الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمل الفني والتكشف الجمالي الصوفي اللامحدود لدي فيلسوف علم الجمال هانز جادامر (1)

محمد احمد الغريب عبدربه

2017 / 4 / 7
الادب والفن


العمل الفني بغض النظر عن المبدع والمتلقي والعملية الابداعية هو مركز الفن، فهويته تتحدد بوجوده ذاته، فهو دائمة يكشف عنه نفسه، وكما يوجد في الصوفية هناك مركز والباقي يدورون حوله، فالجميع يدورون لتجلي الجميل لدي العمل الفني باستمرار... وهذه الروعة المستمرة والتي ليس لها سلطان غير تجلي ذواتها في جميل مستمر، يعطي للابهار معني والعمل الفني يصبح متكشف بدون توقف، ولا ينتهي جماله بحد أو معني فهو لا يحمل رسالة، وليس بها رمزا محددا سلفا لتحديد حده وجماله، ويقول هانز جادامر فلسوف التأويل الألماني في كتاب عن تجلي الجميل، "أن العمل الفني يظل يتحدث لنا الينا بطريقة فريدة باعتباره نفس العمل، فليس هناك حد له أو شئ اخر يتحدث غيره".
ولعل الصوفية حاضرة في العمل الفني وعلاقته بالمتلقي، فدائما يتعرض هانز جادامر لذلك بمصطلح الخبرة، فليس هناك منهج أو أشياء جاهزة يتناقلها الاشخاص لفهم العمل الفني وتذوق جماله، أو حتي ينقلها العمل الفني مرة واحدة للمتلقي، فيقول جادمر "أننا جميعاً نعرف من خبرتنا أن زيارة متحف ما أو الاستماع إلي حفل مهمة تتطلب نشاطاً روحيا وعقلياً عميقاً، وباختلاف الاعمال الفنية، لا يغادر الشخص هذا التأثير الفني دون خبرة فنية اصيلة بما شاهده او سمعه او وصله عن طريق الاحساس، وعندها يصبح العالم اكثر اشراقاً وأخف ظلاً"، ويشير هانز جادمر وفقا لهذه الخبرة ان العمل الفني يترك للشخص الذي يستجيب له منطقة حرة معينة، يملؤها بنفسه، هذه المساحة تعطي دورا للمتلقي يتحاور فيه مع العمل الفني باستمرار،
وايضا علاقة العمل الفني بالمتلقي لهي علاقة باطنية عصيرة صوفية، فيشير جادامر أن العمل الفني يعلن التحدي أمام المتلقي لكي يفهمه، وهذا الفهم والتحدي هو ما يؤكد هوية العمل الفني، بدونه ليس هناك عمل فني، هذا التحدي لهو علاقة دائمة بين العمل الفني والمتلقي، لا يتوقف، وفي كل مرة هناك شكل جديد من التحدي فهوية العمل تعيش في حالة التباين والاختلاف، وهناك خبرة جديدة للمتلقي بتحدي جديد، ولذا يشير جادامر الي مفهوم الاحباط، حيث هذه الصفة تلازم من يصغي الي العمل الفني، فهو يحبط في كل مرة من الرهبة الجمالية المتجددة في العمل، فهو يقول لنفسه أنه العمل لا يقول له شيئاً هذه المرة أو انه سينبهر مرة أخري، ولكن تأتي توقعات المتلقي عكس ما يجده في العمل.
وما بين التكشف الدائم للعمل الفني والخبرة، يؤكد جادامر علي فكرة الحيوية الدائمة والحضور الواضح، لدي العمل الفني، فالعمل الفني دائما يخاطبنا، يتحدث الينا، فهو في حالة تحدي معنا، وهويته تتأكد بذلك فحيوية العمل الفني بالتكشف ومحطابتنا وتحديه لنا هي ما يؤكد العمل الفني، وتأكيده علي وجوده و يقول جادامر "أن عملية التلقي والخبرة الأصلية بالعمل الفني ما يمكن أن توجد فقط بالنسبة للشخص الذي يشارك في في اللعب، اي الذي يستعرض العمل علي نحو فعال بنفسه".
وينظر جادمر لمفهوم اللعب الانساني بنظرة واسعة روحانية، بأنها مجال للمشاركة والتفاعل والاستمرار، والارتباط بفائض النشاط لدي الانساني، وأنه محاولات دائمة لأحتواء الانسان وحضوره، ويعطي لها بعداً انسانيا فهو لديه وظيفة كبيرة وأولية لحياة الانسان، فيقول جادامر ان الحضارة لا يمكن تصورها بدون هذا العنصر المهم، وقد ربطها بالطقوس الدينية، وهنا يتجلي مفهوم اللعب كبعد صوفي للأنسان، يتحرر فيه الفرد من جدية الحياة، ويتحد مع الوجود ومشاركة الآخرين فعل يساعد في أحتواء روحه ووجوده، وقد اشار إلي حرية فعل اللعب وأنه بلا هدف، مشيرا الي فكرة ارسطو عن ان الحركة الذاتية ما هي تميز الموجودات الحية، ما يكون حياً ينطوي في باطنه علي مصدرحركته.
ويقول جادامر ان اللعب هو حركة ذاتية لا تسعي الي تحقيق أي غاية أو غرص خاص، يبدو شبيهاً إلى حد كبير بالحركة من حيث هي حركة. والواقع ان هذا هو بالظبط ما نشاهده في الطبيعةفي لعب البعوض، فاللعب يكشف عن ظاهرة فائض النشاط، اي ظاهرة تمثيل ذاتي حي، وهذا التوصيف من جادمر للعب يربطنا بالبعد الصوفي وحركته، التي لا تعتبر غرضية، ولا يوجد جديه في الامر، وتجعل المشاهد لفعل التصوف مشاركا في هذا الامر كما هو الحال في فعل اللعب، ورغم ذلك هنا حالة من العقلانية اللاغرضية لفعل اللعب الانساني، ويشارك المشاهد في اللعب، فيقول جادامر "أن إذا كان المشاهد يتابع اللعب فأن هذا لا يعني شيئا اخر سوي المشاركة، أي مشاركة باطنية في هذه الحركة المتكررة"، وهنا يظهر البعد الصوفي والروحاني بهذه التعبيرات لفعل المشاركة في اللعب، كما ايضا هناك بعد روحاني لفعل اللعب نفسه، حيث يقول جاادمر "أن اللعب يكون في النهاية بمثابة تمثل الذات لحركتها الخاصة في اللعب وايضا ان يصبح اللاعب مشاركاً ومشاهدا لنفسه في فعل اللعب".
ويلاحظ تأثر جادامر بفعل الكينونة وأن الانسان يوجد في الوجود لدي هيدجر الذي يشير الي الوجود الاصيل والوجود المزيف، فالاصيل يسعي دائما لايجاد كينونته الاصلية او اصالته، وذلك بالتحاور مع الاشياء واثبات الكينونة للكائن الحي، هذا الحوار يجعل الامر اشبه اشبه بحالة احتفالية مستمرة متكشفة وحوار وتواصل مستمر بين العمل الفني والمتلقي وايضا ذلك في فعل اللعب الذي يشرح به العمل الفني.
ويقول جادامر لتأكيد علي مشاركة المتفرج فى اللعب أو بمعني أخر مشاركة المتلقي في العمل الفني، أن المتفرج وليس اللاعب هو الذي تلعب فيه اللعبة، فهناك تغير للادوار حيث يصبح المتلقي بديلا عن المبدع للفهم والمشاركة في العمل الفني، حيث يقول جادامر "لم تعد الطريقة التي يشاركون فيها اللعبة تحددها حقيقة أنهم مستغرقون في اللعبة تماما، ولكن تحددها حقيقة أنهم يلعبون أدوارهم في ما يتعلق بمجمل اللعبة، اللعبة التي لا يستغرقون هم فيها، أنما المتلقي هو الذي يستغرق فيها". ويصبح هنا اللعب ينظوي علي معني يفهم ويمكن ان يفصل عن سلوك اللاعب.
وهذا الدور للمتلقي أو اللاعب يجعل العمل الفني متكشف دائما، وليس هناك سلطة للمتلقي للاستحواذ علي فهم العمل الفني، والسيطرة عليه بفهم دائم، وليس هناك سلطة للعمل الفني علي المتلقي، حيث يكون له دور مشاركا فعالا، وهذا ما يؤكده فكرة الخبرة المعاشة، التي تتضمن تواصلاً دائما وعلاقة تحاور واستمرار بين العمل الفني والمتلقي، وأيضا فكرة التكشف العمل الفني تعني الاستمرارية في العلاقة بين الفن والمتلقي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل