الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة المتاجرة بالاوطان

نزار جاف

2006 / 1 / 26
العولمة وتطورات العالم المعاصر


قد لا يعارضني أحد فيما إذا أجزمت بأن ثقافة "التحريض"على حب الوطن في دول المنطقة خاصة ودول العالم الثالث عامة، هي من أقوى التيارات الثقافية التي هيمنت"ولاتزال"على الشارعين الشعبي و الرسمي"على حد سواء"في تلک الدول. هذه الثقافة التي کانت و لاتزال و ستبقى غارقة الى أذنيها في مستنقع "التسييس السلطوي"، أستخدمت وتسخدم بأسوأ الصور و الاساليب لغايات تسير معظمها لغاية في نفس يعقوب! وقد حاولت دوما أن أتبين "الجذر التربيعي"الحقيقي للإستمرار في التعاطي بهذه الثقافة النبيلة و السامية في مظهرها الخارجي و المشبوهة و النتنة في محتواها الداخلي، ومع إنني قد طرحت في مقالات سابقة أسبابا عديدة کجذور أساسية لها، إلا إنني سرعان ماکنت أکتشف إن الامر أکبر و أوسع من حيث معناه الشمولي و إعتباراته المتباينة من تلک التي حددتها. وأنا أتابع إحدى المسلسلات المصرية التي کانت تتحدث عن فترة الإحتلال البريطاني لمصر، وجدت نفسي أصرخ من أعماقي وجدتها! وجدت الجذر التربيعي الحقيقي لهذه الثقافة التي تکبل الانظمة بسلاسلها العقائدية المحکة أيادي و أرجل شعوبها. هذه الأنظمة التي مازالت تتبرقع بعباءات الآباء و الاجداد ولو نضوت عنها هذه العباءات فسوف تکون عارية من کل شئ! إنها أنظمة توکأت و ماتزال تتوکأ على عصي و عکازات أسلافها الميامين، وکل حاکم جديد هو نسخة طبق الاصل لسلفه و هکذا حتى نجد أنفسنا أمام الحاکم الاول الذي هو الحاکم المستمر بکل مضامينه الى مابقي هکذا نظام سياسي يحکم المنطقة. وهنا لست أعيب على الثقافة التحريضية من حيث الأساس الذي نشأت و ترعرعت عليه، إذ أن من حق کل شعب أن يقاوم محتليه و أن يحرر أرضه، لکن مثل هکذا ثقافة لها مواسمها التأريخية المحددة بسقف زمني محدد، وبعدها لابد لها من أن تتخذ إشکالا و صيغا تعبيرية أرقى و أکثر تطورا من سابقاتها. لو نظرنا الى تأريخ معظم بلدان الغرب، لوجدنا أن ثقافة التحريض على حب الوطن قد إنتهى أمرها"بمحتواها التحريضي "، وحلت محلها ثقافة أخرى تجدها متجسدة في دفع عجلة البناء الإقتصادي ـ السياسي ـ الإجتماعي ـ الفکري، ووفق ذلک وجدنا تدافع النخب المثقفة من تلک الشعوب الى وهاد البحث عن أسباب تطوير مجتمعاتهم ودفع حرکتها الابداعية الى الامام فکانت قضايا من قبيل المزيد من توسيع فضاءات الحرية المتاحة و تمکين أناثهم من نيل المزيد من حقوقها التي کانت مسلوبة لأسباب شتى. لقد لفتت نظري الخطوة الذکية لإعلام الإسرائيلي بالسماح للقنوات الفضائية العربية بمقابلة السيد مروان البرغوثي في سجنه و شد إنتباهي أکثر تلک اللهجة الحادة التي کان يتناول بها السيد البرغوثي سياسة الدولة العبرية، هذا الامر بحد ذاته يعکس واقع أن هناک عقلية ذکية تعمل و تسعى من أجل هذه الدولة و مستقبل شعبها، ولکن ماذا عن دولنا؟ ماذا عن المعتقلون تحت مسميات مختلفة قد تکون العديد منها ملفقة من الاساس؟ هل هناک معشار هذه المبادرة الاسرائيليـة؟ شارل ديغول الذي کان يقارع الاحتلال النازي، هو غير شارل ديغول الذي کان يقود الجمهورية الفرنسية بعد سقوط النازية الهتلرية. کما إن مناحيم بيغن الذي کان يقود مجاميع الشتيرن و الهاغانا قبل نشوء دولة إسرائيل، هو غير مناحيم بيغن الذي تسلم جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الرئيس السادات. وکثيرة هي الامثلة، لکن لو قارنا الامر مع ماجرى في بلداننا، لوجدنا صورة مغايرة بالکامل، إذ أن الحبيب بورقيبة أو محمد الخامس مثلا، لم يستطيعا تغيير شکل و محتوى الثقافة التحريضية التي حملوا لواءها لتحرير تونس و المغرب من براثن الإستعمار الفرنسي، وإنما ظلا يعتاشان على برکاتها و يدفعون شعبيهما للتزود بها فإن "خير زاد" هو حب الوطن"لا التقوى"! وکان من الطبيعي أن يسير کل حکام المنطقة"خصوصا الإنقلابيين العسکريين"على نفس هذا النهج، فکان ماکان و ماهو کائن بحکم بقاء و هيمنة تلک الثقافة على عقول أولئک الحکام، بل وحتى أن البعض من الذين يعدون أنفسهم کذخيرة إحتياطية لأوطانهم، مافتأوا يبثون الاناشيد الحماسية من قنواتهم الفضائية"التي يحاولون زورا و بهتانا سربلتها بدثار الديمقراطية و التقدم". لکن هکذا ثقافة باتت مع مرور الايام تسير نحو زوايا ضيقة و تجدها نظير تلک النبتة المصفرة الذابلة التي فسدت تربتها و شح ماءها، ومن هنا فإن معمر القذافي السبعينيات هو غير معمر القذافي الذي نراه في عصرنا الراهن محشورا في زاوية ميتة يلجمها أکثر من طرف وسبب! کما إن الرئيس بشار الذي إعتلى منصب الرئاسة بوعوده الإصلاحية الکثيرة قبل عدة سنين، هو غير الاسد الذي ترغب لجنة التحقيق الدولية الخاصة بإغتيال السيد الحريري بمقابلته! لقد إنتهت إيها السادة و الى غير رجعة فترة المتاجرة بثقافة التحريض على حب الاوطان وبدأ زمن ثقافة التحريض على مسائلة و محاسبة الحکام و إرکاعهم تحت أقدام شعوبهم. وهذا الذي يجري في المغرب اليوم، وذلک الذي جرى في لبنان و ما سيحدث في دمشق، کلها إيذان ببداية بزوغ شمس ثقافة جديدة لا تباع في سوق نخاسة الحاکم، إننا بحاجة لثقافة مقتدرة حقيقية و الى بنيان سياسي ـ إقتصادي يکفل حياة تستحق أن نطلق عليها هذه الکلمة، لقد شبعت الشعوب من هکذا ثقافة مزورة باتت متخشبة من کثرة الرداءة في إستغلالها، وهي بحاجة الى أشياء أخرى أهم، نظير الديمقراطية و الخبز و الامن!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة