الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرنسا شيراك، والبحث عن دور

عبدو أبو يامن

2006 / 1 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


هدد الرئيس الفرنسي ( جاك شيراك ) الإرهابيين الذين يحاولون الاعتداء على فرنسا، أو على مراكز الحضارة هددهم باستخدام السلاح النووي ضدهم، وعينه بالطبع على الأزمة التي تعيشها أوروبا وأمريكا وإسرائيل بشأن استئناف الإيرانيين العمل في المشروع النووي. ومن وراء إيران العالم الإسلامي والعرب والشرق الأوسط قاطبة، شاء من شاء وأبى من أبى، وإلا لما شهدنا مثل هذه الزوبعة التي تثار في وجه أي محاولة لامتلاك السلاح النووي، والاعتداء الآثم على العراق بحجة أنه يمتلك أسلحة دمار شامل ويهدد بها الأمن والسلام العالميين المزعومين، والتي كانت نتيجة كل تلك الدعاوى والأكاذيب والأباطيل والإتهامات والتهاويل الفارغة، والتي كانت الفزاعة التي وظفت بنجاح لمحاولة حشد التأييد العالمي للحرب ضد قوى الشر في العالم والتي كان على رأسها الرئيس المخلوع صدام حسين، أقول والتي كانت نتيجتها صفرا وعارا على جبين المعتدين المتأنقين والذي يقبعون في البيت الأسود وداوننج استريت، وعارا وشنارا على جبين كل من مالأهم وتواطأ معهم من تجار الحروب والمرتشين والعملاء والخونة وكل أفاك أثيم، وعبد ذليل... في الوقت الذي يغض الطرف فيه عن برنامج كوريا الشمالية النووي، ويمول البرنامج النووي الإسرائيلي، ( والذي للعلم تملك ما يقرب من مائتي رأس نووي ) ، وتضرب فيه إسرائيل عرض الحائط بكل الإتفاقات والمعاهدات للحد من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.
أترى ثقة العالم بإسرائيل وحكمتها وإنسانيتها تبلغ هذا الحد، وهي التي خرجت من الإرهابيين والسفاحين والقتلة ما عجزت عنه أمم أخرى؟!!
وهي التي تعددت مذابحها وكثر ضحاياها من النساء والأطفال والمسنين والمصلين تعددا لا تكاد أمة تبلغ شأوها فيه!!
أقول ورب ضارة نافعة، ( وقد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم ) كما يقول الحكيم أبو تمام، فعند الامتحان والابتلاء يستبين الحق من الباطل، ويتميز الخبيث من الطيب، ويعرف من بكى ممن تباكى... فليس هناك شيء مثل التجارب تمحص الرجال والأمم أيضا، وليس هناك مثل التعامل يظهر مستكنات الضمائر ومخبآت الصدور؛ كنا في يوم من الأيام نقول إن أمريكا صديقة للعرب، وليس هناك ترسبات قديمة وحواجز وعراقيل تمنع مثل هذا الظن، تلك الترسبات التي خلفهما الاستعماران الفرنسي والبريطاني في رقعة العالم العربي والإسلامي، فأمريكا لم تخرج من عزلتها إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وظللنا طوال الحرب الباردة مطمئنين إلى هذا الظن، ومنخدعين بهذا الوهم، حتى إن حصلت خروقات وتجاوزات هنا وهناك كنا نقول في حسن ظن عجيب: لعلها ( أي أمريكا ) جاهلة بأمر المنطقة، وجاهلة بتقاليد شعوبها وعاداتهم، ولعلها كذلك لا تعرف عن الصراع العربي الإسرائيلي شيئا، وهكذا وهكذا رحنا نلتمس لها الأعذار تلو الأعذار ولسان حالنا يقول مع ابن المعتز:
له شافع في القلب من كل زلة وليس بمحتاج الذنوب إلى العذر
في حين كان لسان حالها ( أمريكا ) يقول مع ابن دراج القسطلي:
ما أوضح العذر لو أنهم عذروا وأجمل الصبر بي لو أنهم صبروا
ألا إنهم طالما عذروا وما زالوا يعذرون ويتعذرون أيضا، وطالما صبروا وما زالوا يصبرون ويتصبرون أيضا فما هذا التجني يا ( ماما أمريكا ) ؟!!
وأما حال لسان العقلاء منا فكان يردد مع حكيم المعرة:
لقد أكثرت في يومها أم ناهض من السجع حتى مل منطقها الهذر
وقد عذرت في نوحها وغنائها فلما أطالت فيهما بطل العذر
فأي عذر للرئيس ( جاك شيراك ) في تصريحاته غير المسبوقة؟
هل هو البحث عن دور في الساحة الأوربية والدولية، بعد أن فقدت فرنسا أو كادت ثقلها الدولي؟
أو لعله منعطف جديد لفرنسا للحاق بجارتها اللدود وغريمها التقليدي، لتقديم فروض الطاعة والولاء لزعيمة الطغيان والشر في عالم اليوم؟
وهل هو يا ترى تفتح لشهية الاستعمار وتيقظ لشهوات النهب والسلب والتدمير التي عرفت بها في القرن السابق فرنسا بلد الحرية والإخاء والمساواة؟
أم هل هو ضغط أصحاب الشركات والمصالح وتجار الموت للفوز بنصيب يتوقع في إيران أو سوريا في المنظور القريب، بعد أن فاتها ذلك في أفغانستان والعراق؟
أم هل هو ضغط اللوبي الصهيوني في فرنسا لإجهاض المشروع النووي الإيراني أو أي مشروع في منطقة الشرق الأوسط تتوهم مجرد توهم أنه ذات يوم قد يهدد أمن إسرائيل المهدد أصلا من أطفال الحجارة وأبطال الانتفاضة؟
ففرنسا التي طالما أسمعتنا سجع الحمام يظهر أنها لم يجد معها نفعا فأحبت أن تجرب أسلوبا آخر ألا وهو زئير الأسد؛ كل ذلك نفاقا ورياء، ورحم الله حكيم المعرة إذ يقول:
تغيبت في منزلي برهة ستير العيوب فقيد الحسد
فلما مضى العمر إلا الأقل وحم لروحي فراق الجسد
بعثت شفيعا إلى صالح وذاك من القوم رأي فسد
فيسمع مني سجع الحمام وأسمع منه زئير الأسد
فلا يعجبني هذا النفاق فكم نفقت محنة ما كسد
فهذا النفاق الذي حمل عليه أبو العلاء للذهاب إلى صالح بن مرداس للتشفع لقومه، والذي تعاطاه بعد أن كان ستير العيوب في بيته نائيا عن حساده وبعد أن كادت روحه تفارق جسده، والذي أجبره على أن يسمع هذا الطاغية سجع الحمام ومسكر الثناء، كان هذا النفاق لا يعجب أبا العلاء، ولو أنه وظف نفاقه في سبيل عمل إنساني، ويقول أن نفاقه في النهاية آتى أكله وأطلق سراح قومه.
ولكن ماذا عن نفاق فرنسا، صاحبة الثورة الكبرى، والتي نادت بشعارات ما كان يحلم بها الهمج المتوحشون في منعزلاتهم النائية حين كانت الحياة شركة في كل شيء في المال والنساء والسلطة؛ هذه الشعارات التي تمثلت في الحرية والإخاء والمساواة؟
أين هذه الحرية من قضية المفكر الفرنسي ( روجيه جارودي ) حين ألف كتابه الشهير ( الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية ) وناقش فيها، مجرد نقاش، قضية الهولوكوست، فشنت عليه المنظمات الصهيونية حملة شعواء في الصحافة والتلفزيون، وأطلقت عليه سيلا من التهديدات، وأخيرا أحالت قضيته إلى المحاكم وحكمت عليه؟!!
وأين هذه الحرية من قضية حجاب الطالبات المسلمات الأخيرة في فرنسا بلد العلمانية العتيدة، والتي تضمن حرية التدين لجميع الملل والنحل؟!
وكان العرب والعالم قاطبة يعرفون أن أبشع أنواع الاستعمار، وكلها بشع ولكن بدرجات، هو الاستعمار الفرنسي، بشع في طريقته التدميرية وأسلوبه أسلوب الحديد والنار، والشد بقبضة لا أقول من حديد وإنما من فولاذ على أعناق الشعوب المستعمرة ( بفتح الراء ) وامتصاص خيراتها وتدمير هويتها بالقوة والجبروت، هذا الاستعمار الذي خلف مليون شهيد في الجزائر وداست خيل طاغيته نابليون الأزهر، وغير ذلك كثير، كان العرب يعرفون كل ذلك ولكنهم على عادتهم يلتمسون العذر بل يخلقونه إن لم يجدوه خلقا؛ فما رأيهم في هذه التهديدات الأخيرة، وهي قطعا موجهة إليهم؛ لأن الحملة الراهنة على الإرهاب يقصد بها ظلما الإرهاب العربي خصوصا والإسلامي عموما، والدليل على ذلك سجون أمريكا ومعتقلاتها الملأى بالعرب والمسلمين الذين زج بهم جورا وعدوانا من غير محاكمة أو معاملة إنسانية. والدليل على ذلك مطاردة العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ومضايقتهم واستفزازهم بحجة أنهم إرهابيون من غير بينة ولا دليل.
ألا فليكفف العرب عن غيهم، وليفيقوا من غيبوبتهم، وليجمعوا شملهم، ولا أحبذ قول إن ملة الكفر واحدة، وإنما العدوان واحد، والطغيان واحد، والطامعون وإن كانوا شتى فهم في اللؤم والخسة والشره والجشع والأنانية سواء كأسنان الحمار سواء، سواء في نهب الشعوب وامتصاص الثروات وسلب الإرادة وتحطيم الهوية وتدمير الذات وطحن المطحونين أصلا وسحق المسحوقين، وكأن الأرض على رحبها تضيق إلا عنهم، وكأن الهواء يقل إلا لهم، وكأن الماء ينضب إلا من أجلهم، وكأن الحياة كتبت لهم ولم تكتب لغيرهم، وكأن الخالق ربهم وحدهم.
فمتى يصحو العرب؟؟
وهل سنشهد من أصدقاء الأمس ( فرنسا ) أسلوبا جديدا، بعد أن فقد الأسلوب القديم مصداقيته وصلاحيته؟
وهل ستسمعنا زئير الأسد الصريح وهي التي طالما صدعت رؤوسنا بسجع الحمام المنافق والمراوغ، هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلات؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخارجية الروسية: أي جنود فرنسيين يتم إرسالهم لأوكرانيا سنعت


.. تأجيل محاكمة ترامب في قضية الوثائق السرية | #أميركا_اليوم




.. دبابة إسرائيلية تفجّر محطة غاز في منطقة الشوكة شرق رفح


.. بايدن: لن تحصل إسرائيل على دعمنا إذا دخلت المناطق السكانية ف




.. وصول عدد من جثامين القصف الإسرائيلي على حي التفاح إلى المستش