الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السورية تيتانيك2- الإبحار الكارثي

ابراهيم محمود

2006 / 1 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في تتبع أحوال الدول، وسرديات الأنظمة الحاكمة، ثمة ما يشبه القانون، ذاك الذي يكفل للدولة بقاء، وللسلطة تماسكاً، وحتى بالنسبة للدولة حضوراً تاريخياً، إنه قانون( الأهلية)، ولا أظن هذه المفردة بغريبة على أسماع المعنيين بما يجري، حتى بالنسبة للناس العاديين تماماً، كوننا نستخدمها أو نتداولها في وسطنا، كلما جد جديد، وبان وعيد، وتجلى تهديد ما، متحفزاً أو مستفزاً، إذ لا يمكن لمؤسسة أو لإدارة أن تكون جديرة بحمل اسمها، دون وجود أناس كفؤين، أناس متأهلين جديرين بتسنم المناصب، وكلٌّ حسب ثقافته وكفاءته وجهده، وهو القانون الذي اُعتمد كثيراً في أروقة النظام، ومدرجات السلطة بكل مسمياتها، مؤسسات الدولة، وأجهزتها المرئية وسواها، وأمام الملأ، وعلى يافطات عريضة، وبخط أنيق يليق بالقانون الموسوم: الرجل المناسب في المكان المناسب، أما المرأة، ففي الحضن المناسب، كما يظهرفي التأويل المغرض!
ولم تكن الدولة المعنية: السورية تيتانيك، إلا ذلك الحوت الأزرق الذي سمي بالسفينة تلك، وكل من ركبها كانوا ضحايا لعبة الحوت، في اعتباره سفينة، لم تكن الأجهزة والمؤسسات والدوائر والهيئات، والجامعات والمعاهد والمدارس وحتى دور الحضانة ورياض الأطفال، إلا تهيئة لجموع الشعب، وبحسب التقسيم المتَّبع سابقاً، لذلك الحوت الأزرق، ومن يحرسه، أو يحمل جهاز إنذارلتنبيهه، فيكون المحيط مرتعه المائي بامتياز، وحول الحوت ذي المقام الميمون يكون ذووالمقامات المحددة الميمونة بدورها، وبحسب الانتماءات المدروسة بإتقان، لا يدرك لعبته سوى الذين عاينوا خصال ومناقب أو مزاجيات الحوت، ومن يمثله أو يحل محله أو ينوب منابه، والذين عانوا منه ومن الذين سبق وأن ذكرناهم، ليكون المحيط المائي بثورانه القاعي واضطرابه وقرمزيته غالباً، نابعاً من حراك الحوت ذاته، ومن حوله، وليكون القانون الأشهر من أن يعرَّف، إدانة مباشرة للحوت الذي يعرّف بالدولة، وبما يجب أن تكون عليه السلطة، وماهية الحقوق والواجبات للمسمى تجاوزاً ( المواطن)، كما يقول اقتصاد السلطة الأمنية المبعثنة الواجهة، الافتئاتية في الصميم، الشعبوية بامتياز، قانون اللاقانون: لا رجل مناسباً في مكان مناسب!
في الصراع الذي يعتمل في نفوس الجميع، ودون تمايز هذه المرة، يبدو القانون الكارثي ذاك، بمفعوله المحوَّر والمجيَّرمسبوكاً بقدرات مسبقة، الصراع الذي يعرّف بالجميع ، دون أن يوحدهم، داخل خانة العبودية المختارة، حسب التعبير الشهير، العبوديةEsclavage، تلك التي تضع الجميع في مواجهة بعضهم بعضاً، لتكون الكارثة لمامة، أو ضمامة الجميع هؤلاء، ولكن مع لا ضمان بقاء الجميع جميعاً، إلا مذرورين في التاريخ:
صراع الحوت مع نفسه، ومع الوسط القريب والبعيد، في كيفية الحفاظ على حوتيته، وتجلي الاسم والمقام، رغم كل التحديات، كما لوأنها تستهدفه، وهو يمثل المحيط، يحمله، يقيه، وليس العكس، وكيف يستحدث ما ملكت قواه المعرفية والنفسية من وسائل ومجالات تفنن وصنعة ليدون عزه، لمن أفقده عزه وإنسيته، كما تقول حقيقته تاريخياً، وكما تقول وقائعه الحوتية ، أو يُعرّف به سجله المحيطي، داخل دائرة الصراع العنيف العالي المقام.
صراع الذين وجدوا مع الحوت، أوكانوا قريبين منه، أو تم تقريبهم منه، أومارسواعلاقة قربى أهلية أو وظائفية أومناقبية متبادلة، وإلى جانبه استمروا، ليكونوا بدورهم نونات صغيرة أو في حجم الأول، وقد تنوع الصراع هنا ثلاثياً: فيما بينهم، وفيما بينهم داخل كل منهم، من يزيح من، من يطيح به، وفيما بينهم والسلطة التي خولتهم بالحفاظ عليها، والذين يعتبرون شعباً وكيفية تفريقهم: تلفيقهم، وكأنهم بشر ودون بشر، وبتفاوت ملحوظ كذلك.
صراع الذين يمثلون جموع الشعب، وما تركه الحوت ومن هم قريبون منه، من تمزيق لإراداتهم، وتحويلها وتفريغها من طاقاتها المثمرة، ليكونوا أعداء أشداء على بعضهم وضد بعضهم بعضاً، تيمناً بقانون مرعب، هو الصراع من أجل البقاء، كما هو الحوت مثالاً نموذجياً، لتكون القلة القليلة، لاعبة دور صمام الأمان، في المحيط الهائج، وتكون الجغرافيا الحدودية السوراللعين لدولة لم تبذر في أرضها سوى أوبئة التعادي الشعبي امتيازاً لتاريخ أريد لـه أن يكون شاهداً على سلطة لم تَخلص حتى لنفسها، لأنها عانت وتعاني الآن راهناً أكثر،موتها المجلجل، كما تقول المستجدات، وكما يقول القانون الموصوف من جهتها، قانون اللعب بالنار!
لا يمكن، وفق القانون الذي يجيز تفكيراً أو بعض تفكير، أن توجد دولة، ويكون لها من المؤسسات الخاصة بها، والدوائر التي تعنيها، والمصارف التي تتعامل معها، والأشخاص المهمين الذين تقيم علاقات معهم، وتراهن على كل ذلك، خارجاً، أكثر من تلك التي تعتمد عليها في إدارة أمورها الفعلية كدولة، وتسيير وظائفها الحكومية، والاعتناء بحدودها، بشعب يعنيها، داخلاً. لا يمكن لميزانية تثير الشبهات، وتسيل لعاب الوطني، لهول الرقم الفلكي قيمةً، تتوزع مقارها السرية في الخارج، ويكون التحويل سرياً ويشار إليها بطرق شتى، أكثر من التي يعنى بها ممثلها الفعلي داخلاً، وكأنها دولة اقتصاد الخارج، وسياسة الخارج ، وشعب الخارج، وسوق الخارج، وجيش الخارج، وقيم الخارج، وثقافة الخارج، ومستقبل الخارج، هكذا باضطراد.
وحدها السجون المتعددة المقاصد والغايات في الداخل، تعزز الشعور بوجود وطن مفرَّغ من معانيه ذات الهيبة والاعتبار، ولكنه شعور بالأسى البليغ، والجراحات الدامية، والوجدانات الكليمة، للذين يمثلون الوطن في داخله، ويحرسونه من داخلهم، دون تحديد انتماء أثني هذه المرة، كما يقول تاريخ السجن في السورية تيتانيك.
يختفي العرب والسريان والأرمن والجركس والكرد هنا، ليكونوا، وكلٌّ منهم اسم وسم وشم رسم،بحسب المنشود منه، سلطوياً وأمنياً ضمناً، في مواجهة كارثة الإبحار: العار التاريخي، لسفينة عمادها الشعارات، تجرها هاوية تاريخ مخيفة، ربما المعنيون بها عن قرب الآن، يدركون خطورة الهاوية هذه، ليتذكروا، وهم مقذوفٌ بهم في مدار العالم ذي التوازنات قوة وحيطة، شعبهم المفتت من قبلهم، وتاريخهم الذي يواجههم من داخلهم، ومن داخل مقارهم.
تكمن الخطوة الثانية، في اعتبار الحاضرفجيعة دولة وسلطة، يُعترَف بها، بغية التهيؤ لحياة أسلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاستثمار الخليجي في الكرة الأوروبية.. نجاح متفاوت رغم البذ


.. رعب في مدينة الفاشر السودانية مع اشتداد الاشتباكات




.. بعد تصريح روبرت كينيدي عن دودة -أكلت جزءًا- من دماغه وماتت..


.. طائرات تهبط فوق رؤوس المصطافين على شاطئ -ماهو- الكاريبي




.. لساعات العمل تأثير كبير على صحتك | #الصباح_مع_مها