الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعتذر باسم الشعب العراقي للباكستانيين والأمريكان

صائب خليل

2006 / 1 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قتلت غارة امريكية 18 مدنياً في قرية دام دولا في الباكستان فقامت القيامة في البلاد!

تقول الأخبار ان عشرات الآلاف من الباكستانيين خرجوا في مظاهرات احتجاجية في مختلف المدن الباكستانية, رافعين لافتات تدين القصف الأميركي, ومطالبين بخروج القوات الأميركية من أفغانستان, نددوا خلالها بتعاون حكومة الرئيس برويز مشرف مع الولايات المتحدة, وطالب 13 من أعضاء البرلمان الباكستاني الحكومة توضيح موقفها.
بل أن الخارجية الباكستانية استدعت أمس السفير الأميركي لدى إسلام آباد لتقديم احتجاج على تلك الغارة الأميركية, وقالت الحكومة بأنها "لن تسمح بتكرار مثل هذه الأحداث".

كل هذا بسبب قتل 18 شخصاً في قرية؟ يبدوا أن اخواننا الباكستانيين لم يتعودوا بعد على ما تعودنا عليه من زمان, وهو انه يحق للأمريكان قتل من يشاؤون متى ما يشاؤون, ليس بدون شروط بالطبع, فيشترط بهم ان يقولوا انهم كانوا يشكون بوجود ارهابيين في المكان الذي قصفوه. والحقيقة ان الامريكان قد شرحوا ذلك مراراً وأكدوا انهم كانوا يشكون بوجود الظواهري نفسه, الرجل الثاني في القاعدة في المكان المقصوف, لكن يبدوا ان الباكستانيين لم يكونوا يسمعون جيداً.

إسمعوا هذه النكتة القديمة: دهست سيارة رجلين فمات الأول وكسرت ساق الثاني. ضل صاحب الساق المكسورة يصيح ويشتم ويلعن فقال له السائق: "عمي ليش كل هالخبصة؟ أشو صاحبك مات كلشي ما حكى؟"
ربم توحي هذه النكتة للأمريكان بما يجب ان يقولوه للباكستانيين!

أما لماذا اعتقد اننا يجب ان نعتذر للباكستانيين والأمريكان فلأننا في الحقيقة من تسبب في "سؤ الفهم" هذا. فنحن اعطينا الأمريكان انطباعاً بأن لهم ان يقتلوا منا من يشاؤوا دون ان يعترض احد لا في البرلمان ولا خارجه, أما الحكومة فأنها تعتذر عادة. هذا ان لم تعلم الحكومة بالغارة مسبقاً لكن وبفضل ادبها الشديد, يقدم الجيش الأمريكي للحكومة العراقية إشعاراً قبل القصف وعندها تنسق الحكومة مع الجيش الأمريكي امتناناً.

وللأمريكان يجب ان نعتذر بشدة, وان نفهمهم ان مثل هذه الحركات ممكنة مع العرب فقط, وأنهم اخطأوا بتطبيقها كيفما اتفق على الآخرين... ان يقصفوا مدن العراق او يقصف الأسرائيليون الحارات الفلسطينية حين يشتبهون بأنها تحتوي المطلوبين لعدالتهم..هذا ممكن. أما ان يتصوروا ان كل من "هب ودب" لديه مثل هذا الكرم العربي, فهو خطأ كبير! فنحن مثلاً لاننزعج ولانعرقل اعمالنا حتى ولو قصفت مدينة كاملة إذا شك الأمريكان بوجود "مساعد للزرقاوي" فيها, فكيف الحال بثاني رجل في القاعدة؟

يقولون ان معظم الضحايا من الأطفال والنساء...ثم ماذا؟ هذا يحدث لدينا دائماً فلا نفتح فمنا! ثلاثة منازل؟ عندنا لو يدمرون ثلاث مدن نقول : فدوة! وما الداعي للكلام الكبير الذي قاله لياقت بلوش زعيم مجلس العمل بأن ذلك الهجوم يعد "تهديدا لسيادة البلاد" ووصفه بأنه "عار على حكومة الرئيس مشرف التي تقاعست عن حماية البلاد وأرواح شعبها".
بصراحة يا لياقت إحنا الحكومة عندنا مشغولة جداً وما عندها وقت تضيعه بـ " حماية البلاد وأرواح شعبها"!

يبدو أن النائب الإسلامي بالبرلمان عن المنطقة صاحب زاده هارون الرشيد لم يتعلم الدبلوماسية بعد – حقهم متخلفين - لأنه وصف الغارة بأنها "إرهاب مفتوح".
يبدوا لي من المناسب بعد الحادثة ان ندخل الحكومة الباكستانية دورة في اصول الضيافة للأمريكان عندنا تعبيراً عن الأسف للحرج الذي سببناه لهم وللأمريكان, لكي يتعلموا من سياسيينا, فمثلاً رئيس وزراءنا الجعفري كاد يعتذر للبريطانيين المتنكرين عندما قتلوا ثلاثة من شرطته أثناء الواجب وقال أنه ليس زعلاناً وأنه لاتوجد مشكلة مع الجيش البريطاني, حتى دون ان يسأله احد.

ولم يحتج رئيسنا الطالباني مثلاً حين اكتشفت فضائح سجن ابوغريب على الحكومة الأمريكية, ولم يزعج الجيش الأمريكي بأستفسار ولو شكلي إطلاقاً..لقد سارع قبل الأمريكان بالقول انه "حادث عارض قام به أفراد ولا يمثل السياسة الأمريكية" ثم راح يشيد بالأمريكان وسياستهم حتى تحول الموضوع الى مديح واطراء, وبدل الخلاف والشقاق صارت حفلة مجاملات!

ولكن كيف توهم الأمريكان وخلطوا بيننا وبين الباكستانيين دون انتباه, رغم المسافة الشاسعة بين البلدين؟ لعلهم قالوا هؤلاء مسلمون وهؤلاء مسلمون, فيفترض ان يتعاملوا بنفس الأخلاق. أو ربما اشتبهوا بلون البشرة, خاصة وأن في الجنوب العراقي سمرة تقارب سمرة الباكستانيين والهنود. وهذا يذكرني بشيء لعله يشرح الموضوع!

لدينا في العراق مثل قديم مرح لايخلو من عنصرية يقول: "شفتونا سود عبالكم هنود؟" أي : رغم اننا سود, لكننا لسنا هنوداً, أي: لسنا مغفلين. واعتقد ان المثل يعود لبداية الإحتلال البريطاني للعراق حين كانت الهند وباكستان دولة واحدة, اي ان تعبير "هنود" هنا يشمل الباكستانيين ايضاً.

حادث القصف ورد الفعل عليه يبين بوضوح اننا مانزال نحتفظ بتفوقنا "العنصري" على جنس "الهنود" من خلال تعاملنا الحضاري مع قصف مدننا وقتل البشر عندنا, في حين لم يتمكن الباكستانيين "الهنود" ولا حكومتهم من التصرف بشكل لائق, كما يليق بـ "اولاد العشاير"...والنعم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي تداعيات إبطال محكمة العدل الأوروبية اتفاقيين تجاريين م


.. إسرائيل تستعد لشن هجوم -قوي وكبير- على إيران.. هل تستهدف الم




.. واشنطن بوست: تساؤلات بشأن مدى تضرر القواعد العسكرية الإسرائي


.. مسيرات تجوب مدنا يابانية تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة




.. رقعة | كيف أبدل إعصار هيلين ملامح بلدات نورث كارولينا في أمر