الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصف مطار الشعيرات .. ما أشبه الليلة الترامبية بالبارحة الكلنتونية

جعفر المظفر

2017 / 4 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


قصف مطار الشعيرات .. ما أشبه الليلة الترامبية بالبارحة الكلنتونية
جعفر المظفر
واهم من يعتقد أن التاريخ لا يعيد نفسه .. بل لعل التاريخ بمستويات متعددة لا يفعل أي شيء سوى ان يعيد نفسه, إذ حينما تتكرر المعطيات تتكرر الإسقاطات وصيغ التعبير عنها. الحروب على سبيل المثال تبقى حروب على رغم أن سلاح حسمها قد تغير من السيف إلى البندقية, ومن المنجنيق إلى المدفعية الثقيلة, لكنها في النهاية تعبير عن صدام لا بد منه وصيغة حسم قد لا يكون هناك وجود لغيرها.
في عام 1993 أعلنت الكويت إكتشافها محاولة إغتيال الرئيس بوش الأب, أما نظام صدام حسين فقد نفى بشدة وجود محاولة من هذا النوع معلنا على أقل تقدير ان بوش الأب الذي كان قد خسر معركة الترشيح لدورة إنتخابية ثانية لم يعد يشكل هدفا ذا قيمة, معتبرا أن الكويتيين والحزب الجمهوري كانوا في وارد الضغط على الإدارة الديمقراطية من أجل دفعها لإتخاذ موقف أشد حسما ضد بقاء الرئيس صدام.
إن مراجعة أدبيات تلك المرحلة تؤكد وجود تباين جمهوري ديمقراطي بشأن إكمال أهداف حرب إخراج صدام من الكويت, وما كان مقدرا للكويتين أن يشعروا بالأمان لو ظل صل صدام على رأس السلطة, أما الجمهوريون الذين اكملوا مشوار الحرب بفرض حصارهم الظالم ضد العراق فلم يكن في مصلحتهم ابدا قطع مسار ذلك الحصار الذي أرادوا من خلاله طبخ العراق على نار هادئة وصولا إلى حرب جديدة يتم لهم من خلالها إحتلاله بأقل الخسائر الممكنة, وربما إعتقدوا وقتها أن بقاء الديمقراطيين على رأس السلطة سوف يتقاطع وهدف الحصار بالنهاية. صحيح ان قانون تحرير العراق كان قد صدر في عهد كلينتون غير ان حيثيات إقراره لم تكن تتابعت بمعزل عن ضغوطات ومناورات وتنازلات داخل أروقة الكونغرس نفسه, كما أن تنفيذها كان سيضل خاضعا في النهاية إلى مدى إستعداد الرئيس الذي يمنحه الدستور الأمريكي حق إستعمال الفيتو الرئاسي لعدم تنفيذه. ولأن حرب الكويت والحصار من بعدها ومخطط الغزو ذاته كانت من أدبيات الحزب الجمهوري وبالذات أدبيات جناحه المسيحي الصهيوني, فإن الديمقراطيين من ناحيتهم ظلوا بمناى عن الإلتزام بالأهداف النهائية للحرب والحصار, وجاء إنتصار كلينتون الساحق وعدم التجديد لبوش الاب بولاية ثانية بمثابة إنتكاسة واضحة للجمهوريين الذين إعتقدوا لوهلة أن تحقيقهم إنتصارهم الإستراتيجي الكبير بعد الهزيمة العراقية الكبرى سوف يعمل لا محالة لصالح إنتصار إنتخابي محقق.
غير ان الجمهوريين لم يتركوا الأمر يفوت بسلام فلقد ظلت الضغوطات على إدارة كلينتون تتوالى من أجل زجها في موقف يتلائم او ينسجم مع هدفهم الرئيسي وهو إحتلال العراق ولإنجاز ما كان قد تأجل حينها اثناء حرب الكويت من اجل تحقيق هدف سوف يجعل الحصار تحقيقه يحدث بأقل الخسائر الممكنة, وبخاصة ان قرار الحرب كان قد إشترط وقتها على الجمهوريين أن لا يذهبوا أبعد من إخراج العراق من الكويت مما سيجعل وصولهم إلى بغداد مقدرا له وقتها أن يأكل الكثير من قوة إنتصارهم المدعوم من قبل مجلس الأمن الذي اعطى جواز الحرب تحديدا لإخراج العراقيين من بغداد وليس لإسقاط صدام.
وسواء كان هدف الجمهوريين وقتها دفع كلينتون إلى مواصلة حربهم السابقة فإن المتعارف عليه في السياسة الأمريكية هو إستثمار الحزبين لكل الفرص الملائمة من أجل تحقيق إنتصارات ضد الخصم قد لا يكون لها علاقة حقيقية بالهدف المعلن, وفي هذه الالعاب يتساوى الجمهوريون مع الديمقراطيين.
بالنهاية وجد كلينتون نفسه في موقف لا يحسد عليه فأما الحرب, اي الوقوع في الفخ الجمهوري, أو الإمتناع عن إتخاذ اي رد فعل مما سيأكل من شعبيته لصالح الجمهوريين. وفي تلك اللحظة قلت لصديق كنت أتحاور معه وقتها حول ذلك الفخ المرسوم بعناية أن أعداء كلينتون هم اليوم إثنين ليس بينهم صدام حسين. من ناحية هناك الجمهوريين ومن ناحية أخرى هناك الكويتيين الذين لا يتوانون عن إيجاد كل الفرص الضامنة لإزاحة صدام, إضافة إلى كون إستجابتهم للخطة سيكون من باب رد بعض الجميل للجمهوريين الذين أعادوا إليهم بلادهم التي كادت أن تضيع إلى الأبد.
في الأيام التي سبقت ضربة الصواريخ الأمريكية ضد مقر المخابرات العراقية الكائنة في مدينة المنصور في العراق زارني في عيادتي الخاصة ضابطان من المخابرات العراقية كانا يعالجان أسنانهما, وقد أخبراني حينها بأنهما مضطران لتقديم موعد العلاج لكونهما سيكونا مشغولين بنقل جهاز المخابرات إلى مقر بديل, وعلمت منهما أن مقر المخابرات سوف يتعرض إلى ضربة صاروخية أمريكية بعد ثلاثة ايام بالضبط, ويعرف الذي يعرف أن المقر الرئيسي قد اصبح قبل الضربة بأيام قليلة فارغا تماما بعد أن تم الإنتقال إلى مقرات بديلة كان أكثرها قد إستقر في مدينة الخضراء المجاورة لمنطقة سكني.
لن أتجرأ على القول أن المخابرات الأمريكية أو البنتاغون هو الذي أوصل خبر الضربة القادمة للعراقيين فربما يكون هناك طرف ثالث قد أوعزت له مهمة إيصال المعلومة, لكن الذي أدريه أن الصواريخ الأمريكية التي تجاوز عددها العشرين لم تحدث اضرارا سوى بطابوق البناية, وأما الخسائر فقد نالت مدنيين تصادف سكناهم إلى الجوار من البناية وفي مقدمتهم الشهيدة ليلى العطار. أما أنا فقد قلت لصديقي وقتها: إن كلينتون لم يستهدف في الحقيقة ضرب العراق بل قصد ضرب الجمهوريين والكويت في العراق.
أعداء ترامب من الديمقراطيين والجمهوريين من أصحاب الدولة العميقة سيظلون في وارد مطاردته حتى إسقاطه. أما بالنسبة لبشار الأسد فلن يعفيه غياب دوره هنا من نصيبه في الجريمة ضد الشعب السوري والذي تنافسه عليه قوى الإرهاب زائدا المجاميع التي رهنت إرادتها لتركيا والسعودية وقطر, لكن محبتنا لعقولنا تجعلنا نشك أنه هو الذي كان وراء إستعمال الكيمياوي أخيرا, ليس لأنه لا يتوانى عن إستعماله لو قدر له ذلك, ولكن لأنه يعلم إن إستعماله هذه المرة سيكون بمثابة الشعرة التي تقصم ظهر البعير, مثلما يعلم أن ذلك سيحرج حلفاءه الروس ويجعله في موقف صعب جدا أمامهم, ومعها يعلم أيضا ان ذلك سوف يطيح بواحدة من أهم الإنتصارات الإستراتيجية التي إستطاع الحصول عليها في الفترة الأخيرة إلا وهي إقرار الأمريكين أنهم لم يعودوا في وارد إشتراط إسقاطه كبوابة لفرض حل سياسي رٌسم له أن يكون المؤتمر القادم في جنيف إحدى بواباته الأساسية.
اللهم, يا الله .. إسقط بشار لكن لا تسقط معه البقية المتبقية من عقولنا وتجعلنا نصدق بكل هوسة وكل هلوسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كريات شمونة في شمال إسرائيل.. مدينة أشباح وآثار صواريخ حزب ا


.. مصر.. رقص داخل مسجد يتسبب بغضب واسع • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الألغام.. -خطر قاتل- يهدد حياة آلاف الأفغان في الحقول والمدا


.. ماذا رشح عن الجلسة الأخيرة لحكومة غابرييل أتال في قصر الإليز




.. النظام الانتخابي في بريطانيا.. خصائص تجعله فريدا من نوعه | #