الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرجل الرمانة

منى وفيق

2006 / 1 / 22
الادب والفن


مُواؤهــُــــــــــــــــــــــــــم

للقلب أنين غير جاثم على التاريخ . و حيث أن التاريخ لا يصدُق إلا نادرا ، كان يخيّل لي كثيرا من أحيان منفلتة أنّه حكاية مبتورة من حكايات ألف ليلة و ليلة.. ذاك أن زمن الرجل الرمّانة كان شديد الاختلاف، مضغوطا بغير ما مطاطية بزمننا الذي يكثر فيه التشابه..!!
عنق من كان أشبه بعنق الآخر؟؟! عنق الزرافة أم عنقه؟! لم يكن أحد في حيّنا ليميّز الأمر ، و لا كان ليكفّ عن التفكير بانبهار في سرّ تلك الرمّانة المتبوعة ببذرة كالشوكة وسط عنقه..نعم ، فالله إذ خلق للرجال الآخرين تفاحة تتراقص متناغمة مع كل همس، زرع له عوضا عنها ماهو أشبه برمّانة ناضجة كثيفة الاحمرار.كانت تثيرني تلك البذرة أسفل الرمّانة..تتشنّج قاسية،بريّة ..قادرة على القضم بصمت ربّما!!
و لهذا أو لذاك كان أهل الحيّ يخافون الرجل الرمّانة – كما كنت أسميه- . ألأنّه لا يشبههم كان بالنّسبة لهم غريبا و منفّرا ؟!
قيل أنّه خُلق بالرمّانة مُدَاعبَةً برفيقتها البذرة .. أنّه أيضا عاش دون ذاكرة و لا ربع و لا أهل،مكتفيا و مرتاحا باعتزال الحياة في شرفته، فيها يأكل و ينام و يرعى صبّاراته..مستأنسا في ذلك برفقة مجموعة من قطط الشارع المتّسخة بيضاء وسوداء..كما لو أنّه كان راغبا في إيجاد من يساعده على حسم أمر مّا.
ما همّ لونُ القطط سكّان حيّنا بل مواؤها عند منتصف كلّ ليلة بشكل غير منقطع ولوقت ليس بقصير.قد كان المواء يزعجهم لكن ما كان يزيد من هذا الإزعاج هو فضولهم الأكثر عطشا.ماشغلني المواء البتّة ، كنت أتباهى بيني و بين نفسي بحزنه الأبيض.. بعسل قلبه المصفّى و غير القابل للتّهجين.كأنّه إجابات لأسئلة كثيرة.إحساسي به كان فاتنا بعبقريّة غامضة.. وحده مواؤهم كان يصرّ على أن يفسده ..كانوا مهمومين بمعرفة سبب مواء القطط ، و خائفا كنت من ذلك! لعلّهم كانوا يموءون أكثر من القطط.. فهل أموء أنا؟!

مُواؤهــُــــــــــــــــــــــــــا

غدوت أنتظر اليوم السابق لأفهم أكثر.منذ قررت تعقّب أثر إحساسي اللعين و التاريخ يولّي للوراء وسط تيهي.اليوم الثالث كان أول الأيام.. سرى صقيعه داخلي .كنت أهاب الأرقام الفردية و منها الرقم ثلاثة..كانت تلك الأرقام تعطيني الانطباع بأنها خائنة ، و كانت الخيانات تبحث عني دائما لكنني كنت أخلف مواعيدي معها. عكس هذه القطط الوفيّة في موائها المركّز بقوة . أوداج الرجل الرمانة ماضية في احمرارها أكثر و أكثر كلما لعقتها القطط.. البذرة أسفل الرمانة نضجت متشكلة رمانة ثانية..و أنا ، لا ذاكرة لي .
لَكُنتُ ظللت موجوعا بالبرد وخواء الذاكرة لولا اليوم الثاني..فيه استشعرت شيئا من دفء .كانت القطط حينها بدأت للتوّ بالمواء حين استيقظت من نومي .مواؤها كان أكثر إيلاما من صوت لا يجد له صدىً . شرفة الرجل الرمانة مقابلة لشرفتي
.كاد نُواحي يستجيب لمواء القطط لولا تلك اللقطة الرهيبة التي التقطتها عيني..
اللاّشيء و اللاّوقت ناوشاني بمكرٍ و الرجل الرمّانة قُبالتي واقف أمام إحدى صباراته يبكي و يبكي و بنتحب ..كأنّه يقرأ عليها تراتيل الموت .. أهو بوذي عتيق أم يهودي جعل من صباراته نباتات للمبكى عندما لم تستوعب حيطان الأرض بكاءه؟! عيني احتضنت بِرَيبٍ البذرة أسفل الرمانة و هي تشاكس مخاضها .. تصارع لتجد شكلا مّا..و القطط تستعد الانقضاض على أوداج الرجل الرمانة لتلعق دمعه ..و أنا ، أجادل الفراغ لاهثا ، و لا ذاكرة لي.
عند اليوم الثالث / الأول، كنت أرتجف كجمرة وسط الجليد.. أفقت من نومي لأحلم واقعا أذهلني.. الرجل الرمانة في شرفته يترصد واحدة من صباراته و عيناه كاميرا تلتقطان ما ستأتي به الصبارة .. بذرته أسفل الرمانة تتنطّط مثلي .. تتفـّح الصبّارة و تظهر نبتة الوردة الحمراء .. تزهر الوردة رويدا رويدا كأنها تريك تفتّحها و تباهيها بوجودها المزهر .... و الرجل الرمانة يبدو مزهوّا غير مدرك لشيء مثلما هي ذاكرتي .. لكن في غفلة و بإبهار تنكمش الوردة تدريجيا على نفسها و تذوّي و تسقط ..كأنّها الجمال المكثّف للحظات فقط .. يذوب زهوّ الرجل الرمانة .. يفتر فرحه بسرعة .. يبكي مستمرّا بعدم إدراكه لأي شيء .. و القطط تموء بحزن .. في حين ذاكرتي فارغة تتراقص على صوت مواءها ..

مُوائـــــــــــــــــــــــي

أخبرني أحدهم لاحقا في اليوم الصّفر حيث لا نهايات ولا بدايات أن القطط في ليلة مبحوث عن تاريخها كانت تموء بشدّة كما لم تفعل من قبل متأثّرة بموت الرجل الرمّانة ..برحت ذاكرتي في تيهها بعد هذا الخبر .. أمّا سكان الحيّ فبدوا مستغربين من البذرة التي نبتت وسط عنقي على حين غرّة . . قد أعطوني اسم " الرجل البذرة" لم أكن قلقا بشأن البذرة بقدر ما كنت منشغلا بالبحث عن قطط تشاركني موائي !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بسبب دهس سيدتين


.. كرنفال الثقافات في برلين ينبض بالحياة والألوان والموسيقى وال




.. هنا صدم الفنان عباس ا?بو الحسن سيدتين بسيارته في الشيخ زايد


.. إيران تجري تحقيقا في تحطم المروحية.. وتركيا تتحدث عن رواية ج




.. ضبط الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في الشيخ