الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللجوء إلى الوطن

موفق الطاهر

2006 / 1 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


نفط العراق والمطالبة بخروج المحتل!!!
’لقد نجحت المقاومة الوطنية بسياستها الخاصة بحرق النفط، وتفويت الفرصة على المحتل الأمريكي باستغلال النفط العراقي. فهم قد أعلنوا مراراً بأنهم سيسترجعون آخر دولار قد صرفوه في الحرب العراقية من النفط العراقي...!‘
هكذا أعلن أحد المحللين في إحدى مستشفيات السياسة على إحدى الفضائيات المعروفة بعهرها! وللأسف يحتسب هذا المحلل على السياسيين والمثقفين العراقيين! فلا عتب أذن على المواطن العراقي البسيط، الذي ظلّ في داخل البلد يعاني الأمرين من النظام المخلوع، ولم ير العالم الآخر كيف يفكر أو كيف يتصرف بإدارة حكم البلد والإقتصاد. لقد أعلن قبل أيام من قبل خبراء الإقتصاد العالميين بأن الحرب الأمريكية في العراق قد تكلف أمريكا ألفي مليار دولار وليس مائتي مليار كما أعلن سابقاً... ولو يفكر ذلك السياسي، وكل من يفكر بأن أمريكا قد جاءت إلى العراق من أجل نفطه، بأن نفط العراق بكل احتياطاته النفطية المعروفة أو التي ستكتشف لاحقاً، وبأسعار النفط القياسية فلن يوفي ربع هذه التكلفة! هذا ما قاله أيضاً خبراء الإقتصاد وليس أنا...!
سألني أحد الأقرباء: "هل يعطونكم هناك جزء (حلو) من النفط؟" أي نفط؟ أي حلو؟ أو أي جزء ذاك؟ فسألني: " أليس هم يعطونكم هناك جزءاً من النفط العراقي كل شهر؟" فأجبته بهدوء: "كلا يا عزيزي! هذا ما تسمع عنه يسمى هناك بالمساعدة الإجتماعية، وهي الزكاة التي ترفضون أنتم أن تدفعونها، وهذا يعطى إلى كل عاطل عن العمل سواء كان عراقي أو موريتاني أو هولندي أو سويدي، بمجرد أن يكون لديه إقامة هناك؛ وحالما يشتغل فأنهم سيقطعون عنه تلك المساعدة، ويبدؤون بإستقطاع (زكاة) من راتبه لإعطائها إلى غيره من العاطلين عن العمل."
في إحدى المناسبات ألتقيت بشباب كثيرين هناك. وفي حديث معهم، سألني فجأة أحدهم عن المدة التي قضيتها في هولندا؟ فأجبته بثمان سنوات! فسألني مستبشراً: "ينبغي أذن أن تملك الآن على الأقل ثلاثة بيوت!؟" فأجبته بسخرية: "كلا! ولكن لديّ بيت واحد وبستان كبير وشركة!" لم أكذب عليه، البيت مستأجر طبعاً، والبستان أسميه أنا هكذا، والهولنديون يسمونه حديقة شعبية، تستأجر من مؤسسة ليست حكومية بأجار رمزي سنوي، كي ينمّوا المهارات في الزراعة، أو يلهو بها كبار السن المتقاعدين...
سألني أيضاً أحد الأصدقاء اللطيفين الذي لم يكن مقتنعاً بسؤاله بأنه يسمع الكثير من المقيمين في أوربا بأنهم خلال سنتين أو ثلاث فهم يشترون عمارات ومحلات وسيارات فارهة...إلخ فأجبته بأن هؤلاء أما يكونوا مافيات تهريب الأشخاص التي ذاع صيتها نهاية التسعينيات، أو يكونوا مهربي مخدرات، أو يشتغلوا ثمانون ساعة في الأسبوع بالأسود، أي يتهربوا من دفع الضرائب! يعني دائماً أشغال مشبوهة، غيرها لا أصدق، ولن أصدق، ولا أدعوك أن تصدق هذا أبداً...
هؤلاء وأولئك أشباههم هم فقط من يطالبون برحيل الأمريكان، ممن تكثر أصواتهم في كل يوم! وهم في رأيي أما من الوطنيين القدامى الذين لا يعون ما يجري في البلد وخطورة الوضع الراهن، أو من التيار الصدري الذي يعج في داخله السرّاق والحرامية ممن يريدون أن يخلوا لهم الجو كما حدث بعد سقوط الطاغية! أو من البعثيين طبعاً الذين يتمنوا أن يرجع الوضع كما كان عليه قبل سقوط سيدهم القائد! أو يكونوا من القومجيين العربان!
في يوم الأنتخابات، كان واضحاً طبعاً مدى الخوف لدى الجميع من إحتمالية هجوم الإرهابيين على المراكز الإنتخابية. وكان واضحاً أيضاً ما هي الأوامر التي وجهت إلى الشرطة العراقية المنتشرة حول كل تلك المراكز. أنتبه أخي على أثنين من الشرطة المسلحين هناك وهم يلعبون بتلفونهم الموبايل، وينادي أحدهم على الثاني إلى أين وصلت؟ وهناك أثنان آخران يجلسان جانباً يدخنون السيكار! فقال أخي أين هؤلاء المنادون لخروج الأمريكان كي يروا شرطتهم؟
في اليوم الثاني من الأنتخابات كان حضر التجوال لازال ساري المفعول، رغم أنك ترى حركة السيارات واضحة، ولكن ليست بالازدحام المعروف في الأيام العادية... أتصلت بنا والدتي التي كانت صحتها متوعكة وتبات عند أختي وزوجها الذين يسكنان في حي آخر في بغداد يبعد عنا حوالي الأثني عشر كيلومتراً. ذهبت مع نسيبي الآخر في سيارته إليها لإحضارها، رغم أنني لم أكن مقتنعاً بأن الشوارع قد فتحت بعد! ولكن.. عند كل سيطرة مرور أو شرطة عراقية لم يكن على نسيبي أكثر من أن يقول لهم نريد فقط الذهاب إلى محطة البنزين تلك، أو نريد أن نصل إلى المستشفى ذاك! أو هكذا حجج واهية كي نستمر في طريقنا... ووصلنا إليهم أخيراً، ولكن ليس من خلال طرق المرور السريع التي كانت تقطعها الدبابات الأمريكية! عند العودة أصرّ نسيبي للذهاب عن طريق أحد الخطوط السريعة! فقلت له: "يا أخي هؤلاء ليسوا بالشرطة العراقية، ولن يقتنعوا بتوسلنا بهم لأن الحاجّة كبيرة السن مريضة!" ولكن نسيبي من الذين لا يقتنعوا بسهولة، فنزلت أنا من السيارة التي أوقفناها على بعد مائة متراً عن أحدى الدبابات التي تقف عند التقاطع، لم أكن مقتنعاً أبداً ولكني نزلت فقط محاولة مني لإزالة الشك! فخرج أحد جنود (الأحتلال) من فوق الدبابة يؤشر لي بيده أن أرجع، فسألته بلغته التي أجيدها أن يسمح لي... ولكنه قاطعني بأن أدار أولاً المدفع الرشاش، ثم بأقل من رمشة عين أدار مدفع الدبابة الكبير نحوي مباشرة! فلم يبق إلا أن أحترم نفسي قليلاً وأرجع راكضاً إلى السيارة، مستذكراً الأبجدية العسكرية الأمريكية! فكل الجنود الأمريكان عندما يخرجون لواجبهم فأول شيء يعملونه هو أن يسحبوا أقسام رشاشاتهم، وتراهم عندما يمرون بشارع فهم يوجهون بنادقهم يميناً ويساراً، وعندما يمرون بجسر فسيوجهون فوهات بنادقهم إلى الأعلى...
وهكذا هي الألف باء التي لا يتهاونون فيها أبداً، ولا ينسونها للحظة، وإلا كلفهم ذلك حياتهم الغالية! ذلك المنطق الذي لا يختلف عليه أثنين من السياسيين في العراق أو حتى من المواطنين العاديين، بأن الشرطة أو الجيش العراقي يفتقرون إليه كثيراً. ربما الجيش العراقي يتلقى تدريباً أكثر على ما سمعت من أحدهم، ولكنهم لن يصلوا إلى التدريب والخبرة التي يتمتع بها الجيش الأمريكي طبعاً! ولا إلى روح المسؤولية التي يفتقدها للأسف معظم أفراد الشعب...!
ولم يبق للحديث بقية... ولكني اليوم بعد أن أستسلمت ورفعت رايتي البيضاء، وعرفت بأني لا أستطيع الإستمرار بالعيش في بلدي ما دامت تلك الفوضى العارمة والفساد يجتاح كل مرافقه! ولكن اليأس لم يأخذ مني، ولابد أن أرجع يوماً إلى هناك لأقدم خدماتي إلى شعبي. على الأقل سأحاول أن أُسمع كلمتي هناك، وأوصل ما تعلمته هنا في أوربا، كحب الناس الآخرين، وحب الطبيعة والبيئة والحيوان، والإستماع للآخرين، وعدم تكفيري لكل من يخالفني الرأي... ولن أترك العراق للزرقاويون والصدريون وغيرهم من التيارات الدكتاتورية الجديدة في العراق الجديد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب إسرائيليون يهاجمون داعمين لفلسطين بالألعاب النارية في ج


.. -قرار بايدن- يغضب إسرائيل.. مفاوضات الرهائن في خطر




.. هل الميناء العائم للمساعدات الإنسانية سيسكت جوع سكان غزة؟


.. اتحاد القبائل العربية في سيناء برئاسة العرجاني يثير جدلاً في




.. مراسل الجزيرة: استشهاد ثمانية فلسطينيين نصفهم أطفال في قصف ع