الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افول الماركسية - الايديولوجيات : من 1968 حتى اليوم (3)

موسى راكان موسى

2017 / 4 / 16
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية




خمسون عاما على ثورة أكتوبر (ص 18 ـ 21) :


في نهاية الستينات انضافت إلى هذه الموضوعات الايديولوجية الجديدة موضوعة أخرى لا تقل أهمية و خطورة . و كانت الذكرى الثانية من المناسبات التي أشرنا إليها هي الإطار و المناسبة التي برزت فيها هذه الموضوعة (ذكرى و مناسبة مرور خمسين عاما على السلطة السوفياتية في الاتحاد السوفياتي) . و في هذه المناسبة أيضا كان الموقف الذي اتخذته المونثلي ريفيو هو الموقف الأكثر تعبيرا . فالافتتاحية التي كتبها مديرا المجلة عددت الأسباب التي تجعل المجتمع السوفياتي يظهر بعد نصف قرن على الثورة و كأنه بعيد عن _و غير متوافق مع_ سمات المجتمع الاشتراكي . فهو في شكل أساسي مجتمع شديد التنضيد (تراتب سلم الطبقات و ترتيبه) . و هناك هوة عميقة تفصل بين الشريحة البيروقراطية من المسؤولين السياسيين و الاقتصاديين من جهة و جماهير الشعب العامل من الجهة الأخرى . و كانت مروحة التفاوت في المداخيل و شروط المعيشة بين طرفي المجتمع تبدو غاية في الضخامة . و في خضم أجواء غياب التسييس لدى الجماهير و إنعدامه عموما ، كانت تظهر إشارات و علامات لا تخطئ من تحبيذٍ و تشجيعٍ (( للقيم البورجوازية و لمعايير النجاح البورجوازية و لطرق و أساليب و أنماط سلوك البورجوازي )) .


و فيما كانت المجادلة العنيفة ضد (( الحوافز المادية )) في الاقتصاد ، ما تزال في ذاكرة الكاتبين ، (و هي مجادلة أثارها خلال السنوات السابقة كل من تشي غويفارا و الحزب الشيوعي الصيني على السواء) فإن سويزي و هيوبرمان ربطا بين وظيفة هذه الحوافز في إطار السياسات الاقتصادية السوفياتية ، و بين التوجهات (( الاستهلاكية )) التي كانت تتجه على ما يبدو باتجاه الغلبة و السيادة في المجتمع السوفياتي . كما أن الانتاج المتزايد الحجم للبرادات و الغسالات و السيارات و غيرها كان يشير إلى تمايز متفاقم البروز للاستهلاك الفردي الخاص و من ثم للفروقات الاجتماعية و عدم المساواة ، على حساب الاستهلاك الاجتماعي أو العام . و كان المنفذ الوحيد للخلاص من هذا المأزق يتمثل في إحداث (( ثورة ثقافية )) ، و إعادة تسييس المجتمع السوفياتي . إلا أنه لم يكن لدى الكاتبين أدنى أوهام حول حصول هذا الأمر .


و بالنسبة لهذين الكاتبين الماركسيين كان المجتمع السوفياتي يبدو ليس فقط بعيدا عن الاشتراكية و إنما على حافة التراجع في الاتجاه المعاكس ، و هما لم يكونا قد تكلما حتى ذلك الحين عن عملية حقيقية لإحياء أو (( إعادة الرأسمالية )) ، و إنما كانا يلتقطان إشاراتها الأولى . و في نفس الوقت فإنهما لم يكونا ليجرؤان على تبني و طرح موضوعة ميلوفان دجيلاس حول (( الطبقة الجديدة )) ، و إنما كانا يستعملان مصطلح الفئة أو الشريحة الحاكمة منبهين إلى أنه ، و إن لم يكونا يدعيان معرفة إلى أي حد أنتج النظام البيروقراطي السوفياتي نظاما جديدا من الطبقية ، يبقى من المؤكد أن (( طبقة جديدة تبدأ أولا في التكون كفئة ، كشريحة ، و هي لا تتدعم كطبقة إلا بعد بضعة أجيال )) .


غير أن هذه الأحتياطات في الكلام و الصياغات الخجولة ، لم تكن لتطول كثيرا . ذلك أن مجرى الأحداث سيعطي فيما بعد دفعا جديدا للتحليل .


إن غزو تشيكوسلوفاكيا لم يؤثر في الحقيقة ، في البداية ، في الدفع في هذا الاتجاه . أما الأوساط المسؤولة عن (( الثورة الثقافية )) في الصين ، فإنها كانت عاجزة ، بسبب من مواقفها السياسية ، عن تفهم محاولة دوبتشيك و لذا قامت بتوثيق (( الحادثة )) و باحتقار ، على أنها مجرد مشادة تافهة بين (( تحريفيين )) . و لم يكن رد فعل حركات التمرد الطلابي الجامعي ، التي كانت في أوج صعودها في تلك الفترة في أوروبا الغربية ، مختلفا عن هذا الموقف . فالماوية و الفوضوية المتطرفة ، و هي التي كانت مصدر الوحي الرئيسي لهذه الحركات وفق انموذج الثورة الثقافية ، لم تكن لتجعل الطلاب في الغرب (و على عكس ما كان يجري في نفس الفترة تقريبا في جامعات بولونيا (( الديمقراطية و الشعبية )) )حساسين تجاه موضوعات الديمقراطية السياسية و تعدد الأحزاب و التعددية السياسية الخ ...


و لكن ، و حتى ضمن هذه الحدود ، بدت التطورات السياسية و الايديولوجية ملائمة للتسريع في عملية إصدار حكم حول طبيعة الاتحاد السوفياتي و المجتمع السوفياتي . و كان هذا الموضوع (و من المفيد التذكير بذلك) و منذ عدة عقود من السنين ، محرما من محرمات الحركة العمالية . أما المواقف الأكثر جرأة حول تلك القضية فقد ظلت محصورة في نخب أقلية و ضيقة و هامشية تماما ، و هي لم تكن لتتعدى على العموم الموضوعات التي طورها تروتسكي في كتابه (( الثورة المغدورة )) : (( المجتمع السوفياتي دولة عمالية منحطة ـ متدهورة )) . أما الارتدادات البيروقراطية الخطيرة فهي قد أصابت البنى الفوقية السياسية من دون أن تسيء إلى أو تغيّر من طبيعة (( البنية الاقتصادية )) ، أي أنها لم تغيّر من طابعها الاشتراكي أساسا . أما المضي بالتحليل إلى بعد من حدود هذه الموضوعات المعتبرة بحد ذاتها متطرفة و خطيرة ، فقد كان يعني في حينها القطيعة الحادة مع الماركسية و الخروج على ما كان يسمى في ذلك الوقت (( الحركة العمالية العالمية )) .


لقد تغيّر هذا الوضع جذريا في نهاية الستينات و بداية السبعينات .


فصورة الاتحاد السوفياتي التي لم تخدشها فعليا لا مقررات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي و لا التقرير السري لخروتشوف ، قد بدأت في تلك الفترة ليس فقط في الخفوت و إنما أيضا في التحول شكلا و لونا في عيون الأجيال الجديدة و خصوصا الشبيبة اليسارية . و كان ذلك يرتبط إلى حد ما بالتصعيد التدريجي و المأساوي للمواجهة الايديولوجية بين الاتحاد السوفياتي و الصين (و هي أدت إلى مواجهات عسكرية في منطقة الحدود بينهما _منطقة أوسوري_) . و من هذا الطرف كما من ذاك كان يتم تصعيد الرماية تدريجيا ضد الطرف الآخر . و قد انتقل الحزب الشيوعي الصيني (بعد أن أعاد تقييم عدة أمور منها غزو و احتلال تشيكوسلوفاكيا عسكريا) من تهمة التحريفية (الموجهة حتى ذلك الوقت إلى القادة السوفيت) إلى إجراء تقويم عام و شامل للنظام السوفياتي و إلى اعتباره (( إمبريالية اشتراكية )) .


و يظهر أن هذا الهجوم كان فعالا لأنه جرى على جبهة مزدوجة . فمن جهة أولى كان الاتحاد السوفياتي (( منحطا ـ مرتدا ـ متدهورا )) بسبب الانعطاف الذي أجراه القادة الجدد بعد موت ستالين و بعد المؤتمر العشرين للحزب ، و هو من جهة ثانية منحط أيضا لأنه بحث عن (( تعايش سلمي )) و تصالح مع الامبريالية . و هذا ما كان يسمح للدعاية الصينية (عبر التلويح بتهمة (( الخيانة )) المؤثرة دوما) باستقطاب و استيعاب جيوب عدم الرضا و التمرد التي نشأت داخل الأحزاب الشيوعية الأوروبية كنتيجة لادانات خروتشوف لحكم ستالين (عام 1956) و لاستعادتها في المؤتمر الثاني و العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي . (و حول هذا الخط تشكلت و تمحورت مجموعات من الحركة الطلابية ذات انتماء صيني نقي) .


و من جهة أخرى فإن موضوعات أخرى من فكر ماو أكثر ظرافة و جاذبية ، انضافت إلى إعادة البلورة و الصياغة الايديولوجية التي خضعت لها الثورة الثقافية في الغرب ، مما سمح باطلاق عملية نقد عميقة للوسائل المستخدمة في الاتحاد السوفياتي لتحقيق (( التراكم الاشتراكي )) . (غير أن ذلك النقد قد تم دون انتباه أو فهم للتناقض الكامن مع الوجهة الأولى أي وجهة (( إعادة الاعتبار )) لستالين) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد موسى راكان موسى
مهدي علوش ( 2017 / 4 / 16 - 13:35 )
لقد بحثت دون جدوى عن كتاب للوسيو كولتي بهذا الاسم فلم اجده . فهل السبب في ان المترجم قد جمع مقالات متفرقة للكاتب وتصرف كالناشر مجتهداً من عنده بوسمه - أفول الماركسية ؟


2 - عن الكتاب
موسى راكان موسى ( 2017 / 4 / 16 - 16:59 )
الكتاب : افول الماركسية . المؤلف : لوسيوكوليتي . ترجمة : نظير الجاهل ، سعود المولى . بيروت ـ دار الامالي . الطبعة الأولى 1988 .


3 - السيد موسى راكان موسى
مهدي علوش ( 2017 / 4 / 16 - 18:13 )
لكولتي كتاب بالايطالية بعنوان أفول الايديولوجيا ( لم استطع العثور على ترجمته الانكليزية ) ، ربما فضل المترجم او الناشر طرحه بالعربية تحت عنوان - أفول الماركسية .
على اية حال شكراً جزيلاً .


4 - عن الكتاب
موسى راكان موسى ( 2017 / 4 / 16 - 19:17 )
بغض النظر عن تحيّز المترجمين الصارخ إلا أن الكتاب يحمل هذا الاسم ، و قد أشار إليه الأستاذ فيصل الدراج في طرحه (( في ذكرى اغتيال مهدي عامل .. الحالمون الأبرياء لا يرثون الكثير! )) بالحوار المتمدن ؛ بجانب إشارته لطرح ألثوسير (أزمة الماركسية) .

اخر الافلام

.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم


.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.




.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين داعمين لغزة أمام متحف جا


.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية




.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت