الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسطينيون والصنم عرفات

حسين ديبان

2017 / 4 / 14
القضية الفلسطينية


تفوق الفلسطيني على غيره من الشعوب في صناعة رمز ومن ثم تأليهه وتمجيده وعبادته في حين أنه لم يتلق من هذا الرمز غير الفشل والآلام وآلاف الشهداء وتقزيم وبهدلة وإهانة وتشويه واحدة من أكثر القضايا عدلاً في التاريخ الإنساني. قد يكون الرمز الراحل ياسر عرفات بحسابات الرياضيات البسيطة للخسائر الفلسطينية خلال خمسون عاما هو العدو رقم واحد للفلسطينيين وليس اسرائيل وسواها مثل الديكتاتور السوري حافظ الأسد وابنه بشار اللذين كان لهما حصة كبيرة من الدم الفلسطيني تفوقت بأضعاف على حصة الاسرائيلي ذلك أن السياسات الهوجاء والأخطاء الفادحة والخطايا الكبرى لهذا الرمز قد أدت الى خسائر بشرية ومادية ومعنوية أكثر بمرات من تلك التي تتحمل مسؤوليتها اسرائيل.

فالرمز عرفات هو من يتحمل المسؤولية الأولى عن عدم القبول الفلسطيني بالهزيمة (النكسة) وبالتالي الدخول سريعاً في تسوية مع الإسرائيليين لتطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن في حينه، ثم العودة بعد رحلة معاناة مريرة مدتها أربعين عاماً ثمنها آلاف الشهداء والجرحى والمعوقين للدخول في مفاوضات هدفها وسقفها الأعلى تطبيق تلك القرارات وهو ما أصبح حلماً بعيد المنال بعد أن إلتهم الإستيطان الاسرائيلي قسماً كبيراً من الأرض وبعد أن تغير بشكل كبير الموقف الدولي والمناخ الشعبي حول العالم وحتى تغير موقف كثير من الدول الاسلامية ودوّل ما يسمى بعدم بعدم الانحياز لصالح اسرائيل.

كرر عرفات تلك الجريمة حين رفض توقيع كامب ديفيد فلسطينية إسرائيلية عام 1999 ليرعى انتفاضة فلسطينية مسلحة عقب زيارة ارئيل شارون الى المسجد الأقصى. تلك الانتفاضة العسكرية التي لطالما حلمت بها اسرائيل حتى تتخلص من كل التزاماتها مع الفلسطينيين واتجاههم وامام المجتمع الدولي والإدارة الامريكية التي عادت وتبنت الموقف الاسرائيلي بالكامل بعد فضيحة رعاية الرمز لتهريب سفينة أسلحة تم توقيفها واعتقال المشرفين عليها وهم مساعدي الرمز عرفات ومازالوا في الإعتقال حتى اللحظة.

لم ينتج عن تلك الانتفاضة المسلحة إلا جيوشاً من القتلة والشبيحة والبلطجية الفلسطينيون من عصابات كتائب الأقصى والقسام وغيرها الذين قتلوا من الفلسطينيين تحت يافطة العمالة والتخوين أكثر بكثير مما قتلت اسرائيل في تلك الانتفاضة.. خمسة آلاف شهيد وخمسون ألف جريح جلهم من المعاقين وآلاف البيوت المهدمة وجداراً عنصرياً عازلاً وعودة إسرائيلية مباشرة للأماكن التي كانت اسرائيل قد انسحبت منها وتغول الاستيطان الاسرائيلي.. أكثر من ذلك كله كان الرمز عرفات نفسه ضحية لسياسة صناعة الرمز التي أجاد التماهي معها وعشقها حتى الموت ودفع دمه ثمناً لها، ولكن بالجانب الانجازي الحقوقي الفلسطيني العام لم تنجز السياسة إلا الويلات والدمار.

بين 1967 و1993 تاريخ توقيع اتفاق غزة اريحا صنع عرفات أوحالا في عدد من الدول العربية غاص بها جاراً معه شعبه في ذلك، فمن التجاوز على الأردنيين والأردن والتغطية على أفعال اجرامية وإرهابية وتقدم صفوفها في بعض الحالات مثل خطف الطائرات وتحويل وجهتها الى الأردن والعمل على مصادرة دور الدولة الأردنية لينتهي هذا الفصل في أيلول 1970 بهروب عرفات الذي فر متخفياً بعباءة الشيخ سعد العبدالله الصباح مخلفاً وراءه مقاتليه عرضة للقتل والطرد من الأردن لينقل الرمز عرفات ذات التجربة السوداء بعد ذلك الى لبنان فيصنع له ولشركاءه دولة داخل دولة لبنان متجاوزاً في ذلك على اللبنانيين رئاسة ومؤسسات وشعباً وجيشاً ليختتم الفصل اللبناني أيضا بطرده وعناصره وشركاءه من لبنان برضا وفرح لبناني غامر بعد أن كان اللبنانيين قد استقبلوه خير استقبال حين قدم الى لبنان.

عقب ذلك كان الفلسطينيين ورمزهم في المكان الخاطىء تماماً حين اختاروا الوقوف الى جانب الديكتاتور العراقي البائد صدام حسين ومساندته في غزوه لدولة الكويت وهو ما نتج عنه أكبر الكوارث بحق الفلسطينيين وقضيتهم التي لطالما نالت أغلب الدعم المادي من دول الخليج وخاصة دولة الكويت التي انطلق منها عرفات وأطلق شرارة ثورته وحركته.. كانت الخسارة الفلسطينية قاسية جداً عقب تحرير الكويت حيث طرد أغلب الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في الكويت وهم بمئات الآلاف كان يعاملهم الكويت حكومة وشعباً معاملة خاصة جداً ليتوقف بذلك دعم هؤلاء لقضيتهم ودعمهم لأهلهم في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ويتحول هؤلاء أنفسهم الى عبىء مادي ومعنوي بعد أن أصبحوا مشردين من جديد.

لم تتوقف مطبات وخطايا الرمز عرفات حتى مماته ومع كل مطب وكل جريمة كان يرتكبها بحق شعبه وقضيته كان يزداد رصيده الشعبي وتترسخ رمزيته أكثر في متوالية مازوشية عصية على الاستيعاب والفهم.. فشل في إدارة المفاوضات مع اسرائيل فصفق له الفلسطينيين ووضع "رجل في البور ورجل في الفلاحة" كما يقولون فصفقوا له أكثر.. لم يكن رجل سلام حقيقي ولا رجل حرب حقيقي فرجل السلام كما نيلسون مانديلا عندما اختار الخيار السلمي كان خيارا نهائيا واستراتيجيا وليس تكتيكيا ومراوغاً أدى فيما أدى اليه الى نصر حقيقي لشعب جنوب افريقيا والى صناعة رمز حقيقي وأزلي على مستوى عالمي وتاريخي تقتدي بها الأجيال الحالية والقادمة في العالم بينما قضى عرفات منبوذاً تقريبا من بعض الأطراف العالمية.

يسجل لعرفات أيضا انه فشل فشلاً ذريعا أو ربما أنه لم يحاول الانتقال من منطق الثورة العصاباتي الى منطق الدولة المؤسساتي فنقل كل أوساخ الثورة وفسادها وشلليتها ومحسوبياتها الى الدولة العتيدة فغابت الدولة وظهرت مكانها ثورة عصابات ترتبط كل خيوطها بالزعيم الرمز.

ستظل ظاهرة الرمز ياسر عرفات أبو عمار في علاقته مع قضيته وشعبه وفي علاقة شعبه معه ستظل عصية على القراءة والإستيعاب حتى يقرر الفلسطينيين أنفسهم إعادة قراءة تاريخهم بعيدا عن سطوة الرمز وكذلك اعادة قراءة تاريخ هذه الرمز وأفعاله حين يمتلكون الجرأة الكافية لفك طلاسم صنمهم الأكبر الذي أودى بنفسه وبهم في مهاوي الردى حيث لا يحسدهم أحد على وضعهم ووضع قضيتهم الحالي.

إن إعادة القراءة الفلسطينية هذه وتفكيك طلاسم الصنم الرمز ليست مهمة فقط للإطلاع على الحقائق التي كان يعيشها ويراها الفلسطيني وينكرها في ذات الوقت، ولكنها مهمة جداً إذا ما كان الفلسطيني مهتم حقاً في تجاوز حاله الحالية الى حال أفضل واستعادة ألق قضية وعدالتها والعمل بعد ذلك على إنجاز حقوقه والوصول الى خاتمة سعيدة للمأساة الفلسطينية.

الى اللقاء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا يغير الله بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم
فهد لعنزي ــ السعودية ( 2017 / 4 / 16 - 04:29 )
نتمنى من السياسيين والمثقفين الفلسطيننين ان يدلو بارآئهم حول هذا التحليل الخطير والذي لا يدع مجالا للشك لذى الفآرئ المنصف بان القادة الفلسطينبين انفسهم مهدوا لترسيخ الاحتلال ربما لمنافع شخصية.ومما شك فيه ان الانقسام الفلسطيني الحاصل الآن بين الاخوان المسلمين المتمثلين في حماس وللبراليين المتمثلين في فتح وغيرها من المنظمات الجهادية يدل دلالة واضحة ان بقاء الحال على ما هو عليه هو افضل بكثير من قيام دولة مستقلة على تراب الاراضي المحتلة 67 لسبب بسيط وهو هوية الدولة اهي امارة اسلامية ان مدنية علمانية وهذا سييب انقسام الدولة الى دولتين كما هو حاصل الآن لكن بتضحياة جسيمة من قبل الطرفين الديني والعلماني. ان شعار تحرير فلسطين من النهر الى البحر الذي تتبجح بالسعي اليه حماس هو شعار لا يمت الى الحقيقة بصلة والدليل هو طلبها عقد صلح مع اسرائيل طويل الامد وهي تعرف جيدا ان وراء هذا الطلب لو حصل هو اقتظام اراض مما تبقى لبناء مستعمرات. مسكين ايها الشعب الفلسطيني انت المتضرر الاول والاخير وسياسييك في بلهنية من العيش. ان اذكى دولة عربية عرفت اللعبة جيدا هي السعودية لذى نات بنفسها فاراحت وارتاحت.

اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة