الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيكلوجية القادة والزعماء السياسيين في العراق بعد عام 2003

حيدر لازم الكناني

2017 / 4 / 12
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


سيكلوجية القادة والزعماء السياسيين العراقيين بعد عام 2003
أن أهم محددات الاتجاه المستقبلي لأي دولة يتمثل بطبيعة قادتها السياسيين وقدرتهم على أدارة شئونها وتيسير أمورها بشكل مدروس ومخطط ، لقد مر قرابة أربعة عشر عاما على الإطاحة بنظام صدام والقيادة السياسية الجديدة التي جاءت بعد السقوط وهي في موقع غريب وشاذ عن مما هو مألوف في أدارة الدولة وسياستها ، لهذا فان أهم مميزات هذه الفئة كانت منذ بداياتها في أدارة الدولة العراقية هو التدمير الممنهج لكل مقدرات هذا البلد ، أن وصف التخريب الممنهج والمتعمد لهذا البلد من قبل هذه النخبة السياسية فأنة يحتاج إلى صفحات كثيرة أذا لم نقل مجلدات لذكره .
وبالرغم من أن جل هؤلاء النخبة من القادة السياسيين ينحدرون من خلفيات ورأى أسلامية حيث تدرجت هذه الفئة من حالة المطاردة والتشرد إلى موقع السلطة بفعل الفراغ السياسي الذي أحدثه الاحتلال الأمريكي لبغداد وإسقاط نظام صدام ليكشف هؤلاء القادة عن القناع الحقيقي الذي يتمثلوه ودورهم التخريبي .
أمام كل هذا يحق لنا طرح العديد من الأسئلة عن المغزى الحقيقي لسلوكيات هؤلاء المدمرة والكارثية في أدارة الدولة العراقية ، فهل هي شخصيات تعاني من انشطار ذهني من كونه عاشت حياة الاضطهاد والتشرد والمظلومية وفجأة أصبحوا قادة سياسيين وحكام وزعماء كبار ؟ أم وجود أسباب أعمق تكمن في أغوار اللاشعور مشكلة ما يسمى في علم النفس العقدة النفسية ؟
وسوف يتم التركيز على جانب العقد النفسية وإهمال الجوانب الأخرى في موضوعنا هذا ، لذا أولا علينا معرفة ما العقدة النفسية ؟ وكيف تتشكل ؟ وما دورها في صنع السلوك الغير سوي ؟ فالعقدة النفسية كما يعرفها كارل يونك Carl Young بأنها مركب مشحون عاطفيا من الأفكار المتشابكة التي لديها التأثير العاطفي وهي نتاج من تشابك الذكريات والمشاعر التي ترتبط بعضها البعض وتكون على شكل موضوع ، وعلى الرغم من ادلر Adler لديه مفهوم عقدة النقص Inferiority complex وفرويد لدية عقدة اوديب Oedipus complex ألا أن ما يميز ما طرحه يونك عن ما كتبه المنظرون الآخرون في العقدة النفسية هو تأكيده على أساس النموذج الأولي وبالتالي فان كل عقدة لديها أساس في اللاشعور الشخصي وأحيانا العقدة النفسية تتمثل في اللاشعور الجمعي ووفقا لهذا وحسب رأي يونك فان العقدة تتجسد على أساس العقلية الجمعية وليس الجانب الشخصي فقط . ورغم أهمية العقدة النفسية في معرفة الشخصية ألا أن السيكولوجيين يهتمون بشكل خاص إلى دور العمليات اللاشعورية في العقدة النفسية ، حيث يؤكد يونك على المكانة العظيمة في دور العمليات اللاشعورية في أحداث السلوك الإنساني (Harris, 1996 Whitmont,1991) .
ولكي نفهم مركب العقد النفسية للقادة السياسيين للمكونات الثلاث من القادة والزعماء السياسيين (الكرد، السنة ، الشيعة) فينبغي علينا تناول كل مكون على حدا لان لكل واحد من هذه المكونات الثلاث لديها رؤاها العقائدية والأيدلوجية التي تميزها عن الأخرى ، فلنبدأ أولا بعقدة القادة السياسيين الكرد حيث أن هؤلاء القادة يملكون رؤى سياسية واضحة وموجهة بشكل مخطط ومدروس ولهؤلاء لديهم نصيب ليس بالقليل في عملية التخريب ، وهذا أمر لا يدعو للدهشة حيث أن الكرد ومنذ زمن في ظل حكم ذاتي وقد حددوا أهدافهم بالانفصال وهم لا يخفون ذلك ، وهم لا يشعرون بأنهم ينتمون إلى حكومة بغداد ، وعلى الرغم من الامتيازات الكبيرة التي جنوها بعد 2003 وتسنمهم مناصب رفيعة كمنصب رئاسة الجمهورية ألا أن حلمهم بإقامة الدولة الكردية أصبح حلما قريب المنال خصوصا أذا كان الشركاء الآخرون من الشيعة والسنة في حالة تصادم وعدم وئام وضعف ، حيث أن شغلهم الشاغل يكمن بسد عقدتهم بالانتماء بإنشاء وطن يضم كل الكرد ، أذن فأن عقدة هؤلاء القادة تتمثل بعقدة الهوية أو الانتماء لوطن فهم امة ينقصها وطن يضمها (كما يعتقدون) ، فان عقدة الانتماء Affiliation Complex التي يحملها القادة الكرد كانت المحرك الأساس في عملية التخريب المقصودة للدولة العراقية بعد عام 2003 وحوارها الداخلي يتجلى بـ "لا يهمني مصير الآخرين لي كياني الخاص بي " .
أما المكون الأخر وهم قادة العرب السنة فهؤلاء لديهم نصيب لا باس به في عملية التخريب ولكن بعقدة مختلفة عن عقدة الانتماء والهوية التي يحملها القادة الكرد ، وهي عقدة السلطة Complex power ، فعلى الرغم من الامتيازات الكبيرة التي يتمتع بها هؤلاء القادة ألا أن عقدة السلطة كانت الأساس في إدارتهم للدولة العراقية ، فهؤلاء يرون أن السلطة هي حق تاريخي لهم ولا تحق لأي مكون أخر سواهم " خصوصا المكون الشيعي" في السيطرة أو مشاركتهم الحكم ، وعلى الرغم من العملية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ألا أنهم يضمرون العداء للعملية السياسية وهذا العداء والرفض هو نتاج عن عقدة السلطة التي تحرك دوافعهم الخفية بهذا الاتجاه العدائي والمخرب ، تعاونهم مع الجهات الإرهابية وتسهيل حركتها وتزويدها بالمعلومات وكذلك التورط في عمليات الاغتيال وتفخيخ السيارات والدفاع عن الإرهابيين والضغط على الجهات القضائية في الإفراج عنهم وأحيانا يقومون بمحاولة أثارة النعرات الطائفية من اجل إرباك الوضع وخلق الأزمات ناهيك عن الفساد الإداري والمالي وعرقلة سير الدولة وتقديم الخدمات وغيرها الكثير ، فهي مؤشرات قوية على نوع العقدة التي تحركهم ، ومعظم هؤلاء القادة السنة من هو متهم بالإرهاب أو مشترك في عمليات قتل المواطنين وليس بالبعيد شاهد كلامنا عن نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بالرغم من تبوءه منصب رفيع في الدولة ، أن الإحساس العام للقادة السنة تدل على أن الكثير منهم لا يزال متعلق بالتصورات البعثية السابقة وبهذا فان مركب عقدة السلطة هي المحرك الأساس لهؤلاء في أدارة الدولة ودورها التخريبي وحوارها الداخلي يقول "إنا السيد والآخرون هم مجرد عبيد" .
أما القادة الشيعة وهم يمثلون الثقل الأكبر في الحكومة العراقية ولديهم معظم المناصب المهمة بالإضافة إلى أن معظم قرارات الدولة المهمة تصدر عنهم ، ولتحليل مركب العقدة التي يحملها هؤلاء فإننا نحتاج إلى تفصيل أكثر من العقد السابقة كون أن عقدة هؤلاء أكثر غموضا وعمقا في بنية الشخصية ، وللتعرف على هذه الشخصية ينبغي الرجوع إلى تاريخ هؤلاء القادة ومعاناتهم في زمن النظام السابق ، في الحقيقة أن الغالبية العظمى من هؤلاء القادة (بدون ذكر الأسماء) كانوا من المطاردين من قبل الأجهزة الأمنية للنظام البعثي السابق وقد تعرضوا إلى الاضطهاد الديني والسياسي والعرقي مما حدا بهم إلى الهروب خارج البلد ، وان أهم الخصائص المهمة للقيادات الشيعية أنهم من العراقيين الذين عاشوا خارج العراق على الأقل عقدين أو ثلاث عقود من الزمن ، وأن البعض من هؤلاء ممن اعتبروا من التبعية الإيرانية (بالرغم من أن معظمهم من أصول عربية عراقية ) وفق سياسة التطهير الطائفي التي انتهجها نظام صدام ، وقد تم إعدام الكثير من الشباب ومصادرة الأموال المنقولة والغير منقولة وتم سجن اسر بأكملها في سجن نقرة السلمان سيئ الصيت وترحيل الكثير من الأسر من نساء وأطفال وشيوخ ومن تبقى من الشباب إلى إيران عبر رميهم على الحدود الإيرانية العراقية ليواجهوا مصيرهم المجهول والسير على حقول الألغام لتنفجر على من تنفجر وينجو من ينجو ، وهناك الكثير من الصور المأساوية التي لحق بهؤلاء وغيرهم لا يسعني المقام بذكرها .
ونستنتج مما سبق بان هذه الفئة يتمحور بنائها النفسي وفق عقدة الاضطهاد والتي هي نتيجة المعانات المريرة التي مروا بها أثناء حكم البعث ، وهي أكثر عمقا وخطورة وإيلاما من عقد الآخرين وهي نتاج للمرحلة المريرة التي عاشوها، وان الاضطهاد كما يرى فنغشتن Fengtiton بأنه نتيجة لتداخل معقد بين تراكيب وعمليات الشخصية وان هناك شخصيات تشهد تقريبا الأفكار والمشاعر الاضطهادية وان هذه الشخصيات يتشكل لديها نزعات اضطهادية من قبل الشك والعداء والتمركز حول الذات والشعور بأنه كبش فداء ( Fingshten, 199) ، وبشكل عام فان الشخصية الشيعية أصلا شخصية يتكون بنائها النفسي من الاضطهاد وهذا نتيجة لما مروا به من مسيرة حياتهم التاريخية من ظلم وحيف وقهر على مر الدهور ويتجلى لنا هذا من خلال طقوسهم الدينية ونمط تفكيرهم وتمثيلاتهم الاجتماعية الأخرى ، ألا أن نوع وتركيب الاضطهاد هنا يختلف كليا من نوع وتركيب الاضطهاد الذي يحمله القادة السياسين الشيعة حيث ان هذه الفئة يتمحور بنائها النفسي وفق عقدة الاضطهاد Persecurty complex التي تشكلت وفق الأحداث القاهرة التي خبروها حيث يصنف روجرز Rogers السلوك على طول سلسلة مستمرة من الشدة ، اعتمادا على شدة التشوية (Holdstock & Rogers, 1977) ، فمركب عقدة الاضطهاد التي تقوم على عناصر الحزن Sadness والغضب Rage والكره hate العداء hostility والشك suspicion والتي تعمل على تشويه التفكير Distorted thinking ، في الغالب هذه العناصر تتجسد في بنية الشخصية على شكل عوامل لاشعورية تلعب دورا نشطاً في تشكيل السلوك ، الأفكار و الذكريات والمشاعر (العداء والكره والغضب والحزن والشك) تكون مرتبطة مع بعضها البعض أو تتمثل على شكل موضوع ، هذه المسألة المتشابكة عندها القدرة للتأثير العاطفي في الفرد وتسمى العقدة النفسية .
وفي نهاية المطاف في تحليلنا سيكولوجية مركب عقدة الاضطهاد فان هؤلاء القادة الشيعة يصبح لديهم موضوع بديل لتفريغ هذا الغضب المكبوت لمكونات عقدة الاضطهاد وهذا الموضوع البديل يكون موجة إلى عموم الشعب العراقي (باعتبار أن كل من عاش في الداخل إبان النظام السابق هم بعثييون وأنهم ممن كانوا مساندين لهذا النظام ) وهذا يعني أن ما يجرى على أفراد النظام البعثي السابق من عقوبة يجب أن تسري أيضا على عموم الشعب ، وهنا تعمل مركب عقدة الاضطهاد عملها التخريبي وفق مبدأ الانتقام والغضب اللاشعوري وعليه يكون العقاب جماعياً وحوارها الداخلي " كل من في الداخل بعثييون والكل مشترك في اضطهادي وتشريد عائلتي وإعدام أخوتي" .
وختاما فأن فهم خلفية وتصورات هؤلاء القادة أمر وضروري وحيوي بالنسبة لتحليل سلوكيات هؤلاء وتصرفاتهم التي خرجت عن المألوف بالنسبة لأي قيادة سياسية سوية ويمكن أن تدرج مثلما أطلقنه عليها بعملية "تخريب" ساهمت فيها العقد النفسية الثلاث (عقدة السلطة ، وعقدة الانتماء، وعقدة الاضطهاد) دورا أساسيا في هذا التخريب . حيث باتت البلد بعد حكم هؤلاء يقف على فوهة بركان، وينتظر عود الثقاب الذي قد يُحدث الانفجار الكبير، وسيكون ضحاياه من المدنيين وأمنهم واستقرارهم وأجيالهم القادمة التي قد لا تجد ألا الدمار والإفلاس والجوع .
د حيدر الكناني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدولة عند انطون سعادة - د. عزمي منصور.


.. ندوة: الهروب الكبير كمظهر من مظاهر الأزمة الاجتماعية




.. إيطاليا: اشتباكات بين شرطة مكافحة الشغب ومتظاهرين مناهضين لل


.. عاجل | الشرطة الهولندية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين خلال ت




.. اشتباكات بين متظاهرين ورجال الشرطة بسبب فيضانات إسبانيا: مته