الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- الحرب على العراق - لمحاربة داعش ؟ أم من أجل الفدرالية والتقسيم

الأستاذ الأسعد بنرحومة

2017 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


يتعرّض العراق الى حرب مدمّرة وابادة عامّة منذ سنوات تعود الى 1990 وليس فقط منذ ظهور ما يسمّى "داعش" في 2013 في سوريا أو منذ 2014 في العراق .فبعد الحرب الأمريكية القذرة وما أدّت اليه من قتل وسفك للدماء وتدمير وخراب وتهجير سيبقى وصمة عار على الديمقراطية , أوكلت الولايات المتحدة الأمريكية اتمام المهمّة الى الرئيس العراقي نوري المالكي ثم اليوم الى العبادي وطبعا معهما كامل الوسط السياسي والاعلامي من الذين قبلوا المهمة وقبضوا الثمن على حساب أنهار الدماء التي سالت وسفكت . فتمّ وضع دستور يؤسس للتقسيم والتفرقة ولم يبق الا الأعمال على الأرض لتنفيذ ذلك ...
كيف ذلك ؟
لقد استطاعت المجموعات المسلحة المتكونة من ثوار العشائر وفصائل المقاومة والمجلس العسكري لثوار العراق وتنظيم"داعش"يوم الثلاثاء 10-6-2014م من السيطرة على الموصل وعدد من البلدات في محافظات أخرى ,وتمكن المسلحون من السيطرة على ناحية جلولاء في محافظة ديالى ,بينما دخلت قوات البشمرقة الكردية الى ناحية السعدية وذلك بعد انسحاب قوات الجيش والشرطة .
على اثر ذلك أعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حالة التأهب القصوى في البلاد ,كما قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنه يتوقع أن يتخذ الرئيس باراك أوباما "قرارات سريعة"بشأن العراق بسبب فداحة الموقف.وأضاف في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ تم عقده يوم الجمعة 13-6-2014م "في ضوء فداحة الموقف أتوقع قرارات سريعة من الرئيس أوباما في ما يتعلق بهذا التحدي".
ويأتي سقوط الموصل وعدد من المدن الأخرى في محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك والأنبار بشكل سريع ومفاجئ بعد انسحاب مشبوه من الجيش وتواطئ مفضوح من البشمرقة التي سارعت لبسط نفوذها على كركوك جاعلة من ذلك أمرا واقعا.
وبهذه التحركات الأخيرة على أرض العراق تنطلق أكبر عملية فعلية على الأرض من أجل تقسيمه الى فدراليات على أساس عرقي ومذهبي وهو ما ترمي اليه الولايات المتحدة الأمريكية الكافرة منذ 2005م حين أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق عن نجاح الاستفتاء على مسودة الدستور في 15 تشرين أول 2005 ,فقد كان ذلك الاعلان استكمالا لرسم صورة عراق أميركي جديد يراد له أن يكون مثالا يحتذى به في المنطقة ,وبخاصة أن هذا الدستور العلماني ينص على تطبيق الفدرالية التي تفتت العراق مذهبيا وقوميا والتي ستجعل منه أنموذجا لتفتيت أكبر لدول المنطقة لانهاكها وزيادة ضعفها وجعلها أكثر بعدا عن الانعتاق من هيمنة أميركا.
لقد تمكن المسلحون من السيطرة على الموصل بعد انسحاب الجيش من مواقعه وترك عتاده في مكانه وهو نفس الأمر الذي حصل مع قوات البشمرقة التي بسطت نفوذها على السعدية بعد انسحاب قوات الجيش والشرطة منها اثر تلقيها أوامر بذلك وهو ما يؤكد أمرين:
-الأول:أن سيطرة المسلحين على المدن والبلدات كان بتسهيل كبير من قوات البشمرقة وبتواطئ منها
-الثاني:أن الأكراد ماكانوا ليتصرفوا هذا التصرف بدون علم الحكومة المركزية ببغداد وبدون ضوء أخضر من الأمريكان وخاصة أن مشروع أميركا في العراق يسير أساسا بالتحالف الشيعي الكردي.
وهذا ما أشار اليه مراسل العربية في العراق يوم الأربعاء 11-6-2014 عندما قال "ان مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش"ومسلحين محليين تمكنوا من السيطرة على ناحية جلولاء في محافظة ديالى بينما دخلت قوات البشمرقة الكردية الى ناحية السعدية وذلك بعد انسحاب قوات الجيش والشرطة".
أما لماذا تتواطؤالبشمرقة مع المسلحين فيبدو أخيرا أن أميركا نجحت عن طريق عميلها نوري المالكي وبقية الدمى المتحركة التابعة لها من ايجاد رأي عام داخل العرب السنة حول مشروع الفدرالية وخاصة بعد حربه الطويلة ضد المسلمين في الرمادي والأنبار باسم محاربة تنظيم القاعدة ,ففي ديسمبر 2013 وحين اقتحمت قواته تجمعات المعتصمين ودخلت البيوت وقصفت المدن أصبح أهل السنة العرب ينظرون اليها بوصفها حربا لابادتهم واستئصالهم ,واندفع العديدون لاعلان الجهاد ضده.
كل ذلك أوجد الحافز للقبول بمشروع الفدرالية لأنهم يشعرون أن جيش المالكي انما يقاتلهم متذرعا بوجود القاعدة .
جميع هذه الجرائم التي ارتكبها عميل أميركا نوري المالكي دفع العشائر ومعها كتائب المقاومة العراقية المختلفة للتحالف مع "داعش" وبتواطئ من قوات البشمرقة تمت السيطرة على عديد المناطق من الموصل وصلاح الدين والأنبار وفي مقابل ذلك فرض الأكراد سيطرتهم على كركوك التي تأجل الحسم فيها منذ 2005م .فتقدم المسلحين جعل من سيطرة الأكراد على هذه المدينة أمرا واقعا ,وهو ما دفع رئيس وزراء كردستان العراق نيجرفان بارزاني يصرح لهيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي في 17-6-2014 فيقول"انه من شبه المستحيل أن يعود العراق لما كان عليه قبل سيطرة عناصر المتطرفين على الموصل".
فهذه الأعمال الأخيرة التي جرت في الموصل لا تقدم الذريعة لانفصال الأكراد وتأكيد استقلالهم فقط, بل هي تقدم لهم الغطاء لضم كركوك مقابل دعم الأكراد للفدرالية السنية وهو ما أشار اليه محافظ مدينة الموصل أثيل النجيفي حين قال "هناك مجموعات كثيرة رافضة للعملية السياسية في العراق شاركت في العمليات العسكرية التي أدت الى انهيار الجيش بالكامل في الموصل الثلاثاء الماضي".
لقد استطاع الزعماء الأكراد أن يثبتوا الفدرالية الخاصة بهم ,وحتى يجعلوا ذلك أمرا واقعا هم يدفعون باتجاه قيام فدرالية خاصة بالعرب السنة في الاقليم الغربي الذي تجري فيه الأحداث الأخيرة ,فقد صرح رئيس وزراء كردستان العراق نيجرفان بارزاني يوم 17-6-2014م لنفس الاذاعة السابقة "ان للسنة الحق في اقامة منطقة خاصة بهم على غرار كردستان".
ان أميركا التي فرضت مشروع الفدرالية على المسلمين في العراق منذ 2005 ففرقت بين الاخوة ,وأوجدت العداء بين أبناء الأمة الواحدة لا تتورع عن ارتكاب أفضع الجرائم من أجل فرض مشروعها الذي بات يعرف باسم "مشروع الشرق الأوسط الكبير",
وهي تسير قدما في تقسيم البلاد الاسلامية وليس العراق فقط ,وحتى تفرض هذا الواقع الجديد هي تخير المسلمين في العراق بين المضي في الفدرالية أو التلويح بالحرب الأهلية التي لا تبقي ولا تذر.
فأميركا ومرة أخرى تحرك عملاءها من قادة الشيعة والأكراد ومن بعض العملاء من أهل السنة ,فهاهي عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله ومنظمة بدر وغيرهم يعلنون استعدادهم للتوجه للموصل. وهاهو عبد المهدي الكربلائي الذي يمثل آية الله العظمى علي السيستاني يدعو الى حمل السلاح ومقاتلة الارهابيين,كما أن هيئة علماء المسلمين بالعراق وفي بيانها على موقعها على الانترنت تدعو جميع الشباب القادر على حمل السلاح للالتحاق بصفوف الثوار.
وأميركا لا تستعمل عملاءها في الداخل فقط للتهديد بالحرب الأهلية ,بل هي أيضا تستعمل أدواتها كمبعوث الأمم المتحدة الى العراق نيكولاي ملادينوف الذي قال لوكالة فرانس براس الثلاثاء 17-6-2014 "ان تقدم المسلحين في الأيام الماضية يشكل تهديدا لبقاء العراق وخطرا جديا على المنطقة".
وأمام كل هذا ,أصبح القبول بالفدرالية أمرا حاصلا عند مختلف الأطراف ,فقد دعا رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي في تصريح له الى ضرورة اقامة اقليم خاص بالسنة وذلك ردا على سؤال وجهه له مقدم قناة الحرة حول وضع أهل السنة في العراق.
بل ان زعماء أهل السنة رضخوا لهذا المشروع الأميركي منذ الانتخابات الأخيرة في أفريل 2014م عندما دعا مجلس علماء العراق الى اختيار المرشح الذي ينطبق برنامجه الانتخابي مع مشروع الأقاليم عازيا ذلك لخلاص أهل السنة من الظلم والتهميش ,ومما جاء في البيان"على الناخب اختيار المرشح الذي ينطبق برنامجه الانتخابي مع مشروع الاقاليم لخلاص أهل السنة من الظلم والتهميش".
هذا المشهد وصفه عبد الباري عطوان في "الرأي اليوم"فقال"تقسيم العراق بات في طريقه الى التكريس النهائي ,وسيكون العراقيون محظوظين اذا اقتصر على ثلاثة كيانات شيعية وسنية وكردية ,لأن الفوضى من المرجح أن تكون عنوان المرحلة المقبلة الأبرز".
أما كيف قبل السنة العرب بمشروع الفدرالية وقد كانوا قبل اليوم يرفضونه ؟
منذ 2005 كان السنة العرب هم الشوكة في حلق أميركا والحجرة التي تسد طريقهم ,لذلك أجلت السير في الفدرالية الخاصة بهم حتى يتم تهيئة الأجواء لذلك ,وقد سارت فيها مع الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال .وعملت على جعل السنة العرب هم من يطالبون بالفدرالية وذلك من خلال أربعة محطات وهي:
الأولى:انتخابات 2005 وما صاحبها من اصرار أميركي على اجرائها في موعهدا أو التهديد بالحرب الأهلية.
الثانية:تسخير نوري المالكي لاستهداف المناطق السنية وخوض حرب ضدها مما رسخ عند أهل السنة أنهم يواجهون حرب ابادة وخاصة عند حربه على الرمادي والأنبار في 2013م.
الثالثة:انتخابات أفريل 2014م ودعوة أهل السنة العرب لاختيار المرشحين الذين يؤيدون الفدرالية.
الرابعة:سيطرة الثوار على الموصل وبلدات أخرى في ديالى وصلاح الدين والأنبار في 10-6-2014.
أما المحطة الأولى فكانت سنة 2005م عندما أصرت الولايات المتحدة الأمريكية على اتمام الانتخابات في موعدها أواخر كانون الثاني 2005 رغم مقاطعة الكثيرين داخل العراق وخارجه ,وذلك بتواطئ مع عملائها من زعماء الشيعة والأكراد وبعض السنة.
وكانت هذه الانتخابات تمثل حلقة مهمة ومرحلة متقدمة في مشروع الفدرالية وهو الوجه الآخر لتقسيم العراق الى كيانات هزيلة ضمن مشروع اعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الكبير .
أما لماذا اعتبرت هذه الانتخابات هي الحلقة الرئيسية في التقسيم فيتلخص ذلك في:
1-التهديد بالحرب الأهلية في صورة عدم اجرائها ,وهو ما أشار اليه مدير مكتب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في بغداد عندما قال"ان العراق بات على شفير حرب أهلية".وهذا التحذير الأميركي هو تخويف لأهل العراق من أن بديل الانتخابات هو الصراع بين السنة والشيعة والعرب والكرد والتركمان.
وقد كانت وكالة الاستخبارات حينها وعملاؤها يقفون وراء كثير من أعمال القتل والتهجير المبرمجة التي طالت المساجد والحسينيات والكنائس ,وذلك بغاية تعزيز الانقسامات الجغرافية والمذهبية فتتعالى الأصوات المطالبة بالفدرالية,ومن ثم تكون اعتماد نتائج الانتخابات التشريعية منطلقا في المطالبة بحقوق القوميات والمذاهب ,وأساسا في تأكيد الفدرالية في كل اقليم.
2-قيام المليشيات الشيعية والكردية بعمليات دهم واعتقال وتصفية لكل الرافضين للاحتلال في مناطقها ,بل وتطهير عرقي ومذهبي بغاية ايجاد أغلبية موافقة للتقسيم وموالية للفدرالية.
3-دفعت أميركا أنصار مقتدى الصدر في الجنوب من أجل جمع رأي عام حول الفدرالية قبل الانتخابات وتحويلها الى واقع محسوس ,وهو ما جعل سلام المالكي نائب محافظة البصرةوممثل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر يهدد بانفصال المحافظات الجنوبية الثلاث بالعراق البصرة وميسان"العمارة"وذي قار"الناصرية"واقامة اقليم الجنوب.
كما نقلت فرانس براس عن المالكي في طلبه الاعتذار الرسمي من قبل اياد علاوي وحكومته للصدر قوله"اذا لم تتم الاستجابة لهذا المطلب فاننا نهدد بانفصال البصرة والعمارة والناصرية واقامة اقليم الجنوب".
4-دفعت أميركاأنصار السيستاني والحكيم وحزب الدعوة في الفرات الأوسط الى عقد اجتماع تم فيه الاتفاق والاعلان عن تأليف "مجلس حكم ذاتي"ليكون خطوة على طريق الدولة الفدرالية في المحافظات الخمس "النجف وكربلاء وبابل والقادسية والمثنى",وقد عقد هذا الاجتماع في 22-3-2005في مدينة النجف ,وقد أيد نائب محافظ كربلاء مشروع الفدرالية فقال"علينا أن نوحد وضعنا الاقليمي وصولا الى الفدرالية في المستقبل".
5-وهذه نقطة مهمة:ان أميركا عملت حينها على التفرغ لتسوية موضوع الفدرالية الشيعية والكردية أولا,ثم بعد ذلك تعمل على السير في فدرالية السنة والعرب في وقت لاحق ,وذلك لأنها تدرك أن السنة العرب لن يشاركوا في تلك الانتخابات بعد اعلان الكثير من الحركات السياسية مقاطعتها وتركز أعمال الجهاد والمقاومة في مناطقهم.
أما التركمان فان فدراليتهم مرتبطة بموضوع فدرالية كردستان العراق والنزاع حول كركوك .
وكانت الأهداف الأمريكية من وراء انتخابات 2005 خاصة اسباغ شرعية على الاحتلال وحكومة الاحتلال وهذا ما أكده المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ريتشارد باوتشرعندما زعم أن العالم أجمع سيعترف بأن الأشخاص الذين سينتخبون سيتمتعون بقاعدة شعبية وبشرعية تفوق شرعية أي حكومة عراقية سابقا. ثم بعد ذلك تركيز أوضاع تقسيم العراق وجعلها قانونية ودستورية على أسس مذهبية وطائفية.
أما المحطة الثانية:من أجل فرض مشروع الفدرالية على الجميع وخاصة السنة العرب فهو ما قام به رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ومنذ وصوله الى السلطة سنة 2006 من خوضه حروبا متتالية ضد أهل العراق من العرب السنة تحت ذريعة "محاربة الارهاب".ففي عهده دخلت البلاد مرحلة خطيرة من القتل والتهجير والتفجير التي تمهد لقيام الفصل على أساس الفدرالية كما تخطط له أميركا .
ثم ما قام به هذا العميل في الرمادي والأنبار باسم محاربة تنظيم القاعدة ,وعوض توجيه قواته الى وادي حوران والصحراء وجهها نحو مركز مدينة الرمادي التي تبعد 300 كلم عن الهدف الحقيقي ,واقتحمت قواته تجمعات المعتصمين . وقد اتهم خطيب جمعة الرمادي يوم 25-4-2014 نوري المالكي باستخدام حرب المياه لتهديد شعبه ووصفه بأنه رجل خبيث ومتكبر ويريد تحشيد الجماهير لابادة أهل الأنبار.
كل هذه الجرائم أحدثت انشقاقات داخل السنة العرب بين مؤيد للفدرالية بحجة الخلاص من الظلم وبين رافض لها لكنه مؤيد لمقاتلة جيش المالكي .
ومع نجاح أميركا في استقطاب بعض الشخصيات الضعيفة أمام الاغراءات والغارقة في العمالة سواء من قائمة "عراقيون"أو"الحزب الاسلامي"وغيرها ثم الترويج على أنها تمثل التيار السني ,كل ذلك سهل في سحب البساط من تحت أقدام الرافضين للاحتلال وللفدرالية.
كما أن أميركا استطاعت أن تحول سلاح المقاومة وتجعلها تتجه تلقائيا لقتال اخوتهم من التيارات الشيعية والكردية التي يتشكل منها الجيش والشرطة بدلا أن يكون قتالها منصبا على قوات الاحتلال ,فقد توالت الأخبار أن أميركا تفاوض العشائر السنية على الانسحاب من مناطقها مقابل أن يتولى أبناء العشائر حفظ الأمن بعد الانضمام الى تشكيلات الحرس والشرطة ويقوموا بملاحقة المجاهدين.وان رفضوا ذلك تهددهم بأن تسلط عليهم أفراد فيلق بدر والبشمرقة للتنكيل بهم.وهو ما أكده الجنرال الأميركي جورج كايسي قائد قوات الاحتلال عندما قال "نحن سنواصل بناء وتدريب الوحدات العسكرية والأمنية في العراق لتكون قادرة على التصدي للمتمردين ".
وبهذا استطاعت أميركا أن تقلل من الخسائر بين جنودها بأن جعلت القتال يدور بين الاخوة من أبناء الأمة الواحدة وهو ما أشار اليه نائب وزير الدفاع الأميركي بول وولفوفتزعندما قال يوم 20-1-2005م في مقابلة مع محطة بي بي سي"الذي يهمنا الآن كمخططين استراتيجيين في البنتاغون هو التفكير في تقليص حجم الاصابات التي تلحق بجنودنا في العراق" وأضاف"ونحن نعتقد أنه منذ الأول من شهر يونيو الماضي وحتى الآن يمكن القول ان أعداد القتلى في صفوف قوات الشرطة والجيش العراقية أكبر منها في صفوف الجيش الأميركي".
وهكذا نجحت أميركا من خلال أعمال القتل والتهجير التي قام بها المالكي ,ومن خلال زرع العداوة بين الاخوة وجعلهم يقاتلون بعضهم بعضا عوض مقاتلة المحتل الكافر ,وكذلك بعد اختراقها لأهل السنة العرب ,نجحت من خلال كل ذلك في ايجاد رأي عام لدى أهل السنة حول الفدرالية.
المحطة الثالثة:انتخابات أفريل 2014-
اعتبرت هذه الانتخابات تتويجا لنجاح أميركا في مجهوداتها من أجل اقناع العرب السنة بضرورة القبول بالفدرالية بعد رفضها خلال السنوات الماضية وهو ما جعلها تؤجل تطبيقها عليهم والاكتفاء بالسير فيها مع الشيعة والأكراد..
فالكتل السياسية التي خاضت هذه الانتخابات تقوم على أساس مذهبي أو عرقي فهي اما شيعية مثل ائتلاف دولة القانون ومعه كتلة عمار الحكيم ومقتدى الصدر واما سنية مثل كتلة "المتحدون"والقائمة العراقية,واما عرقية مثل الكتل الكردية.
وتركيبة هذه الكتل المذهبية والعرقية تؤثر على حقيقة المرحلة المقبلة والتي سيكون عنوانها الأكبر تركيز مشروع الفدرالية الذي جاءت به أميركا الكافرة وهو الوجه الثاني للتقسيم والتفتيت المراد ليس للعراق فقط وانما للمنطقة.
والفدرالية كما تريدها أميركا لم تعد مطلبا للشيعة والأكراد وحدهم بل أصبحت كذلك غاية سعى اليها جزء كبير من العرب السنة ,فقبل الانتخابات الأخيرة لشهر أفريل 2014م دعا مجلس علماء العراق الى اختيار المرشح الذي ينطبق برنامجه الانتخابي مع مشروع الأقاليم عازيا ذلك لخلاص أهل السنة من التهميش ,ومما جاء في البيان "على الناخب اختيار المرشح الذي ينطبق برنامجه الانتخابي مع مشروع الأقاليم لخلاص أهل السنة من الظلم والتهميش".
وهكذا ,وبعد أن كان العرب السنة هو الحجر عثرة في وجه مخططات آميركا يبدو أنها استطاعت أخيرا أن تجعلهم يسيرون في مشروعها بعد سلسلة من الجرائم البشعة التي قامت بها ليس في حقهم فقط بل في باقي مكونات أهل العراق الاخوة من شيعة وأكراد وتركمان.
ولم يبق الا مشروع الفدرالية ليطبق على الأرض وهو المحطة الرابعة في هذا المارطون الذي يكشف حقيقة الغرب الكافر بقيادة أميركا ,وبشاعة حضارته التي تقوم على المؤامرات والجرائم.
المحطة الرابعة:
يعتبر تاريخ 10-6-2014م هو بداية السير الفعلي لتقسيم العراق وتنفيذ مشروع الفدرالية التي جاءت به أميركا للمنطقة من أجل مزيد انهاكها واضعافها فيسهل نهبها واستعمارها ويبعد أهلها عن الانعتاق.
فالسيطرة على الموصل أو غيرها من المدن من محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك والأنبار هو سيطرة على الاقليم الغربي الذي تريده أميركا أن يكون الفدرالية الخاصة بالعرب السنة ,وهي سيطرة كانت بتسهيل وتواطئ من قوات البشمرقة ومن الحكومة المركزية ببغداد أي بتواطئ من التحالف الشيعي الكردي في مشروع أميركا .
ويظهر هذا التواطئ في دخول الأكراد الى السعدية بالتزامن مع دخول المسلحين الى جلولاء من ديالى ,وكل ذلك كان بعد انسحاب قوات الجيش والشرطة ,كما أن هذا التواطئ هو الذي أنقذ مقرات الأحزاب الكردية وبالأخص مقرات الحزب الديمقراطي في الموصل وكركوك وصلاح الدين من الاستهداف والأذى ,وهنا يظهر التناغم بين القيادة الكردية والمجموعات المسلحة حول تقاسم مناطق النفوذ .
وأميركا مرة أخرى تلوح بالحرب الأهلية لكل من تسول له نفسه برفض السير في مشروع التقسيم ,وهي تضعهم بين خيارين لا ثالث لهما :اما الفدرالية واما الحرب الأهلية ,اذ هاهي عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله ومنظمة بدر يعلنون استعدادهم للتوجه الى الموصل, وهاهو عمار الحكيم ومقتدى الصدر يهددون باستعراض عسكري يوم السبت 21-6-2014م ينطلق باتجاه الموصل لتحريرها, كما دعا عبد المهدي الكربلائي الذي يمثل آية الله علي السيستاني الى حمل السلاح ومقاتلة الارهابيين,في مقابل ذلك فان هيئة علماء المسلمين بالعراق وفي بيانها على موقعها على الانترنت تدعو جميع الشباب القادر على حمل السلاح ومقاتلة الارهابيين ",وقد سبق ذلك بيان الحركة الاسلامية في كردستان العراق حول أحداث الأنبار في 1-1-2014م يحمل نوري المالكي المسؤولية عن أعمال العنف الأخيرة ويتهمه باستئصال السنة,ويدعو البيان الى النفير العام والجهاد ضد قواته.
ولمزيد الضغط على الرافضين لمشروع أميركا أو المترددين فان أوباما الرئيس الأميركي يهدد بنقل ما يجري في سوريا الى العراق فيقول يوم الجمعة 13-6-2014م حسب ما ورد في الجزيرة نت "ان الحرب في سوريا انتقلت الى العراق" وأضاف"قادة العراق لم يستطيعوا أن يتجاوزوا الخلافات الطائفية".
ولكن الولايات المتحدة الأمريكية وفي نفس الوقت الذي تسخر فيه عملاءها من أجل تقسيم العراق فهي تضخم حجم"داعش"وتصورها كقوة حقيقية تهدد المنطقة ,فقد اعتبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري "أن تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام لا يشكل تهديدا فقط على العراق وانما أيضا على أميركا والعالم أجمع الأمر الذي يوجب على الرئيس أوباما التحرك بشكل عاجل لمجابهة ذلك التهديد".
ان أميركا من وراء تضخيم "داعش"وتعظيم خطرها تريد من ذلك تحقيق مجموعة أهداف منها:
- مواصلة حربها على الاسلام والمسلمين من خلال ربط الاسلام بالارهاب,وفرض مفاهيم الحضارة الغربيةلتكون بديلا عن الاسلام ومفاهيمه وقيمه .
- جعل حكام المنطقة العملاء يتسابقون لارضاء أميركا من خلال مشاركتهم في خدمة أهدافها وفي محاربة الاسلام والمسلمين بحجة مكافحة الارهاب.
- تذكير العالم بأن الحرب على الارهاب لم تنته وهي مازالت متواصلة ,وبالتالي تدفعهم معها في حربها على الاسلام والمسلمين ,بل تريدهم أن يكونوا سباقين في هذا لتبقى هي تقودهم من الخلف بحسب أسلوبها الحالي"القيادة من الخلف".
- جعل حكام المنطقة في السعودية والامارات وقطر وعمان وغيرها يلتفون حول أميركا ويتنافسون في طلب الحماية بل ويقبلون بايجاد مزيد من القواعد العسكرية بحجة الحماية من امتداد الارهاب ومن النفوذ الايراني ,وفق ما ألمحوا به ,فقد جاء في الشرق الأوسط بتاريخ 13-6-2014 ان ايران تنشر ثلاث وحدات من الحرس الثوري بالعراق ,ورغم نفي طهران لذلك الا أن مسؤول أمني عراقي قال ل"سي ان ان"عربية "ان ثلاث وحدات من فيلق القدس التابع للحرس الثوري تتمركز في الوقت الراهن في محافظة ديالى تضم 500مقاتل على الأقل"
-القيام بضربات عسكرية ضد أي هدف تريد أميركا التخلص منه ,وفي أي مكان تحت ذريعة محاربة الارهاب ومنع امتداده للخارج.فقد كشفت وكالة اخبارية أمريكية الأربعاء 18-6-2014م عن جمع وكالة المخابرات الأمريكية ووكالات أخرى معلومات استخبارية تساعد في تنفيذ أي اجراء عسكري محتمل ضد "داعش"في العراق ,وقد رجحوا أن يصادق الرئيس أوباما في النهاية على شن ضربات جوية حال توفر معلومات دقيقة على الأهداف المراد ضربها". وهو ما تمّ فعلا , بل انّ تحالفا دوليا تقوده أميركا نراه اليوم في العراق وسوريا من أجل تقسيم المنطقة الى دويلات كرتونية ضعيفة عميلة , بل تعمل روسيا وتركيا وايران معا على التسريع لاستكمال هذه الجريمة .
اليوم أميركا خطت أشواطا كبيرة في تنفيذ مشروعها المسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير ,بل وصلت الى أخطر مرحلة منه وهي بدء التنفيذ العملي في مزيد من تقسيم بلاد المسلمين التي حرّمها الله على الكافرين وحرم العداوة والبغضاء بين أفراد الأمة فكيف بالقتال فالله تعالى يقول "انما المؤمنون اخوة" ويقول "كنتم خير أمة أخرجت للناس"
كما أن أميركا تعمل على فرض نمط حياتها وهو الحضارة الغربية القائمة على عقيدة فصل الدين عن الحياة ,عقيدة الكفر والكفار والله يقول"ان الدين عند الله الاسلام"
وأميركا في هذه المرحلة تريد أن تجعل من البلاد الاسلامية خلفية لها تروج فيه بضاعتها المختلفة لذلك هي لا تكف عن صنع الحروب وخلق الفتن بيننا وهي أيضا تعمل لجعل هذه الأرض الطيبة مجرد قواعد عسكرية تحتضن جنودها وعتادها لتكون سيفا مسلطا على رقاب المسلمين يمنعهم من أي تطلع للتحرر والوحدة والحكم بالاسلام .
وهي لا تكتفي بذلك بل تسخر جيوش المنطقة من أبناء المسلمين لقتال شعوبهم في الداخل بدلا عن مقاتلة المحتل الكافر .
ولقد بان للعيان أن مشروع الشرق أن مشروع الشرق الأوسط الموسع الذي انطلقت أميركا في تنفيذه في بلاد المسلمين ما هو الا استمرار في الاستعمار والهيمنة وبسط النفوذ ,ولكن هذه المرة عن طريق صياغة الشعوب لتطالب هي بما يريده الغرب الكافر تحت عنوان "الحرية وحق الشعوب في تقرير المصير وحماية الأقليات والديمقراطية"وهي اذ تعمل على تقسيم المنطقة لكنها تستعمل من أجل تحقيق غايتها أهل البلد تحت عنوان الفدرالية كما يحصل اليوم ليس في العراق فحسب بل في سوريا واليمن وليبيا وكما تريده أن يحصل في السعودية والسودان وتونس والجزائر وغيرها ..
وان استباحة البلاد الاسلامية ليس وليد الساعة من الكافر بقيادة أميركا ولكنه اليوم أصبح أكثر بشاعة وخاصة بعد خديعة الربيع العربي التي انطلقت من تونس .وان أميركا ومن معها لن يرتووا من دماء المسلمين مهما قتلوا وسفكوا ,ولن يقبلوا بنهاية للتقسيم مهم قسموا لأن الصراع الدائر اليوم ليس صراع مصالح بل هو صراع كفر وايمان,صراع وجود, هو صراع بين الأمة الاسلامية والأمم الكافرة وعلى رأسها أميركا ,وهو صراع مباشر بيننا وبين هذه الأمم ,ولن يتحول المسلمون عن عدوهم ولن يتحول الصراع عن حقيقته ,بل سيشتد أواره وتزداد وتيرته لأنه صراع وجود وبقاء.
وبعد ما آل اليه اليوم حالنا في العراق وسوريا ومصر وتونس واليمن ومالي وغيرها ,هل بقي لصاحب رأي أو قلم أو مثقف فرصة الادعاء بأن أميركا والغرب الكافرين لا يتخذان الاسلام عدوا ,وقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر .
اليوم الواجب يحتم على كل مؤثر وقادر وصاحب قوة أو سلطة أن ينفض غبار الركون الى الدنيا فيدرك أن عليه واجبا عظيما في انقاذ الأمة من الوهدة التي أصبحت فيها وذلك قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه معذرة لمعتذر وهو واقف بين يدي ربه يحاسبه على هذه الدماء التي سفكت وهذه البلاد التي نجست وهذه الأعراض التي انتهكت ,فيكون اما جنان النعيم أو الى نار وقودها الناس والحجارة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في إسرائيل تطالب نتنياهو بقبول صفقة تبادل مع حماس |


.. مكتب نتنياهو: سنرسل وفدا للوسطاء لوضع اتفاق مناسب لنا




.. تقارير: السعودية قد تلجأ لتطبيع تدريجي مع إسرائيل بسبب استمر


.. واشنطن تقول إنها تقيم رد حماس على مقترح الهدنة | #أميركا_الي




.. جابر الحرمي: الوسطاء سيكونون طرفا في إيجاد ضمانات لتنفيذ اتف