الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أشعب الساخر والحياة في عصره

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2017 / 4 / 23
الادب والفن


أشعب الساخر والحياة في عصره.
نيتشة وفي مقولة منسوبة له يقول ،"ربما كنت افضل من يعلم، لماذا الإنسان وحده يضحك: فهو يتألم بعمق لدرجة أنه تحتم عليه أن يخترع الضحك". وسواءً كانت السخرية، الضحك حاجة ضرورية، وجودية أو نفسية، فإنها جميعاً تُمكّن الإنسان من مواجهة صعوبات الحياة ومشاكلها، ولعل في المثال عن نزلاء معسكرات الإعتقال النازية واستعانتهم بالسخرية والهزل، حتى على أنفسهم، دليل على ما للسخرية أو النادرة من مفعول على تحسين الشعور، بحيث اصبح الضحك دواءً، ويقول آخر،" وإن أشد الناس بؤساً وأسوأهم عيشة وأقلهم مالاً وأخلاهم يداً أكثر الناس نكتة. كأن الطبيعة التي تداوي نفسها بنفسها رأت البؤس داءً، معالجته بالنكتة دواءً"، ويظهر تبعا لذلك ، بأن هناك تناسب عكسي بين البؤس والنادرة(النكتة)، فكلما زادت وطأة البؤس والفقر، إزدهرت وسيلة مقاومته ألا وهي السخرية والنكتة .
ونوادرُ اشعب، تمثل أو تصور الحياة الاجتماعية في تلك الفترة، صورت حياة الاغنياء والفقراء، البخلاء ،العلاقات بين الرجل والمرأة، حالات الفقر المدقع والغنى الفاحش ."إن مادة النوادر هي بمثابة رد فعل لضائقة لدى مجتمع هازل يحب النكتة ،فمن جهة ،نشعر بالمرارة عندما نقرأ مثل هذه النوادر، ومن جهة أخرى، نشعر بالسخرية والهزل، ويكون ذلك مبعثاً للضحك".
إن ألكثير من النوادر التي تُروى عن أشعب حدثت مع أو في بيوتات بعض من أبناء الطبقات العليا في المجتمع، فله نوادر مع سكينة بنت الحسين، وهي بنت الحسين بن علي حفيد الرسول، مع مصعب بن الزبير أخي عبدالله بن الزبير الخليفة وإبن أسماء بنت أبي بكر والتي كانت أم أشعب مولاتها، مع عبدالله بن عمر بن الخطاب وابنه سالم بن عبدالله، مع جعفر الصادق وإبنه اسماعيل(أحفاد الحسين)، مع إبان بن عثمان ،مع الخليفة ،مع ألوالي ومع غيرهم من علية القوم. ويتضح بأنهم في سياق النوادر الأشعبية يمثلون الثراء المادي والأصل الكريم، فهؤلاء يرتبطون بالشجرة النبوية(كالحسين ،بنته وأحفاده)،أوهم من نسل الصحابة الأوائل كأسماء بنت ابي بكر وابنها، ابن عمر بن الخطاب وحفيده، إبن عثمان وغيرهم، والذين هم ارستقراطية الدولة الجديدة. فحينما غضبت عائشة بنت طلحة من زوجها مصعب بن الزبير، توسط بينهما أشعب مقابل عشرة آلاف درهم يقبضها من مصعب، وهذا مبلغ ضخم بمعايير تلك الأيام وتوسل لها أن تقبل بوساطته، لكي يحصل على الدراهم، وهكذا كان ،"قال(أشعب): بأبي أنت وامي، إرضي عنه حتى يعطيني العشرة الاف درهم ،ثم عودي الى ما عودك الله من سوء خلقك، فضحكت من كلامه ورضيت". يتبين من هذه النادرة وغيرها بأن أبناء هذه الطبقة كانوا من الأثرياء جدا. لكن ما يلفت النظر، هو توسط أشعب لدى زوجة مصعب وممازحتها، مما يدل على أن الرجال والنساء لم يتحرجوا من أن يتوسط بينهم رجل "غريب". يتضح بأن الأزواج والزوجات من هذه الطبقة، كانوا أثرياء إلى جانب عدم التحرج من تبادل الأحاديث والمزاح مع أبناء طبقات دنيا.
أما عن شرب الخمور فقد كانت ظاهرة رائجة حتى في قصور الخلفاء. وفي نادرة أُخرى لأشعب مع عثمان بن عمرو بن عثمان والملقب بخرا الزنج، يصفه الراوي بأنه "سفيه، متخنث ومتهتك"، ويأتيه أشعب ليقنعه بالتراجع عن "توبته" قائلا له "ما لك وللصلاة والقراءة ولزوم المسجد، وتركت اللهو والطرب والغناء وشرب النبيذ والنايات والطبول؟". إذن فشرب الخمر والغناء ومجالس الأُنس كانت منتشرة في اوساط هذه الطبقة، لا بل يذكرون التخنث .(الشذوذ الجنسي).
.
أما عن أحوال الطبقات الإجتماعية الأُخرى، فهناك نوادر جرت، مع حلاق، معلم صبيان، مع النساء من العامة، ويتضح لنا من هذه النوادر بأن أبناء هذه الطبقات كانوا يعملون لكسب رزقهم، كلٌ في مهنته، وللتدليل على هذا القول، "وقف أشعب على إمرأة تعمل طبق خوص فقال: لتكبريه، فقالت: لمَ؟ أتريد أن تشتريه؟ قال: لا، ولكن عسى أن يشتريه إنسان فيهدي الي فيه، فيكون كبيرا خيرا من أن يكون صغيراً".. يتضح بأن عمل النساء للتكسب لم يكن غريباَ في تلك الأيام، وشاركت المرأة من الطبقات الدنيا في العمل. وكذا مع الحلاق وصاحب مطعم الشواء في نادرة اشعب مع القروي الساذج، وهذا هو الحال مع معلم الأطفال والحجّام. ومن نادرة أشعب مع الحلاق، يتضح بأن التفكير النمطي عن الحلاقين بأنهم ثرثارون، كان قائماً حتى في ذلك الوقت. ومن نادرته مع عائشة بنت عثمان، حينما ارسلته ليتعلم مهنة البزازين، نعلم بأن إكتساب المهنة في ذلك العصر، كان عن طريق العمل والمُمارسة. لكن أشعب كعادته يقلب الجد مزاحاً، قائلا لعائشة بأنه تعلم نصف المهنة، "تعلمتُ النشر وبقي الطي" .
أما عن العلاقات بين النساء والرجال، ، نقرأُ عن علاقات ربطت أشعب بامرأتين، الأولى صديقته والثانية قينة بالمدينة. والإثنتان طلبتا منه تذكاراً، "قالت صديقة أشعب له يوماً هب لي خاتمك أذكرك به ..." ،أما الثانية ،"قالت له: إن جاراتي يقلن أي ما يصلك بشيء.." ، لا يهم في هذا السياق ماذا كانت اجابات اشعب لهاتين السيدتين، بل المهم هو، بأن علاقات شعورية كالصداقة ربطت بين النساء والرجال الغرباء، عِلما بأن نوادر أشعب تُثبتُ بأنه كان متزوجاَ، "قيل تظلمت امرأة أشعب منه الى ابي بكر محمد بن عمرو بن حزم، وقالت: لا يدعني أهدأ من كثرة الجماع، فقال له أشعب: أتراني أعلف ولا أركب،----". فأشعب كان متزوجاً، وفي هذه النادرة تصوير لرؤية المجتمع للمرأة على أنها مطية .. لكن وبالعودة الى العلاقات بين النساء والرجال، ففي نادرة أُخرى نرى أشعباً يتحرش بإمرأة متزوجة، "وقيل تبع أشعب مرة إمرأة، فقالت له: وما تصنع بي ولي زوج، فقال: تسري بي، فديتك". عِلما بأن التسرّي كان بالنساء. وقد يكون التحرش بالنساء في تلك الفترة أمراً عاديا ومقبولاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر