الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تنتصر الليبرالية وينهزم الليبراليون

هاني نسيره

2006 / 1 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر كانت أول انتخابات منذ خمسين عاماً, تعرف حيدة ما للدولة بشكل شبه كامل, بعد أن كان وجودها هو المسيطر منذ سيطر الضباط على الحكم عقب ثورة يوليو 1952, وطيلة حكومات الثورة المتعاقبة, ونجح الإخوان المسلمون في أن يثبتوا أنهم - كما أثبتت النتائج - التيار السياسي الأكثر تنظيماً وجماهيرية وحضوراً في الشارع, ولكن تم اختزال نتائج هذه الانتخابات في طرفين متنافرين هما الصعود الإخواني »محل الخشية« من جهة والسقوط الليبرالي من جهة أخرى, وهو تعامل صوري خطابي لا يعني في حقيقة الواقع شيئا, فلا الإخوان سيطروا على البرلمان ومن ثم على الحكومة, ولكن فقط هناك مساحة فعل وأداء برلماني أكبر للمعارضة ذات التوجه الديني - السياسي 88 مقعدا للإخوان من بين 430 مقعدا تم التنافس حولها , بينما لم تحصل المعارضة المدنية, التي نتحفظ على تسمية كثير منها بالليبرالية سوى على 12 مقعدا فقط .
وكما اختزلت النتائج في طرفي هذه الصورة الحدية تم اختزال الأسباب في نقطة واحدة وهي أنه لولا ضعف الليبراليين ماكان صعود الإسلاميين بهذا الشكل الملفت للنظر, فالنخب العلمانية انشغلت وشغلت في معاركها مع السلطة أوعليها داخل الأحزاب وخارجها من دون نضالية وإصرار امتلكها التيار الديني منذ دوره في أحداث السيول والزلزال في بداية التسعينات, ويمكنه منه طابعه الرسالي الشاحن عند جماهيره.
من هنا كانت هشاشة الأفكار المدنية والعلمانية في الشارع الذي عرف صراعات من كل نوع راح ضحيتها اثني عشر فردا ولم يعرف صراعا سلميا مطلقا للأفكار بين العلمانية »بمختلف توجهاتها والفكرة الدينية « فقد خلا الشارع لفكرة الحل الإسلامي بينما سقط كل النواب الذين يلتزمون أفكارا واتجاهات مدنية أخرى, ولكن نرى أن الفكرة الليبرالية تجسدت حقيقة وضرورة في آن واحد, فقد حاول الجميع - بما فيهم الإخوان المسلمون - تكييف مواقفهم ورؤاهم معها, خاصة في موقفهم من الأقباط حيث أخلوا عددا من الدوائر لمرشحين أقباط وعرضوا ذلك على بعض آخر لم يترشح منهم كما أبدوا في ترشيحهم لامرأة في هذه الانتخابات وأخرى في الانتخابات السابقة غزلا واضحا لأنصار حقوق المرأة إلى غير ذلك من أمثلة مختلفة في مختلف التيارات! من هنا نقول إن الليبرالية انتصرت بشكل ما في هذه الانتخابات ولكن سقط بعض الديمقراطيين من النواب الحزبيين والمستقلين أصحاب البرامج, حين سقطت الأفكار في الشارع الذي مارس للمرة الاولى منذ خمسين عاماً حقه في الاختيار والحكم, ربما لأن بعضهم انعزل عن هذا الشارع ورأى نفسه في شاشات الفضائيات و قاعات المؤتمرات فقط دون التحام حقيقي بمشكلات الناس, كما سقط آخرون نتيجة الحسبة الانتخابية التي لعبها الحزب الحاكم والإخوان على السواء في عدد من الدوائر لضمان نجاح مرشحيهم حيث يكون تصويت أنصارهم لأضعف المرشحين! كما أن بعضهم لم تسعفهم إمكانياته المادية على خوض هذا الصراع العنيف مع كتل مالية وسياسية تملك الكثير لقولبة هذا الشارع في اتجاهها , كما أن طول عزل للنخب المثقفة عن الشارع من قبل الحكومة ساعد على اختفاء منابرها وأفكارها عن الناس .. ليس هناك تيار ليبرالي مصري ربما منذ العقد الثالث من القرن العشرين وبداية حكم صدقي , ولكن هناك دعوة ليبرالية وأفراد ليبراليون على شواطئ الأحزاب »المعارضة والحزب الحاكم« والقوى ومنظمات المجتمع المدني وليس جزءا فاعلا في بناها غالبا . من هنا نتحفظ بعض الشئ على ما جاء في مقال الكاتب الأستاذ السيد ولد أباه في مقاله بالشرق الأوسط يوم 15 ديسمبر أنه في هذه الانتخابات - »برز التيار الليبرالي ضعيفا, هشا, عاجزا عن استمالة الناخبين«. وقد تمثل بكل من حركة كفاية التي هي خليط من أيديولوجيات وقوى مختلفة اجتمعت فقط على مقولة واحدة لم تتجاوزها حتى الآن هي »كفاية« كما أن حزب الغد الجديد في جوهره ذو صيغة توفيقية, جعلت الصبغة الليبرالية أول مقدماتها بعيدا عن اليسار وتماشيا مع دعاوى الإصلاح, فهو ليس حزبا ليبراليا خالصا أو اختار الليبرالية طريقا.. الليبرالية هي الحل حسب تعبير رئيسه أيمن نور في أحد كتيباته , ولكن خليط كذلك من نزوعات قومية ووطنية ودينية تدعو للديمقراطية وليس للقيم الليبرالية السياسية بشكل واضح, وفق تمييزكم الدقيق لهما, وليس أحد مؤسسيه و المنشقين الحاليين عليه »الغد رقم 2 « رجب هلال حميدة أو جريدتاه , إلا نموذجا لكل هذه النزوعات المتخالفة, وتكمن مشكلة الليبراليين - الأفراد في بلد كمصر - في رهانهم الدائم على السلطة وحساباتها - وربما الضغوطات عليها من الخارج - من دون تأسيس مشروع حضاري للتنوير يكون رحما لليبرالية كما كان في الغرب , وبعضهم يجعل أولويته ليست الليبرالية السياسية قدر ما يجعلونها مرتبطة بأبعادها الاقتصادية فقط , ويرون أن هذا هو الحل الأنجع لتخفيف وطأة السلطة وإطلاق طاقات المجتمع المدني هذا فيما يخص الشأن المصري , أما الشأن العربي فيصعب القول بتعميم ما سبق عليه , فالليبراليون ووجودهم مختلف من بلد إلى آخر, ولعل الدكتور السيد ولد أباه يتفق معي أن التيار الليبرالي عربيا كان الأسبق والأقدم في التاريخ الثقافي العربي منذ بداياته في القرن التاسع عشر عند الطهطاوي وخير الدين التونسي وأحمد لطفي السيد وطه حسين وخاصة في دعوته للدستور والمؤسساتية »الشرطة و التنظيمات العمومية بتعبير الطهطاوي« , كما أنه نجح في عدد من تجاربه ووعوداته قبل صعود الحكم الثوري في مختلف أنحاء عالمنا العربي من هنا نرى أن أزمته ليست ضعفه وضبابيته حين يبشر بمفاهيم تحديثية وعلمانية »غائمة« ولكن الاشكال أن مقولاته الجوهرية تركز على الإصلاح الداخلي وليس المواجهة والاندفاع الهوياتي والمجابهة مع الآخرين, من هنا كان مطلب الدستور عند التونسي وترجمته عند الطهطاوي وتجاوره عند لطفي السيد وطه حسين للاستقلال , كما أن هذه المقولات صارت ممتدة عند معظم التيارات الأخرى وتعلن تبنيها لها , بما فيها الإسلاميون والسلطات الحاكمة في منطقتنا , رغم وجود تناقضات بنيوية بين كثير من مفردات خطابهم " نظرية وممارسة " وبين القيم الليبرالية , بينما ما زالت تحتفظ هي بمقولات المجابهة والصراع وسائل للجذب في هذا الخطاب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه


.. اعتصام لطلبة جامعة كامبريدج في بريطانيا للمطالبة بإنهاء تعام




.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح