الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب الكيمياوية والصاروخية في سوريا: خيارات الخديعة الأمريكية

بهروز الجاف
أكاديمي وكاتب

(Bahrouz Al-jaff)

2017 / 4 / 7
الارهاب, الحرب والسلام


لم تكن فرصة أمريكا في عودتها، القوية، الى الشرق الأوسط، وتفتيتها لما كان يسمى بخط المواجهة مع اسرائيل، يسيرة، بعد استغلال فرصة تفتت الاتحاد السوفيتي التلقائي، واحتلال العراق المشرّع دوليا، والربيع العربي المأمول شعبيا، ومحاولات نشر الديمقراطية، اذ سرعان مااصدمت طموحاتها بالخطوط الدولية الحمر في سوريا؛ خطوط التوازنات الدولية الكامنة.
لاشك في أن حربا باردة بين أمريكا وروسيا قد نشبت من جديد من خلال حرب ساخنة محدودة في سوريا، بطريق الانابة، ولكن: هل كان الخيار الأمريكي في التدخل العسكري المباشر، من خلال الضربة الصاروخية لمطار الشعيرات العسكري في سوريا ، خطوة تكتيكية صائبة من أجل فتح الأبواب الموصدة في وجه الحل في سوريا سواء كانت الضربة بتنسيق مبطن مع روسيا أو بدونه؟
مما لاشك فيه، ان أهم اسباب تفاقم الأزمة في سوريا، وتطورها الى قتال دام، كانت، في الأساس، آمالا كامنة اسرائيلية في اضعاف سوريا لغرض دفن فكرة الصراع العربي الاسرائيلي الى الأبد، على أساس التفوق، وآمالا تركية كذلك، واوردوغانية بالذات على خلفية فكرة اسلامية سلطانية، في الهيمنة على النفط السوري وايجاد سوق مضمونة لصادراتها، في سوريا، ومحاربة طموحات الكرد في الأناضول، وامتداداتهم في سوريا، وهي عين الأهداف التي حققتها تركيا، الى حد بعيد، في اقليم كردستان العراق.
على الجهة الأخرى، اندفعت روسيا الى الدفاع عن مصالحها الستراتيجية في شرق البحر المتوسط، والمتمثلة بوجود قواعدها العسكرية في سوريا، الى الدفاع عن سوريا, وهو الدفاع الذي لقي صمتا أمريكيا باردا في بدايته بسبب تحديد روسيا لضرباتها الى القوات الارهابية المتطرفة، والمتمثلة بجبهة النصرة وتنظيم داعش. أما ايران فلا يروقها سقوط النظام، في سوريا، لكونه الممر لها الى لبنان لمساعدة المقاومة اللبنانية ضد اسرائيل، والمتمثلة بقوات حزب الله اللبناني، وبالتالي ايجاد موطئ قدم ايراني يمثل خطا أول للمواجهة مع اسرائيل، ومن خلفها أمريكا، لاترغب ايران في خسرانه ولهذا فهي مرغمة على انقاذ النظام.
ولكي نتمحص شرعية التدخلين الروسي والأمريكي، في سوريا، لابد من الاستدلال بمفتاح التدخل؛ فمن خلال الاستدلال بالعرف الدبلوماسي يتبين بأن روسيا أعانت الدولة السورية، عسكريا، من خلال اتفاقيات ثنائية، أباحتها القوانين الدولية، وفعلت ايران على نحو مماثل، وبهذا فان روسيا لم تعتد على دولة ذات سيادة، بل أعانتها، أما أمريكا، ومن خلال فرصة سقوط الاتحاد السوفيتي، كقوة منافسة، تدخلت عسكريا في عدد من الدول، واسقطت أنظمتها، سواء وجدت لنفسها غطاءً قانونيا، دوليا، يسمح لها بذلك، أم لم تجد، وتجسد ذلك، جليا، في افغانستان والصومال والعراق، فيما انابت عن نفسها فرنسا وبريطانيا في ليبيا، والسعودية ودول الخليج في اليمن.
وفيما لم تستطع الولايات المتحدة الاعتماد على معارض سوري ملائم لكي تتحجج به وتتدخل في سوريا، بقوة، ارتأت تشكيل قوات سوريا الديمقراطية من خلال توسيع دائرة عمل قوات الحماية الكردية التي تتخذ من العقيدة الاوجلانية فكرة لها وتناضل دونها، فنجحت في انشاء قوة علمانية مقبولة، دوليا، تضم أديانا واثنيات سورية مختلفة تستهدف داعش، بشكل أساس، بحيث لم تعط الفرصة لروسيا لأنكارها، بل لمباركتها، وذلك بعد أن فقدت امريكا القدرة على فك الارتباط بين جماعات مسلحة تعرف بالمعتدلة وجماعات ارهابية تتزعمها النصرة وهو ماحدا بروسيا الى ترجيح محادثات الاستانة على محادثات جنيف على أمل تحييد تركيا وتمييز المعارضة من الارهاب.
وبين جنيف والاستانة، تدخلت تركيا، عسكريا، لنصرة مرتزقتها تحت مسمى المعارضة دون أن تصل غاياتها أمام مد قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة أمريكيا، والمباركة روسيا، والتي باتت تقف على أعتاب الرقة. كل ذلك كان موازيا لتقدم القوات الحكومية السورية في أكثر من محور وانتصارها الكبير في حلب.
بدا جليا، بعد حلب، بأن سوريا باتت قوية، وكفتها راجحة، فتهاوت الدعاوى الامريكية، والتركية أيضا، بجوب اسقاط النظام، كأولوية أولى، وبدا الموقف الروسي أقوى، وايران مرتاحة، والعراق قويا بعد استقوائه على الارهاب المتمثل بداعش، وتحرير معظم أراضيه، ودنو السعودية منه. هذه التطورات خذلت أمريكا التي يبدو أنها بدأت بتجريب خياراتها للعودة مرة أخرى؛ انها، بلا شك، خيارات ترامب.
عرف عن ترامب أنه على غير عداء مع روسيا، وعرف عن ادارته انها اقتصادية لاتخفي هدفها في الاستيلاء على نفط الشرق الاوسط، وهو الهدف الكامن للأدارات الأمريكية السابقة ولكن من دون جرأة. خيارات ترامب، في اعادة التوازن، كانت من خلال العودة الى الأولوية الأولى، وهي ضرورة اسقاط النظام، وهذه الأولوية تستوجب التلويح بالقوة أكثر مما يتطلبه العمل الدبلوماسي، فكيف سيكون استرضاء روسيا؟ وكيف سيكون العمل على الأرض؟ انها خيارات ترامب المتوقعة؛
تمثلت مظاهر الخيارات في الانزال العسكري الامريكي في سد الطبقة، والاحاطة بمدينة الرقة، والأغارة على حي جوبر في دمشق، والقصف الجوي الاسرائيلي على الأراضي السورية، والتسمم بالعوامل الكيمياوية في خان شيخون في أدلب، ومن ثم أخيرا، وليس آخرا، القصف الصاروخي الامريكي على مطار الشعيرات في حمص. فقوات سوريا الديمقراطية المدعومة امريكيا باتت على اعتاب الرقة وذلك لأغلاق الأبواب على القوات السورية، ومعها حليفتها روسيا، لاحراز نصر حاسم في الرقة. أما الادعاء بقصف قوات النظام لخان شيخون بالأسلحة الكيمياوية، فهو لم يخرج، عمليا، ويبدو أنه سوف لن يخرج، عن دائرة الاتهام. فلو تمعنا في جلسة مجلس الأمن الدولي، الطارئة، حول الموضوع، والتي عقدت في يوم الأربعاء الماضي، الخامس من نيسان أبريل الحالي، لتبين، بشكل لالبس فيه، قانونيا، بأن ماطرحه ممثل سوريا، بما تضمنه من براهين وأدلة، كان الأرجح كفة من الأتهامات الأمريكية والفرنسية. فكل من لديه المام، بسيط، بالعلوم العسكرية، وكذلك الخطط الحربية، يعلم بأن "الضربة" الكيمياوية في ظل الموقف العسكري، والعملياتي، في سوريا، لم يكن لها مايبررها، عسكريا، اذ لم تكن هنالك حاجة لضربة اجهاضية، أو رادعة، تستوجب استخدام السلاح الكيمياوي المحرم دوليا، بل ان مردودها السياسي السلبي، المتوقع، أكثر بكثير من نفعها العملياتي، وتشكل ضررا أكبر للموقف الروسي الذي أخذ على عاتقه كفالة نزع الخزين الكيمياوي السوري عن طريق الأمم المتحدة، فلماذا تقدم الحكومة السورية على عمل كهذا وهي الحكومة المتمرسة في السياسة والحرب؟
لو جرت مقارنة، بسيطة، بين الموقف الأمريكي من القصف الكيمياوي العراقي واسع النطاق، الذي لم يكن ليحتاج الى دليل، لمدينة حلبجة الكردية في العراق، في عام 1988، وهو موقف كان مداهنا لنظام صدام في حينه، بلا شك، والموقف من حالة التسمم بعوامل كيمياوية، المحدودة، في خان شيخون في سوريا، يبدو جليا النفاق السياسي الأمريكي في محاولة كسب الجولة. ان ذلك لايستبعد الشكوك حول حركة تكتيكية تكفلت بتنفيذها المعارضة السورية على الأرض، في ادلب، على أمل أن تؤدي الى اضعاف الموقف السوري واحراج روسيا بهدف استعادة الكفة الأمريكية، وما هيجان حلفاء أمريكا، من اسرائيل الى دول الخليج وبريطانيا وفرنسا وليس انتهاءً بتركيا، الا دليلا على محاولة ترجيح كفة على أخرى، فهل فعلت اللعبة فعلتها ياترى؟
يبدو أن قضية الكيمياوي لم تأت بأكلها بعد النقاشات الواضحة في مجلس الأمن، والتي لم تتمكن من ادانة سوريا بشكل واضح، فجاء الخيار التالي؛ خيار القصف الصاروخي الأمريكي المباشر للقوات السورية.
لايستبعد المراقب اللبيب تنسيقا أمريكيا مع روسيا في تحقيق الضربة، وهو ماأدعته الأدارة الأمريكية فعلا على لسان وزير خارجيتها، وذلك فيما لو جرى النظر الى المسألة من زاوية محاولة الخروج من المأزق، ومحاولة فتح الأبواب العسكرية والدبلوماسية الموصدة أمام الحل، وخصوصا بعد تقهقر داعش وقرب انتهاء احتلالها للأراضي في سوريا والعراق، وكذلك فيما لو عرفنا بأن الضربة استهدفت موقعا غير مؤثر لم تنجم عنها خسائر كبيرة تؤثر سلبا في الموقف العسكري السوري.
يبدو جليا بأن تطورا قد حصل يستوجب الاسراع في حل القضية السورية حلا سلميا، ولكن الحل السلمي تترتب علية استحقاقات؛ استحقاقات امريكية وروسية ومابينهما تركية واسرائيلية وايرانية، وكذلك كردية في ضوء الزواج الكاثوليكي بين امريكا وقوات الحماية الكردية، فهل بالأمكان ادراك تلك الاستحقاقات مع الوضع الراهن الشائك؟ وهل يمكن ادراكها مع بقاء الأمم المتحدة على وظيفتها الرمزية والتي انتقدها ترامب، وانتقد دورها، في أكثر من مرة؟ وهل تُدرَك مع بقاء التحالفات الدولية، والاقليمية، على حالها وخصوصا بعد أن ادعى ترامب، وادعت تركيا أيضا، بأن حلف شمال الأطلسي قد أمسى في خبر كان؟
سوف نرى الردود، والتعليقات، على ماجرى تنفيذه من خيارات، وننتظر لنرى التالي. وفي ضوء الهدف الأسمى للمشاركين في اللعبة السورية، ألا وهو الهيمنة، تُرى ماذا سيكون التالي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا جاء في تصريحات ماكرون وجينبينغ بعد لقاءهما في باريس؟


.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش




.. مفاجأة.. الحرب العالمية الثالثة بدأت من دون أن ندري | #خط_وا


.. بعد موافقة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار.. كيف سيكون الرد ا




.. مؤتمر صحفي للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري| #عاج