الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضفة في واد وغزة في واد آخر

يعقوب بن افرات

2017 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


قبل 15 يوم أعلن مروان البرغوثي المعتقل في السجون الإسرائيلية الإضراب عن الطعام باسم 1500 سجين من مجمل 6000 سجين فلسطيني في السجون الإسرائيلية. منذ ذلك الحين تتصاعد الفعاليات الاحتجاجية، من إضرابات المتاجر إلى خيم الاعتصام مع ما عرف باسم "إضراب الكرامة". ليس سراً بأن الرئيس أبو مازن لم يتحمس لهذا الإضراب في الوقت الذي يقوم بخطوات حثيثة قبيل لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثالث من مايو وهو يفضل سيادة الهدوء على الجو المشحون الذي يعم الضفة الغربية اليوم.
ولكن وبعد أن التقى أبو مازن مع فدوى البرغوثي زوجة مروان برفقة عضوا الكنيست عن الجبهة، عايدة توما سليمان وأيمن عودة، تغير منحى حركة فتح التي أمسكت بزمام الامور وتقف اليوم على رأس الحملة الشعبية والإعلامية دعماً لمطالب الأسرى بتحسين شروط اعتقالهم.
لكن وفي الوقت الذي تعلن فيه حركة فتح عن الإضراب ويوم الغضب في الضفة الغربية تنطلق المظاهرات من مساجد غزة ليس دعماً لإضراب السجناء بل تنديداً بالسلطة الفلسطينية وأبو مازن الذي قرر تخفيض معاشات الموظفين المتوقفين عن العمل منذ انقلاب حماس على السلطة عام 2007 وكذلك زاد من الضغط على سكان غزة بالإعلان عن وقف تمويل المازوت الذي يستخدم لتشغيل محطة الكهرباء مما أدى بسكان قطاع غزة إلى ضرورة الاكتفاء بأربع ساعات كهرباء يومية فقط.
إنه مظهر غريب. ففي الوقت الذي يتظاهر أنصار فتح من أجل تحسين الشروط المعيشة ل6000 سجين أمني، تتظاهر حماس من أجل إنقاذ الظروف المعيشية لمليوني مواطن فلسطيني يعيشون بظروف سجن كبير في قطاع غزة. والسؤال المشروع هو كيف يمكن للسلطة الفلسطينية أن تطالب إسرائيل بأن تحترم حقوق السجناء وفي نفس الوقت تقوم هي بإجراءات تعسفية كمنع الكهرباء عن مواطنيها، الشيء الذي لم تجرؤ إسرائيل على القيام به خلال 50 سنة من احتلالها لغزة ورغم كل الحروب التي دارت بينها وبين حماس. وعلى ضوء هذه الإجراءات ضد سكان غزة يبقى السؤال مفتوحاً: ماذا تريد حركة فتح من حملتها الشعبية من أجل السجناء المضربين عن الطعام؟ هل تهتم بتحصيل مطالب السجناء أم أنها معنية بتوفير الغطاء وربما التبرير لما تقوم به ضد حماس في غزة؟
إن ما فجر الأزمة الأخيرة بين حماس وفتح كان الإعلان من قبل حماس عن تشكيل لجنة إدارية لتقوم بمهام السلطة في غزة. كان هذا الإجراء بمثابة إعلان الطلاق عن الضفة الغربية والانسحاب من حكومة الوفاق التي يرأسها رامي الحمد الله من رام الله. وقد استغل أبو مازن عزلة حماس بعد أن قام الرئيس التركي أردوغان بإعادة العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل وهو يتنازل عن شرطه الأساسي بفك الحصار عن غزة. فبقيت حماس بين فكي الكماشة، نظام السيسي جنوباً وحكومة نتانياهو شمالاً. حماس في ضيق سياسي واقتصادي، الأمر الذي أدى بحركة فتح إلى شن حملتها الشرسة وهي تستغل الخطأ الذي قامت به حماس بإعلانها عن لجنتها الإدارية. إن موقف فتح واضح، تريدون الحكم في غزة فعليكم أن تجدو له من يموله، فتح ليست مستعدة لأن تستمر بتمويل ما تراه انقلاباً على سلطتها.
إن ما قامت به السلطة الفلسطينية بحق سكان غزة قد زاد من الضائقة المعيشية والمعاناة اليومية للمواطن الذي لا يجد مكاناً للعمل، ليس لديه مياه صالحة للشرب ومجبر على الإكتفاء بأربع ساعات كهرباء فقط ولا يرى أفقاً للحل. وبطبيعة الحال تتزايد الأصوات ضد هذا الوضع ومعها يتكاثر النقد على حماس ولجنتها الإدارية التي تريد أن تدير بلداً تنقصه أبسط مستلزمات الحياة ولا موارد أساسية له. إن رد حماس كان حازماً وسريعاً، حيث قامت بحملة اختطاف ضد الصحافيين، نشطاء في شبكات التوصل الإجتماعي وحتى قياديين بارزين الذين يعارضون الطريقة التي تسير بها حماس. ومن بين الناشطين الذين تم اختطافهم الزميل عبد الله أبو شرخ الذي له مساهمة دائمة في موقع "الحوار متمدن". إن السلطة الفلسطينية وحماس لا تعترفان بحقوق الإنسان الفلسطيني، ولكنهما لا تتوقفان عن مطالبة إسرائيل باحترام نفس الحقوق التي تخترقانها يومياً بالمناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية.
أما نتانياهو، فإنه يشهاد ما يحدث ليس من باب الإرتياح بل القلق لأنه ورغم الاقتتال بين حماس وفتح على السلطة فحقيقة الأمر هي أن من يتحمل المسؤولية العليا عن كل ما يحدث في الضفة الغربية وغزة هي إسرائيل لا غيرها. إن حركة الاحتجاج في الضفة الغربية المنضبطة من قبل السلطة الفلسطينية من الممكن أن تفلت من بين أيديها في حالة تفاقم وضع الأسرى المضربين الصحي وتوفي أحد منهم مما سيضع التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل أمام خطر جديد. فإما أن تقمع السلطة المظاهرات الغاضبة أو أن تقوم إسرائيل بذلك الأمر الذي سيضع أبو مازن على المحك. ولكن ما يقلق إسرائيل أكثر على مستوى الحكومة والمؤسسة الأمنية هو وضع قطاع غزة الإنساني الذي يتدهور نحو كارثة إنسانية حقيقية تتحمل إسرائيل كامل المسؤولية عنها.
إن الحل الأمثل الذي تسعى إليه إسرائيل هو التطبيع مع حماس، أو بالأحرى تحويل الهدنة الحالية إلى وضع دائم تلتزم من خلاله حماس بالتنازل عن المقاومة المسلحة مقابل فك الحصار عن غزة. وقد ترى إسرائيل كيف يتدهور الوضع الصحي في غزة، وكيف تتزايد أمراض الأمعاء عند الصغار بسبب المياه الغير صالحة للشرب، الأمر الذي أدى إلى تصريحات علنية من قبل ضباط في الجيش ووزراء مثل وزير النقل يسرائيل كاتس تدعي لبناء ميناء عائم على شاطئ غزة، وتنادي الحكومة الإسرائيلية من أجل بناء محطة لتوليد الكهرباء ومحاطات لتحلية المياه وكل ذلك تجنبا لكارثة إنسانية. إنه ورغم قرار أبو مازن بوقف تمويل الكهرباء، إلّا أن إسرائيل لن تتوقف عن توفير الكهرباء خشية أن تتفجر الأوضاع في وجهها إما من خلال حرب جديدة أو حالة من أزمة إنسانية مثلما أسلفنا.
رغم رغبة إسرائيل في التطبيع مع حماس وتكريس الانقسام بين غزة والضفة الغربية، إلّا أن موقفها لا يستحسن الدعم من مصر والأردن وهما حلفاء استراتيجيين جداً لإسرائيل. إن الحرب التي يشنها النظام المصري ضد داعش في سيناء تخدم المصلحة الأمنية الإسرائيلية أيضاً وآخر ما يريده الجنرال سيسي هو كيان تابع للإخوان المسلمين في غزة. من ناحية أخرى فإن إنشاء كيان مستقل في غزة تحت سيطرة مطلقة لحماس من الممكن أن يضر في مكانة السلطة الفلسطينية ومن خلالها بالتنسيق الأمني "المقدس". محاولة نتانياهو إرضاء شركائه من اليمين المتطرف، والتماهي مع مصالح النظام المصري، والحفاظ على سلامة سلطة أبو مازن وعلى سلطة حماس في آن واحد وهو يرفض كل تسوية سياسية مع الفلسطينيين، تشل كل محاولة لتغيير الوضع الخطير وتبشّر بفوضى عارمة نتيجة لغليان شعبي كبير لن يقفز عن سلطة رام الله ولا عن سلطة غزة اللتين تتحملان المسؤولية الكاملة للوضع الذي وصل إليه الشعب الفلسطيني.
وفي هذه الظروف الصعبة لا يمكن أن نعوّل كثيراً على اللقاء المرتقب بين الرئيس الامريكي ترامب وأبو مازن. فترامب يتحدث عن حل ولكن لا أحد يعرف ماذا يقصد، ومن يتأمل عن قرب ما يحدث في حقيقة الأمر يفهم أن الشعب الفلسطيني يبتعد خطوة بعد خطوة عن برنامج الدولة الفلسطينية. إن ترامب مثله مثل نتانياهو يريد الاستقرار في فلسطين ليتمكن من تنظيم التحالف "السني" ضد إيران، ولكن 50 سنة من الاحتلال ومن ضمنها 20 سنة بعد إنشاء السلطة الفلسطينية و10 سنوات بعد انقلاب حماس في غزة تبلور وضع سياسي، اقتصادي واجتماعي معقد للغاية من الصعب تصحيحه من خلال مؤتمرات إقليمية أو حلول مؤقتة. إن التطورات على ارض الواقع تدل على أننا مقدمون على حالة من الفوضى وليس إلى حل دائم أو حتى مؤقت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Les mains sales
صالح العايد / ( 2017 / 5 / 3 - 11:01 )
حماس وهي أصبع قطر الوسخ لمعت نفسها بدون بويا
لم تضف شيئاً جديداً حيث قبولها بالدولة في الضفة والقطاع أمر يعود لسنوات خلت وما إعلانها الإنفصال عن الإخوان إلا محاولة لقبولها من مصر
أنا راقبت نشوء حماس قبل قيامها إنها من مخططات الاستخبارات الاسرائيلية وها هي تقدم خدمة لإسرائيل فتخرب السياسات الفلسطينية التي يقودها محمود عباس القائد الفلسطيني الشهم
لماذا ينفق اقتصاد الضفة الغربية عل تخريب الاقتصاد في غزة
ليقطع محمود عباس كل تمويل للمخربين في غزة
ولتنفق قطر على مخربي المشروع الوطني الفلسطيني كما في ليبيا

اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا