الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتمالات قيد الريح

محمد علاء الدين عبد المولى

2006 / 1 / 24
الادب والفن


((خاتمة مبكّرة ))

أستطيعُ الآن طرْحَ الأمل الباقي مع الريح,
وأدلي في ظلامٍ دلوَ أحلامي الأخيرْ.
***
(1)
أستطيعُ الآنَ تلويحاً بأهدابي
إلى الأنثى الّتي لن أفسدَ النكهةَ في حضرتها
بالشرح والتفصيلِ...
فلتسمح إذاً سيدتي أن أقلب الفنجانَ في الصبح
وأن أسرق من آنيةٍ شفافةٍ وردتَها الحمراءَ
ولتقبل صعودي من يديها باتجاه المطلق اللحميّ
علّي أستطيع الآن أن أزعم أني
قادرٌ عند انصرافِ الصيفِ أن أجمع أشلائي
من البستان, والبستانُ في عهدةِ
حرّاسٍ غلاظ القلبِ,
أني خالقٌ من شجر الصمت أباً يفترع الأنثى
وليست في أعالي وقته ساحرةُ الألواحِ
تحصي بوح عينيه,
وأني قد أصوغ الآن أسطورةَ تفاحٍ جديدةْ
تنشىء العالمَ من بدءٍ بلا رؤيا خطيئةْ
آدمٌ محتَشَدُ الخلقِِ وحواءُ بريئةْ
(2)
أستطيع الآن أن أجنح نحو اليأسِ أكثرْ
وأعدّ العدّة السوداء للأيامِ
فالقادم:غولٌ / لوياثانٌ / سرطانْ
وتجاعيدُ تصيب الفكرَ
بنطالُ انتصارِ الروحِ فضفاضٌ قصيرٌ
وطريق الموتِ أقصرْ
قلتُ هذا الصخبَ النّثريّ منذ البدء
هل يسمح لي حارسُ أوهامي بأن أعرى
وأن أدخلَ أرضَ الهذيانْ؟
لأرى المرأة تحتكّ يداها بلحاء الشجرِ الظمآنِ
أو ألتقط اللؤلؤَ والمرجانَ
من ساقين / حقلينِ لمحراثِ الحنانْ؟
هل يرى الحارسُ كلبَ الصيد أعمى
وخرافٌ تتهاوى فوق أحجار التلالْ
كالشظايا من غيوم الاحتلالْ
هل أنا الرائي الوحيدْ
أيها الصالح في محرابك الباذخِ
يا راهبةً في دير روحي
يا جنود الشعرِ
يا بضع اقتصاديّين يزْنونَ بسيقان نهاراتي
لماذا لا ترون الآن جنّازي الجديدْ
(3)
أستطيعُ الآن أن أصفحَ عن أنثى رمتْ
أرضَ بلاد الشامِ في هيبتها, فهي بلادي
وهي من تُرضع أطفال حقول الضوءِ
من ياقوتِها الشعشاع
وهي القِدْرُ يغلي بالحصى
من أجل إطعام زغاليل السوادِ
هي من تلعنني في القُبلة الأولى
وتلتفّ على جذعي كما يلتفّ وادٍ حول وادِ
حضنُها الآثمُ ربّاني هداني مضغتينْ
مضغةً غافلَها الذئبُ, وأخرى للرمادِ
أستطيعُ الآن إشعالَ البقايا
إنما من أجل أن أكملَ فصل الموتِ في المسرحِ
فلتنكسر الآن المرايا
ولتكن جائحةٌ تطلع من كل الزوايا
وليذق من شاءَ هذا العنبَ الحامضَ
يا ناطورنا الغشّاشَ قد أصبحت منّا
لتنمْ... تكتنزُ الفضّةَ والمستقبلَ السّرّيّ
في جوربك الخلاّقِ
يا مالكَ كلّ الملكِ
هذا فضلُ ربّي؛ فلمن هذي الضحايا؟
(4)
أنا موتورٌ / عصابيّ / فصاميّ / وفمّيٌّ
ومأزومٌ / ومهزومٌ / ومحجوبٌ عن الينبوعِ
مكتوبٌ على جبهة أنقاضٍ
وأثداءُ الحماماتِ ذوتْ في كهفها
خيِّل لي أني نبيّ
وإذِ الغار عناقيد من الألغامِ
والمعراجُ سردابٌ سديميّ
وقد لا أستطيعُ الآن إلاّ
أن أكون العابثَ الأكبرَ في اللعبةِ,
لن أخسر شيئاً, لا لشيءٍ؛
إنما لا شيءَ كي أخسره
...والعصرِ؛
إني سيدُ البهتانِ
منخورٌ من الأعماقِ مثلَ الشجرِ الشّعريّ
لا أصلَ ولا فرعَ
وفي زيتونتي استوطنتِ الحربُ
نواةٌ تطلق النارَ
هواةٌ يجمعونَ الموتَ في الأكياسِ
أحفادُ طغاةٍ يرثونَ الزمنَ الحافي من الخطواتِ
والقابعَ ما بين أثاثٍ وإناثٍ
يستبحْنَ الطّوطمَ الأقدسَ
حين الشاعرُ المحتضرُ
تسقط الأشعارُ من بين دماغهْ
ويرنّ الحجرُ
مرعباً فوق فراغهْ...


(5)
أستطيع الآن أن أخرج من بيتٍ إلى بيتٍ
جيوبي ملئت بالنّغم الذابلِ
في ساقيّ خلخال جنونِ
وجبيني سِمةٌ يعرفها العشاقُ في وجدِ السجودْ
جسدي قفرٌ / غنيٌّ /
يديَ اليمنى مراعي البدوِ
واليسرى سحابٌ وانسحابٌ
من شقوقِ المدنِ السوداء,
هل ثقبٌ من الأوزون عينايَ؟
وهل من عسلٍ نهرُ غنائي؟
وحبيبي المزدوجْ
حفلةٌ للّهو, حرّ, مبتهجْ
وأنا فردٌ... أعنّي أيها البرجُ على تقويم نسلي
واقرئي يا امرأةً شمطاء كفّي
وابتدع يا بهلوان الفجرِ حبلاً واصلاً بين مكانينِ
فقد لا أستطيعُ الآن قفزاً
إنّ مصباحي انكسرْ
يا علاءَ الدّينِ من أين ستُمضي الرحلة الكبرى
وهذا مدخلُ المملكةِ الزرقاءِ
مسدودٌ بتابوت الحجرْ؟
(6)
أستطيع الآن أن آلفَ رامبو
وأواري عشقَ بودلير الرجيمْ
وهما من بين عينيّ يطلاّن
ويقتادانِ رؤياي إلى عرسِ الجحيمْ
أستطيع الآن أن أغتالَ أشجارَ حواسي
فأرى في حجر الموقدِ أنثى
ومكانَ المدفأةْ
قد أرى مدرسةً...
قد أنحني فوق قبورٍ من أناقةْ
طافحاً بالحسن والقبحِ
جليلاً تافهاً
كينونتي عشبٌ على جرفِ انهيارٍ
وأنا الغامضُ والمبهمُ
من يبتدعُ الآن بديلاً من غصون الغابة البكرِ
أو الأنهارِ تجري
تحت أقدام الفراديس العقيمْ؟
من يرى تحت قشورِ الزمن المحنيّ خلاّقاً عظيماً؟
أنا إفلاسٌ وأجناسٌ تداعتْ
وأنا آنيةُ الماضي
وخمري لهبٌ يشعله زيتٌ قديمْ
(7)
أستطيع الآن أن أكسرَ أقداحي
وأنداحَ مع العزلةِ في حانة أيلول,
لأنهارَ بأطيافي على مهدِ الخريفْ
أيها النادلُ يا ألطفَ من إبريقِ ضوءٍ
شُدّ أوتار المساءْ
واسكبِ الأقداحَ في فجوةِ عمري
دعه ـ هذا القلبَ ـ منبوذاً على بوّابةِ الرُّحّلِ
دعه, فهو كالمخملِ مخدوشاً إذا مسّته
أنيابُ الهواءْ
أيها النادلُ من يثملُ من حزني؟
بيوتُ الحيّ وشمٌ في الترابْ
وأنا من خلف كثبان الرمالْ
أرصد الآتينَ:
هل في الهودج المحمول ظِلّ
يبدأ الرحلةَ من أولها
بعد أن شابت على الأرض الظلالْ؟
(8)
أستطيع الآنَ ضمّ امرأتي من شوكِ إبطيها
ووجهي بين نهديكِ وجذعي يرتعشْ
هي ميدانُ مرايا النّرجسِ الطّالعِ من قلبي
وفي الأعماقِ منها جنّدت أرواحَ روحي
خدمةً للزمنِ الممتدّ من سرّتها
حتى انشقاقِ البرقِ
عن غصنٍ توهّجْ
أستطيع الآن أن أمدحَه
أفرغ روحي من دخانِ الأرضِ
من وقتٍ مسيءٍ للغناءْ
وأنادي: يا حبيباً بعبير ونذور جسديّةْ
أنتَ أنضجْ
من بلادٍ يبست أشجارُها وهي على تابوتها
تتفرّجْ
(9)
وإذاً...هل أستطيع الآن تأييدَ خطى الموتِ
على قرميدِ أحلامي؟
لماذا يقبض السحرُ على أعناقِ هذا الليلِِ؟
من يدركُ ـ إذ يسفكُ مزمورٌ نحيبي ـ
أنّ لي خابيةً في طبقاتِ الحزنِ
قد عتّقها مَرُّ اللهيبِ؟
وهي إذ تنضَحُ؛ فالطِّيبُ,
وما لا شاهدت عينٌ وما لا سمعت أذنٌ فهل
أستطيع الآن نقلَ الخابيةْ
بالذي فيها إلى مائدة الشعرِ؟
وأستمسكَ بالإنشادِ كي ألعبَ دور الراويةْ
ليسَ بعدَ الليلِ إلاّ جسدٌ تنهض منه الشمسُ
يأتي من شفاهِ الأفقِ الحمراءِ
يطغى بحضورٍ يتناغمْ
وأنا أفرح أني تالفٌ فيه
فمنه أملأ الخابيةَ المنتشيةْ
بينما نلعبُ بالأزرارِ حتى تشلحَ الخمرُ أوانيها
فلا يبقى سوانا
ذكراً مغتنياً بالمرأة المغتنيةْ
(10)
أستطيع الآن أن أُبْعدَ عني خوذة الحربِ
وأستقرىءَ صوت الصمتِ في قنديل زيتٍ
ترقص الأشباحُ سرّا حوله...
فلنقترب أكثر من هيئتنا طيرينِ
من ماءٍ وطينْ
أستطيع الآن جمْعَ الكائناتْ
عندَ بابِ الشّعرِ وحدي
أنتقي مَنْ كلّما ناديتُه كان حريقاً مستجيباً
أنتقي الكوكبَ في عينيْ مصلٍّ
في رواق الشهواتْ
ذكراً يسندُ هذا العدمَ الفائضَ
أو أنثى تمرّ الأرضُ من بين يديها
كرنفالاً آخر الصيفِ
ترى ليلى القرى يزحفُ نحو الرقصِ
والأعيادُ منذورٌ شذاها لمقام السيدةْ
أنتقي ما تستطيع الروح أن تلمسه
ما تستطيعُ الأرضُ أن تحملَه نحوي
احتمالاً لحواسٍ مجهَدةْ
لحواسٍ جرّبت كلّ الحواراتِ ولكن
نسيتْ جوهرةَ الصّمتِ...
عليَّ الآن أن أغسلها
من غبارٍ فئويّ / عربيّ / أمميّ
لأراها فوق صدري آيةً أولى
جسوراً نحو وادٍ أزرقٍ تخضرّ فيه
أمّةٌ أخرى من الأزهار والإيقاعِ
والخمرةِ والأنثى,
وريح الصدقِ تجتاحُ النفوسْ
أستطيعُ الآنَ رَشْفَ الروحِ من كأسٍ تدلّتْ
من هدوءِ العطرِ ما لوّثها بعدُ ضجيجٌ
لم تزل تختزن الفطرةَ في لثغتها
أستطيع الآن أن آتي على الكأسِ إلى آخرِ قاعٍ
لأقولْ:
لم أزل أصغرَ من شأنِ الكلامْ
يا صديقي الصمت...
ما أبعدني عنكَ سوى الأسوارِ من فجرِ الطفولةْ
ولهاثٍ خلفَ ألقابٍ وأوراقٍ
ومخدوعين باللحظةِ أو زيف البطولةْ
رُدّني نحو البداياتِ رضيعاً صامتاً
منزوياً في الرّكنِ
مطويّاً على ذاتي كمصحفْ
آه كم كنتُ قويّاً في اعتزالي
وأنا الآن أمام الكونِ أضعفْ

يداية
أستطيع الآن طَرْحَ الأملِ الباقي مع الريح
وأدلي في ظلامٍ دلوَ أحلامي الأخيرْ

26 – 9 – 1997








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنانة الراحلة ذكرى تعود من جديد بتقنية -اله


.. مواجهة وتلاسن بكلمات نابية بين الممثل روبرتو دي نيرو وأنصار




.. المختصة في علم النفس جيهان مرابط: العنف في الأفلام والدراما


.. منزل فيلم home alone الشهير معروض للبيع بـ 5.25 مليون دولار




.. إقبال كبير على تعلم اللغة العربية في الجامعات الصينية | #مرا