الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول ظاهرة -انمحاء الأكاديمي- الاجتماعي، وتأثيراتها في الحالة العربية..... الرقمنة البحثيّة: مواكبة للحداثة أم تسويق للوهم؟

عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)

2017 / 4 / 5
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر


حول ظاهرة "انمحاء الأكاديمي" الاجتماعي، وتأثيراتها في الحالة العربية
الرقمنة البحثيّة: مواكبة للحداثة أم تسويق للوهم؟
د/ عصام بن الشيخ
*******************************
تعاني جامعاتنا العربية غير الرقمية، من انعكاسات زمن التراسل غير المرئيّ Steganography، الذي جعلها تتداول معرفة تقع في سلّم ترتيب المعارف العالميّة التي يتشاطرها مجتمع الباحثين في العالم المتقدّم، فإذ يقول المتخصّصون في دراسات علم الاجتماع السابيريّ Cyber Sociology، أنّ العالم يشهد "ثورة مستنديّة ووثائقية" عارمة، نتيجة لتعاظم وانتشار وتنامي تقنيات الناسخات والماسحات والطابعات، على إثر نجاح "الثورة الرقمية" في تسهيل الأعمال المكتبية. لكن، وعلى الرغم من وجود نزعة لتعويض الوثائق بالأرقام السرية الالكترونية Confidential Code، أو "الشيفرات" التي تحملها البطاقات البلاستيكية (بطاقات الإئتمان الرقائقية والممغنطة)، فإنّ تحويل المعرفة من المصدر المفتوح إلى خانة أو شبكة الانتفاع الحصريّ المحميّ، يصعب تشارك المعرفة وتداولها بين الأمم. لذلك، يستخدم الباحثون منهج علم الاجتماعي الآليّ، وعلم الاجتماع السابيريّ لتحليل الظواهر الاجتماعية المرتبطة بـ: التفاعل الالكترونيّ، الإبحار والملاحة الالكترونيّة، والبحث حول قدرة هذه التقنيات الجديدة على هندسة البناء الاجتماعي عبر الآليات الرقميّة، وتحويل المعرفة إلى سلع رقميّة قابلة للتجار الإلكترونية. ومن أجل ذلك، أضحى إنسان ما بعد الحداثة، أو - "الإنسوب"/(الإنسان – الحاسوب)" – مجبرا على الانفتاح المستمرّ وغير المشروط على العالم، وعدم احتكار المعرفة وتشاركها مع الأقران والنظراء، خدمة للإنسانية والبشرية برمّتها.
يقول عالم الاجتماع الفرنسي آلان توران Alain Touraine أنّنا نعيش عصرا ينمحي فيه الاجتماعي ويسيطر فيه الثقافي ببعده ما بعد الحداثي، ويقصد التمثلات الرقمية للفعل ذي الأصل الاجتماعي، فإذ يتفرّد تران بالتركيز على الفاعل بدل دراسةالفعل الاجتماعي، فهو يخلص إلى أنّ الديمقراطيّة ستتطور وتغيّر في العصر الرقميّ، وأنّنا سنعرف أشكالا جديدة من الفعل الاجتماعي. وبناء على هذه الأطروحة، هل أصبح الأكاديمي جزء من هذا الواقع "المقاربة التورانية"، أم أنّه لا يزال يحافظ على بعده الاجتماعيّ وسيظلّ مختلفا؟، وهي ستؤدّي الرقمنة الأكاديمية إلى إفراغ الجامعات، أم أنّ هذه المبالغة والمزايدة، لا تخرج عن كونها، تسهيلا للتعليم الجامعي والنشر الدولي للأبحاث؟، وهل أضحت الدبلومات الرقمية والتكوينات السيبرانية بديلا للتمدرس والجلوس على مقاعد المدرجات الأكاديمية؟.
كانت الجامعات منارات مقدسّة، حتى أنّ الكثير من الدول لا يعتبرونها أقلّ من دور العبادة، وهي في غالبية الدول "حرم جامعيّ" يجدر بالمؤسسات الأمنيّة مراعاة خصوصيته، بمعنيين متناقضين، أولا على اعتبار أنّ ما يطرح من أفكار داخل الجامعات لا ينساق بالضرورة ضمن سياقات أو مزالق الفعل الحكوميّ، أو سياسات السلطة ومنهجياتها، ولا يعني ذلك أنّ الجامعة تمارس السياسة أو تخوض خطابا معارضا أو تعمل من أجله، وثانيا لأنّ الجامعة ملاذ للراغبين في البحث عن الطريق الثالث، ففي بعض دول أوروبا الشرقية كما يسرد لنا المفكر الأمريكي صاموئيل هنتغتون، كان الحرم الجامعي المكان الذي يخوض فيه فرقاء السياسة من الشيوعيين والليبراليين واليمينيين، مفاوضاتهم للوصول إلى هدنة أو اتفاق سياسيّ يرسّم السلم الأهليّ، ويحدّد ترتيبات الحياة السياسية ولعبة الديمقراطيّة. فماذا هو حال الجامعات اليوم، هل نتحدث عن الجامعات العالميّة برمتها؟، أم نفصل عنها الجامعات العربية، التي قالت عنها الراحلة فاطمة المرنيسي Fatima Mernissi (1940 – 2015)، أنّها أضحت كآلات طبع الشهادات المزيفة.
لم تعد الجامعة اليوم كما كانت في شكلها التقليدي، عندما تقرأ كتابا بعنوان: "محاضرات ميشال فوكو في كوليج دي فرانس"، تشتغل لديك بالضرورة آليان خياليتان، الأولى حاسة التصوّر الخياليّ للفعل الأكاديميّ في بعده التلقيني والسجالي، والثانية حاسة النوستالجية والرغبة في المشاركة في تلك المحاضرة، لكن ضمن فئة المستمعين بالطبع، خصوصا إذا كان لفيلسوف متفرّد مثل فوكو. يقول الأخير في مناظرته الشهيرة مع الأمريكيّ ناعم تشومسكي أنّ "الحقيقة والمعرفة، وجدت، لتعرف"، هذه هي بساطة الفلسفة الفرنسية التي تختلف عن تركيب وتعقيد الفلسفة الأنجلوسكسونية، بل الفلسفة الأمريكية ما بعدالحداثية، لأنّ الفلسفة الإنجليزية أقلّ تعقيدا مما نعرفه اليوم من الكوكب الأمريكيّ، فإنّ ما ينتجه معهد ماساشوستش للتكنولوجيا (MIT) في أسبوع، يساوي ما انتجته البشرية برمتها، خلال قرون.
لم تعد درجة الدكتوراه أم حتى الزمالات التي تعقبها كافية للباحثين اليوم، ففي عصر العولمة تنافس شركات تكنولوجية دولية لتقديم خدمات حساب الاقتباسات والاستشهادات الأكاديمية، لمساعدة الباحث على قياس مستوى تأثير دراساته الأكاديمية في مختلف أنحاء العالم، بجامعاته ودور نشره، بل أينما يمكن للباحث أن يظهر قدراته سواء في الإعلام أو خدمة التقنية العسكرية أو الاستشارات القانونية أو السياسية أو الثقافية وغيرها، فهل على الباحث الأكاديمي اليوم أن يجلس على الكمبيوتر أكثر مما يحاضر في المدرجات الجامعية او يجلس للكتابة والتحرير الورقي؟.
ظهرت منصات بحث دولية مثل (غوغل سكولار، أكاديميا، ريسرش غايت، سكوبيس ألسفير، مندلاي، آلمتريك، سلايد شار لينكد إن، ريسرش آي دي، غوود ريدز، .. وغيرها)، تقوم بقياس مستويات تأثير الباحثين الأكاديميين على الصعيد الدوليّ، بعد أن أجبرت الجامعات على رقمنة إنتاجها الأكاديمي بتقنيات التحرير الحديثة مثل iDOs، OJS، EnDNot، LaTex، ..وغيرها، تتحول من خلالها المكتبات الجامعية إلى مجرّد تطبيقات هاتفية بسيطة، تعلم الباحث بصدور مقالاته أو ظهور باحثين آخرين قاموا باقتباستها، والاسشهاد بمضامينها، وبهذا يحوز الباحث اعتراف ضمنيّأ بقدرته على اقناع الآخرين بجدوى بحوثه وفعالية خلاصاته الأكاديمية، وقدرتها على التموقع بوصفها "دراسة مرجعية جديرة بالثناء". كما انّ هذه التقنيات تقع اليوم في تنافسية كبيرة، فمنها من يعرض خدماته بأسعار غير مكلفة، على أن يتم الدفع بطريقة رقمية بعد تحوّل النقود من النقود المعدنية زمن الموجتين الأولى والثانية، ثم الورقية زمن الموجة الثالثة، فالبلاستيكية باستخدام البطاقات الائتمانية، إلى الرقمية اليوم. كما توفّر هذه التطبيقات خدمة حماية الملكية الفكرية.
عندما كتب الفيلسوف والموسيقي السويسري جون جاك روسو Jean-Jacques Rousseau (1712 – 1778)م، أطروحته "العقد الاجتماعي/ Contrat social" في النصف الثاني من القرن 18 (سنة 1762م)، لم يوفق روسو في تحقيق الاعتراف الأكاديمي بها في حياته، وهو الذي عاش تعيسا فقيرا في أحد أرياف فرنسا "إرمينوفيل" فأعاد الفرنسيون دفن روسو تكريما له على ما جاد به من اقتراب فكريّ ساعد البشرية على تطوير "نظرية الدولة". وعندما كتب الإيطاليّ دانتي أليغري Dante Alighieri (1265 – 1321)م، قصيدة "الكوميديا الإلهية/ la Divine Comédie" في (11 أبريل 1472)، لم يتح للمسلمين لعدّة قرون اثبات أو حتى التحقيق في سرقة دانتي مضامين فكرة "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري Abul ʿAla Al-Maʿarri (973 – 1057)م. آنذاك لم تقدّ الموجة الثانية للأدباء والمفكرين ما يجعلهم قادرين على ضمان الدفاع عن أفكارهم العبقرية، التي لم يقدمها قبلهم عقل قطّ. أما اليوم، ونحن في عصر ما بعد الحداثة، توفر التقنيات الرقميّة خدمات تتجاوز سرعة تفكير الباحثين أنفسهم. يقو إدغار موران Edgar Nahoum (المولود عام 1921)، أنّ ميزات عصر التعقيد من أهمّ مقتضيات القدرة على استشراف المستقبل والتخطيط له، لقد وفّرت الرقميّة قدرة من التعقيد الإلكترونيّ، الذي جعل الأمم اليوم تتنافس في إعلان أكبر كمبيوترات العصر، ولا أدلّ على ذلك، إلان الاتحاد الأوروبيّ سعيه إلى امتلاك كمبيوتر ضخم، لا تمتلكه في الوقت الحالي سوى الولايات المتحدة الأمريكية واليابان.
فما العمل إذن، هل على الجامعات العربية أن تلتحق بهذه الحركة الأكاديمية الرقمية، أم أنّ المهمة تقع على كلّ باحث على حدى؟.
من كولالمبور والدوحة، قدّ باحثون جزائريون وعراقيون فكرة لتنصيب منصة رقمية لحصر الباحثين العرب، أصطلح على تسميتها (أريد ArID) أي منصة معرف الباحثين العرب arab researcherid ID، ونجحت هذه المنصة في تجميع أعداد غفيرة من الباحثين العرب رغبة منها في التحول إلى منصة مرجعية تكافئ المنصة الدولية ريسرش آي دي Researchid أو ريسرش غايت ResearcheGate أو ألسفير Elsvier، تكون قادرة على تشفير أسماء الباحثين بكودات تجبر المنصات الدولية على التفاوض معها من أجل التوسّط بينها وبين الباحثين وأبحاثهم ومؤسسات انتسابهم الأكاديمية، ولا تزال المبادرة في طور الترويج على مختلف أنحاء الدول العربية، وجامعاتها الفتيّة، التي برعت لعدة عقود خلت، في تكوين الباحثين وتسخير الجامعات والرسالميل الضخمة، من أجل تصديرهم في خدمة المجتمعات الغربيّة الحرّة في النهاية.
وبغرض الخروج عن الإطار النقديّ، يمكن القول أنّه يستحيل على باحث عربيّ ورقيّ، أو جامعة عربيّة لا تستخدم الحاسوب والأنترنت، أن تطلب قياس معامل التأثير العالمي The Impact Factor، وهي لم تدرك أنّها خارج عجلة التاريخ، وتستخدم لغة عربية يتهمها الآخرون، بأنّها أضحت لغة ميّتة غير قادرة على استيعاب الحداثة. وقد قدّمت جامعة سوهاج من مصر بادرة (معامل التأثير العربي) كمقدمة لجمع الجامعات العربية من خلال رصد المجلات الرقمية العربية، ميدا لربطها بمعامل التأثير العالمي، ونحسب أنها خطوة ممتازة، وفي الطريق الصحيح.
يقال أنّ جامعة عربية استعارت باحثا زائرا حاصلا على جائزة نوبل، فقفزت في مقياس التأثير العالميّ وصعدت إلى مراتب أكاديمية أعلى، غير أنّ الحقيقة ظلّت على حالها، بأنّ هذه الجامعة قد استغلت هذا الباحث لزيادة مستوى تأثيرها العالميّ بطريقة غير حقيقية، وهي تدرك أنّ عليها أن تقوم بمكاشفة ومصارحة حقيقية لمواجهة المعضلة التي تعاني منها كلّ الجامعات العربية. وهناك من يشيد بانفتاح بعض الدول العربية على فروع جامعات عالمية تمّ افتتاحها على أراضيها، أو من خلال اتفاقيات الشراكة مع الغرب، غير أنّ الحقيقة بحاجة إلى عقد اجتماعات عربية دورّية لوزارء التعليم العالي في المنطقة العربية، لبحث مسألة رقمنة المعرفة العربية، وانخراطها في الساحة العالمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب معهد العلوم السياسية بباريس ينددون بالحرب الإسرائيلية ع


.. بعد تشخيص إصابته بالسرطان.. قصر باكنغهام: الملك تشارلز يعود




.. ازدحام شديد للحصول على مياه الشرب في مخيم للنازحين غرب دير ا


.. مش مصدقين التكنولوجيا هتودينا فين..خالد أبو بكر عن مشروعات ش




.. في تشيلي.. صحراء أتاكاما مكب نفايات للملابس العالمية!! • فرا