التي يتبعها النظام لن تؤدي الي تحسن احوال الاقتصاد فبدون استثمار في الاقتصاد الحقيقي: الصناعة والزراعة لن تحدث اية تنمية وستتزايد المديونية والفقر وتردي الاحوال المعيشية. إن مايروج له النظام من أن تعويم العملة سيجذب الاستثمار ويزيد من الصادرات مجرد وهم يتم تسويقه للايعاز بتحسن الاحوال في المستقبل وحقيقة الامر انه لايوجد استثمار في الصناعة والزراعة ومن ثم لاتوجد السلع او المنتجات التي سيتم تصديرها ومن جانب آخر فمعظم الاستثمارات القادمة ستكون في البورصة والأوراق المالية والعقارات وسوف تؤدي الي استكمال مخطط الخصصة لبعض الشركات والاصول المملوكة للدولة وهو مابدت بوادره في الاقبال علي السندات الدولارية والتي يتم تداولها في البورصة والمؤسسات المالية.
غياب الظهير السياسي للحكم
منذ تولي السيسي الحكم في يونيو 2014، وعاني النظام الحاكم من عدة تحديات وإشكاليات في تأسيس مشروعه "لاستعادة" الدولة، بمعنى إعادة تأسيس دولة سلطوية والانقضاض على الحركة الديمقراطية والاجتماعية وإجهاض ما تبقى من ثورة 25 يناير. وربما كانت إحدى أهم العوامل المعطلة لتأسيس هذا المشروع الجديد-القديم هي تناقضات داخل الدولة نفسها وتعثر السيسي في خلق ظهير سياسي حقيقي يعتمد عليه نظامه، وهو ما أشار إليه التقرير السياسي الصادر عن الحزب في سبتمبر 2014. وخلال الأشهر الماضية باتت التحديات المتعلقة بالظهير السياسي لنظام السيسي أكثر وضوحا وأكثر تعقيدا. وما نعنيه هنا بالظهير السياسي هو أولا التحالف الحاكم وعلاقته بمؤسسات الدولة وبالتالي ظهير هذا النظام من داخل المؤسسات والنخب السياسية، وثانيا شعبية النظام وظهيره الشعبي. فأولا فيما يخص التحالف الحاكم والنخب السياسية الموجودة، يعتمد السيسي على ائتلاف حاكم مكون من النخب العسكرية والأمنية وبعض النخب البيروقراطية والرأسمالية والحزبية دون أن يتخذ هذا الائتلاف الحاكم إطار تنظيمي واضح حتى لممارسة آليات الضبط الداخلية واحتواء الخلافات بداخله و وصياغة مصالحه بشكل مترابط، فعزف النظام الحاكم مثلا عن إنشاء حزب يكون ظهيره السياسي وأشارت التقارير السياسية السابقة للحزب أن هذا العزوف عن إنشاء "حزب حاكم" على غرار الحزب الوطني في الحقبة المباركية هو إحدى اختيارات هذا النظام لكي لا يتحمل "تكاليف أى تحالف اجتماعى" وأن يحتفظ لنفسه بمسافة من كل الأطراف" [1]وكأن مشروع دولة السيسي يمثل الوطن نفسه وأكبر من أن يمثله حزب بعينه "[2]. ومن هذا المنظور فلا تزال عملية تأسيس "نظام سياسي" جديد بمعنى طبقة سياسية حاكمة بين الدولة والمجتمع منقوصة.
وقد رأينا خلال العامين الماضيين عدة مظاهر لغياب النظام أو الظهير السياسي للحكم من خلال الخلافات داخل نفس القائمة الانتخابية في البرلمان (وهي القائمة الأقرب للدولة) وصراعات مختلفة بين أجهزة الحكم المختلفة، إلا أن في الفترة الأخيرة باتت بعض المعضلات المتعلقة بالنخبة الحاكمة أكثر وضوحا وتعقيدا. فأصبح هذا التحالف الحاكم أكثر فجاجة في رغبته في إخضاع مؤسسات الدولة ونخبها بطريقة شديدة السلطوية تنفي تماما وجود السياسة بما يخالف حتى تقاليد الدولة المصرية نفسها. فالمسئولين داخل مؤسسات الدولة لم يعد لهم أي مسئولية أو دور سياسي حتى ولو لتنفيذ توجهات النظام، بل أصبح دورهم أشبه بتنفيذ الأوامر. وقد يكون المثال الأبرز على ذلك هي الواقعة التي قامت فيها الخارجية المصرية في ديسمبر الماضي بسحب مشروع وقف الاستيطان الاسرائيلي الذي كانت قد قدمته مصر، والذي بدى كتنفيذ لتعليمات النخب الأمنية-العسكرية الحاكمة. ولم يكن هذا بعيدا عن الطريقة التي أجريت بها انتخابات مجلس النواب والتي يدار بها حاليا حيث لا مساحة للنقاش أو طرح وجهات النظر المختلفة. وبالطبع هذا الطابع الاستبدادي للنظام ليس جديد، إلا أن غياب الظهير السياسي قد أدى إلى حالة من استبدال السياسة بالسيطرة الأمنية-العسكرية حيث لا هامش للمعارضة وفقط ولكن لا هامش للسياسة من الاساس. ولا يظهر ذلك فقط من خلال علاقة السيسي ونخبته الحاكمة بمؤسسات الدولة ولكن أيضا بالأحزاب؛ فما حدث من استيلاء على حزب المصريين الأحرار واختراقه تماما من قبل الأمن بالرغم من كونه حزب غير معارض بالضرورة، لا ينم إلا عن هذه الطبيعة المعادية للسياسة من قبل النظام حتى في أضيق الحدود.
ولا تعني هذه الرغبة في إحكام السيطرة على جميع مؤسسات الدولة أن السيسي ناجح بالفعل في ذلك، فالواقع أن التدخلات الأمنية الفجة وعسكرة بعض المؤسسات هي مؤشر لتفسخ مؤسسات الدولة والصراعات داخل أجهزة الحكم بالشكل الذي يصبح به من المستحيل تحجيمها إلا بهذا الشكل من التدخلات. وكما أشرنا أعلاه فهذه التدخلات هي في حد ذاتها تعبير عن غياب ظهير سياسي حقيقي للنظام وليس العكس. تجلت هذه التناقضات داخل مؤسسات الدولة وبين النخب الحاكمة في عدة محطات سواء في تعامل السيسي مع من يرى أنهم تخطوا الهوامش المسموح بها حتى وإن كانوا أبناء هذه الدولة، وهو ما حدث بوضوح مع المستشار هشام جنينة والذي صدر ضده حكم بالسجن لمدة عام مع ايقاف التنفيذ، بل وتم احتجازه لمدة يوم وحجز لدعوى للحكم دون تنفيذ طلبات الدفاع ولا سماع المرافعات عن جنينة وذلك بسبب تقريره عن حجم الفساد في مصر (بغض النظر عن صحة التقرير من عدمه). وعلى صعيد آخر شاهدنا في الفترة الماضية صراعا مفتوحا بين مجلس الدولة والسلطة التنفيذية في قضية تيران وصنافير، بينما كان القضاء يبدو كإحدى النخب التي يعتمد عليها النظام بشكل أساسي، ففي الواقع، غياب هذا النظام أو الظهير السياسي ومغامرة النظام أحيانا ببعض الخطوات غير المحسوبة تؤثر غلى تماسكه واعتماده على المؤسسات والأجهزة البيروقراطية التي قد تتوافق معه حينا وتصارعه حينا والعكس صحيح.
ولا ينبغي أن تشغلنا كثيرا-كقوى ديمقراطية وتقدمية- التنقاضات الداخلية للدولة أوالصرعات بداخل مؤسساتها إلا لفهم طبيعة النظام الحاكم ومعضلاته، دون تعليق أي آمال حول ما يمكن أن تستفيده القوى الديمقراطية من هذه التناقضات، ففي الأغلب لا تأتي هذه التنقاضات بأي انفتاح سياسي أو انتصار للقوى الديمقراطية، بل بمزيد من القمع. فما يجب أن نلتفت له بشكل حقيقي هو انخفاض شعبية النظام وتراجع ظهيره الشعبي والجماهيري، وكيفية العمل حتى تصبح القوى الديمقراطية التقدمية بديلا حقيقيا يقدم مشروع ما للجمهور. فبالطبع لا يمكن توقع حجم شعبية النظام بدقة، إلا اننا لسنا بالتأكيد في لحظة 3 يوليو 2013 حيث حظى هذا النظام بدعم وتأييد غير مشروطين من قطاعات واسعة من المواطنين. فقد أثرت عدة عوامل على شعبية النظام بشكل واضح وبالطبع أهمها هي الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التي بدأت بتعويم الجنيه وما تلاها، فبات مشروع السيسي هو مشروع إفقار حقيقي يجعل حياة الملايين من المواطنين مستحيلة، كما كان للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير والمعركة السياسية التي تلتها دورا أيضا في فقدان مصداقية النظام لدى الكثير من جمهوره. فهذه هي اللحظة الحقيقية التي ينبغي على القوى التقدمية وفي قلبها اليسار السعي من أجل بناء مشروع حقيقي يكون بديلا عن الفشل والقمع والإفقار، وحتى يكون أي حراك قادم قادر على انتزاع مكتسبات. فتناقضات النظام وتراجع شعبيته وغياب ظهيره السياسي غير كافيين في حد ذاتهم لا للتنبؤ بسقوط هذا النظام، ولا لطرح بديل ديمقراطي تلقائيا، ويبقى هذا مرهونا بقدرتنا نحن على تنظيم أنفسنا وبناء حركة ديمقراطية واجتماعية قوية.
توحش الارهاب
كما ارتكز نظام السيسي على فكرة استعادة الدولة لبناء شرعيته، كان الركن الثاني من بناء هذه الشرعية هو مكافحة الإرهاب. شهدت الفترة الماضية العديد من العمليات الإرهابية سواء العمليات الإهابية في سيناء التي لم تتوقف خلال السنوات الثلاثة الماضية والذي راح ضحيتها الكثير من الشهداء، أو عمليات أخرى مثل استهداف كمين الهرم في ديسمبر الماضي ثم حادث تفجير الكنيسة البطرسية. ربما من المهم التمييز بين الجماعات التي تمارس الارهاب واستراتجية عمل كل منها. فبينما تستهدف التنظيمات المنشقة عن الاخوان رموز الدولة ورجال الشرطة والجيش والقضاء تستهدف التنظيمات الجهادية المدنيين من عوام الناس وربما كان حادث كنيسة البطرسية دليل على طبيعة هذه التنظيمات التي لم تتورع عن قتل نساء وأطفال داخل كنيسه في عملية قتل طائفي بلا تمييز يستهدف الاقباط ويعطي رساله عن خيار هذه الجماعات الذي لا تلتزم بحدود الصراع مع أجهزة الدولة ولكن مع كل من تظنهم خصوما في العقيدة. وربما تظل المعركة في سيناء التي تقودها جماعات جهادية متحالفه مع مافيات محلية وبدعم من أطراف إقليميه معركة ذات طبيعه خاصة، فالمعركة أقرب الي حرب مستمرة لإثبات إخفاق الدولة المصريه على السيطرة على شمال سيناء واستنزافها. ورغم اختلاف استراتجيه عمل هذه التنظيمات فإن التداخل والتنسيق بينهم ساريا خاصة مع ارتباط هذه المنظمات بقوى إقليمية تتحكم الي حد ما في نشاط هذه الجماعات وترتبط خيارتها بمسار الصراع الإقليمي ومقتضياته. فظاهرة الإرهاب في مصر ليست منزوعة السياق، بل هي جزء من سياق إقليمي وعالمي.
وبالطبع تطرح الهجمات الإرهابية التي شهدتها مصر في الفترة الماضية أسئلة حول النظام وشرعيته، إلا أنها تطرح أيضا أسئلة هامة على القوى الديمقراطية المعارضة والمستقلة. فموقف القوى الديمقراطية من الإرهاب يجب أن يكون من موقع معاداتها للرجعية ولوجود تيارات دينية تكفيرية ومتطرفة تحرض على الكراهية وتبثها حتى إن لم تستخدم السلاح دائما، ومن موقع طرح هذه القوى لخطاب تقدمي حقيقي يميز بينها وبين تلك التيارات في أعين المواطنين. إلا أنه مع كل حادث إرهابي، يلتبس موقف الكثير من القوى الديمقراطية التي تقع في "أسر الدولة"، سواء عبر الاصطفاف خلفها في معركتها ضد الإرهاب بشكل غير مشروط وغير نقدي وكأنها تقدم نفسها كحليف للدولة في هذه المعركة، أو عبر تبنيها خطابا تبريريا للإرهاب بدءا من اعتباره نتيجة طبيعية لقمع الدولة وصولا لنفي وجوده أساسا واتهام الأمن بالضلوع في هذه العمليات بشكل تلقائي. وفي كلتا الحالتين لا ترى هذه الخطابات سوى الدولة أمامها، فمن ناحية القوى التي تراها كشريك تتجاهل سلطوية هذه الدولة وانحطاطها وطبيعتها التي لا يمكن أن ترى في القوى الديمقراطية والتقدمية سوى خصم لها، ومن ناحية أخرى لا يرى الخطاب التبريري للإرهاب سوى كونه نتيجة لرد فعل الدولة ولا يشغله سوى الطرق التي قد تستخدم بها الدولة هذه الحوادث للتنكيل بالمعارضين (وهو أمر هام)، إلا أن هذه الخطابات تبدو منفصلة إلى حد كبير عن ههموم المواطنين من غير المسيسين وعن كون الإرهاب يشكل عبد حقيقي ورعب يعرقل حياة المواطنين العادية، كما إنه يطمس تماما الموقف الأصيل من الإرهاب الذي يجب أن تتبناه القوي الديقراطية باعتبارها طرف مستقل وفاعل صاحب مشروع للمجتمع بالأساس: مشروع لا يمكن سوى أن يري في الإرهاب عدوا. فارهاب المجتمع وذعر الناس لا يجعل منهم سوى رهائن لعصابات الأمن والسلطوية ويقطع الطريق على اى فرصة للعمل التقدمي وقدرته على اختراق المجتمع وحشد قطاعات واسعه لمشروعه. فخطابنا وموقعنا يجب أن ينشغل بالجمهور أكثر من الدولة. فاستمرار الارهاب قد يجعل بعض القطاعات من الجمهور تتململ من النظام إلا أن ذلك لا يعني تلقائيا دعمها للمعارضة الديمقراطية، خاصة إن كانت غير قادرة على صياغة خطاب يهتم بالفعل بهموم هؤلاء المواطنين ومخاوفهم من الإرهاب.
وهذا الموقع الذي يجب أن تشغله القوى الديمقراطية في المعركة ضد الإرهاب لا يمنع كوننا نرى أن النخب الحاكمة تستغل بالفعل العمليات الارهابية لتصفية المعارضة وحصار المجال المجال وتضييق الخناق على كل أشكال العمل المستقل، وإطلاق يد القمع، وإصدار القوانين التي تجعل مصر في حالة "طوارئ" مستمرة وغير معلنة. وقد يكون قانون الكيانات الارهابية ومنها القانون 8 لعام 2015 المتعلق بقوايم الارهابيين كأفراد والذي أدرج من خلاله شخصيات مثل الناشط محمد القصاص واللاعب أبو تريكة على قوائم الإرهابيين هو أفضل تجسيد للتوسع المفرط في تعريف الإرهاب من قبل الدولة وهو ما يجب أن يجعل القوى الديمقراطية أكثر حرصا في تعريفها الجنائي للإرهاب حتى وإن كانت تعادي جميع التيارات الرجعية والإسلامية. وفي واقع الأمر، إن السياق الذي يحاصر فرص عمل المجموعات الديمقراطية في ظل توغل الإرهاب، هو الذي يشجع استمرار الوضع القائم الذي تنحصر فيه الإختيارات بين السلطة العسكرية السلطوية و"الإرهاب" أو القوى الدينية المتطرفة في ظل منع أي بديل تقدمي من طرح نفسه.
غياب حقوق المواطنة
حظى نظام السيسي في البداية بتأييد واسع من المواطنين المسيحيين (وغالبية المسلمين كذلك) وهو أمر منطقي نظرا لأشكال العنف الطائفي والتمييز الديني التي تعرض لها خلال حكم الإخوان وفي أعقاب فض اعتصام رابعة من حرق لعشرات الكنائس والمباني الدينية، والتهديد لحياتهم وممتلكاتهم. لكن مع استمرار حوادث العنف الطائفي وتخاذل الدولة في أحيان كثيرة عن حماية المواطنين المسيحيين، هناك الكثير من التساؤلات المطروحة حول ما تقدمه الدولة فعليا في قضية حقوق المواطنة.
فتوالت بعض الأحداث التي ظهر فيها جليا فشل الدولة في حماية المواطنين الأقباط من العنف الطائفي المجتمعي، بدءا من حادث سيدة الكرم التي تم تعريتها ولم يعاقب أي من الجناة بل تم حفظ القضية كما تعودنا دائما في أحداث العنف الطائفي، ذلك بالرغم من تعهد السيسي بمعاقبة الجناة، ووصولا لتفجير الكنيسة البطرسية. ولا يعزز النظام قيم المواطنة عبر قوانين أو سياسيات أخرى للتعويض عن الفشل الأمني، وقد رأينا ذلك مثلا في موافقة البرلمان على قانون بناء وترميم الكنائس وهو قانون معيب يعيق بناء الكنائس وممارسة الشعائر الدينية بحرية وتؤسس للتمييز القائم ضد المواطنين المسيحيين. ويقتصر تعامل السيسي مع قضية الأقباط على بضع رسائل إيجابية في خطاباته ومن خلال زيارة الكاتدرائية في الأعياد والتوعد بحساب الجناة بعد كل حادث إرهابي، وكذلك إقامة جنازة عسكرية لشهداء الكنيسة البطرسية. لا يمكن التنبؤ إلى أي مدى سيؤثر ذلك على شعبية النظام لدى المواطنين المسيحيين، وحتى في حالة تراجع هذه الشعبية فالقوى التقدمية لا تطرح بديلا واضحا ولا تتوجه للمواطنين المسيحيين بخطاب يدمج مطالبهم واحتياجاتهم بشكل حقيقي.
الانقضاض على الحق في التنظيم وكافة الأدوات الديمقراطية
وبينما يتعثر النظام بعدة طرق في تأسيس مشروعه، وبينما يحاصر المواطنين بسياسات تفقرهم وتؤثر على حياتهم ولا يوفر لهم الخدمات الأساسية، فهو في نفس الوقت يحرم المجتمع من جميع أدواته في المقاومة وينقض على حقه في تنظيم نفسه للدفاع عن مصالحه والمطالبة بها. شهدت الفترة الماضية تنكيلا غير مسبوق بكافة أشكال التنظيمات الديمقراطية بدرجات مختلفة، بدءا من المجتمع المدني مرورا بالنقابات المهنية والعمالية ووصولا للاتحادات الطلابية. فبعد إعادة فتح القضية 173 في بداية عام 2016 شهد المجتمع المدني الحقوقي والعاملين-ات به تصعيدا واستهدافا شديدا بعدة أدوات استخدمها النظام منها قرارات المنع من السفر والتحقيق مع عدد من العاملين-ت بمنظمات المجتمع المدني وقرارات التحفظ على أموالهم وأموال منظماتهم. وبهذه الاجراءات تجعل الدولة هذا النوع من العمل والنشاط مستحيلا، وهو ما يؤثر فعليا على حياة الكثير من المواطنين المستفيدين من وجود هذه المنظمات، ويحرم الروافد الجديدة من الحركة الحقوقية والنسوية من داعم أساسي لها. وإن كانت الهجمة الأمنية الأشد قد أصابت منظمات المجتمع المدني الحقوقي، إلا أن جميع أشكال التنظيم الحرة والديمقراطية قد تم استهدافها والتضييق عليها بشكل أو بآخر. فعلى سبيل المثال صدر حكم على نقيب الصحفيين يحي قلاش وسكرتير عام النقابة جمال عبد الرحيم ووكيل النقابة خالد البلشي بالحبس لمدة عامين، وذلك على خلفية اتهامهم بإيواء مطلوبين أمنيا. وتعتبر قضية نقابة الصحفيين إلى جانب استدعاء منى مينا وحسين خيري من قبل النيابة تجسيدا واضحا لاستهداف العمل النقابي الحر والرغبة الدولة في تأميم العمل النقابي ليكون مواليا للدولة، لا ليكون موقعا للدفاع عن مصالح أصحاب المهنة. ولم تلقى النقابات العمالية مصيرا أفضل حيث تم تأجيل انتخابات النقابات العمالية لعام آخر، وتم إلغاء انتخابات الاتحادات الطلابية. فيبدو أن النظام غير مستعد لتكلفة عقد أي انتخابات حرة أو وجود أي تنظيمات ديمقراطية تعبر عن فئات معينة من المواطنين أو تساعدهم في التعبير عن مصالحهم.
إن الانقضاض على الحق في التنظيم وكافة الأدوات الديمقراطية التي يملكها هذا المجتمع تحرمنا من شركاء أساسيين في الحركة الديمقراطية وتفرغ هذه الحركة من أهم مكوناتها. فينبغي علينا التفكير في إبداع مسارات وطرق جديدة للعمل في ظل هذا التضييق على قنوات العمل الموجودة بالقعل.
ثانيا: الوضع الدولي والإقليمي
صعود اليمين المتطرف وحصار القوى الديمقراطية…مؤقتًا
تتلاقى الأزمة المتفاقمة للنظام والتصاعد الحثيث للحركة الديمقراطية في مصر مع ظرف دولي معقد لاتبدو ملامحه العامة في مصلحة النضال الديمقراطي على المدي المنظور، ويتيح هذا الظرف فرصًا لدعم شرعية وسياسات النظام الحاكم ويفرض حدودًا على فرص النضال الديمقراطي في مصر والإقليم. يتسم هذا الظرف بصعود اليمين القومي المتطرف في المراكز الغربية، والتي كانت حتى وقت قريب مهيمنة على النظام الإمبريالي العالمي، هذا بخلاف توسع نفوذ القوى الجديدة التي تزاحم للسيطرة على هذا النظام، كروسيا بطبيعة الحال تحت قيادة قومية ويمينية كذلك لا تقل تطرفًا. يشكل هذا الصعود أحد أعراض أزمة العولمة النيوليبرالية منذ العام ٢٠٠٨. فمع الأزمة المالية تصاعدت أزمة نماذج النمو القائم على حرية حركة رؤوس الأموال بدون تقييد وما ارتبط بهذه الحركة من سطوة نخب مالية وبنكية تربت في كنفها وتحولت إلى فئات رأسمالية ناجزة. وتراجع الثقة في هذا النمط من النمو كان يعني بالضرورة تآكل الشكل السياسي الذي تشكل للتعبير عنه بقدر ما رعاه وسمح له بالتمدد ممثلًا، أي هذا الشكل السياسي، في أحزاب الوسط سواء في طبعتها الاشتراكية الديمقراطية أو اليمينية المسيحية. وهي أحزاب لا تختلف إلا خلافات هامشية في المواقف من التعددية الثقافية أو بعض الحقوق الشخصية والإجتماعية بينما تتفق على كل شئ تقريبًا يخص طبيعة النظام الإجتماعي القائم. فتحت الأزمة المالية، والأزمة السياسية المرتبطة بها، والحال كذلك الباب لأشكال مختلفة من التجذير يمينًا ويسارًا اعتمدت في صعودها على شرائح وفئات جماهيرية مختلفة. فبينما رأينا خلال العامين الماضيين صعود لأحزاب اليسار الجديد في جنوب أوروبا، كما في حالة سيرزا باليونان وبوديموس بأسبانيا، وبالطبع صعود حزب اليسار بألمانيا “دي لينكا” وظاهرة بيرني ساندرز بالولايات المتحدة، نرى الآن صعود اليمين المتطرف الذي يبدو أنه يكسب جولة مهمة. وبينما استند الصعود اليساري الجذري على جمهور من خاسري الأزمة المالية في صفوف الطبقة المتوسطة، من طلاب ومهنيين وفئات من البرجوازية الصغيرة ذات الأنشطة المنفتحة على السوق العالمي بالأساس، استند الصعود اليميني إلى قطاع من البرجوازية المحلية في تلك البلدان الخاسرة من تراجع السياسات الحمائية كما تقاسم مع اليسار معاقله التقليدية في صفوف الطبقة العاملة الصناعية أو فقراء الحضر من العمالة غير الرسمية على أرضية الخوف من المهاجرين أو الانفتاح الثقافي.
وبينما وفر الصعود اليساري ظرفًا مواتيًا للنضال الديمقراطي وذلك من حيث ضغطه لتخفيف الطابع العسكري للسياسات الغربية في المنطقة وكذلك تبني مواقف ضاغطة على إسرائيل، ومن ثم فتح المجال لشعوب المنطقة في تقرير مصيرها بعيدًا عن الضغط العسكري الغربي، يأتي الصعود اليميني اليوم في روسيا والغرب ليدفع بمزيد من عسكرة السياسات الإمبريالية في المنطقة والانحياز الصارخ لأنظمة القمع والرجعية فيها. فبينما كان التدخل الروسي الفج عاملًا حاسمًا في الابقاء على ماكينة القتل الأسدية قائمة في دمشق، يأتي التلويح الأميركي الحالي بمواجهة عسكرية ولو محدودة مع إيران وحلفاءها في المنطقة عاملًا إضافيًا لتصعيد الهيستريا الدينية والمذهبية في المنطقة من حيث لا يدري، أو من حيث يدري جيدًا. والمفارقة أن هذا الصعود اليميني قد قارب بين أضداد ظن الجميع أن خلافاتهم تستعصي على الحل، كتركيا وروسيا والمملكة العربية السعودية وإسرائيل بالطبع. ولم يكن لهذا التقارب أن يتم إلا على أرضية الوقوف بحزم ضد نضالات شعوب المنطقة الديمقراطية من عرب وأكراد وسنة وشيعة ومسيحيين. ولا يتبقى إلا الطرف الإيراني الذي يبدو أن المساومة معه ستسغرق وقتًا أطول بعض الشئ نتيجة انتزاعه مكاسبًا متراكمة على مدار السنوات الماضية من فض العزلة الدولية حوله وتمدده العسكري الإقليمي بما يجعل المساومة أعقد بطبيعة الحال. كافة القوى الرجعية والاستبدادية هنا تربح جزئيًا في التقسيم الإمبريالي الجديد للمنطقة والذي استغرق خمس سنوات منذ انطلاق الثورات العربية حتى يستقر على شكله الحالي وتحت القيادة اليمينية الفجة للمراكز الإمبريالية الرئيسية.
في هذا السياق يجد السيسي مكانه الطبيعي كمكون ثانوي، أو شريك أصغر، في هذا الحلف غير المقدس المتكالب على شعوب المنطقة. فالصعود اليميني المتطرف قاد لتلاقي روسي- أميركي حول التنكر التام لمجمل الطيف الإسلامي بكافة مكوناته بما في ذلك الإخوان المسلمين على اعتبار أن هذا الطيف هو مجرد تجليات مختلفة لقوى إرهابية من حيث الجوهر. وهو ما يخفف بالطبع من الضغط الدعائي للإخوان بالخارج ويدعم النظام القائم في إعادة تسويق نفسه دوليًا كشريك محتمل في الحرب ضد الإرهاب. ويرتبط بذلك بالطبع غض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان المروعة التي تجري في سياق هذه الحرب وربما عودة برامج تسليم المسجونين أو “سياحة التعذيب” التي انتعشت في عهد بوش الإبن. ويرتبط بذلك دعمًا للنظام في المحافل المالية الدولية لاستمرار سياساته القائمة على مزيد من الاستدانة الخارجية سواء من مؤسسات التمويل الدولية أو عبر طرح سندات الخزانة أو عبر الاستدانة المباشرة من الدول. قد يخفف لحاق السيسي بهذا التحالف كذلك من التوتر مع السعودية والذي تصاعد نتيجة إحساس الأخيرة بالحصار بعد إحجام السيسي عن مشاركتها أيًا من مغامراتها العسكرية أو السياسية في اليمن أو سوريا. الآن ومع استئناف التحرش الأميركي بإيران قد تتوصل السعودية إلى صيغة مرضية في اليمن عبر انتصار عسكري جزئي وتراجع الدعم الإيراني مقابل تسوية تشمل حلفاءها في سوريا ممثلين في منظمة جيش الإسلام الذي يمثل قائده مجمل المعارضة المسلحة في مفاوضات آستانة المرعية روسيًا. وبالتالي قد يمثل تراجع العزلة السعودية عاملًا من عوامل عودة التقارب أو على الأقل تخفيف التوتر مع السيسي.
إلا أن هذه الانتصارات اليمينية، وانتعاشة السيسي المرتبطة بها، تبدو قصيرة الأجل إذا وضعت في سياق الأزمة الرأسمالية العامة وكذلك في ضوء أزمة نظام السيسي السابق الإشارة إلى ملامحها. فالصعود اليميني شرقًا وغربًا محكومًا في النهاية بالتوافق مع فئات الرأسمالية الاحتكارية وشرائحها الكبرى أخذًا في الاعتبار طابع هذا الصعود القومي تحديدًا وأنه مدفوع في النهاية باستعادة النظام في مواجهة التجذير وليس العكس. إلا أن هذه الاتفاقات لن تقود إلا لمزيد من التململ في صفوف القوى الخاسرة من مصوتيه وهم الغالبية بطبيعة الحال. في المقابل، فاليمين القومي في روسيا وإن كان يتمتع بهامش مناورة أوسع بحكم طابعه السلطوي الفج وبحكم استناده إلى ريع الغاز، إلا أن الريع، المتقلب والمحدود، نفسه هو ما يضع حدودًا على توسعه العسكري عالي الكلفة في المنطقة، ومن ثم حدودًا على قدرته في دعم عصابات الاستبداد الإجرامية في سوريا وغيرها. في المقابل فالأزمة الهيكلية السابق التفصيل بشأنها لنظام السيسي تجعل من مهمة انعاشه مهمة قصيرة الأجل بحكم التعريف إذ يتطلب تجاوز هذه الأزمة دون التخلي عن الطابع الاستبدادي السلطوي مستوى من النمو الاقتصادي المتصاعد بالاعتماد على تدفق الريع سواء عبر استعادة المنح الخليجية أو عودة السياحة لمعدلاتها السابقة بخلاف تدفق الاستثمارات الخارجية في قطاعات إنتاجية وهي كلها شروط غير متحققة بالطبع بما يفرض على هذا النظام الانفتاح بهدف التفاوض مع طيف واسع من الحلفاء والخصوم إن عاجلصا أم آجلًا. ومن هنا نرى أن فرص الحركة الديمقراطية الإجتماعية في مصر قد تكون في صعود على المدى المتوسط في واقع الأمر.
ثالثا: معارك راهنة-قادمة للحركة الديمقراطية التقدمية
يناقش هذا الجزء من التقرير السياسي نشاط الحزب السياسي والادوار الذي لعبها فى مقاومة النظام القمعي والدفاع عن تحيزاته وموقعه كطرف حي وفاعل داخل الحركة الديمقراطية وبأعتباره أهم نواه نشطة فى مشروع بناء اليسار الجديد كما طرحت رؤييتنا الاستراتيجية .
أنخرط الحزب فى معركة الجزيرتين بقوة، فلقد كان وكيل مؤسسي الحزب خالد على هو اهم رمز سياسي وقانوني فى المعركة، فهو من بادر برفع الدعوي كما انه لعب الدور الاساسي فى ادارة المعركة القانونية و صاحب اهم المرافعات فيها الامر الذي جعله رمز المعركة الاول وجعل الحزب فى القلب منها ، لم يكن يمكن الانتصار فى هذه المعركة بدون هذا الزخم السياسي الذي صاحبها والذي بدأ بعد ان تشكلت الحملة الشعبية للدفاع عن الارض "مصر مش للبيع" والتى ضمت فى بيانها التاسيسي كل اطراف الطيف السياسي المصري "الديمقراطي" ان جاز التعبير من الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي والكرامة حتي الاشتراكيين الثوريين و6 ابريل وبمشاركة واسعة من شخصيات العامة وقيادات في الحركة الاجتماعية، فى اول تجبية سياسي يضم هذه الاطراف فى مشهد سياسي واحد منذ الثلاثين من يونيو 2012، وكما ناقشت التقارير المقدمة للجمعية العمومية السابقة كان لحزبنا دورا بارزا فى تأسيس هذه الجبهة وتوجيه حركتها وادارة تناقضاتها ، كما كان حاضرا فى كل محطات الحشد فى الشارع وفى المحكمه وللدفاع عن معتقلي الارض ، وربما من المهم التأكيد على ان ان حكم مجلس الدولة التاريخي يوم الساس عشر من يناير بمصرية الجزيرتين هو تكليل لمعركة خاضتها القوي الديمقراطية بكل مكوناتها على اصعدة مختلفة وانتزعت فيها انتصار تاريخي على النظام ودعايته السياسية "الوطنية" المتهافته والمبتذله. كما ان المعركة قد أعادت تقديم القوي الديمقراطية للجمهور باعتبارها القوي المستعده للدفاع عن ثروات الشعب المصري وأراضية وحقوقه الدستورية فى مواجهة كل دعاوي التخوين لها من طرف النظام واجهزته، كما انها معركة نجحت فيها القوى الديمقراطية فى اعطاء رسالة للمللكة العربية السعودية والاطراف الاقليمية الفاعلة، ان النظام المصري ليس صاحب الارداة الوحيده فى القرار "المصري" بل ان هناك قوى حية قادرة على الصراع معه وهزيمته خصوصا عندما تجد هذه المقاومة قبول من اجنحه داخل النظام واجهزة الحكم، لتنفذ ارادتها مستفيدة من التناقاضات المتنامية داخل مكونات الحكم في قضية شائكة مثل قضية الجزيرتين. وربما من المهم هنا التأكيد على أن عقد المؤتمر الصحفي بعد حكم قضاء مجلس الدولة التاريخي يوم 16 يناير فى الحزب دليل على مركزية دور الحزب فى المعركة واعتراف جميع الاطراف بهذا
اذ كانت قضية تيران وصنافير قد اصبحت القضية السياسية الاهم فى عصر السيسي التى اتفقت عليها القوى الديمقراطية واعتبرتها معركتها الاساسية وعنوان مركزي في صراعها مع نظام السيسي، فأن الحزب ايضا قد نشط فى قضايا تخص تحيزاته حتى لو لم تحظى هذه القضايا بأهتمام القوى الديمقراطية والنشطاء السياسيين، فلقد حضر الحزب بقوة فى كل الفاعليات على خلفية حادثة تفجير كنيسة البطرسية ، فلقد حضر ممثلي الحزب الجنازة وشارك فى كل الفاعليات الشعبية التى نددت بالجريمة الطائفية البشعة ، ليؤكد من جديد ان قضية المواطنه فى القلب من قضاياه ، تعبيرا عن قناعته بأن اليسار هو نصير كل المستضعفين والمقهورين والمضهدين بسبب الموقع الطبقي او بسبب الجنس او الدين خصوصا فى منطقة غارقة فى الصراع الطائفي والهوياتي ، وايمانا بأنه لا يمكن خلخلة تمتمرس معظم الاقباط خلف نظام السياسي القمعي الذي قد يستغل قضيتهم ويتاجر بيها بدون اى تلبية لاى مطالب حقيقية للمواطنين الاقباط او لقضية المواطنة فى مصر ، الا بحضور قوي لليسار فى دعم الاقباط والتأكيد على ان الدفاع عنهم كأقلية دينية اولوية في القلب من اولويات اليسار، وتقديم كل اشكال الدعم والتضامن معهم فى مواجهة هذا الاستهداف المستمر لهم من قوى الارهاب الطائفية، ومن الممارسات الطائفية المستمره من قطاعات واسعه من الشعب المصري برعاية الحركة الاسلامية بمكوناتها، ومن هذا الاستغلال الدولتي الذي يؤبد ازمتهم ويضعهم فى مواجهه مع الجمهور المأزوم من سياسيات النظام والذي تحول الاقباط الى داعمية الاساسيين بعد ان تراجعت شعبية بشكل كبير عند معظم الفئات الاجتماعية.
لم يكن يمكن ان تمر قرارت 3 نوفمبر الاقتصادية بدون رد فعل سياسي، فقرار تحرير سعر العملة المصرية وما تبعه من تخفيض في دعم المحروقات قد نتج عن موجة تضخمية هائلة وارتفاع فى الاسعار مس حياة ملايين المواطنين المصريين كما ساهم فى عدم توفر السلع الاساسية والدواء ، فلقد تم أتخاذ القرار بدون استعدادت حقيقة من الدولة وبدون اتفاقات حقيقية بين الدولة والمنتجيين ، وبدون اى قدرة للدولة على ضبط الأسواق والتحكم فى اسعار السلع . لقد وجدت الغالبية من المواطنين المصريين نفسهم في مواجهة موجة غلاء متوحشة نتج عنه تراجع كبير فى مستويات المعيشة فى غياب كامل للنقابات والتنظيمات الاجتماعية المستقلة القادرة على المقاومة والتفاوض ، ولهذا دعى الحزب كل الاطراف السياسية الديمقراطية للعمل على تشكيل حملة لمواجهة هذه القرارات المجرمة ، كان الهدف بالاساس هو تعبئة الحركة الاجتماعية المكونة من النشطاء النقابيين والفاعلين المحليين والقوى المتقدمة دخل قطاعات الفلاحين الصيادين والعمالة الغير منتظمة الخ لمواجهة هذه السياسيات الاقتصادية برعاية الاطراف السياسية ، فى فرصة لأعادة الحياة للحركة النقابية المستقلة ولعملية التنظيم الاجتماعي الطوعي المستقل، باعتباره المسار الوحيد لامتلاك المجتمع لادوات تمكنه من الدفاع الجماعي عن نفسة فى مواجهة العصابات الحاكمه وباعتبار ان هذه التنظيمات هي شرط اساسي لاستكمال مسار النضال الديمقراطي الذي يفتقد لاى رصيد شعبي جقيقي او اى جذور اجتماعية ، كما استهدفت الحملة ايضا دعم الحركة العمالية والموجات الاضرابية المتصاعدة المطالبة بتحسين الظروف المعيشية (النقل العام، مزراعي القصب، افكو الخ)
لم تكن استجابة القوى السياسية لهذه الدعوة فى مستوي استجابتهم لقضية الجزيرتين كما كان مقاومتهم لتشكيل جبهه واسعه كبير ، الا ان ممثلين للنقابات المستقلة والفاعلين فى النقابات المهنية وقيادات في الحركة الاجتماعية قد لبوا الدعوة ، لتعقد الحملة مؤتمرها الاول فى 13 ينيار بحضور كبير لقيادات الحركة الاجتماعية والنقابية، ليتحول اطلاق حملة "عايزين نعيش" فى 13 يناير الى اول رد فعل سياسي لهذه القرارات بعد محاولة خافته من التجمع والحزب الشيوعي المصري والحزب الناصري لاطلاق حملة ولدت ضعيفة نتيجة لترهل هذه التنظيمات ونتيجة لموقف هذه التنظيمات الموالية للنظام صاحب هذه القرارات وعزلتها عن الحركة الديمقراطية والقوي النقابية الفاعلة خصوصا الاجيال الشابة منها
تواجه حملة عايزين نعيش تحديات حقيقية ، فهدف الحملة بالاساس هو تنظيم المقاومة الاجتماعية لهذه السياسيات الاقتصادية، واستغلال هذا التحفز المجتمعي من الضغوط الاقتصادية لأعادة احياء "مكنة" تأسيس التنظيمات النقابية والتعاونية والروابط الاجتماعية المستقلة، ورغم الاستجابة الواسعه من قطاعات نوعية ومواقع جغرافية لنداء الحملة (اثاث دمياط، عمال افكو السويس، المعلمين المستقلين، رابطة مزراعي القصب الخ) الا ان ضعف هذه التشكيلات الاجتماعية ، وتردد القوي السياسية فى الانخراط فى الحملة لاسباب سياسية (الموقف من مصر القوية والاشتراكيين الثوريين) او حلقية (التنافس اليساري اليساري) وتمركز معظم الفاعلين فى الحملة فى القاهرة و الاسكندرية ، قد شكل تحديات حقيقية في قدرة الحملة على النمو السريع وتأسيسها فى مواقع جغرافية مختلفة واماكن للعمل، الا ان الحزب يضع الحملة فى القلب من اولوياته وسيسعي الى استمرارها ودعمها
بالنظر الى القضايا الذي انخرط الحزب في العمل فيها، يمكن ان نستنتج ان الحزب يحضر بقوة ويلعب ادوار محورية فى المعارك السياسية الكبرى كما انه ينشط ايضا فى معارك تخص تحيزاته، قضايا قد لا تلقي اهتمام كبير من النشطاء والقوي السياسية ولكن يرى الحزب انها قضايا بالغة الاهمية و لا غنى عنها فى مشروع الحزب الاساسي وهو اعادة تاسيس اليسار مدافعا عن قيم التقدم ، قيم المساواة والحرية، فى سياق سعية لبناء رصيد جماهيري داخل القطاعات الشعبية التى قد تجد فى هذه القيم مشروع تحررها من الاستغلال والقهر
يستعد الحزب فى سياق ما سبق للمعارك القادمة ، والتي تقع معركة المحليات ومعركة الانتخابات الرئاسة كأهم هذه المعارك من حيث الاهمية الجماهيرية للمعركتين، لم يتحدد موعد انتخابات المحليات بعد، وولكن لازال الحزب يري انها -فى حالة عقدها- معركة بالغة الاهمية ، فهي معركة قادرة ان تستغلها القوي السياسيه لتخوض معارك واسعه مع قوى التسلط والرجعية فى مواقع مختلفة والتواصل الواسع مع الجمهور على قضايا المحلية فى معركة تمس مصالح المواطنين اليومية، معركة يجب على القوى الديمقراطية ان تربط فيها بين اسئلة العدالة الاجتماعية ومواجهة الفساد مع قضايا المواطنه والنساء، وربما تكون معركة انتخابات المحليات المحطة الاهم فى مشروع بناء رصيد شعبي حقيقي للقوى الديمقراطية يكسر عزلتها ويخصلها من امراضها النخبوية
ثم تأتي معركة الرئاسة المحدد ميعادها سلفا "يونيو 2018" ، وهي المعركة السياسية الاهم فى السياق المصري ، والذي تخص حزبنا الوليد اكثر ما تمس غيره باعتبار ان الزميل خالد على مرشح محتمل فى المعركة القادمة بعد تنامي شعبيته للتتجاوز الحركة الديمقراطية الشابة لتخترق قطاعات شعبية رأت فى الزميل رمزا لمعركة الدفاع عن الارض
تبدوا الفرص فى هذة المعركة مثل تحديتها كبيرة، فمشروع بناء اليسار الجديد الذي نؤمن به يحتاج لمعركة واسعه بحيث تختبر فرص انتشاره "شعبيا" وتحوله الى طرف اصيل في أتون الصراع السياسي الدائر فى مصر، كما انها قد تكون مهمة ايضا فى محاولات تجاوز الاوضاع البائسة للنخب السياسية التقليدية من حيث كونها فرصة لانتاج نخبة سياسية شابة وجديدة وفاعلة انتمت لثورة يناير وقيمها المتقدمه وتبقي الاسئلة الصعبة كيف يمكن ان يولد هذا الجديد فى ظل التحديات التالية
1-التخلص من نفوذ المزاج التقليدي للنخب السياسية التقليدية، هذا المزاج الواقع فى أسر الدولة والذى يطغى فيه الاهتمام بالدولة على الاهتمام بالجمهور، وهنا التقرير لا يتحدث عن تناقض جيلي بل مرض يقع فيه قطاع واسع من النشطاء السياسيين فى كل الاجيال وبغض النظر عن موقفهم من الدولة، فمن من يريد مد جسور مع الدولة وانتظار ان تعطية مساحة للمعارضة لا يختلف فى هذا الصدد بمن يريد اسقاط النظام فورًا، ففي الحالتين تطغي الدولة على تصورات هؤلاء النشطاء واستراتجية عملهم بينما يغيب المجتمع واسئلته عن تصورات هذه النخب وعن اجندة عملها
2-رهان اطراف محسوبة على قوى الاسلام السياسي على هذه المعركة باعتبارها المعركة الاهم فى مسار صراعهم مع سلطة السيسي، معركة لن يتسطيعوا خوضها بممثل لهم، فربما تستثمر هذه القوى فى هذه المعركة بقدر ايمانهم بأنها فرصة سانحة للتعبئة ضد نظام السيسي، وربما الامر يتجاوز مصر القوية لصالح اجنحه اسلامية لها ارتباطات بالاخوان وحلفاؤهم الاقليمين ، وربما يكون التنبه لهذا الخطر مبكرا امر بالغ الاهمية بالقدر الذي قد يشوة صورتنا ويمنعنا من تمثيل ما نريد تمثيله من قيم وتوجهات فى المعركة، فمعركتنا مع نظام السيسي يجب ان تحصن بالقدر الممكن من تاثيرات صراعه مع قوى الاسلام السياسي بل علينا ان نحرص بالقدر الممكن ان تصب فى مشروع بناء مشروعنا التقدمي وخلق رصيد شعبي حقيق له بعيد عن هذا الاستقطاب الذي لازال يحاصر كل نضال تقدمي وكل المسارات البديلة نحو المستقبل
3- نشهد الان وعلى خلفية هذا التفسخ فى النظام العالمي صعود كبير للقوى اليمينية ذات الملامج الفاشية فى دول المركز الغربي، و ربما يكون انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحده الامريكية المؤشر الاهم فى هذا السياق، ويساعد هذا الصعود اعادة التوازن لاكثر القوي السلطوية فى المنطقة وربما انتصارات النظام السوري المجرم دليل على هذا، فهل يمكن ان تتحول معركتنا الرئاسية الى معركة تتجاوز استقطابات المنطقة الطائفية والقومية وفى مواجهه مع كل القوى الرجعية المحلية(المتصارعة فيما بينهم) وحلفاؤهم فى الاقليم والعالم ،لصالح طرح بديل تقدمي باسم الجماهير المتعطشة للعدالة والحرية يؤهلنا ان ان نكون طرف فى النضال الاممي وحليف لكل القوى التقدمية المناضلة فى المعركة الدائرة مع الفاشية الصاعده التى تغذت على صراع الهويات والتي كانت منطقتنا اهم مسارحه وسبب اساسي فى هذا الصعود اليميني الكبير فى دول المركز، فى رسالة واضحة ان هذه المنطقة قادرة على خلق بدائل تقدمية وان الصراع بين الرجعيات ليس قدرها الوحيد
وتبقي الاسئلة عن مشاركتنا فى المعركة و الدور الممكن للحزب فى الحملة -المحتملة- التى يمكن ان تخوض المعركة والاوزان النسبية للقوى السياسية والاجتماعية التي قد تختار خوضه معنا اذ قررنا المشاركة فى المعركة، وبرنامج الحملة وخطابها وجمهورها المستهدف هي اسئلة هامه يجب على الحزب البدء فى الاجابة عليها وربما كانت جمعيتنا هي محطه البدء فى اطلاق هذا النقاش

[1] - التقرير السياسي الصادر من الحزب بتاريخ سبتمبر 2014

[2] -التقرير السياسي الصادر من الحزب بتاريخ سبتمبر 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص