الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكذب لدى العربان: هل هو ثقافة أصيلة أم دخيلة؟

عبد الله أبو راشد

2017 / 4 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


انطلاقاً من عنوان المقال المطروح في مضمونه ودلاته وخلفياته المنظورة والمستورة, نرى أن صفة الكذب "الوضيعة " في بنيته التركيبية والوجودية في سلم القيم الأخلاقية المجتمعية, والتي تأخذ حيزاً ومكانة ملحوظة في عالمنا العربي. وتقودنا بالفعل للخوض في تفاصيلها ومعانيها ومزاولتها لدى حاملي خصائصها من بني البشر عموماً والعربان بشكل خاص. وتدعو للمسائلة المشروعة حول ماهيتها وكينونتها وسيرورتها في أزمنة العرب المتعاقبة. والقول الفصل: تُرى هل هي بالفعل أصيلة في سلوكها وممارستها لدى شعوبنا العربية؟ وهل وليدة عصورنا الحالية أم متصلة بزمن عربي غابر وعابر؟ مدون في يوميات الحوادث المرصودة في التاريخ العربي منذ العصور الجاهلية مروراً بالإسلام والعصر الحديث والمُعاصر. هل هي ثقافة دخيلة أو هجينة؟ والجواب المنطقي الذي يصدمنا بصراحته أن سمة الكذب هي أصيلة ولصيقة بشريحة واسعة من العرب العاربة والمستعربة, ومواكبة لطبيعة حياتهم البدوية المترحلة التي لا تعرف للأرض والثبات فيها قيمة وجودية وأخلاقية.
وتبث أن للكذب في عالمنا العربي مكانة مرموقة وحكاية منظورة ومستدامة, وتسير في هديه الشعوب حكاماً ومحكومين, مخالفين عن سابق سلوك قول وعمل حقيقة الواقع المجتمعي المعايش. خارجين عن مفاهيم الفطرة الطبيعية للخليقة الآدمية الأولى التي فطر عليها آدم عليه السلام في بداية خلقه وتكوينه كجسد ومن ثم كروح ونفس وما بينها من مكونات. كان آدم عليه السلام مفطوراً على الصدق والقول والسلوك الحسن. ساهم إبليس المطرود من رحمة الله في غوايته لسيدنا آدم ووساوسه الذي أخرجته وأمنا حواء من جنات الخلد ونعيم الفردوس وإحداث الخلل البائن في سلامة وصدقية وفطرة أدم وانتقالها إلى نسله من خلال ما اتيح لإبليس من سلطة الغواية والتأثير في نسل آدم عليه السلام كمهمة رئيسة ممنوحة له بعلم الله ومعرفته جلّ وتعالى بخصال وسلوك خلقه ومخلوقاته.
ونحن العرب على ما يبدو أخذنا من جينات سيدنا آدم الممزوجة بعبث وسواس الشيطان له ولزوجه في انتقال مكائده إليهم, وامسوا ماهرين ومميزين في خصائص وطباع لا تشابه احدا من سواهم من الشعوب والأقوام. فمنذ فجر وجودنا نميل للخديعة والمكر في سلوكنا وأقوالنا وأعمالنا, معتقدين أنها نوعاً من الدهاء والحنكة والفطنة والذكاء, وكثيرة هي الأمثلة والنماذج المُتبعة في تقاليدنا وانماط سلوكنا الممتلئة بالحشو المبالغ فيه, في مدح الكذب عن سابق اصرار وترصد في كثير من اقوالنا واشعارنا ومواقفنا ومقولاتنا الشعبية المتوارثة, وسلوكياتنا المتماهية مع تلك الأكاذيب. وملحوظة ايضاً في جميع التعاملات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والاعلامية فيما بيننا, والتنظير لها والمساهمة في تبنيها كاستراتيجية لديمومة المنافع والمصالح لكل فرد حسب ميوله واهواءه ونوازعه. عملاً بالمقولة الشعبية الأكثر شيوعاً وتداولاً واتباعاً لعامة الناس وخاصتهم. مفادها: "الكذب ملح الرجال وعيب على اللي يصدق".
من هنا يُمكن القول: "أن الكذب في حياة العرب حكاماً ومحكومين" آلية متقنة ومن آليات صكوك البراءة والخروج من الأزمات والتخلي اليسير والسهل عن تحمل المسؤولية, وجعلها في أوساط الشعب بفضل مثقفي النخب الكاذبة والمتوهمة بنخبتها حقيقة يومية معاشه. فالكل يكذب على الكل, والمؤلم انهم جميعاً يعرفون أنهم يكذبون. لقد تسابق كفار قريش في تكذيب نبوة النبي العربي محمد صلوات الله عليه وسلم, ومن أقرب الناس صلة وقرابة من عمومته وأهله وذويه. وأمسى لدينا عشرات الآلاف من أمثال ابا جهل وابا لهب وملايين البشر أمثال مسيلمة الكذاب. وكل يوم تفلح الأمة العربية بميلاد العشرات منهم, لاسيما العاملين في ميادين الثقافة والإعلام والسياسة والاقتصاد والأمن والعسكر. كل له فلسفته ومبرراته المشروعة لعمليات الكذب والعزف على أوتاره, لاسيما إذا كان الأمر موصول بمفاهيم الوطن والوطنية والمواطنة التي ستكون جميعها مجرد مطية وصهوات جاهزة لمزيد من الكذب, وتحقيق انتصارات تلو الانتصارات في معارك الكذب المكشوفة على جبهة الثقافة والسياسة والإعلام. وعلى حساب الوطن والمواطنة ووجودهم كافة كأفراد وخيرات مادية وقيم روحية واعتقادية. ومصداق هذا القول فقط, فلينظر كل عربي إلى ذاته ونفسه الأمارة بالسوء في محددات موقعه, وموقفة من مهازل ذاته الخادعة والكاذبة وملاحظة مسرحيات الكذب المكشوفة لاسيما في مسألة الصراع العربي الصهيوني. وكم هي الانتصارات المشبعة بالأكاذيب التي حققناها على ذلك العدو الصهيوني البغيض. جاعلين من هزائمنا انتصارات على شاشات التلفاز والإذاعة والجلسات الاحتفالية والندوات الكاذبة التي تليق بمستوى أكاذيبنا المبثوثة.
وكما يقال في الأمثال: " حبل الكذب قصير" لكنه أمسى في يوميات "الفوضى الأمريكية الخلاقة" قدراً وشرفاً تتباهى به الشعوب والحكام على قدم المساواة في الكذب وتصديق ما يكذبون على أنفسهم وعلى من حولهم في نهاية المطاف.
وكذب "الجاهل" يُمكن مداوته بثقافة الوعي والممارسة العملية في تعديل السلوك. لكن كذب "الواعي" من فئات المجتمع النخبوية المفترض أن تكون الطليعة في قيادة وتنظيم حركة الجماهير وتلبية لتطلعات الشعوب فهي مصيبة كبرى. لاسيما حينما يُمسي المثقف مجرد بوق وهم, وصدى هش وتابعاً للسياسي ورجل الدين والاقتصاد والأمن والعسكر, مُغادراً دوره ومكانته الأخلاقية والتربوية في سلامة المجتمع وتقويم اعوجاجه ربما إلى غير رجعة. فأمسى الكذب والأكاذيب, سيد المواقف الفاصلة والمثقف النخبوي زادها ووقودها, وللأسف هم من أكثر المروجين لها. وهي مسألة صادمة وشائكة وشائنة ستؤدي في القريب العاجل أو الآجل إلى زوال ما تبقى من قيم ومكارم أخلاق, وتهدم جميع مقومات وجود المجتمع وديمومته كمقدمة طبيعية لزوال الأمة وبالتالي مفهوم الوطن والمواطنة العربية, ليحل مكانها مفاهيم الأعاجم والصهاينة وكثير من العرب المتصهينين الراكبين لقطار فوكو ياما وأوباما وترامب الأمريكي في مسارات العولمة الأمريكية القاتلة. لأنهم يحسبونا مجرد قبائل وطوائف وبدو رُحل بلا أرض ولا تاريخ لنا ولا وجود ولا حضارة. فتاريخنا ضائع بأيدينا ونقدم وجودنا كأمة وشعوب مكلومة مجرد ضحايا وقرابين للآنا الفردية المدقعة في نفعيتها وأنانيتها وتعنتها وغبائها أو عمالتها.
• كاتب وباحث فلسطيني سوري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟