الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن يسكت هؤلاء – و ستبقى الحجارة تصرخ!

نضال الربضي

2017 / 4 / 12
حقوق الانسان


لن يسكت هؤلاء – و ستبقى الحجارة تصرخ!


دخلت إلى غرفة نوم والديها مندفعة ً شاكية:
- ماما، سوستة الفستان مش عايزة تقفل

- بس كده؟! أهو يا حبيبة ماما

أجابتها أمها بحنان كبير و هي تسوي من قماش الفستان ليوازي مسير السحاب حتى إذا أغلقته احتضنت ابنتها و طبعت قبلة على جبينها ثم وجهتها لتكمل تجهيز نفسها.

- ياللله يا جماعة مش عيزين نتأخر على القداس، الكنيسة حتبقى مليانة على الآخر و انا ضهري بيوجعني و عايز الاقي مكان اقعد فيه
صاح الاب بدفئه المعهود يحضُّهما على الإسراع و الخروج.

قاد الأب سيارته إلى الكنيسة، ركنها في شارع ٍ قريب بعد أن أنزلهم على عجل. نقدَ السائس عشر جنيهات ليعتني بالسيارة و غادره "متشكرين يا ريس، خلي بالك منها كويس"

دخل الكنيسة و جال بعينيه بسرعة بين الحاضرين، يريد أن يلمح زوجته أو ابنته ليتجه إلى حيث يجلسون. كما توقع بالضبط كانتا في أحد المقاعد الخلفية، لقد وصلوا قبل القداس بقليل، بينما وصل غيرهم منذ أكثر من ساعة، ليضمن لنفسه مكاناً، و منهم من وصل قبل ساعات حينما كانت الكنيسة ُ فارغة، ليناجي حبيبه في القربان قبل أن يصل الآخرون، وعى ذلك فانتابه حنين ٌ إلى زمن ٍ بعيد، لم يكن قد تزوج َ بعد، حين َ كان يخرج ُ هو أيضا ً شتاء ً أو صيفا ً ليصل قبل ساعتين على الأقل، يناجي مخلصه و يبثه شوق فؤاده، قبل الجميع.

تصاعدت رائحة البخور و اهتزَّت الكنيسة ُ بدفئ حياة ٍ سرت فيها مع ابتداء ِ القدَّاس، جاشت النفوس ُ بالتلاوة ِ و الترتيل، و أتى صوت الأبِّ الكاهن حاملاً أنشودة َ فرح ِ ذلك اليوم، و هو يقرأ ُ من إنجيل لوقا فصلِه التاسع عشر :

"
وَلَمَّا قَرُبَ عِنْدَ مُنْحَدَرِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، ابْتَدَأَ كُلُّ جُمْهُورِ التَّلاَمِيذِ يَفْرَحُونَ وَيُسَبِّحُونَ اللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقُوَّاتِ الَّتِي نَظَرُوا،
قَائِلِينَ: «مُبَارَكٌ الْمَلِكُ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! سَلاَمٌ فِي السَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي الأَعَالِي!».
وَأَمَّا بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ مِنَ الْجَمْعِ فَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، انْتَهِرْ تَلاَمِيذَكَ!».
فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ إِنْ سَكَتَ هؤُلاَءِ فَالْحِجَارَةُ تَصْرُخُ!».
"

بغتة ً صمَّ أذنه دويٌّ هائل و هو يُحسُّ بجسده يرتفع ُ في الهواء و يرتطم ُ بأجساد ٍ كثيرة. أحسَّ بالدم يتدفق ليروي أحد عينيه، إنه نصف أعمى، لكنه مبصر ٌ بقلبه، يرى فوضى لا يُسعفه عقله على استيعابها، للحظات تجمَّد في الوجود، كائنا ً بلا تفسير، و لا فهم، و لا هدف، فقط: رجل ٌ موجود، ثم صحى و صاح باسم زوجته و ابنته، ثم استنجد بالعذراء و يسوع، و راح يخلط بين النداء على عائلته و الاستنجاد بالملائكة و القديسين، حاول القيام فلم يستطيع، أين قدماه، نظر إليهما فوجدهما لكنهما لا تطيعانه، لا يستطيع، أخذ َ يحبو يسحب الأرض بيديه و يجر نفسه، نعم إنه يتقن هذا، لقد تدرب عليه في الجندية، كان أسرع من في الدفعة و موضع تقدير رؤسائه، جاءه صوت الضابط ِ من بعيد:
اتحرك يا جندي منك لوه، ياللله، بلاش لكاعة يا شوية نسوان، انتا فمعركة مش عند الست الوالدة

إنه يتحرك، يزحف، هذا معركة لكن مع من، من العدو، هو في الكنيسة، أين عائلته، ما الذي ضربهم، من الذي ضربهم، كيف؟

وجد ابنته، رباه فستانها أحمر، وججها تغبر، مسح عليه بيده المرتجفه التي وصلته بالكاد، حاول أن يرمي نفسه للأمام، لكن قونه خذلته، و رقد.

في الخارج كانت أصوات سيارات الإسعاف تملأ الشارع، و صوَّتت نسوة ٌ اجتمعن على الصوت، و ثارت ضجَّة ٌ كبيرة، بينما تقاطرت وكالات الأنباء لتغطية الحدث و قد ارتسمت علامات الجدية على وجوه مراسليها و هم ينقلون الخبر.

أما في البيوت القريبة، فقد دمعت النوافذ ُ من حجارة ٍ جاءت من الكنيسة، اختلط فيها الغبار بالدم، حملها الانفجار إلى الداخل، مصداقا ً لنبوءةٍ بعيدة، كانت الحجارة ُ فيها تصرخ.

------------------------------------------------------
أقول ُ لكم يا شهيدات و شهداء مصر:

لتكن ثياب ُ شعنينتكم البيضاء التي سقتها دماء ُ قلوبكم، و سعف ُ نخيلكم المحمولة بأيدي بناتكم و أبنائكم المباركين، شهادة الحقيقة، بأنكم مصريون أصيلون، و أن مصر وطنكم للأبد، و أنكم حجارته التي ستبقى تصرخ، و التي ستسقط دونها ثقافة الكراهية؛ لأنكم بالحب تحيون، و بالحب تموتون، و بالحب تقوم أجيالكم الآتية!


أقول لكم أيها القراء الأعزاء:

لا نحتاج للكثير من التحليل لنرى الخلل، إنها ثقافة الكراهية، و من يروجون لها معروفون، و علاجها أيضا ً معروف، كل ما هنالك يجب أن يكون لدى كل واحد منا الشجاعة أن يقول: هذا الفكر إجرامي، و هذه الثقافة بربرية، و أنا برئ ٌ منها! ثم َّ يتخذ قرارا ً أن يعتنق الإنسانية و يقدِّس الإنسان، و يجعله فوق كل شئ، و هذا يحدث في الغرب، موجود، حاصل، يسلكون بحسبه كل يوم، و ليس خيالاً، استدر و انظر فقط.

و إياك قارئ الكريم إياك أن تحاول إعادة اختراع العجلة أو تنشغل في المماحكات و المهاترات و الجدل العقيم فهذا عرض ٌ للانحطاط في الوعي أُنزِّهك عنه فنزِّه نفسك، و اعلم أن العجلة تم اختراعها من زماااااااااان و اسمها: العلمانية! و هي موجودة من أجلك و من أجل الجميع، و تخدمك و تحفظ حقك و نفسك و حريتك و مالك، و كذلك للجميع،،،

،،، فقط خذ قرارك أن تكون إنساناً و اركب معنا، فمركبتنا لا تنتظر، و إلا أتى وقت ٌ وجدت َ نفسك و قد أصبحت َ إمَّا ضحية ً للهمجية، أو مشاركا ً فيها، أو رافضا ً لها لكن عاجزا ً عن ردِّعها، و في كل هذا الحالات: أنت الخاسر، حينها لا ينفع ُ الندم!










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يسلم فكرك وعقلك يا أستاذ الربضي
ليندا كبرييل ( 2017 / 4 / 12 - 09:50 )
هذا الفكر إجرامي، و هذه الثقافة بربرية، و أنا( بريئة ) منها!
وقد اتخذتُ قرارا مثلك أن أعتنق الإنسانية و أقدِّس الإنسان
وأن أنحاز بكل قوة إلى العلمانية
فهي موجودة من أجل من أجل الجميع، و تخدم حريتنا و تحفظ حق الجميع، لا حق فئة من البشر على رأسهم ريشة سموها : الإسلام

أنا لا أقدم التعازي للأسف

فنحن في أرض تشهد الجرائم التي لا تريد أن تنتهي

أكره الكلمات الروبوتية، والمشاعر الإلكترونية،

أريد أن أقف جنبا إلى جنب مع الإنسان، وأضع عيني في عينيه

أستاذ نضال، أخي العزيز
شكراً


2 - العزيزة ليندا كبرييل
نضال الربضي ( 2017 / 4 / 12 - 12:35 )
يوما ً طيبا ً أيتها العزيزة ليندا، يشرفني حضورك ِ و أعتزُّ بالوقوف ِ إلى جانبك ِ على أرض ِ الإنسان، من أجل الإنسان!

العلمانية دواء مجتمعاتنا، فيها الكل: مواطنون، لديهم مع الدولة: عقد إنساني اجتماعي اقتصادي سياسي قانوني، يُحدِّد حقوقهم وواجباتهم، و يفتح الطريق للحريات التي بها يُبنى الإنسان و المؤسَّسة معا ً، و بالتالي و بالضرورة: يُبنى الوطن.

بدون العلمانية لا يمكن أبدا ً و لا بأي شكل ٍ من الأشكال أن يتقدَّم المجتمع، و يتطور الوعي، و يعمل الفكر، و يُنتج الإنسان حضارة ً لها القدرة أن تساهم في المجموع الحضاري الإنساني العام، هذا مستحيل، فالأساس هو: الحرية و الكرامة، و الإنتاج و الحضارة مظهران لهذين المفهومين (الذين هما في حد ذاتهما: قناعاتٌ و ممارسات و نمط حياة ٍ، يترسخون بالإرادة الإنسانية ابتداء ً و الممارسة تبعاً لها).

ما حدا على راسو ريشة و ما حدا أحسن من حدا و كل حدا بحب ولادو

هذا مبدأ إنساني بسيط، لكنه أساس الحضارة، و عليه قامت حضارة الولايات المتحدة الأمريكية التي يرفع فيها الجميع من كل أصولهم علما ً واحدا ً.

الإنسان ابن الأرض
و الأرض أمه
فإذا نبذها لحقته لعنتها للأبد

مودتي!


3 - فقط خد قرارك أن تكون إنسان
عدلي جندي ( 2017 / 4 / 12 - 16:15 )
سألني في أول يوم عمل معي بعد حوار مع العاملين أثناء وجبة الغذاء عن مصيبتنا في مصر وكيفية وطريق وضرورة علمانية الدولة لمعاونة الدولة مصر وشعبها الخروج بسلام من مستنقع الدولة الدينية : سألني
ديانة حضرتك إيه
قلت له أنا إنسان
صمت وأعتقد لم يفهم ما أقصد
شكراً لك أخي نضال كتابة المادة و شكر واجب علي إنسانيتك
تحياتي


4 - الأخ العزيز عدلي جندي
نضال الربضي ( 2017 / 4 / 13 - 06:40 )
يوماً طيبا ً أتمناه لك أخي عدلي و أرحب بحضورك الجميل،

الوصول للمستوى الإنساني يتطلب إدراكا ً لحقيقتين:

- اشتراك جميع البشر في ذات الطبيعة البشرية.
- الاختلاف في مظاهر التعبير عن تلك الطبيعة.

هذا الإدراك سيولد قبولا ً ً تبادليا ً بحكم انبثاق الإختلاف عن أصل ٍ واحد ٍ بيولوجي، و يحتاج لقوانين تنظِّم علاقاته و تضمن إشباع حاجاته، و من هنا قوَّة العلمانية، من هذا الانسجام مع الطبيعة البشرية، و تنعكس بالضرورة على الحياة على شكل: منتجات حضارية.

لذلك وجب التركيز على المنظومة العلمانية عند عملية إعادة صياغة الوعي و خصوصا ً في الكتابات التي تتوجه للمجموع العام الذي لا يُدرك هذه البديهيات البسيطة، عوضا ً عن التركيز على نقد الدين بشكل رئيسي، لأن هذه العملية الأخيرة تتمحور حول الدين و هو موضوعها الأساسي و بالتالي تتماهى من حيث ُ لا تقصد مع مكانته الشمولية في وعي الفرد و تُعزِّرها بدلا ً من استبدال المنظومة العلمانية بها كما يجب.

شكر لك على كلماتك الطيبة و دمت بكل الودِّ!

اخر الافلام

.. لبنان وأزمة اللاجئين السوريين.. -رشوة- أوروبية أم حلول ناقصة


.. وقفة لرفض اعتقال ناشط سياسي دعا لا?سقاط التطبيع مع الاحتلال




.. الاتحاد الأوروبي: ملتزمون بحماية استقلالية المحكمة الجنائية


.. مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون بتل أبيب للمطالبة




.. ميقاتي: الحديث عن رشوة أوروبية للبنان من أجل إبقاء النازحين