الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقن الشفافية

ياسر العدل

2006 / 1 / 25
كتابات ساخرة


مثل كثير من موظفى الحكومة، اقتنصت مع زملائى وقتا للنميمة، نمسك السيرة ونغتاب كثيرا من قياداتنا، عينتهم القيادات الأعلى فى مناصبهم دون اختيارنا، إمكانياتهم مثل إمكانياتنا، أجسادهم مثل أجسادنا، مرتباتهم الرسمية مثل مرتباتنا، ومع ذلك يهبرون أموالا تضاعف دخولهم الوظيفية فوق مستوى العقل وصريح القانون، يجمعون بدل حضور جلسات وإشراف ومشاركة فى أعمال متعددة تجرى فى أكثر من مكان، لكنهم بقدرة صانعى المحررات الرسمية فإن يؤدون تلك الأعمال فى نفس الوقت، وحين ارتفع مستوى النميمة فى جلستنا، تصاعدت قدراتنا على انتقاء وقائع تصلح لإعداد خطط فردية ترفع دخولنا.
وبرغم أننى موظف متصالح مع قرف الناس والحكومة والسلطة، أحمل لكل منهم مكانه المريح على أكتافى وبين راحتى، إلا أننى فشلت طوال نصف قرن من تعاقب الحكومات والإعلانات والمواثيق فى أن أكون رئيسا كبيرا لأى عمل، أو على الأقل رئيس نصف نصف، وأصبح على أن احمل خطة للحصول على ترقية وظيفية، وفى الوقت المناسب حملت الخطة وقدرا من النصاحة وتوجهت إلى مديرنا الكبير.
بأدب جم دخلت مكتب مديرنا الكبير، وحين انفرجت أساريره عن ابتسامة مدير كبير، انتحيت به جانبا وسررت فى أذنه رغبتى فى نزع الفساد من الأرض ومن الموظفين دون مقابل، عندها لمس استكانتى واضعا يده الكريمة على كتفى، وانتبذنا مكانا منعزلا فى مكتبه الكبير، وصررت له أقاويل غيرى من الموظفين الحاسدين المتآمرين، بأن قياداتنا الأعلى تهبر أموالا كثيرة تجاوز الآلاف من الجنيهات سنويا، صحيح أن القانون يضع خطوطا عامة للمرتبات والبدلات والمكافآت، لكن لكل شخص دخلا خاصا من وظيفته الحكومية، يختلف طبقا للقرابة والعلاقات والمصالح، ولا يرصد هذه الدخول إلا حاسد أو متآمر، وأتممت شحن صدر مديرنا الكبير بأنه عظيم فى الدنيا ومغفور له فى الآخرة.
طرقت يد المدير الكبير كتفى، وبصوت واثق أقسم وأغلظ الأيمان، بالعيش والملح دون أن يحلف بالطلاق، أن إدارتنا تعمل فى النور وبمنتهى الشفافية، وأن مرتب مديرنا الكبير لا يزيد عن بقية الموظفين إلا جنيهات معدودة، ينفقها على شاى وقهوة الضيوف وعابرى السبيل، هكذا اسقط المدير فى يدى نهاية مديحى وعروض خدماتى.
خرجت من مكتب المدير الكبير ساخن القفا، دون كوب شاى أو وعد برئاسة بعض زملائى، وحين حاولت فهم معنى شفافية مديرنا الكبير، استرجعت أقاويل زملائى بأن مديرنا الكبير ليس كبيرا بالقدر الكافى، وقررت أن أتواصل مع المستوى الأعلى وأعرض خدماتى على رئيس مديرنا الكبير.
حين سررت بالخدمة الوظيفية لرئيس مديرنا الكبير، جحظت عيناه وأطلق كلامه فى وجهى، يا أخى دع القافلة تنبح والكلاب تسير، فانتشيت لحديثه الكبير وجهرت بدعائى لكل قيادتنا وتابع تابعيها بالرشاد والصحة، لكن رئيس مديرنا الكبير باغتنى برغبته السامية فى إنهاء اللقاء، وطرح أمامى عصمة القيادة محذرا، يا سيد!! كل الأمور تتم بشفافية، وأننا نبذل فى سبيل العمل كثيرا من جهودنا التطوعية، لا نريد جزاء ولا شكورا، فإذا كان المدير الكبير قد أقسم لك بأننا أشرف من الشرف، فإننى اقسم لك بالطلاق بأننا نرعى وجه القانون والشفافية، وعلى الحاقدين والمتآمرين أن يمسكوا علينا بينة.
فى مساء نفس اليوم، رقدت فى السرير محموما، أعانى من فشل الحصول على منصب قيادى، أرمى الكلام فى وجه زوجتى، الشفافية يا أختى أن يكون القانون واضحا لمن يطبق بينهم، يدعمه إعلام موضوعى وتواصل فى تحليل الرأى العام، الشفافية تشمل سلامة المنطق وثقافة الانتماء لمصالح الأغلبية، ومن أجل الشفافية تراقب الإدارة عيون العاملين، فإذا كانوا مخطئين تصحح الإدارة معلوماتهم، وإذا كانوا مصيبين تغير الإدارة قراراتها لصالح الجميع، وأصل المثل يا أختى أن الكلاب تنبح والقافلة تسير، يستخدمه الموظفون الذين يشغلون مناصبهم بناء على معايير غير شفافة، القوافل والكلاب صنوان لا يفترقان يا أختى، فلا توجد قوافل تسير من غير كلاب دون أن يباغتها قطاع الطرق والمتربصون، لكن أن يحصل زيد على مائه جنيه مقابل عمل ما، بينما يحصل عمر على ألف جنيه مقابل نفس العمل، فهذه ليست شفافية يا أختى، إنها خراب مستعجل.
عند هذه الوصلة من الشفافية، وترويجا لطرق الحكومة فى علاج حمى صغار الموظفين، كانت زوجتى قد أعدت الماء والصابون والحقنة الشرجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غادة عبد الرازق: ليس لي منافس على الساحة الفنية ولا يوجد من


.. غادة عبد الرازق: الساحة الفنية المصرية لم تعد بنفس قوة الماض




.. الفنان درويش صيرفي.. ضيف صباح العربية


.. -بحب الاستعراض من صغري-.. غادة عبد الرازق تتحدث عن تجربتها ف




.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف