الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلفيون ..والأنظمة الحاكمة لماذا يخشون العلمانية؟!

فخر الدين فياض
كاتب وصحفي سوري

(Fayad Fakheraldeen)

2006 / 1 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


السلفيون ..والأنظمة الحاكمة
لماذا يخشون العلمانية؟!
أصبح معروفاً أن هناك خطابين يجتاحان العالم العربي، أحدهما ديني مذهبي يدعو إلى العودة نحو السلف الصالح (أيديولوجياً) ، والآخر خطاب الأنظمة الحاكمة التي تختبئ وراء شعارات الأمة والوطن وبعض العقائد الحزبية والطائفية (وحتى القبلية) التي تتناسب مع خصوصية الشعب الذي تحكمه.
لا يختلف الخطابان في المآل الأخير كثيراً.. كما أنهما لا يختلفان من حيث الأرضية التي افرزتهما فكلاهما يهدف إلى تحقيق الطاعة و"الإيمان" عند رعاياه ويعدهم بالجنة "دينا وآخرة" ، وكلاهما آت من بنية مجتمعية هشة وخائفة وغير قادرة على مواجهة حقيقة أنها خرجت من التاريخ بشكل فعلي.
بين الخطابين هناك تيار يدّعي الليبرالية والحداثة بكل دعائمها التي تتمثل بالدولة الوطنية الحديثة التي تقوم على الديموقراطية والعلمانية والحريات السياسية والمصلحة العامة ... وغير ذلك.
هذا التيار يبدو ضعيفاً على الصعيد الشعبي وغير فاعل في البنية المجتمعية العربية . فهو يعاني من اضطهاد النظام الحاكم من جهة ، ومن تكفير التيارات الدينية له من جهة ثانية ، ترافق هذا مع (عودة) الناس إلى الدين كملاذ أخير ومهرب من أزمات العصر والمعاصرة و ك "حل"_وهمي بالطبع_ للتمزق بين حاجتنا المادية للغرب ورفضنا لقيمه الفكرية والروحية.
الخطاب السلفي وخطاب النظام الحاكم كلاهما يعاديان العلمانية ويرفضانها بوصفها "بدعة إلحادية" تهدف إلى القضاء على دور الدين ونسف تشكيلته الروحية التي تمنع الانحلال الأخلاقي في المجتمع وتقف سداً منيعاً ضد "الغزو الثقافي" والعولمة.
إلا أن لكل منهما له أسبابه الحقيقة والتي يضمرها في معاداته للعلمانية.
لا يوجد تعريف أو فهم باطني للعلمانية يجعلنا نخشاها ونختلف على تأويلها وكأنها تخفي أكثر مما تفصح.. فأصل المصطلح أتى من "العَلَم" أي "العالم الدنيوي" .. بمعنى حياتنا على الأرض وتنظيمها وفقاًَ لمفهوم المواطنة بما تعنيه من حق وواجب، بعيداً عن التشريع السماوي الذي يخص كل دين أو مذهب او ملة لوحدها دون غيرها.. مما يعني أعط "ما لله ..لله مالقيصر .. لقيصر" أو بعبارة أخرى فصل الدين عن
الدولة .
لم تكن العلمانية يوماً ضد الدين.. وإنما على العكس فحيثما وجد شعب متدين وجدت العلمانية لتحرص على " مالله ومالقيصر" معاً.. خصوصاً في المجتمعات التي تتعدد فيها الأديان وتكثر المذاهب والملل .
لقد كانت العلمانية صمام أمان وطني وديني معاً، لأنها استطاعت بناء علاقات مجتمعية منعت من خلالها طغيان مذهب على آخر ، ووقفت في وجه الإضطهاد الديني الذي عانت منه الأقليات الدينية على مر
التاريخ ، فاستطاعت الإبقاء على الكنائس المختلفة والمتحالفة في حالة تعايش وصراع فكري أو روحي لا يمتد إلى حياة الناس اليومية.. كذلك بالطبع استطاعت حماية حرمة الجوامع والحسينيات إلى جانب الكنائس بوصفهم جميعاً بيوتاً لله لها قداستها وهيبتها .. يمارس فيها المؤمن طقوسه دون خشية من قانون او دولة او جماعة مضادة لهذه البيوت... مادامت هذه الطقوس لا تؤذي حرية الآخرين او تشكل خطراً على حياتهم ومصيرهم.
وغني عن القول إن العلمانية قدمت الحماية أيضاً لمختلف التيارات الفكرية والروحية القائمة على فهم مادي للكون والطبيعة والمجتمع.. حتى التيارات الإلحادية استطاعت أن تعبر عن نفسها بحرية شريطة عدم المساس بعقائد الآخرين ورموزهم المقدسة.
إذا كانت هذه هي العلمانية باختصار.. فلماذا يحاربها السلفيون والأنظمة معاًَ؟!
قلت أعلاه إن كلا التيارين له أسبابه الحقيقية التي يخفي ورائها عداءه للعلمانية.
فالسلفيون بشكل عام يرفضون هذا المفهوم لأنه يكشف الستار عن تحول الدين إلى "مهرب" من مواجهة أزماتنا الحقيقية الناشئة عن هزيمة "الوجود العربي" بكل الإرث التاريخي الذي يحمله أمام الحاضرة التي يمثلها الغرب منذ نصف قرن.
فالدعوة الدينية اليوم للتكتل حول المذهب أو الطائفة تحتاج إلى "آخر" نعاديه.. وهذا الآخر أولا متمثل بباقي المذاهب أو الطوائف في المجتمع.. ثم بالغرب.
إن الانقسام الحاصل اليوم وعودة لغة "التكفير" والسعي للوصول إلى السلطة والسيادة عبر تهميش الآخر لا يتأتى ـ حسب هذا التيار ـ إلا برفض فكرة العلمانية التي تجعل من الصراع السياسي بريئاً من الاستنجاد بالعقائد المذهبية والصراعات التاريخية وأحقادها.
ألا نخشى من فكرة بوش "الدينية": أنه يحاور الله ويعيش طقسه الديني ويستمد العون والصواب منه.. أكثر من أبيه على الأرض؟!
ماذا لو أراد "الله" منه _ كما يزعم بوش مثلاً_ حرباً صليبية حقيقية؟!
بالمعيار العلماني يعتبر بوش قد خرج عن شرعة حقوق الإنسان وحق الأمم والدول والشعوب في تقرير مصيرها ونسف كل ما له علاقة بالدساتير والقوانين والحقوق الأرضية.
كذلك حين يقدم أسامة بن لادن فتوى على لسان الزرقاوي بتدمير "الحسينيات" في العراق وإعمال السيف بأهل الشيعة.. فإنه مزاعمه هذه لا تختلف عن مزاعم بوش (الروحانية!!).. علما أن كلا الرجلين له مشروعه السياسي ـ الأرضي أولاً.
وأسامة بن لادن ليس حالة نادرة في عالمنا العربي ـ الإسلامي.. وإن كان حالة قصوى. فكثيرون من "المجتهدين" وأصحاب الفتاوى والعمائم _ مع بالغ احترامي لقيم الدين العليا المختصة بالسماء_ يمارسون يومياً حالة من الشحن المذهبي والطائفي تهيئ مجتمعاتنا بشكل عام لصراعات دينية ستدمر في النهاية فكرة الوطن والمواطن .. والجزائر ولبنان تجربتان مازالتا ماثلتان في الذاكرة.
يكفي أن نقول إن فكرة انقسام المسلمين إلى ملل كثيرة.. جميعها في النار ماعدا واحدة ، حتى نرى حجم "التكفير" الذي يمارسه هؤلاء على الوطن، وهذه فكرة تتبناها كل المذاهب الإسلامية على ما يبدو.. مع إضافة أنها هي الملة الناجية دون غيرها !!
لماذا يرفض المؤمن الخروج من هذه الدائرة المليئة بالمصالح والحسابات الدنيوية ـ قبل أن تكون سماوية _ إلى عالم لا يمارس عليه اضطهاداً فيما يخص طقوسه واعتقاداته .. وبقوة القانون؟!
ما الذي يدعو المؤمن ما دام الدين موقفاً فردياً إلى أن يعادي العلمانية التي تحفظ له هذا الحق وتمنع عنه غائلة الاضطهاد بسبب معتقداته؟!
على العكس سيسعى هذا المؤمن إلى الكفاح من اجل العلمانية.. لأنها خلاصه (الروحي) الذي يسمح له بعلاقة مسالمة مع الآخر بوصفها القانون الذي ينظم علاقته مع السماء ومع الأرض في آن.
بالتالي معاداة السلفية للعلمانية إما بسبب الجهل..أو بناء على مصالح و "أوهام" في إمكانية بناء حكم ثيوقراطي يعيد سيرة "الفتح" ونشر "الدعوة" بحد السيف .. ربما!!، في عالم أصبح الإنسان "الصومالي مثلاً" قادراً على نشر ما يريد في مدن العالم أجمع خلال لحظات عبر وسائل الاتصال الحديثة .. وأهمها الإنترنت!!
أما عداء الأنظمة للعلمانية فإنه لأسباب تتعلق بنفاقها السياسي والشعبي ، وعدم أصالتها الوطنية في التوجه إلى كافة فئات الشعب وطوائفه بنفس المعيار والمستوى الذي يحفظ كرامة ومصالح المواطن بغض النظر عن انتمائه الديني أو الطائفي .
إن اعتماد النظام العربي الحاكم على طائفة أو ملة يعتبرها عمقه الشعبي في تثبيت دعائمه السلطوية والأمنية كان الطامة الكبرى في غياب مفهوم الجدارة والاستحقاق الذي يعطي كل ذي حق حقه حسب ما يستحقه من دور في بناء الدولة والمجتمع معاً .
من هنا كان موقف هذا النظام موارباً وغير واضح إزاء العلمانية بوصفها جزءاً أساسياً في بناء الدولة الوطنية.
ومن ناحية ثانية كان لا بد لهذا النظام من الممالأة الدينية والمذهبية لشرائح الناس الفقيرة والمضطهدة لدفعها نحو البحث عن خلاصها في أروقة المساجد والكنائس بعيداً عن الساحات العامة والحياة الحزبية والبرلمانية والمشاركة الفعلية في الشأن العام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل