الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الدماقسة وسليمان خاطر .. حلول العنف الفردى

رياض حسن محرم

2017 / 4 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


القتل العشوائى لأفراد من الكيان الصهيونى دون التفريق بين أعمارهم أو جنسهم هو ما يربط بين واقعتى سليمان خاطر فى نويبع وبين أحمد الدماقسة فى منطقة الباقورة بشمال الأردن، كلاهما قبض عليه وتعرّض لمحاكمة عسكرية أفضت الى الحكم عليهما بالسجن المؤبد أكملها الدماقسة وأخلى سبيله بعد انتهاء مدة حبسه، بينما مات خاطر فى سجنه بالسويس فى ظروف غامضة.
لا أدر من حسن الطالع أو عدمه أننى كنت شاهدا مباشرا على واقعة جندى الأمن المركزى سليمان خاطر بقرية نويبع بجنوب سيناء "حيث كنت أعمل وقتها"، كان اليوم هو الأخير فى فترة تجنيد المجند خاطر وتم تسليمه لعهدته جميعا ماعدا سلاحه الشخصى حيث تم تكليفه بآخر نوبتجية له لنقص فى الأفراد، يومها كان الرجل فى حالة زائدة ومفهومة من السعادة لإنتهاء فترة تجنيدة بينما يتبادل التهانى مع زملائه من أفراد الأمن المركزىـ وجاءت خدمته الأخيرة على تبة برقة بنويبع وذلك يوم 5 إكتوبر عام 1985، حيث إقترب من التبة أثناء خدمته مجموعة من السائحين بملابس البحر "بينهم نساء وأطفال" وحاولوا تسلق التبة "حسب إفادة سليمان" فحذرهم بالإنجليزية " ستوب..دونت باسنج" ولكنهم لم يستجيبوا له فشد الأجزاء وأطلق عليهم الرصاص فقتل منهم 7 أفراد لم يكن يعرف جنسيتهم "حسب اعترافه" هم 4 أطفال وسيدتان فى منتصف العمر وقاض عجوز تجاوز عمره 60 عاما وجميعهم إسرائيليين، وحسب شهادة أحد زملائه فقد حاول قتل نفسه بعد العملية الاّ أنهم منعوه، وقد تولى الدفاع عنه أثناء محاكمته حازم صلاح أبو إسماعيل وآخرين.
ولد الجندي سليمان محمد عبدالحميد خاطر عام 1961 بقرية "أكياد البحرية" التابعة لمدينة فاقوس في محافظة الشرقية، وهو الأخير من خمسة أبناء في أسرة بسيطة تعمل بالزراعة "كمعظم مجندى الأمن المركزى"، وبعد حصولة على شهادة الثانوية العامة "منازل" تم تجنيده كفرد بالأمن المركزى والدفع به الى جنوب سيناء لتأدية فترة تجنيده وتم ترقيته الى رتبة رقيب أثناء الخدمة حيث إالتحق بكلية الحقوق "إنتساب"، سليمان هو – بالفعل – أصغر خمسة أشقاء، منهم ثلاثة من الذكور واثنان من الإناث .. وشقيقاه الأكبران كانا يعملان خارج القرية .. عبد الحميد (42) سنة) يعمل في إحدى شركات المقاولات في القاهرة، ويقيم في العاصمة إقامة دائمة .. وعبد المنعم (35) سنة يعمل بالكويت .. وقد ضاعف هذا الوضع من ارتباط سليمان بأمه .. وضاعف من إحساسه بالمسئولية تجاهها.
إن محاولة تصوير سليمان خاطر أو أحمد الدماقسة بين ثنائية البطولة والإجرام هو نبسيط مخل للواقع وهروب من مناقشة القضية فى سياقها، علينا أن نعترف صراحة أن إسرائيل كانت وستبقى العدو الرئيسى للشعوب العربية مهما كانت معاهدات السلام الموقعة مع الأنظمة الحاكمة فى العالم العربى، كما إن كلا الشخصين يعتبران مواطنين عاديين تشربوا كراهية إسرائيل فى دمائهم منذ نعومة أظفارهم سياسيا ووطنيا ودينيا، ولم يدع أحدهم يوما أنه مناضل سياسى أو إحد أعضاء تنظيمات ثورية، بل أن ما جمعهما معا هو حالة من الإنتماء للوطن والشعور المركب من الظلم والإهانة، وعملية تحويلهما الى أبطال شعبيين يعّبر عن مزاج شعبى عام توارث العداء لإسرائيل والصهيونية، ونحن عموما ضد عمليات قتل الأطفال دون تمييز وعلى رأسها القتل الممنهج للفلسطينيين الذى يتم يوميا بدم بارد، فالإحتلال بحد ذاته هو أقصى حالات العنف على الإطلاق.
بالنسبة للدماقسة فقد كان مسرح الأحداث هو منطقة الباقورة التى إستعادها الأردن بموجب إتفاقية وادى عربة ولكن تلك الاتفاقية نصت على حق الاسرائيليين فى الدخول الحرّ لتلك المنطقة دون تأشيرة "كما هو الحال بالمنطقة ج فى سيناء"، وفى عام 1979 بينما كان الدماقسة يؤدى نوبة حراسته فى تلك المنطقة يالأردن أن تواجد مجموعة من الفتيات اليهوديات قمن بالسخرية منه أثناء تأديته الصلاة "حسب إفادته" ما جعل الدم يفورفى رأسه ويقوم بفتح النار عليهن ليقتل 7 فتيات منهن، ما أحدث ردود فعل شعبية ورسمية مختلفةـ فعلى المستوى الشعبى جاء الموقف مؤيدا بالاجمال لذلك الفعل والترحيب به كإرث من الكراهية لليهود، بينما أعلن النظام الأردنى عن أسفه وإعتذاره لما حدث وقطع الملك حسين بن طلال زيارة خارجية وعاد سريعا الى الآرن ولم يكتف برسالة إعتذار بل سارع لزيارة إسرائيل وتقديم التعازى رسميا لأسر الضحايا ودعوتهم لزيارة الأردن وإعلان إستعداده لتقديم تعويضات لهم، وتم تحويل الرجل الى محاكمة عسكرية قضت بحبسه مؤبدا قضاها كاملة ليتم الإفراج عنه مؤخرا فى مارس الماضى.
لقد أدت ردود الفعل الشعبية وموقف أحزاب المعارضة من إعتبار خاطر أو الدماقسة بطلين قوميين "فى ظروف غياب أى صور قوية للمقاومة" حالة من الإرباك النفسى الطبيعى للرجلين ودفعهما لتقمص شخصية ذلك البطل الشعبى خصوصا بعد إنتشار المقالات المؤيدة لفعلهما فى جرائد المعارضة كالأهالى والشعب والوفد والقصائد النارية والأهازيج والأغانى الشعبية فى وصفهم، (يذكرنى ذلك بالأغنية الشعبية التى صاغتها قريحة الشعب المصرى لتمجيد إبراهيم الوردانى قاتل رئيس الوزراء بطرس غالى "قولوا لعين الشمس ما تحماشى .. أحسن غزال البر صابح ماشى"، وغيرها من أغانى تمجيد أدهم الشرقاوى وغيره ممن تم إعتبارهم أبطالا شعبيين) ، لقد أصر سليمان خاطر أمام المحكمة أنه لم يقتل بالعمد وسبق الإصرار .. وقال: لو أنني كنت أرتب للقتل العمد فلماذا أخرت الأمر إلى الساعة الأخيرة من يوم تجنيدي؟.. لماذا لم أطلق رصاصات بندقيتي عليهم وهم في خيامهم يستحمون تحت سفح التل .. لقد كانت خيامهم تمتد تحت ناظري إلى مسافة تزيد عن الكيلو متر .. "إنني طوال الأيام السابقة على الحادث وأنا أعد الساعات انتظارا لنهاية فترة التجنيد ... وقبل نوبة حراستي الأخيرة كنت قد نظفت السلاح وتممت على الطلقات وكويت كل ملابسي ومسحت الحذاء ورتبت المخلاة .. كنت أستعد لتغيير مسار حياتي .. لكن القدر اختار طريقه وفرضه على إرادتي.
لقد إنتابت حالة من البكاء الشديد سليمان بعد الحادث مباشرة وأحس أنه ذاهب الى الموت قائلا " أنا فداء مصر"، ورفض النزول من التبة الاّ بصحبة ضابط معين يشعر بالألفة معه، وكرر فى التحقيقات عبارة " إن من يحب وطنه يحب سلاحه".
إن حادث سليمان خاطر كان أشبه بحجر ألقي في بركة راكدة .. فراح ارتطامه بالماء يحدث دوائر صغيرة أخذت تتسع .. وتتسع.
لقد قتل سليمان خاطر فى السجن فى ظروف غامضة حيث ذكرت الأجهزة الرسمية أنه إنتحر بينما ذكرت المعارضة أنه نحر بينما الحقيقة فى تلك القضية وعشرات غيرها لم تزل غائبة..وما يزال نهر النيل يجرى فى هدوء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية