الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شارون يورّث حكمه لاولمارت

يعقوب بن افرات

2006 / 1 / 22
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


ليست شخصية شارون هي التي ستطرَح امام الناخب في 28 آذار القادم، بل نهجه وبرنامجه. والعنصر الاساسي في هذا النهج هو الايمان بعدم وجود شريك فلسطيني يمكنه الوصول مع اسرائيل للحل الدائم. الاجماع الاسرائيلي الجديد حول هذا النهج يمكن ان يحصد مقاعد كثيرة في البرلمان ولكنه سيصطدم بالواقع كغيره من الفرضيات الاسرائيلية السابقة التي لم تقد الا لعواقب وخيمة.
يعقوب بن افرات

اختفاء رئيس الوزراء الاسرائيلي، اريئل شارون، عن الساحة السياسة بعد اصابته بجلطة دماغية حادة، كان من المفروض ان يُحدث زلزالا سياسيا جديدا، ويقلب الخريطة السياسية الاسرائيلية رأسا على عقب. غير ان شيئا من هذا لم يحدث، بل بالعكس فقد ازدادت قوة حزب شارون "كديما"، كما اشارت استطلاعات الرأي التي اجريت بعد تولي نائبه، ايهود اولمارت، مهامه كرئيس للحكومة.

كيف يمكن تفسير هذه الظاهرة السياسية؟ وماذا يمكن ان نتوقع من أولمارت، عدا عن التوقعات التي تنبئ بفوز كاسح لحزبه في الانتخابات القادمة؟ ان نجاح اولمارت في الوصول الى رئاسة الحكومة، يبدو مثيرا علما انه بالكاد دخل الكنيست، اذ وصل في الانتخابات الداخلية السابقة في الليكود الى المكانة ال38. وكان اولمارت على وشك ترك الحياة السياسية، لولا طوق النجاة الذي قدمه له شارون عندما اقترح عليه وزارة الصناعة ومنصب "القائم بأعمال رئيس الحكومة".



من اين جاء اولمارت

استفاد اولمارت من الصراع التناحري بين شارون وبنامين نتانياهو. ولهذا الصراع تاريخ بدأ منذ فوز نتانياهو برئاسة الحكومة عام 1996. حينها استثنى نتانياهو شارون من حكومته، ولم يشركه الا بعد تدخل من وزير الخارجية حينذاك، دافيد ليفي، وقلّده رئاسة وزارة هامشية (البنى التحتية). بعد اعتزال نتانياهو الحياة السياسية غداة خسارته الانتخابات عام 1999 لصالح براك، دخل شارون مركز الحدث، وتولى رئاسة حزب الليكود. في عام 2001، بعد سقوط حكومة براك، اتفق شارون مع براك على قطع الطريق امام محاولة نتانياهو المعلنة العودة لتولي الحكومة في اسرائيل، فمنعا حل الكنيست واكتفيا باجراء انتخابات لرئاسة الحكومة.

ان الائتلاف ضد نتانياهو قائم منذ زمن طويل، وهو يشمل حزب العمل وفي مقدمته شمعون بيرس، بالاضافة الى شرائح واسعة من حزب الليكود، وبينها رموز اعتبرت من "أمراء" الحزب مثل دان مريدور وروني ميلو، الذين شغلوا مناصب وزارية. وقد قام هؤلاء الامراء بالانشقاق عن الليكود وتشكيل حزب "المركز"، مما أضعف الليكود وقاد لخسارة نتانياهو امام براك في 1999. اولمارت الذي شغل منصب رئيس بلدية القدس، كان بعيدا عن الصراعات الداخلية، ولكنه انتمى لنفس المجموعة المستاءة من سلوك نتانياهو ونهجه السياسي.

وصول شارون للحكم تكلل بائتلاف حكومي ناجح مع حزب العمل، هدفه إخماد نار الانتفاضة الفلسطينية من خلال عملية عسكرية واسعة أدت لانهيار السلطة الفلسطينية واحتلال مباشر مجدد لمدن الضفة الغربية وغزة. لنتانياهو لم يكن دور في هذه المعادلة، فاعتماده على اليمين المتطرف منع اي احتمال ان يكون شريكا لحزب العمل. لذا اعتبر وصوله الى الحكم تهديدا حقيقيا ونذيرا بوقوع انشقاق اسرائيلي داخلي كبير. وفي حين تمكن شارون من خلق اجماع سياسي واسع جدا حول حربه وخطته السياسية تجاه الفلسطينيين، تحول تنانياهو الى رمز للفُرقة والخلاف. من هنا لم يبق امام نتانياهو الا انتظار فرصته في عهد ما بعد شارون.

ولكن الفرصة كانت لأولمارت. وقد سنحت له عندما منح دعمه الكامل دون تردد لخطة شارون الانفصالية حين كانت اشبه بمغامرة كبيرة، ولم يكن واضحا هل ستصمد حكومة شارون امام معارضة المستوطنين وأحزابهم في الكنيست. وكان في استطاعة هؤلاء اسقاط حكومتين متتاليتين، مرة على اثر توقيع نتانياهو مع عرفات على اتفاق "واي" عام 1998، والثانية على خلفية استعداد حكومة براك للتوقيع على اتفاق الحل الدائم في كامب ديفيد عام 2000. من هنا لم يصدق احد ان يغامر شارون ويقدم على تنفيذ اعلانه اخلاء مستوطنات قطاع غزة، التي تشكل سابقة خطيرة للغاية.

ومع ذلك، اختار أولمرت موقف "أكون او لا أكون"، لانه كان يعرف ان سقوط شارون ونجاح نتانياهو سيعني نهاية سيرته السياسية. وفي حين اتخذ نتانياهو موقفا متذبذبا من الخطة، وكذلك شكك سيلفان شالوم المنافس الثاني على رئاسة الليكود، بقدرة شارون على تمرير خطته، اصبح اولمارت الناطق بلسان رئيس الحكومة ومن اشد مؤيديه.



اجماع سياسي جديد

كان اولمارت على علم بان اعضاء مركز الليكود، الهيئة التي تنتخب قائمة المرشحين للكنيست، يعارضون خطة شارون، تحديدا بسبب تجاهله لهم واستثنائهم من المناصب التي يحلمون بها كحزب سلطة. وقد عمد هؤلاء لاستغلال موقعهم للحصول على امتيازات شخصية ومناصب، فاختاروا قائمة المرشحين للكنيست حسب معايير فئوية وغير موضوعية، تقربهم من الوصول الى اهدافهم. وادى الامر لدخول عناصر مشكوك بها من ناحية اخلاقية ومن ناحية كفاءاتها السياسية لقائمة الليكود، في حين وصلت عناصر اكثر تجربة مثل اولمارت نفسه الى مواقع متأخرة.

نتانياهو الذي حقق نجاحا نسبيا بوصفه وزير للمالية، كان على يقين بان اعادة انتخاب شارون لرئاسة قائمة الليكود في الانتخابات الداخلية، ستقود الى تهميش دوره وتقوية منافسيه اولمارت، تسيبي ليفني، شاؤول موفاز وغيرهم من الرموز التي انتقلت الى حزب شارون الجديد "كديما". فلم يبق امام نتانياهو الا الصراع على حياته السياسية وقطع الطريق امام محاولة شارون، فلجأ لاستخدام نفوذه في مركز الحزب، لهزم شارون في الانتخابات الداخلية لرئاسة الليكود.

غير ان شارون استغل شعبيته الواسعة كسلاح ضد اعضاء المركز. ورغم خسارته في الاستفتاء الداخلي حول موضوع الانسحاب من غزة، الا انه مضى في خطته، مما قلب عليه كتلة الليكود في الكنيست وخلق ظاهرة "المتمردين" في حزبه.

كما قام شارون بخطوته المكملة لخطة الانفصال، وسعى للاستيلاء على حزب الليكود من خلال التهديد الواضح بترك الحزب وتشكيل حزب جديد، اذا لم تقدم له ضمانات للدعم المطلق من المركز. وكان اولمارت من اشد المؤيدين لخطوة تشكيل حزب جديد، يمكن ان يتبوّأ فيه مكانة مرموقة، ويجنّبه المنافسة الصعبة مع شالوم ونتانياهو على خلافة شارون داخل الليكود. وجاء انشقاق شارون، ليشكل خطوة مصيرية قلصت قوة الليكود وقذفته الى هامش الساحة السياسية بعد 30 عاما شبه متواصلة من احتكار الحكم.

ولم يكن الانشقاق عن الليكود نابعا من تغيير في موقف شخص، بل كان تعبيرا عن نهج جديد يُجمع عليه الجمهور الاسرائيلي الذي سئم من التدخل العسكري كنهج سياسي ثابت، خاصة بعد الثمن الاجتماعي والاقتصادي الغالي الذي كلفته تجربة لبنان والانتفاضة الفلسطينية. وقد بدأت هذه الاصوات تعلو بعد ان اتضح فشل اسرائيل في "ترويض" الشعب الفلسطيني، فكان المطلب الاول الانسحاب الاحادي الجانب من لبنان، ثم بناء الجدار الفاصل بين اسرائيل والمناطق المحتلة. بهذا فقد اليمين حلم "اسرائيل الكبرى"، بعد ان تنكرت الأغلبية في اسرائيل للمستوطنين ومذهبهم التبشيري.

وقد جسد شارون هذا المناخ الجديد، فلم يتحدث عن اقتراحات لسلام عادل بين الشعبين، بل اعلن فك الارتباط المباشر مع سكان المناطق المحتلة، وذلك من خلال اخلاء المستوطنات في المناطق المأهولة بالسكان، دون التنازل عن السيطرة الامنية على المنطقة. قد تشكل على اساس هذا الاجماع الشعبي الجديد تيار سياسي مركزي يجمع بين عناصر من الليكود والعمل و"شينوي"، وهي الاحزاب التي كانت جزءا من ائتلافات شارون الاخيرة. وكان على شارون ان يبني على اساس هذا التيار حزبا جديدا يتمتع بأغلبية ساحقة. الليكود الذي اختار معارضة الخطة لم يعد يستطيع ان يكون في الحكومة لينفذ رغبة الاجماع الجديد.



ما بعد شارون

ان السهولة التي دخل بها اولمارت الى الفراغ الذي تركه شارون، تشير الى كديما ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل نهج سياسي تكوّن بعد الانسحاب من غزة والانشقاق عن الليكود. وسرعان ما تبين ايضا ان اولمارت هو الوريث الذي اختاره شارون، كونه شخصية ذات تجربة سياسية، في حين وعد شمعون بيرس بالمكان الثاني في القائمة. وكان انصياع اعضاء كديما لاولمارت تلقائيا، ليس حفاظا على مكانة الحزب الجديد، بل تنفيذا لرغبة شارون الذي مهّد الطريق امامه ليرثه حين يعتزل الحياة السياسية. كل ما كان ان الجلطة المفاجئة، سرّعت الخطة التي كانت جاهزة مسبقا، علما انه دون قيادة شارون للانشقاق ما كان لاولمارت بمفرده ان يصل الى نفس النتيجة الناجحة.

ليست شخصية شارون هي التي ستطرَح امام الناخب في 28 آذار القادم، بل نهجه وبرنامجه. ان العنصر الاساسي في هذا النهج هو الايمان بعدم وجود شريك فلسطيني يحظى بدعم شعبي متين، ويمكنه الوصول مع اسرائيل الى الحل الدائم. ان موقف اسرائيل من هذا الحل معروف، وابرز علائمها الجدار الفاصل الذي يرسم الحدود دون اتفاق، وتكريس الاستيطان والسيطرة الاسرائيلية على القدس، في حين يتم تجاهل مصير اللاجئين الفلسطينيين. وبما انه لن تقوم هناك سلطة فلسطينية، قادرة على الموافقة على مثل هذا الموقف وبدعم شعبي متين، يصبح الاستنتاج الاسرائيلي هو عدم وجود شريك وفرض "الحلول" الاحادية الجانب، بدعم امريكي. في هذا الوضع ستنحصر مهام السلطة الفلسطينية القادمة في مجرد "التنسيق" وتسلم السيطرة على المناطق التي يتم اخلاؤها، كما سبق ان حدث في الانفصال عن غزة.

بين الدعم الامريكي الكلي والتنسيق الفلسطيني الجزئي، ستعمل حكومة اولمارت الجديدة على خلق واقع سياسي وامني جديد، حسبه ستنسحب اسرائيل الى الحدود التي تقررها هي، وسيكون على الفلسطينيين العيش في دولتهم المؤقتة، دون التنازل عن حقوقهم الوطنية الثابتة. تعايش من نوع جديد، حل مؤقت تفترض اسرائيل ان يدوم الى ان يوافق الفلسطينيون عليه حتى لو احتاج الامر عقودا طويلة.

ويتوقع اولمارت ان يجلب هذا المخطط اصواتا كافية لحزبه، تسمح له بتشكيل حكومة تمهد الطريق للكارثة المستقبلية. انها كارثة لان هذا المخطط سيخلق الانطباع بانه حل مشكلة الاسرائيليين، ولكنه سيحوّل حياة الفلسطينيين الى جحيم حقيقي. ما يريده اولمارت هو حل المشكلة "السكانية" للحفاظ على يهودية الدولة، دون اي التزام بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة ومقومات اقتصادية حقيقية تضمن لقمة العيش لمليوني فلسطيني أُبعدوا عن مصدر رزقهم الوحيد داخل اسرائيل.

لهذه الاسباب سيصل الاجماع الاسرائيلي الجديد الى نفس المصير الذي آلت اليه الفرضيات الاسرائيلية السابقة: فمن الاقتراح الاسرائيلي ب"العودة" الى شرم الشيخ في الستينات، الى فرض "السلام" على لبنان في الثمانينات، وحتى اتفاق اوسلو في التسعينات، كلها انتهت بتراجع اسرائيلي عن الحدود التي حاولت الامتداد اليها. عهد الجدران الفاصلة والانفصالات الاحادية الجانب، الذي تولى اولمارت قيادته سيوصله الى نفس النقطة التي انتهى اليها زعماء اسرائيل الذين ارتكنوا الى امريكا في محاولتهم القفز عن التاريخ. ان امريكا نفسها اصبحت ضحية لنهجها الاحادي الجانب الساعي لفرض هيمنتها على العالم بالقوة. ولن يمضي وقت طويل حتى يتحول اجماع اولمارت الجديد الى وهم جديد ومزيد من المآسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المجر بقيادة أوربان تتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي..


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. التجمع الوطني: الإغواء الأخي




.. انتخابات فرنسا.. ماذا سيحدث إذا لم يحصل أحد على أغلبية مطلقة


.. مستقبل غزة في -جيوب إنسانية- .. ملامح -اليوم التالي- تتكشف




.. إسرائيل تعتزم بدء المرحلة الثالثة من الحرب على غزة خلال أيام