الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصف الأميركي لسورية : إياكَ أعني بشار ، واسمعي يا إيران

حسين كركوش

2017 / 4 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


لأن الولايات المتحدة وضعت نفسها ، فيما يخص ضربتها العسكرية لسوريا ، مشتكيا و قاضيا وشرطيا في آن واحد فأن الشك يظل قائما فيما إذا كان نظام الأسد هو الذي نفذ الهجوم الكيمياوي. والشك ، هنا ، لا يعني ، أطلاقا ، أن نظام بشار محصن أخلاقيا وسياسيا ضد ارتكاب عمل بربري كهذا. نظام بشار الأسد ، كنظيره السابق نظام صدام حسين ، لا يتورع عن ارتكاب أشنع الجرائم الجماعية بحق السكان من أجل البقاء في السلطة.


الشك ينبثق من القرائن التالية :
* النظام السوري أُجبر عام 2013 على تفكيك ترسانته الكيمياوية. وكان ذاك بضمانة روسية. وأي خرق للاتفاق يقدم عليه النظام السوري إنما يعني إحراجا لحليفه الروسي في المحافل الدولية. ونظام بشار يدرك جيدا أي ثمن باهض عليه أن يدفعه أن فعل ذلك.
* يعرف نظام بشار أن عملا فضيعا ، كاستخدام الأسلحة الكيمياوية ، في هذه الظروف بالذات ، هو انتحار سياسي وربما جسدي ، أيضا ، لا أكثر ولا أقل. والنظام السوري لا يريد الانتحار ، و لا يريد له حليفاه الروسي والإيراني أن ينتحر. بل العكس هو الصحيح تماما. فقد انتعشت آمال بشار الأسد في البقاء في السلطة بعد انتهاء حكم الرئيس أوباما ، و وصول الرئيس الأميركي الجديد إلى البيت الأبيض الذي غير كثيرا في أولويات الاستراتيجيا الأميركية.
فمنذ وصوله للسلطة ، وحتى قبل ذلك ، ظل الرئيس الأميركي دونالد ترامب يؤكد على أن المشكلة في سوريا ليست بقاء أو عدم بقاء بشار الأسد في الحكم (كما تصر بلدان في المنطقة ، مثل إسرائيل و تركيا والسعودية ) ، وإنما المشكلة هي القضاء على داعش.
وهذا ما أعلنه ترامب في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 عندما قال في حديث مع صحيفة The Wall Street Journal : أرى أن المشكلة الرئيسية لا تكمن في الأسد وإنما في داعش.
وظل رأي ترامب هو السائد عند أركان إدارته ، لم يتغير حتى قبل أيام من وقوع الهجوم الأميركي.
فقبل أربعة أيام من الضربة ، أي في 30 مارس قال وزير الخارجية تيلرسون و كذلك مندوبة أميركا في الأمم المتحدة نيكي هالي بإن سقوط بشار الأسد لم يعد أولوية في السياسة الخارجية الأميركية. وذهب تيلرسون أبعد من ذلك عندما قال إن مصير الاسد يقرره السوريون أنفسهم.
وبعدهما قال الناطق الرئاسي شون سبايسر بالنسبة إلى الأسد هناك واقع سياسي علينا قبوله . وأوضح أن للولايات المتحدة أولويات عميقة في سورية والعراق ، وقد أوضحنا أن مقاومة الإرهاب ، وتحديدا هزيمة الدولة الإسلامية في العراق وسورية بين هذه الأولويات .
وكان تأكيد ترامب فيما يخص مصير الأسد مدعاة لارتياح الرئيس السوري. فبعد مرور شهر على تصريح ترامب في نوفمبر الماضي عَّبر الأسد عن تفاؤله إزاء سياسة الرئيس الأميركي الجديد. وقال الأسد في مقابلة مع أحدى القنوات الايطالية ونقلتها وكالة الأنباء السورية لنقل إننا أكثر تفاؤلا ... لكن مع بعض الحذر . وأوضح الأسد قائلا : إذا قامت علاقات جيدة بين هاتين القوتين العظيمتين (روسيا وأميركا) فأن معظم دول العالم بما في ذلك دول صغيرة كسورية ستستفيد من هذه العلاقة .
فهل أُصيب الأسد بالجنون و وصل به الجنون إلى حد توتير العلاقة بين هاتين القوتين العظيمتين ؟


والسؤال الآخر هو ، هل يعقل أن ترامب غير استراتيجيته خلال أسبوع واحد ؟
لا أظن أن الجواب ، في الحالتين سيكون ، نعم.


وهناك تساؤل آخر هو : إذا كانت إدارة ترامب على يقين بأن الأسد هو المسؤول عن الهجوم الكيمياوي ، و إذا كان ترامب غير استراتيجيته ويريد التخلص من الأسد ، فلماذا نفذت الولايات المتحدة ضربة موقعية محددة واحدة ، وبتسعة وخمسين صاروخ ؟ لماذا لم توزع هذه الصواريخ على عدة مواقع تشمل حتى قصف القصر الجمهوري ؟ لماذا فاتحت الولايات المتحدة روسيا بنيتها في تنفيذ الضربة ، وفقا لما ذكرته وسائل إعلام روسية عن خبراء روس ، وأميركا تعرف أن روسيا ستبلغ بدورها الحكومة السورية ، فتعمل هذه الأخيرة ما في وسعها على تقليل الخسائر التي ستسببها الضربة الأميركية ؟
شخصيا ، نحن مع من يقول بإن ما قامت به الولايات المتحدة ليس له علاقة بالهجوم الكيمياوي ، وكانت الضربة العسكرية ستحدث ، سواء حدث الهجوم الكيمياوي أو لم يحدث.
أميركا لم تنفذ ضربة عسكرية. هي نفذت ضربة (سياسية) خالصة ، وكانت الضربة حجرا واحدا ضرب ترامب به عدة عصافير ، في الداخل الأميركي (الضربة وحدت الجمهوريين والديمقراطيين وراء ترامب ، ورفعت رصيده) ، وعلى الصعيد الأوربي وحلف الناتو (توحدت كل أوربا وراء أميركا) ، وفي الميدان الروسي (لتعرف روسيا حجمها) ، وعلى الصعيد الآسيوي (أن تفهم كوريا الشمالية أن ترامب لا يمزح). إما في سوريا تحديدا ومنطقة الشرق الأوسط على العموم فأن حجر ترامب ضرب عدة عصافير في آن واحد.
ترامب أراد ، عن طريق الضربة العسكرية ، أن يثبت أن منطقة الشرق الأوسط هي منطقة نفوذ لأميركا وحدها ، ومن غير المسموح لأي قوة عالمية ، كروسيا ، ولا لأي قوة إقليمية ، كإيران أو تركيا ، أن تحدد مصائر دول هذه المنطقة ( التي تمتلك نحو 865 مليار برميل من احتياطات النفط الخام و 86 تريليون متر مكعب من احتياطات الغاز ما يمثل 58 في المئة و 43 في المئة على التوالي من احتياطات العالم ) في ظل غياب أميركا و بالضد من مصالحها الاستراتيجية ، وأن مصير نظام الأسد تحدده أميركا ، ولا تحدده مؤتمرات تشرف عليها روسيا وتركيا وإيران في الاستانة أو جنيف بينما تغيب عنها أميركا. وهذا ما أوضحه وزير الخارجية ريكس تيلرسون عندما قال إن الضربة الأميركية تثبت أن ترامب على استعداد لاتخاذ قرارات حاسمة عندما تقتضي الضرورة .

هذه حقائق (أميركية) تعرفها روسيا و تفهمها وتتفهمها جيدا. فقد مرت الصواريخ الأميركية تحت مرأى الدفاعات الروسية الموجودة داخل سوريا دون أن تتدخل لمنعها. وبعد الضربة الأميركية أكدت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زخاروفا على استعداد بلادها للتعاون مع الولايات المتحدة حتى في أكثر المواقف حدة ، وعندما لا يتوقع أحد مثل ذاك التعاون ... فهناك عدد كبير من القضايا للتعاون وهناك موضوع مهم للغاية هو التصدي للإرهاب العالمي .
الضربة الأميركية أدخلت الرعب في قلب روسيا ، وجعلتها ترى حجمها الحقيقي. فقد نقلت وسائل إعلام روسية عن خبراء عسكريين روس قولهم إن تحلي العسكريين الروس بضبط النفس أبعدَ احتمال اندلاع حرب نووية. وقالوا لو بدأنا بإسقاط الصواريخ الأميركية ، فلربما لم نستيقظ هذا الصباح ، لأنه كان من المحتمل أن يحصل اليوم ما يسمى نزاعا نوويا.
وحتى الصين القوة النووية الصاعدة تعرف هذه الحقائق وتتفهمها. وليس صدفة أن الرئيس الأميركي أصدر أوامره بتنفيذ الضربة العسكرية قبل ساعات من لقاء له مع الرئيس الصيني الذي كان يزور الولايات المتحدة.
بالطبع ، من المبكر جدا الحديث الآن عن وجود (عقيدة سياسية) واضحة المعالم ومتكاملة للرئيس الأميركي الجديد. لكن ما يراه العالم حتى الآن هو أن الرئيس الجديد لا يبحث عن (التوازن) بين أميركا والقوى العظمى الآخرى ، إنما يريد (التفوق) ، ويريد كسب نتائج التفوق بأسرع وقت ممكن. وهو عازم تماما على تصفية إرث أوباما. والضربة العسكرية الأخيرة ضد سوريا هي خطوة (أُريد لها ان تكون استعراضية ، عن قصد وتعمد) في طريق التخلي نهائيا عن سياسة أوباما في الشرق الأوسط. وهنا تحضر إيران الإسلامية ، والعلاقة بينها وبين الضربة الأميركية ضد سوريا.

ترامب وكبار أركان إدارته يضعون إيران هدفا لهم. ويبدو أن سياسة إدارة ترامب إزاء إيران لا تعتمد ، في الوقت الحاضر ، على كسر العمود الفقري الإيراني دفعة واحدة ، أي مهاجمة إيران في العمق وبشكل مباشر ، وإنما الشروع في تحويل نومها إلى سهاد و أرق ، عن طريق التهديد والوعيد ، وتكثيف التواجد العسكري الأميركي قرب مياهها ، وعزلها عن محيطها الإقليمي وتأليب هذا المحيط ضدها ، وهو ما قصده مرشد الثورة آية الله السيد علي الخامنئي عندما قال : هنالك اليوم جبهة واسعة من الاعداء الخبثاء في مواجهة الجمهورية الاسلامية في ايران، هدفهم جميعا القضاء عليها).
وهذا كله يتم بالترافق مع إحداث كدمات قوية تدمي أقدام إيران (في العراق وسوريا وجنوب لبنان واليمن) فتعيقها من الجري بشكل طبيعي ، كما في السابق ، مع سعي متواصل لتقليص مساحة الميدان الذي تتبارى فيه إيران. وهذا ما بدأت تفعله الولايات المتحدة في اليمن وفي العراق ، و كذلك التهديدات التي يطلقها ترامب وإسرائيل ضد حزب الله اللبناني ، وهي تهديدات جادة ، بحيث أن الحزب اضطر للعب ورقته الأخيرة الأكثر خطورة ، وهدد بضرب المفاعل النووي الإسرائيلي ، وهذا أمر لم يصرح به الحزب سابقا.
إما التواجد الإيراني داخل سورية فقد تكفلت نيكي هايلي مندوبة أميركا في الأمم المتحدة بالتعامل معه مستقبلا ، عندما قالت إن أولوية بلادها في سوريا ستكون التخلص من النفوذ الإيراني والوصول إلى الحل السياسي في النهاية .
أي أن إدارة ترامب لا تمانع في بقاء الأسد في الحكم ، لكنه لا تريده أسدا إيرانيا أو روسيا ، ولا تريده بأنياب يمنحها له حزب الله اللبناني ، بل لا تريده أسدا ، أصلا. هي تريده أسدا أليفا كبقية جيرانه (الأسود) الذين أيدوا بحرارة ضربتها العسكرية الأخيرة ضد سوريا.
هل ما تفعله إدارة ترامب يعني سيادة اللاقانون واللانظام في العالم كما قال الرئيس الإيراني حسن روحاني ؟ نعم ، هو كذلك ، بالتأكيد.
هل ما تفعله إدارة ترامب هو رسالة للحكام المرعوبين في المنطقة ، تقول هذا تعاملنا معكم بالقوة ولا نحتاج إلى تحقيق وتدقيق في الحادثة ولا نحتاج قرارا دوليا لضرب دولة لها سيادة ، كما قال رئيس حزب الدعوة الإسلامية و رئيس الوزراء العراقي السابق ونائب رئيس الجمهورية حاليا نوري المالكي ؟ نعم ، هو كذلك ، بالتأكيد.
لكن ، ماذا لو طلب منهما ترامب أن يّعرفا له معنى القانون واللاقانون ، النظام واللانظام ، دولة ذات سيادة ودولة تتقرر سيادتها في عواصم إقليمية ودولية ؟
نظن أن الأسئلة و الأجوبة غير مناسبة لأنها تسبب الحرج لأسباب كثيرة جدا ، أحدها لأن توقيتها يتزامن مع الذكرى السنوية لما حدث في 9/4/2003 في العراق ، وما أعقب ذلك من أحداث وتطورات يعرفها روحاني والمالكي وترامب ، كما يعرفها العالم كله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل