الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصيدة ورقة من خريف العمر

عبدالله النائلي

2017 / 4 / 8
الادب والفن


ورقة من خريف العمر

لمَ لمْ تجئني حين كنتُ صغيرةً
أمشي بثوبٍ حالمٍ لا الرّيحُ تُقلقه ولا نظرُ الرِّجالِ
وضفيرتي تغفو على كتفي الرَّقيقِ كخيمةٍ بدويَّةٍ
عصبيَّةُ الصَّحراءِ تحرسها و ذاكرةُ الرِّمالِ
لا كفَّ مرَّ بها سوى كفٍّ لأمّي
كان يزرعُ تحت كلِّ شُعيرةٍ معنى,
و يروي قصَّتينِ لها , ويُفهِمُها قوانينَ القتالِ
قد كنتُ أجملَ طفلةٍ, قد كنتُ أخرجُ نجمةً
وحقيبتي اليدويَّةُ الزَّرقاءُ لا مكياجَ فيها
كان وجهي ناصعاً بجمالهِ
ما كنتُ أعرفُ كيفَ تحتالُ الوجوهُ على الجَمالِ
قد كان وجهي حين يُشرِقُ يستعيدُ الفجرُ سُحنتَه وينكسرُ المساءْ
وأرى مصابيحَ الشوارعِ كلَّها تسعى إليَّ
تريدُ أن تُهدي الضِّياء إلى الضياءْ
قد كنتُ أخرجُ والحقيبةُ في يدي
كعصا تشقُّ البحرَ في جسدِ المدينةْ
قد كنتُ أعبثُ بالحياةِ أجرُّها من شعرها
فتطيعني خوفاً , كأنَّي من بناتِ الأنبياءْ

أحطِّمُ النُّصُبَ القديمةَ, أُحرِقُ السُّنَنَ الدفينةْ
وأُعيدُ تشكيلَ الأمورِ كما أشاءُ
كما يشاءُ مزاجيَ الورديُّ
إذ لا سلطةٌ في الأرضِ إلاَّ سلطةُ الربِّ الجميلِ
فلم تكنْ عاداتنا منفى ولا أحكامنا سجناً ولا الأنثى سجينةْ
لمَ لمْ تجئني حين كنتُ صغيرةً
لا الهاتفُ الجوَّالُ يمضغني ولا التلفازُ
والساعاتُ كانتْ لا تُطالعني مهدِّدةً بذبحي فوق مَقصلةِ المللْ
واللَّيلُ في -عهدِ الطفولة- كان ذبَّاحاً شريفاً
لم يكنْ يحتزُّ أعناقَ النَّساءِ على مهلْ
لمَ لمْ تجئني حينُ كنتُ صغيرةً
إذ لم يجفَّ القمحُ في قلبي
ولم تذبلْ أزاهيرُ الرَّجاءِ
ولم يمُتْ شجرُ المنى
حرّيتي وأنوثتي وملامحي ومفاتني ملكي أنا
وأنا -بأيّام الطفولةِ- لم أكن إلّا أنا
لا زوجَ يقتسمُ الفراشَ معي ويغتصبُ السَّنابلَ في رُبى جسدي
وينهشني كجنديٍّ يلمِّعُ بندقيَّتَهُ بأوصالِ القتيلةْ
حتى إذا انتصرتْ بداوتُه ارتدى وجهاً حضاريَّاً
وقام بنبرةِ الوُعّاظ يشرحُ لي مفاهيمَ الخطيئةِ والفضيلةْ

لمَ لمْ تجئني حين كنتُ صغيرةً
لم يسرقِ التجّارُ لوني, لم يضيِّعْ أهليَ الأدنونَ كنزي,
لم يذب وجهي الجميلُ على السَّريرِ
لمَ لمْ تجئني حين كنتُ صغيرةً
لا أحسبُ الأيّامَ باللَّعناتِ, لا أستنطقُ القدرَ الصّموتَ,
ولا أفكِّرُ بالمصيرِ
لم جئتَني من بعدما انطفأتْ شموعُ العمرِ إلَّا شمعةُ
هل سوفَ تُنقذُ من رياحِ الوقتِ شمعتيَ الأخيرةْ
هل سوفَ تُرجعني إلى عهدي المقدَّسِ,
هل ستنقذُ بالهوى تاجي المحطَّمَ,
هل ستنبعثُ الأميرةُ بعد نكستها أميرةْ
يا سيّدي ما زلتُ مؤمنةً ببعثِ الأنبياء لنا
ومؤمنةً بصنعِ المعجزاتِ
فربما أسترجِعُ الثوبَ القديمَ
وربما أجدُ الضفيرةْ


عبدالله النائلي
12/آذار/2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل