الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نسائم مروج الماضي أغوتني

يوسف حمك

2017 / 4 / 11
الادب والفن



اتحاد النفس باللحظات المؤثرة يوقظ النفس من سباتها للدمج بالماضي دون الإحساس بغيظ الحاضر و آهاته . و باعتبار أن الفكر قادر على ربط الظواهر و الأحداث ببعضها ، فإننا نتوهم لو اعتقدنا أن الماضي يُنسى بسهولةٍ و يسرٍ حينما نغرق كثيراً في عباب الحاضر ، و السير ببطءٍ في دروبه المتشعبة .
أحيانناً ما لا يتوقف هياج الحنين ، بل يسير متجاوزاً كل التعثرات و الحدود .
و النفس تتمسك بلذة أوهام الماضي ، حتى و إن كانت على يقين أنها تهذي .
لحظاتٌ بلا دراسةٍ وإعدادٍ تفاجئنا فنتمنى أن نملك مصباح علاء الدين ولو لدقائق معدودة ٍ ليخرج من جوفه المارد فيعيدنا إلى الكثيرين ، أو يجمعهم بنا ، رغم أن البعض منهم رحلوا لحصولهم على تذاكر الموت بلا رجعة ٍ . والآخرين تآلبت عليهم المواجع فانتثروا في الأصقاع للبحث عن أوطان ٍ بعد أن بعثرهم حضن الوطن الجريح النازف .

موالٌ عتيقٌ من مواويل فلكلورنا الشعبي الكوردي أخذني بعيداً إلى ما قبل أربعة عقودٍ ونصف العقد ، حينما كنت أستمع للعم : ملا خليل ( بافى سعيد )- رحمهما الله وأسكناه فسيح جناته - وهو يجلس القرفصاء يضع أصبعيه ( السبابتين ) في فتحتي أذنيه ويبدأ بتراتيل مواويله ( السريلوك ) }جاروووووووووووو حيراااااااان .....{ بصوته الجهوري الرائع من فحولة حنجرةٍ بديع الأداء لا تشبهها إلا ذاتها ، وحوله جمع من مريديه وعشاق مواويله يهللون ( هَيْ هَيْ هيييييييَّ ) تشجيعاً له وحماسةً زائدةً وفق ما تقتضيه أصول هذا اللون من الموال حسب الطقوس والتقاليد المتبعة كإيقاعٍ موسيقيٍّ معمولٍ به .

نعم استولى الماضي على ذاتي ، وخرق سيادة ( أنايَ ) فبت أذوب في( أناهم ) .
ومن فرط الطرب ومتعة الماضي الجميل كنت أردد معهم ، وأعيده مجدداً كلّما بلغنا النهاية –لأني كنت قد حفظت بعضاً من مقاطعه عن ظهر قلب ٍ – إلا أن صوتي كان يتقطع من وخز حلقي بنصل غصة ٍ حادٍ رفيعٍ يجرح صدري ، فتنساب دموعي – دون مقدرة مني على كبحها – فتنافس الحس الجميل بشغبٍ ، و تحاول أن تعكر صفوَ هذه اللحظات التي استدعت ذكرى جميلة ً تحتل مكانةً بارزةً في مقدمة متحف ذاكرتي المنهكة من الاعتكاف في صومعة مواجعي الدفينة .
غير أنني استجمعت قواي لأطارد وميض المغريات المجنونة لتلك الحقبة البديعة حتى فزت باصطياد رذاذ نسائم مروجها التي أغوتني برائحتها العبقة ، وأنا أنزف كحلمٍ ٍ وديع ٍ رقيق ٍ تداهمه أولى خيوط الفجر فيتلاشى ، واستفيق من أعذب تراتيل أمنياتٍ ودودة ٍ كسفينةٍ مزقتها الرياح العاتية شراعها فسارت بلا وجهةٍ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شخصية أسماء جلال بين الحقيقة والتمثيل


.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت




.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو


.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??




.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده