الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاور التسوية البناءة للأزمة اليمنية

رياض طه شمسان
حقوقي و أكاديمي

(Reyad Taha Shamsan)

2017 / 4 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


محاور التسوية البناءة للأزمة اليمنية
الدكتور | رياض طه شمسان
مع بداية 2011م كان اليمن يقف على أعتاب مرحلة جديدة نحو التحولات الديمقراطية الشاملة، و لكن نتيجة لعدم أكتمال تبلور قوى التغيير و الديمقراطية في كيان سياسي موحد و منظم بصفتها الحامل الشرعي المفترض للمشروع الوطني تمكنت القوى السياسية غير الديمقراطية و بفعل ظروف سياسية معينة محلية و إقليمية من عرقلة تطور المسار التاريخي اليمني الذي كان من المفترض أن يفضي إلى تحقيق الأستحقاقات الوطنية المتمثلة ببناء الدولة الديمقراطية - الدولة المدنية الحقوقية و الأنتخابات الرئاسية و البرلمانية الشفافة والنزيهة، كأستجابة موضوعية لواقع سياق التطور الطبيعي الداخلي و العالمي و الحاجة إلى التنمية و الأستقرار، و بالتالي دخل اليمن في أزمة سياسية معقدة للغاية و حرب داخلية و خارجية، و أصبح الشعب اليمني يواجه حالياً مشاكل سياسية و أمنية معقدة و خطيرة للغاية في ظروف إنسانية و اقتصادية هي الأسوأ من بين جميع مناطق النزاعات الداخلية في العالم، مما يفرض هذا الواقع على المجتمع الدولي التدخل المباشر و الفوري من أجل إيجاد حل سياسي سريع شامل و عادل.

التعامل البناء مع الملف اليمني بغية الوصول إلى حل عادل و شامل للأزمة اليمنية بأبعاده المحلية و الإقليمية و الدولية يتطلب من المجتمع الدولي استيعاب الحقائق على الساحة اليمنية كما هي و التعامل معها بموضوعية و حيادية وعلمية لا كما يحب أن يراها أو يروج لها أطراف الصراع، و يمكن تلخيص أهم هذه الحقائق بما يلي:

- واقع جديد على الساحة و قوى بالية تتصدر المشهد السياسي اليمني، حتى وأن كانت حديثة المنشأ و الحرب هي من أطالت العمر الأفتراضي لهذه القوى.
- الشعب اليمني لا يؤيد أي طرف من أطراف الحرب "بإستثناء نسبة قليلة وجدوا انفسهم مضطرين للدخول في معمعان الصراع بفعل غموض المشهد السياسي و نتيجة لتداخل العوامل الداخلية و الخارجية و التدخل الخارجي"، و الصراع السياسي و العسكري الذي يجري حالياً في اليمن بين ما يسمى بقوى الشرعية و قوى الإنقلاب يدور حول السلطة و النفوذ و الأهداف الخاصة و خارج نطاق المصالح الوطنية تماماً.
- قوى التغيير و الديمقراطية موجودة على الساحة و تمتد من خارج و إلى تقريباً داخل جميع المكونات السياسية بما فيها أطراف الحرب "و أن كانت غير مؤثرة و بمستويات متفاوتة"و لكنها ليست موحدة و غير منظمة ممايجعلها غير قادرة على القيام بمهامها الوطنية و التاريخية و يصعب التعاطي معها داخلياً و خارجياً.
- الشعب اليمني يرفض سلطة بما يسمى بحكومة الإنقاذ و حلفائها و لا يقبل بما يسمى سلطة الشرعية و حلفائها، لأن كلاهما قد قدما نموذجاً هو الأسوء في إدارة الدولة و أن اختلفت التسميات.
- عدم وجود سلطة ذات شرعية حقيقية في اليمن. و السلطة الرسمية المعترف بشرعيتها السياسية كما هو معروف"الشرعية" غير منتخبة و أنتهت ولايتها القانونية بالفشل في إدارة المرحلة الإنتقالية حسب المبادرة الخليجية المزمنة بسنتين، و لا تحظى بتأييد شعبي بسبب تكريسها لنظام الفساد و المحسوبيات و الإدارة السيئة، الذي عبر الشعب عن رفضه بالمطلق من خلال ثورة فبراير 2011م و فشل حكومتها في إدارة المناطق التي تقع تحت سيطرتها، و عدم شعورها بالمسؤولية، فهي لم تقم حتى بحل مشكلة انقطاع التيار الكهربائي أو صرف رواتب الموظفين والمساعدات المالية للطلاب في الخارج (على الرغم من توفر الموارد المالية) ناهيك عن الحالة الأمنية.
و هنا يجب التنويه إلى أن الأنتخابات البرلمانية و الرئاسية التنافسية و أن كانت إلى حد ما شكلية لم يشهدها اليمن منذو حوالي أكثرمن ثلاثة عشر عاماً.
- أن جرائم حرب قد ارتكبت في اليمن، و هذه الجرائم تمثل أنتهاك للقانون الدولي و تشكل تهديداً للمجتمع الدولي بإكملة. و من هذا المنطلق يجب أن لا يترك المذنبون في ارتكاب تلك الجرائم دون عقاب و يجب أن ينالوا الجزاء العادل. مما يتطلب هذا إنشاء محكمة جنائية دولية مؤقتة خاصة باليمن "ليس لأن اليمن لم يصادق على نظام روما للمكمة الجنائية الدولية، أو لأن الحكومة اليمنية المعترف بها لم تطلب ذلك من المحكمة الجنائية الدولية " و إنما لعدد من الأعتبارات من بين أهمها اتساع نطاق الجرائم و تنوعها بين جرائم دولية و جرائم عامة و تعدد الأطراف و الكم الهائل من الأشخاص المشتبه بهم بأرتكاب تلك الجرائم من عسكريين و مدنيين.
- الحالة الأنسانية التي تعد هي الأسوء من بين جميع مناطق الحروب الداخلية في العالم.

الحرب و التدخل العسكري على الساحة اليمنية بغض النظر عن الأسباب و الدوافع قد أدى إلى :

-تدمير البنية التحتية و الاقتصاد بشكل شبه الكامل.
- خلق طبقة واسعة من العاطلين عن العمل و خلف و يخلف آلاف الضحايا و عشرات الآلاف من الجرحى و المعاقين غالبيتهم من الأطفال و النساء و ملايين النازحين.
- خلق طغم فاسدة جديدة تشكل خطر على المستقبل السياسي لليمن بأبعاده المحلية و الدولية.
- خلق تضخم إداري ضخم عديم المهنية و يفتقر للكفاءة على جميع المستويات لم يسبق له مثيل بسبب التعيينات الغير مسؤولة و المحسوبيات، و هذا ما سيشكل عقبة جديدة أمام السلطة القادمة و أضافة جديدة للمشاكل اليمنية المعقدة اصلاً، و وجود مثل هذا التضخم الإداري أن ظل على حالة دون معالجة من الممكن أن يشكل نواة لحروب قادمة.
- تعدد مراكز السلطة.
- اعاد الرئيس السابق إلى المشهد اليمني.
أعطى فرص بلا مقابل للتأثير الإيراني على مجريات الأحداث في المنطقة.
- خلق مناخ ملائم لتوسع و زيادة نشاط القاعدة و داعش.
- اصبح اليمن مهدد بالمجاعة الوشيكة نتيجة الحالة الإنسانية التي و صفتها الأمم المتحدة في ندائها الأخير بإنها ستكون اسوأ كارثة إنسانية في العالم و الذي يسير نحوها اليمن بخطى سريعة حسب وصف الأمم المتحدة.
- زاد من تآكل النسيج الإجتماعي و عمل على تصعيد النزعات المناطقية.

وفي ظل غياب الرؤية الخليجية الموضوعية و البناءة بشأن اليمن، دول التحالف و خاصة المملكة السعودية مطالبة بتحديد موقفها من مايلي:

- مشروع بناء الدولة الديمقراطية في اليمن التي تعد ضرورة لتحقيق الأستقرار الدائم و التنمية المستدامة وتفرضها سياق التراكمات التاريخية الاجتماعية و السياسية...الخ و طبيعة التطور العالمي، لما لهذا من اهمية ليس فقط لأستقرا و أمن اليمن الذي يعد جزء لا يتجزء من أمن و استقرار مجلس التعاون، وإنما مرتبط بشكل مباشر بإعادة تقييم التدخل العسكري بشقيه السياسي و القانوني و مستقبل العلاقات اليمنية السعودية.
- أعادة إعمار اليمن من خلال تقديم خطه متكاملة بهذا الشأن.
- دفع التعويضات سواءً لجميع المواطنين أو المتضررين بشكل مباشر من الغارات الجوية على وجه الخصوص.
- تشكيل لجنة دولية للتحقيق بالجرائم المزعومة ونشاء محكمة جنائية دولية مؤقتة خاصة باليمن. و هذا من مصلحة جميع دول التحالف، لأن بقاء هذا الملف مفتوحاً سيعرضها للأبتزاز السياسي. و الجرائم الدولية و أنتهاكات حقوق الإنسان كما هو معروف لا تسقط بالتقادم و تدخل ضمن الولاية القضائية الدولية، و في النهاية سينال المذنبين جزائهم العادل آجلاً أم عاجلاً.

مواجهة إيران و القضاء على الإرهاب لا يأتي من خلال تحويل اليمن إلى ساحة للحرب المفتوحة و العبثية و العشوائية، و إنما من خلال دعم مشروع بناء الدولة الديمقراطية. و الشعب الإمريكي و الشعب البريطاني بكل تأكيد لا يقبل بقتل المزيد من الأبرياء و خاصة من النساء و الأطفال بإسلحة أمريكية و أنجليزية الصنع. و أستمرار الحرب في ظل الظروف الإنسانية الذي يعيشها اليمن و المعطيات السياسية يتنافى مع القيم الإنسانية المعترف بها عموماً و التقاليد الديمقراطية الغربية و الأمريكية تحديداً.

كما هو و اضح اطراف الصراع في اليمن ليست لها رغبة بوقف الحرب و غير مؤهلة لإستئناف الحوار السياسي، و من هنا تأتي مسؤولية مجلس الأمن الدولي في اتخاذ قرار إلزامي دون إبطاء تحت الفصل السابع لوقف الحرب و رفع الحصار الداخلي و الخارجي و تقديم المساعدات الإغاثية العاجلة و إجراء انتخابات برلمانية و رئاسية فورية شفافة و نزيهة تحت أشراف دولي لفترة عامين فقط غير قابلة للتمديد، و بمهام محدودة - صياغة الدستور و صياغة الأسس التشريعية الأخرى للدولة الديمقراطية و إعادة بناء البنى التحتية و التحضير للأنتخابات التالية البرلمانية و الرئاسية.
الكثير يعتقد أن الرئيس السابق يمتلك العديد من الموارد و الأساليب بما في ذلك المالية التي تمكنه من الفوزفي الأنتخابات العامة ، و كان هذا في أعتقادي أحد الأسباب في تمديد المرحلة الإنتقالية، و ربما هذا اصبح الآن وارداً بسبب فشل قوى الشرعية و التدخل العسكري و انعدام المهنية في وسائل أعلام الشرعية وعدم امتلاك مشروع الدولة الديمقراطية و الإرتهان على دول مجلس التعاون و خاصة السعودية و الإمارات و الإكتفاء بالتسويق لمشروع ما يسمى باليمن الأتحادي" في ظل عدم الإدراك لمفهوم الفدرالية" و المبالغة و الترويج بالخطر الإيراني في اليمن و ممارسة إدارتها عن بعد للمناطق التي تحت تقع سيطرتها "التي أعلنت أنها تشكل 85% من مجمل الأراضي اليمنية "، و لكن هذه ليست مشكلة مستعصية الحل، فمن الممكن حلها من خلال إيجاد الضمانات القانونية ابتداءً من صياغة دستور الدولة الديمقراطية و إنتهائاً بأتخاذ عدد من التشريعات و الإجراءات التي تحول دون التوريث و الفساد و المحسوبيات و الأنفراد بصنع القرارات، على أسس فصل السلطة عن الثروة و العمل التجاري، و أستقلال المؤسسات الدينية عن السياسة، حينها فقط ستجد اطراف الصراع أن فترة المحاصصة و الفساد و الحسوبيات اصبحت جزء من الماظي و لا يوجد مايمكن اقتسامة لأن الحق قد رجع إلى اصحابه الحقيقيين - الشعب .
الدولة الديمقراطية من خلال ضمان العدالة و المواطنة المتساوية و تكافؤ الفرص ستحل مشاكل النزعات المناطقية و الجهوية و الأقليات الثقافية و المذهبية أن وجدت إلى الأبد.
الدستور ممكن تضمينه ببند ينص بمنع أي تعديلات خلال عشر سنوات قادمة بعد الأستفاء عليه.

و حدة اليمن الإندماجية في 1990م بغض النظر عن السلبيات الناتجة عن طبيعة النظام السياسي لم تكن هي السبب الرئيسي في بروز مشكلة القضية الجنوبية، بل هي من جنبت الجنوب حينها صراعات سياسية معقدة واردة الحدوث نتيجة فشل تجربة البناء الإشتراكي، و ربما لن يكن الحال حينها أفضل مما جرى في الصومال أو اثيوبيا على سبيل المثال.

- من الممكن تضمين الدستور الجديد بند ينص على إجراء استفتاء بعد سبع سنوات من دخولة في القوة القانونية هل يرغب الشعب في الجنوب بتشكيل دولة مستقلة أو فدرالية مع الشمال أو الأستمرار في دولة لا مركزية ذات آقاليم على غرار جنوب افريقيا.

و بناء الدولة الديمقراطية بدوره سيزيل مخاوف بعض دول المنطقة من وصول حزب الإصلاح الذي يعد من أقوى الأحزاب اليمنية أو أنصار الله أو غيرهم إلى السلطة بطرق مشروعة، لأن الدولة الديمقراطية كقاعدة عامة دولة نظام و تحترم سيادة القانون بجانبية الوطني و الدولي، و مبادئ سياستها الداخلية و الخارجية ثابتة و لا تتغير بتغير النخب الحاكمة.
و من أجل تجاوز المسافة بين الواقع الإجتماعي و التشريعات القانونية الحقوقية يجب رفع مستوى دور القضاء. من خلال النزاهة و المهنية و الكفائة و الإستقلالية للمؤسسات القضائية.
و من أجل تأسيس واقع اجتماعي جديد يرتقي إلى مستوى القانون و التشريعات يجب معالجة مشكلة الفقر و مكافحة الفساد و رفع مستوى الوعي الاجتماعي الحقوقي و السياسي من خلال المؤسسات الدينية و المدنية الأخرى، و هذا يتطلب استقلال المؤسسات الدينية عن السياسة و منظمات المجتمع المدني عن الاحزاب و الأهداف التجارية و بكل تأكيد رفع مستوى التعليم.

و مثلما اليمن بحاجة إلى بناء الدولة الديمقراطية، المملكة بحاجة إلى اصلاحات شاملة نتيجة للعدد من العوامل من بين أهمها:
- طبيعة و خصائص التطور العالمي و الخطة الأقتصادية التي تنوي المملكة تنفيذها خلال السنوات القادمة.
- التدخل العسكري في اليمن و تبعاته الأقتصادية و السياسية.
- طموح المملكة في تبوء مكانة اقليمية و مواجهة ايران و التنافس مع مصر و تركيا و أسرائيل.
- قانون جاستا.

و أستمرار الحرب في اليمن و عدم أستقرار اليمن سيكون له تأثيرات ربما يكون لها أنعكاسات سيئة سواءً على تنفيذ الخطط الإستراتيجية للملكة أو الأستقرار الداخلي. وغياب الأستراتيجية السعودية فيما يتعلق بالأزمة التاريخية اليمنية سيجعل من الصعب التحكم بالأصلاحات اللازمة و الضرورية في المملكة و من المحتمل أن تخرج عن نطاق السيطرة.
و في هذا السياق يجب أن تركز السعودية على جانبين للسيطرة على الوضع في اليمن .
- دعم مشروع بناء الدولة الديمقراطية.
- فتح قنواة التواصل مع رموز قوى التغيير و الديمقراطية في اليمن، و كلما تمكنت هذه القوى في التأطر في كيان سياسي منظم كلما أقتربت المسافة نحو السلام و الأستقرار.

أخيراً يمكن التأكيد بأنه لو كان لدى الحوثيين مشروع الدولة الديمقراطية لتمكنوا من أنتزاع الأعتراف بسلطتهم دولياً و حصلوا على الدعم الشعبي الكامل شمالاً و جنوباً بكل سهوله، و لو تبنى الحراك الجنوبي الإنفصالي مثل هذا المشروع لنجح في استعادة الجغرافية السياسية لما قبل 1990 دون الإنتظار للدعم و المساعدة من الخارج لهذا الشأن و لو تمكن من بناء الدولة الديمقراطية لأدرك حينها أهمية و حدة اليمن، و لو امتلكت ما يسمى بالشرعية لهذا المشروع لتمكنت من أعادة السطة و لما استمر الحرب كل هذه المدة و لما تجزءة القضية اليمنية بين اتجاهات قدسية الوحدة و مشروعية الإنفصال و فدرلة الفساد و الحق الإلهي. فالقضية اليمنية الأساسية هي واحدة - قضية بناء الدولة الديمقراطية . و المستقبل السياسي لأي مكون سياسي و الحفاظ على مصالحه المشروعة يرتبط بشكل مباشر أولاً و أخيراً بموقفه من هذه القضية المصيرية.
أن استمرار الحرب في ظل الظروف الأنسيانية التي يعيشها اليمن هي جريمة بحد ذاتها ممكن تدخل ضمن الجرائم الدولية - جرائم ضد الإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح