الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستوطنة جبل ريش الحمام : 5

ياسين لمقدم

2017 / 5 / 1
الادب والفن



في ساعة متأخرة من تلك الليلة المشهودة غادر الصديقان المقهى بعد أن تواعدا مع باقي الرواد على اللقاء مجددا لمناقشة عزم سعيد على تنفيذ فكرته الغريبة المتمثلة في إستيطان قمة جبل ريش الحمام.


تعبٌ رهيب استبد بهما وهما يخطوان تجاه مركز المدينة حيث سيفترقان كالعادة قرب سقاية "البراريك" بعد أن يرتويا منها، لم يتلفظا بأي كلمة، تركا لنعليهما الفرصة لتكسير هذا الصمت في قرقعتهما مع أعقابهما. يخطوان بتؤدة وقد تركا سكون المدينة الليلي يبتلعهما كما يبتلع في كل الليالي زخم النهار ورواجه التجاري وهدير المركبات وزعيق حمير العتالين.


يستغرب سعيد لحاله الذي يتجدد نشاطه كلما ارتوى من تلك السقاية العمومية مهما كان التعب الذي يستبد به.


تذكّر الصباحات المبكرة التي كان يخرج فيها لممارسة رياضة الجري، فقرر أن يبدأ التمارين الرياضية من جديد لأن الصعود المتكرر للجبل سيستدعي فيه لياقة بدنية متكاملة، فقرر النهوض من باكرة غده للجري.


في الخامسة صباحا، وقد بدأت حلكة الظلام تتحول إلى لونها الغبشي، كان سعيد قد بدأ بحصاد طريقه جريا في طرقات متربة بمحاذاة سكة القطار في اتجاه هضاب سيدي محمد الصالح.


صادف في طريقه بعض عمال البناء يحملون الرفوش والفؤوس وسيتوجهون بها إلى "الموقف" لعلهم يجدون عملا ليومهم.


وعندما اعتلى أسمقَ نقطة من غابة ولي الله، تطلع إلى جبل ريش الحمام وقد التمعت قمته بأولى أشعة شمس الصباح. مسح بكمه عن جبهته بعض حبات العرق، وأخذ يسنشق بقوة الهواء الطري القادم من جهة الغرب لعله يتبين فيه روائح شيح جبل ريش الحمام.


أخذت لحظة التأمل تطول، وتحولت إلى اضطراب داخلي تتعارك فيه خواطره الثابتة حول عزمه استيطان الجبل، وأفكار غريبة مغلفة بهالة سوداء تشعره بالفشل الحتمي بسبب معيقات صورها له خياله على أنه من المستحيل تخطيها.


بعد زمن طويل من الجدال الداخلي، استأنف الجري رأسا في اتجاه قمة جبل ريش الحمام. تمنى لو كانت سقاية البراريك في سبيله لتجدد نشاطه مع أول رشفة ماء يرتشفها من زلالها الطيب.


في ركضه السريع لم يعد يحس خبطا لقدميه على الأرض وإنما اعتراه شعور بالتحليق في الآماد العليا وكأنه الباشق الذي يخترق السماوات. فظهرت له المنازل والأشجار وكل ما على الأرض يهرولون إلى الخلف فاسحين له المسافات ليطويها بخفة وهمة.


بعد دقائق، أحس برطوبة تتسلل إلى حذائه الرياضي فانتبه إلى أنه يعبر مجرى وادي "ميه جديد" من غير اهتداء. فمقصده في تسلق الجبل ملك عليه كل إحساس وأصاب تفكيره بشلل شبه تام، ولولا المياه الرطبة التي أيقظته من تيهه لما توقف عن ركضه المجنون.


توقف برهة أمام السد الكبير يفكر في ما سيفعله بعد أن تأكد من استحالة تسلق الجبل بحذاء مبلول.


مشى حافي القدمين على القاعدة الخرسانية للسد وقد وضع حذاءه على صخرة في أعلى الجرف الأيسر للوادي لعلها تجف قليلا بواسطة الأشعة الأولى والسلسة لشمس الشروق...

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??


.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي




.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط