الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجدد النظام القديم وتعمق أزمة تونس.

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2017 / 4 / 28
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


منذ اضطر الائتلاف الحاكم لاستعمال الدياليز للمرة الثانية بجلب يوسف الشاهد، بعد حكومتي الصيد الأولى والثانية، قلنا إن الثورة اجتماعية في أصلها وقلبها وجوهرها. وأن الحل الوحيد الممكن، والضمانة الوحيدة للاستقرار من هنا فصاعدا، هي وضع منوال تنمية جديد، والشروع في تنفيذه.

اليوم، يبدو أن الفريق الحاكم غير منتبه للمغزى السياسي لتوسع الاحتجاجات في الجنوب ومطالبة الناس بنصيبهم من عوائد الطاقة.
يبدو، وهذا أغلب الظن أن حكومة الشاهد ووراءها رئيس الجمهورية، وكذلك النهضة والنداء، الجميع يراهن على إخماد الاحتجاجات بالتخويف والتهديد وبالخطاب المنافق الذي يتحدث عن هيبة الدولة فقط لمواجهة مطالب الفقراء.

إن 17 ديسمبر، 14 جانفي هو في نهاية التحليل اندلاع الصراع بين أغلبية السكان الفقيرة "المحقورة" من جهة، وبين أقلية فاسدة استولت على الثروة الوطنية واستولت على الدولة. ولقد كان واضحا من خلال شعار (شغل ،حرية، كرامة)، أن المواجهة ستكون جذرية وشاملة.

بغاية الايجاز والاختصار، منذ 14 جانفي إلى اليوم، تبدلت أشياء كثيرة. تبدل الرئيس وتبدل نواب الشعب وتبدل الوزراء والمدراء العامون. وتبدل الأشخاص المؤثرون وصناع الرأي العام. ولكن النظام بقي محافظا على قواعده القديمة، وعلى سياساته الاقتصادية الاجتماعية، وعلى نفس الآليات القديمة التي لو لم تكن عديمة الجدوى لاستمر بن علي في السلطة إلى اليوم.

شوفوا أصدقائي الأعزاء، الثورة كانت بلا بوصلة ولا رؤية. أقصد لم تكن هنالك أحزاب ثورية جاهزة وقادرة على قيادة الثورة، وتزويدها بالشعار والبرنامج، والمضي بها حتى تحقيق أهدافها. بل كانت هناك مجموعات "ثورية" متفرقة أضعفها الاستبداد، لم تتمكن من الالتقاء في الجبهة الشعبية إلا بعد سقوط بن علي بعشرين شهرا.

في المقابل، نجح النظام القديم في التنكر وتغيير ثوبه وملامحه الخارجية، وإعادة الانتشار بسرعة وقدرة خرافية على التأقلم، وإدارة الصراع.
أولا، نجح النظام في استدعاء الباجي قائد السبسي أحد رجاله القدامى المحنكين، الذي استطاع بدوره إقناع الشباب الثائر بأنه مع الثورة. وضحى بعدد محدود من رموز النظام حيث زج بهم في السجون وتم تقديمهم للقضاء. و بفضله نجح النظام في أكبر مغامرة أقدم عليها منذ تأسيسه، استطاع من خلالها ابتلاع حركة النهضة عدوه الأول، وهضمها وتحويلها إلى جزء منه. فعشية انتخابات أكتوبر 2011، سلم الباجي قائد السبسي الحكم لحركة النهضة في حفل تخلي النظام القديم عن صورته القبيحة وتنازله عن وجهه الاستبدادي وانحنائه للعاصفة واستجابة لضعفه. ثم خرج الرجل من الباب الكبير متخذا صورة المنقذ الديمقراطي الذي يحترم إرادة الشعب.

بعد أشهر قليلة، بدأ النظام عملية تجدد قاسية وعسيرة بتأسيس حزب جديد واجهته مجموعة من السياسيين المعارضين لنظام بن علي أو لنقل لم يكونوا معه ولا ضمن مؤسساته، ولكن بقي الباب مفتوحا لعودة تجمعي الصف الثاني والثالث.
كان النظام يغير ملامحه بيد، وباليد الأخرى يعيد ترتيب الوضع السياسي بما يسمح باستمرار قواعده. كان يستعيد طاقته وصورته المشطوبة بعين، وعينه الأخرى على الثورة التي بدأت هي أيضا تربي الريش وتنضج.

من جهة حركة النهضة اعتقدت قيادتها أنها تمكنت من البلد، وتملكها الغرور. وبدأت تراكم الأخطاء حتى بلغت مستوى الجرائم. وكانت كل تلك الأخطاء والجرائم تقابلها مكاسب سياسية عظيمة تسجل في حساب النظام القديم المتجدد. وكل يوم يمر يزداد الشك في الثورة ويتفاقم اليأس في قلوب التوانسة وتتصاعد الرغبة في العودة إلى الوراء. وفجأة دوى الرصاص صبيحة يوم 6 فيفري 2013، أي بعد أربعة أشهر بالضبط من ولادة الجبهة الشعبية.
في ذلك اليوم الأسود، تم كسر ظهر الثورة، وذلك بقتل العقل المدبر ومكمن القوة والتجميع والاستشراف.
بعد أيام من اغتيال شكري بلعيد تمت تصفية فوزي بن مراد، المحامي المعروف بقوته ورئيس فريق الدفاع في قضية اغتيال الشهيد. ولم تمض أشهر قليلة حتى لعلع الرصاص من جديد واغتيل الحاج محمد البراهمي. ومنذ ذلك اليوم تم إدخال الثورة إلى الأنعاش.

ابتداء من يوم 25 جويلية 2013، توقف البلد واختنقت الحياة وتوقف الزمن. وباتت الترويكا في مأزق: إما تحتضن الأفعى، أو تسقط في البئر.

تدخل الاتحاد العام التونسي للشغل ، ونجح في تجنيب البلاد هاوية العنف والخراب. وانتهينا لانتخابات تشريعية ورئاسية توجت بالشروع علنا ورسميا في استئناف سياسات اقتصادية اجتماعية أكثر فحشا من سياسات النظام القديم التي ثار ضدها الشعب.

أول خطوة أقدم عليها الحزب الفائز بالانتخابات هي تغيير الواجهة الأمامية التي تم استخدامها في مرحلة تغيير الثوب. وأكبر دليل على هذا هو خروج محسن مرزوق أهم شخصية على الإطلاق في بناء نداء تونس. ولقد خرج الرجل مجبرا بعد أن تبين له أن الهدف لم يكن المشروع، بل عودة النظام القديم بنفس القواعد والاليات والسياسات المافيوزية والزبونية والتضامنات العائلية.

بالأخير، الوضع اليوم في تونس، لا يختلف في الجوهر عن الوضع الذي ساد قبيل 17 ديسمبر 2010، غير أنه مختلف في تفاصيل مهمة للغاية.
النظام هو نفسه، بنفس القضاء الفاسد، بنفس المنوال الاقتصادي وبأكثر خضوع لإملاءات الصناديق الدولية. ولكنه شرعي بالانتخابات، وبمجلس نواب منتخب، و بلا بن علي، وبلا وزراء بن علي، وبلا قمع منفلت، وبالاسلاميين داخل منظومة السلطة والحكم، وبارتفاع نسبة المديونية، وبتفاقم البطالة، وبحرية الإعلام، وبالارهاب في الجبال وفي السهول.

أما الساحة الشعبية والحركة الاجتماعية فقد اختلفت من حيث نضج المطالب وتوسع الاحتجاجات وسلمية التحركات وتنظمها. وهي آخذة في التصاعد والتجذر. وستسقط كل الحكومات ما دام هنالك إصرار على تكرار نفس السياسات الفاشلة.
ويبقى السؤال الحارق والمشكل العويص هو البديل الديمقراطي الاجتماعي، إذ لست واثقا أن المعارصة قادرة على الالتحاق بنضج الحركة الاجتماعية، لترص صفوفها بجدية ومسؤولية وطنية لتقوم بدورها في إخراج البلاد من عجزها الشامل ومن أزمتها العميقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. - الغاء القوانين المقيدة للحريات ... آولوية -


.. أليكسي فاسيلييف يشرح علاقة الاتحاد السوفييتي مع الدول العربي




.. تضامناً مع غزة.. اشتباكات بين الشرطة الألمانية وطلاب متظاهري


.. طلبة محتجون في نيويورك يغلقون أكبر شوارع المدينة تضامنا مع غ




.. Peace Treaties - To Your Left: Palestine | معاهدات السلام -