الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى انهزمنا لكي ننتصر ؟؟

محمود كرم

2006 / 1 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


كل أمةٍ لا بد وإنها قد تذوقت طعم المرارات والهزائم في تاريخها ولكنها عرفت بعدها كيف تحقق سلاما ً داخليا ً على مستوى الذات وتتصالح مع نفسها ومع الحياة والواقع ولكن كما يبدو أن أمتنا لم تعرف إلى الآن كيف تتصالح مع ذاتها ومع طبيعة الحياة وضرورات العصر وحينما ركبتنا الهزائم ولم نستطع أن ننتصر بفشلنا وتقاذفتنا أمواج الهزيمة والفشل انطبقت علينا بالتالي ربما مقولة الكاتب القدير ( أمير الدراجي ) :

( مَن يستعمرنا كي نمنحه الوسام الوطني ، فقدنا القدرة على خلق أوطانا عادلة ) ..!!

لقد ركبتنا الأخطاء واحتوتنا الهزائم ولم نخرج منها بعبرةٍ أو اعتبار ولم نتلمس غير طريق الاحتفال بالخطب المهرجانية واستحضار ذاكرة المجد الأندلسي وكأننا أمة لم تتلقَ هزيمة قط ولم تنحدر إلى هاوية ولم تقعدها أخطاء مميتة ولم تتسمّم بثقافة الكراهية والعنف ..!!!

وما زلنا نقف عند نقطةٍ معينة في تاريخنا ولا نريد أن نبتعد عنها خطوة واحدة ولا نريد أن نتزحزح عنها قيد أنملة لأننا نعتقد بأن تلك النقطة في تاريخنا قد تمت سرقتها منا واغتيلت على يد الأعداء ..

وهل سألنا أنفسنا مرة ً كيف سيكون حال اليابانيين الآن لو أنهم وقفوا عند كارثة ( هيروشيما ) ولم يتجاوزوها على إنها واحدة من فصول الشر والأخطاء الكبيرة في تاريخهم ولن يعيدوا تكرارها أبدا ً كما كتبوا ذلك على النصب التذكاري لضحايا القنبلة النووية ( لن نعيد هذا الشر أبدا ً ) ..

وكيف سيكون حال الألمانيين اليوم لو أنهم ذهبوا مع ( هتلر ) إلى نهاية العالم وتعلقوا بالأمجاد النازية إلى الأبد ولكنهم آمنوا بأن مرحلة هتلر النازية واحدة من الأخطاء القاتلة في تاريخ بلدهم ولذلك رفعوا شعارهم المشهور ( لن نترك مجالا ً لأي حرب جديدة تنطلق من الأرض الألمانية ) ..

لم يستطع أي شعب أن يبني حاضره ومستقبله انطلاقا ً من الأمنيات العِذاب والأحلام الوردية والمستحيلات والأمجاد التي اندثرت وذهبت مع الريح ..

قد لا يكون مفهوما ً بالنسبة لنا أن أمريكا وبريطانيا استطاعتا أن تصلا بشعبيهما مراتب الحضارة والتقدم والرقي دون أن تتغنيا زهوا ً وطربا ً وافتخارا ً بتاريخهما والذي هو بطبيعة الحال ليس ضاربا ً في العمق على امتداد أربعة عشر قرنا ً ..!!

والأمم التي تصل إلى مرحلةٍ ترى من خلالها أنها قد نالت المجد من جميع أطرافه وتتوقف عندها إلى الأبد وتظن إنها لحظة الخلود الأبدية لن تستطيع أن تحقق انتصارات بعد نصر وتطوي مراحلَ بعد مرحلة وتتقدم خطوات تلو خطوة ..

فلم يقف البريطانيون عند ( تشرشل ) بل ذهبوا بعيدا ً بطموحاتهم في ترسيخ دولة الحداثة والتطور ولم يقف الأمريكيون عند ( ابراهام لنكولن ) بل استلحقوا مراحل التطور والتقدم بخطوات شاسعة وسريعة ..

بينما نحن لا نزال نبكي على الحليب المسكوب في شرفات الأندلس ولا نزال نبحث عن أحلامنا الضائعة في متاهات الدروب السحيقة ولا نزال نطلب المستحيل من الآخرين على طريقة ابنة كليب ( أريد كليبا ً حيا ً ) وما زال أخوان الدين الواحد من بعض السنة وبعض الشيعة يتجادلون في الفضائيات وعلى المنابر وفي مواقع الأنترنت ويورثون أجيالهم وأجيال أجيالهم أحقادا ً لا تنتهي ..

كيف يمكن لأمة أن تتلمس طريق النور وهي لا تزال تتخبط في دياجيير الكراهية المعتمة وترسف بأغلال العنف الأعمى وتتبادل لغة الحقد فيما بينها وتستزيد مقتا ً وكراهية ً من ميراث هذه الدوائر المغلقة ولم تعرف كيف تهتدي سبيلا ً يطل على آفاق الحب الرحبة وكما يقول الدكتور خالص جلبي :

( فدورات العنف مغلقة ، ودورات الحب مفتوحة والعنف مدمر ، والحب يبني ، والكراهية نفي للآخر وتسميما ً للذات ، والحب حرص على الآخر واندماج فيه وحزن كبير على فقده ) ..

فإلى أين ذهبنا بهزائمنا المتتالية وبأخطائنا القاتلة غبر طريق الالتفاف حول الهزيمة نفسها وتكرار الخطأ ذاته حتى صرنا أكثر أمة في تفويت الفرص وهدر الوقت فتقدمتنا بمراحل هائلة قطارات الحداثة السياسية وعمليات الاصلاح ولا نصل إلا متأخرين دائما ً ويكون السيف قد سبق العذل ..!!

وحينما عجزنا عن صنع نصر ٍ بعد فشل وفوز بعد هزيمة وفشلنا في تدارك أخطائنا اتهمنا غيرنا بمسئوليته الكاملة عن فشلنا وهزائمنا وكأن العالم لا شغل لديه سوى المؤامرة علينا وحينما خرجت فئة من رحم الخراب الذي تراكم علينا أكواما ً وسد علينا نوافذ الضوء والهواء وراحت تلك الفئة من المتنورين تنادي بضرورة وضع التراث والدين وموروثاتنا الثقافية وشعارات المراحل السابقة تحت النقد والمكاشفة والتشريح كان مصيرهم الهلاك ولاحقتهم تهم الخيانة والعمالة وتعرضوا لكل أنواع القمع الجسدي والقهر المعنوي وشتتهم المنافي ..

كل الأمم التي خرجت من أخطائها وانتصرت على فشلها كانت أمم تضع تاريخها تحت النقد الذاتي وتمارس قسوة نقدية على تراثها وثقافتها وتاريخها وتتلمس طريق النور والتنوير ولم تقبل أن تبقى غارقة بأخطائها وتعلمت كيف عليها أن تواجهها ولا تهرب منها إلى الشعارات والماضي التليد والذاكرة ( المزيفة ) بالأوهام والخرافات والمسكنات والمهدئات التخديرية ..

فدولة مثل الصين وهي أقدم تاريخا ً وتراثا ً وثقافة ً من الكثير من دولنا العربية والإسلامية اتجهت اليوم إلى فسحة المفاهيم الليبرالية وقيم الديموقراطية وآفاق الحداثة السياسية والفكرية ولم تبقَ رهينة لثقافات ماضوية تقعدها عن التطور وتميتها في أخطائها السابقة ..

واليوم حينما تعطينا الحضارة الغربية أرقى المفاهيم في أهمية تنوع الحياة العصرية ومفاهيم الحريات والتعددية السياسية والفكرية والتركيز على أهمية التفكير الحر المنفتح وتحارب أدلجة العقول والتفكير لأن الأدلجة واحدة من أكثر المصائب التي تصيب العقول بالجمود والتعفن وتعيق قدرتها على التفكير الحر في مقابل كل ذلك نجد إننا لم نستفد من كل تلك القيم ولم نستوعب أن منح الفرد استقلاليته الكاملة في التفكير والوعي واستجلاء الأخطاء كما حدث في الغرب هو الطريق نحو التنوير الفكري والانفتاح الثقافي وذهبنا بعيدا ً في محاربة تلك القيم والمفاهيم وضربها تارة ً بحجة الحفاظ على ثوابت الدين وتارة أخرى بحجة ترسيخ ثوابت هويتنا القومية في وجه ( الاغتراب ) وتارة ثالثة بحجة حماية خصوصيتنا الثقافية من التشويه والتخريب ..!!

وحتى إننا لم نستثمر بعض ما يمت إلى مرحلة ( الاستعمار ) في أوطاننا والذي لا يخفى على أحد أنه كان السبب وراء تطور الوعي ونشر المعرفة والمفاهيم الحديثة وتنوير الناس بقيم التسامح والتعددية الثقافية وضرورة هضم مباديء التصالح والانفتاح الفكري ..

وبمناسبة الحديث عن الاستعمار أتذكر حوارا ً شيقا ً جمعني بأحد الأصدقاء الرائعين من المملكة العربية السعودية التقيته صدفة على هامش أمسية شعرية في غاليري الكوفة بلندن كانت تجمع بين عباس بيضون وعبده وازن فامتد حوارنا إلى ظاهرة اجتياح التشدد الديني الإرهابي في السعودية فقلتُ له مازحا ً :

لو أن السعودية عرفت في تاريخها استعمارا ً أجنبيا ً لما وجدناها اليوم تشكو من وطأة التشدد الديني وتسعى لتتجنب نيرانه وتداعياته ..!!

أطلق صديقي ضحكة ً طويلة وقال : والله يمكن ..

حقيقة ً لا أعرف هل ما قلته لصديقي منطقي ٌ أم مجرد مزحة لندنية عابرة ولكن هذا الكلام بالنسبة لأولئك الذين لا يجدون في الاستعمار ( حسنة ) واحدة مجرد وهم وهذيان ..!!

وربما الحديث برمتهِ عن إننا لم نتعلم شيئا ً من أخطائنا وهزائمنا مجرد هذيان وبحث في العبث واللامنطق بالنسبة لأولئك الذين لا يريدون أن يعترفوا بأننا أمة لا تعترف بخطأ واحد أو بهزيمة واحدة ولا تعترف بأنها قد هزمت يوما ً لكي تنتصر ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن