الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليبيا تغرق في البحر الميت

محمد بن زكري

2017 / 4 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


نظرا لارتفاع نسبة تركز الأملاح في مياه البحر الميت ، فهو مسطح مائي آمن للسباحة ، لا يغرق فيه حتى من سئم تكاليف الحياة بين العرب و رغب بالانتحار غرقا للتخلص من العار . لكن ليبيا وحدها - كعادتها منذ أيام هيرودوت - هي من كسرت القاعدة و شذت عن قوانين الطبيعية ، فغرقت في البحر الميت . خاصة و أنه ما كان لقادة النظام الرسمي العربي الغارق في التخلف ، إلا أن ينتهوا في دور الانعقاد الثامن و العشرين لقمة ما فوق الركبة العربية - في المنتجعات السياحية على ضاف البحر الميت - إلا أن ينتهوا إلى ما انتهوا إليه من قرارات باهتة ، مستنسخة من إرشيف قراراتهم السابقة (الميتة) ؛ بدءً مما يسمونه - تكاذبا - قضية العرب المركزية ، و ليس انتهاءً إلى قضية دولة الميليشيات - الإسلامية و القبلية و المرتزقة - القائمة على أنقاض دولة (ليبيا السابقة) في طرابلس المحتلة . و ما كان لـ (أصحاب الجلالة و الفخامة و السمو و المعالي) إلا أن يتوافقوا - كما كان متوقعا - على تأييد إغراق ليبيا في المستنفع الفبرائري الآسن ، تقمصا لدورهم في المشهد الدموي للعبة الأمم الجيو ستراتيجية ، على مسرح الشرق الأوسط و شمال أفريقيا ، لإعادة ترتيب العلاقة بين دول المركز و دول الأطراف ، في نظام العولمة الراسمالية . ومن ثم كانت الصيغة المفخخة للفقرة (5) المخصصة للأزمة الليبية - المفتعلة - من البيان الختامي لقمة البحر الميت ، بما تضمنته من إحالة حل الأزمة إلى الآليات التي أنتجتها ، تكريسا لمعطيات الأمر الواقع ، في سياق التطبيق التعسفي غير المسؤول ، لاتفاق الصخيرات التعسفي غير المتوازن .
و إن الغافلين و المغفَّلين وحدهم ، من يعلقون أي أمل على منظمة جامعة الدول العربية و ينتظرون منها أية مبادرة جادة لخدمة مصالح الشعوب الناطقة بالعربية ، ؛ ذلك أن جامعة الدول العربية ، بما هي انعكاس للنظام الرسمي العربي ، و بما هي ناتج من النواتج الثانوية للحرب العالمية الثانية .. التي تجاوزها الزمن ، ليست غير جهاز إداري غارق في البيروقراطية ، لنظام إقليمي مرتهن بالكامل - في أمانته العامة و آليات اتخاذ قراراته - لإرادة و إملاءات النظم الرجعية في ممالك و مشيخات الخليج الفارسي ، المستقوية بالبتردولار و الحماية الأميركية . فالمال الخليجي وحده هو من يقف وراء قرارات جامعة الدول العربية ، سواء في مجلسها الوزاري (مجلس وزراء الخارجية العرب) أم في مؤتمرات القمة العربية الدورية و الطارئة ، كما ظهر ذلك بكل الوضوح في قرار الجامعة العربية - الصادر بتاريخ 12 نوفمبر 2011 - بتعليق عضوية سوريا ؛ بل إن قمة الدوحة (سنة 2013) منحت مقعد الدولة السورية لما يسمى الائتلاف الوطني السوري ، و تكرر ذلك في مؤتمر القمة بالكويت (سنة 2014) ، غير أن قمة شرم الشيخ (سنة 2015) عادت مضطرة إلى تعليق عضوية الدولة السورية و ترك مقعد سوريا شاغرا ، نظرا لتهديد بعض الدول العربية بالانسحاب من الجامعة ، فيما لو مُنح المقعد للائتلاف المنشق عن الدولة السورية ؛ على أن قمة شرم الشيخ خضعت للابتزاز الخليجي ، المعزز بقوة البترودولار ، فأيدت حرب التحالف العربي على اليمن ، التي انطلقت تحت اسم (عاصفة الحزم) بقيادة السعودية ، بالتزامن مع انعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب بتاريخ 25 مارس 2015 ، تحضيرا للقمة العربية 26 ، التي كان أصحاب الجلالة و الفخامة و السمو و المعالي (يومي 28 – 29 مارس) ينعمون فيها بكرم الضيافة المصرية في منتجعات شرم الشيخ السياحية ، بينما كانت طائرات (F16) السعودية ، تصب جحيما من القنابل العنقودية و الفراغية فوق رؤوس أبناء الشعب اليمني الفقير (انتصارا للديمقراطية) ، و يخرج أمين عام جامعة الدول العربية (نبيل العربي) و قد قبض الثمن ، ليقول : " إن عاصفة الحزم ستستمر إلى أن تحقق أهدافها " .
و بهذا المنظور لواقع النظام الإقليمي العربي ، الذي تمثله منظمة جامعة الدول العربية ، ليس من وجه اعتراض ، يمكن الاعتداد به لدى الأردن ، فيما يتعلق بتوجيه الدعوة إلى رئيس المجلس الرئاسي ، لتمثيل الدولة الليبية في قمة البحر الميت ، فليس للحكومة الأردنية إلا أن تلتزم بما تقرر في جامعة الدول العربية من الاعتراف بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ، ممثلا حصريا وحيدا للسلطة التنفيذية في ليبيا . كما أنه ليس من وجه اعتراض ، يصلح للاعتداد به في جامعة الدول العربية ، بالمخالفة لما تقرر في مجلس الأمن الدولي - بالإجماع - من تبني مخرجات اتفاق الصخيرات ، و حصر حق تمثيل الدولة الليبية في حكومة الوفاق . و القانون لا يحمي المغفلين ، فعلى نفسها و على ذويها جنت براقش .
و رغم أن البيان الختامي للقمة العربية 28 ، التي تم (إحياء) فعالياتها في منطقة البحر الميت بالمملكة الأردنية الهاشمية ، لم يتبنَّ (شطحات) مشروع القرار المعروض على مجلس وزراء الخارجية ، فيما يخص المسألة الليبية ؛ إلا أنه قد أقر - ضمنا - شرعية المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ، باعتباره الممثل الوحيد - المعترف به دوليا - لسيادة الدولة الليبية ، بما يعنيه ذلك من إضفاء طابع المشروعية على السياسات التي ينتهجها المجلس الرئاسي و حكومته ، في إدارة شؤون الاقتصاد الليبي و ملفاته الحساسة ؛ بما في ذلك حق الرئاسي في المطالبة بإلغاء التجميد المفروض دوليا على الأموال الليبية في البنوك الأجنبية و الأوعية الاستثمارية الليبية في الخارج (و ذلك هو بيت القصيد) ، أخذا ببيان روما ، الصادر (تتويجا) لاجتماع عُقد بتاريخ 17 نوفمبر 2016 ، ضم ممثلين لكل من : المجلس الرئاسي و مصرف ليبيا المركزي و ديوان المحاسبة و المؤسسة الوطنية للنفط ، بمشاركة ممثلين عن الأمم المتحدة و (البنك الدولي و صندوق النقد الدولي) و المجتمع الدولي ! استكمالا للحوار الشهير - بين نفس الأطراف - الذي انطلق في لندن يومي 31 أكتوبر / 1 نوفمبر2016 . للبث في السياسات الاقتصادية (المالية و النقدية) للدولة الليبية ! .
و كما للرباعي الغربي (إيطاليا و فرنسا و انجلترا و أميركا) ، فإنه ليس من شك في أن لقطر يدا طولى - تحت الطاولة و فوقها - في دعم المجلس الرئاسي بمؤتمر قمة البحر الميت ، غداة زيارة كل من رئيس المجلس الأعلى للدولة و رئيس المجلس الرئاسي إلى الدوحة ، خاصة و أنّ قطر تضع عينها على (صفقة القرن) في الغاز الليبي ، الأمر الذي لم تعد تفاصيله سرا . و ليس أفضل من حكومة ليبية يديرها التجار و رجال الأعمال ، لعقد مثل تلك الصفقة . فالتاجر لا يفكر مطلقا إلا بتعظيم أرباحه ، و رجل الأعمال لا يمكن له - تحت كل الظروف - أن يصلح ليكون رجل دولة . و يكفي دليلا على ذلك نص كلمة رئيس المجلس الرئاسي ، في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر قمة البحر الميت ، بما تضمنته من مغالطات ساذجة ، تستدعي السخرية أكثر مما تستدعيه من الغضب (على سبيل المثال ، حديثه عن / 1 : توفير احتياجات المواطنين المتعددة ، والعمل على مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية التي تعيشها البلاد ! فطبعا لم ينعم الليبيون برغد العيش و الأمان ، كما نعموا بهما في ظل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق . 2 : التصعيد العسكري في منطقة الهلال النفطي ! فطبعا ميليشيا الجضران - المتحالف مع الرئاسي - هي القوة العسكرية الأولى بحماية الموانئ النفطية . 3 : النتائج الباهرة التي حققتها " قواتنا المسلحة " في مدينة سرت ضد تنظيم الدولة ! و طبعا دون تدخل عسكري - مباشر و نوعي و كثيف - برا و بحرا و جوا ، للمارينز و قوات أفريكوم الأميركية و قوات النخبة البريطانية و كتيبة المهام الخاصة الإيطالية) . و لأن التجار و رجال الأعمال ؛ فضلا عن كونهم غير مؤهلين (موضوعيا) لإدارة شؤون الدولة و المجتمع ، بحكم تعارض مصالحهم الخاصة مع المصلحة العامة للدولة و المجتمع ، و بحكم التناقض الحاد بين مصالح الوكلاء التجاريين و المصالح الحياتية للناس .. فهم لا يجيدون السباحة في بحر السياسة متلاطم الأمواج ؛ و من ثم فإن تمثيل الدولة الليبية في القمة 28 لجامعة الدول العربية ، برئيس مجلس رئاسةٍ لحكومة وفاقٍ وطني ليبي ، أوتي به إلى السلطة ، في صورة (رجل دولة) ، من عالم التجار و رجال الأعمال ، ينطوي بوقائعه و ملابساته و مآلاته ، على رمزية موت (الدولة) الليبية غرقا في البحر الميت .
و لأني ممن آلوا على أنفسهم ألا يخونوا ضمائرهم ليسبحوا مع التيار ؛ فلا عزاء للجماهير (الرثة) أيتام سبعطاش فبراير ، التي لن تستوعب دروس السنوات الست الفائتة ، رغم فائض قسوتها و مراراتها . و لن تعي أن التجار و رجال الأعمال و من يسمونهم بالوجهاء و الأعيان و الحكماء و شيوخ القبائل ، لا يصلحون - بالمطلق - لإدارة الشأن العام في عصر العولمة ، و لن تفيق من غيبوبة أوهام الإخاء بين أصحاب الملايين و المُفقَرين . و من ثم ستعود في أية انتخابات قادمة ، إلى وضع ثقتها بنفس القوى الاجتماعية ، و وضع رقابها تحت نفس المقصلة ؛ فالذباب قصير الذاكرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إسقاط مسيرة إسرائيلية بعد استهدافها في أجواء جنوبي لبنا


.. كيف ستتعامل أمريكا مع إسرائيل حال رفضها مقترح وقف إطلاق النا




.. الشرطة تجر داعمات فلسطين من شعرهن وملابسهن باحتجاجات في ا?مر


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا