الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة ومحاكمة الاخر

وليد الحيالي

2003 / 2 / 18
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


     

      كل من تتبع الانتاج الثقافي العربي للعقود الاربع الاخيرة من القرن المنصرم يلحظ بكل جلاء الميل العارم لكتابات العديد من العرب المنشورة الى محاكمة الاخر سعياً الى نفيه وطرده ومن ثم الغائه. تجلت هذه السمة حتى كادت تكون ظاهرة نقرأها او نسمعها كل يوم في وسائل الاعلام المقروءة والمرئية او المسموعة. حتى غدت هذه السمة ظاهرة ثقافية هدفها اغتيال العقل.

  انعكست ثقافة القدح والتخوين لأعادة انتاج الموروث الجاهلي القائم على مركزية الفكرة في رأس الشيخ او السلطان وما على الرعية الا اجترارها وتبريرها وتمريرها لتصبح انشودة نتغنى بها او احدى مقررات الدراسة الاكاديمية في الجامعات والمعاهد العليا اذا كان منتجها يملك بيديه الجاه والسلطة، ولا يحق لك ولها ولي من انتقادها او مناقشتها فهي بحكم المقدس.

     ثقافة المحاكمة أسست في العديد من البلدان منظمات ونوادي واحزاب ورؤساء دول دكتاتورية المظهر والمضمون. فكان من نتائجها شعوب دفعت ارواحاً وثروات ثمن لها. ولمن يبحث عن أسباب هذه الظاهرة سيجدها في مكونات الفكر القبلي العشائري الذي ننتمي اليه من زمن عروه بن الورد وتبطأ شراً وعنتره بن شداد. هذه الثقافة التي لازالت تعرض على مسرحنا السياسي والثقافي ولم يسدل الستار عنها الى يومنا هذا، نبررها في العادات والتقاليد والاعراف.
ثقافة المحاكمة ينتمي اليه رهطاً كبيراً من المثقفين  بمختلف الوانهم واشكالهم يميناً ويساراً وهم في الحقيقة ليسوا جنوداً للثقافة فهم وبدون وعياً منهم اقسموا مع انفسهم يمين الولاء المطلق لفكرة صناعة العبودية الفردية وقد خصصوا كل ساعة من ساعات وقتهم يقضوها للسير قدماً في نهج معاداه ثقافة الديمقراطية.

   ولا يرجع عجز ابطال ثقافة المحاكمة عن الاستجابة الى طبيعة الثقافة او عدم مرونتها ولكن الى قدرات هؤلاء المثقفين انفسهم. واؤكد ان صحوه هؤلاءالمثقفين كما يزعمون لم تحقق خطوة اولى مهما كانت متواضعة في اتجاه الثورة الثقافية المطلوبة، بل العكس من ذلك انها تمثل ثورة مضادة دون ان يكون قد حدثت ثورة قبلها. وكم ساكون مرحباً بهذا الاتجاه لو انني رأيت فيها منحى تجديد قراءه اسلوبنا الحواري وكتاباتنا النقدية لتكييفه مع مقتضيات العصر وروحه . بل ارى ان اصحاب ثقافة المحاكمة بمختلف اجنحتهم احد اعراض الازمة وليست حلاًً لها، لذلك فانهم لن يقودوا ثورة ثقافية بل سيفاقمون التدهور بكل صورة وسيستمرون في عجزهم عن مواجهة التحدي. ولكن مع ذلك تواصل هذه الاقلام انتشارها ليس بسبب قدراتهم الذاتية ولكن لغياب الفضاء الديمقراطي الصحي الذي كان يمكن ان يكون مؤهلاً لقيادة النهضة الثقافية.       
   
          

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران