الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أساليب النظام

حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية

(Hanan Hikal)

2017 / 5 / 3
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


يرى الكثير من الناس ممن اتيحت لهم الفرصة لقراءة رواية جورج اورويل 1984 التشابه الغير معقول بين ما جاء في الرواية وما يحدث فعليا في هذا العصر، وفطن الأمريكييون منذ وصول ترامب الى السلطة لهذا التشابه المدهش ما جعل الرواية تقفز لتحتل رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعا ويعاد طبع عشرات الآلاف من النسخ منها للإيفاء بحجم الطلب عليها.

والحقيقة ان اكثر ما لفت نظري من تشابه بين هذه الرواية الاستشرافية التي كتبها مبدعها العبقري منذ ما ينهاز السبعين عاما وبين عصرنا الحالي، هو التطور الضخم الذي تعمل عليه الأنظمة الاستبدادية في مجالي غسيل الدماغ، وتطوير اساليب المراقبة والمتابعة والتجسس.

واتذكر ما قاله السيسي حول دهشة العالم من سكوت الناس على كل ما يحدث فيهم في مصر، وهو الأمر الذي اصابني انا ايضا بالدهشة، وخاصة منذ عودتي الى مصر بالتزامن مع توليه السلطة، بعد سنوات طويلة من العمل في الخارج.

ان ما قام به هذا النظام من تدمير للشخصية المصرية والعقلية المصرية والضمير المصري والطبيعة الدينية والفطرية للناس لهو امر مثير للدهشة، احاول فقط ان أفهم كيف لا ينزعج انسان من انتهاك حقوق مواطن مثله، ولو وصل الأمر لتلفيق التهم له، ولو وصل الأمر لاهدار دمه عدوا وبغيا، ولو وصل الأمر لتعذيبه ومطاردة عائلته او ممارسة اي نوع من الظلم والاضطهاد عليه، والأبشع ان الغالبية العظمى من الشعب لم تعد تمانع في انتهاك حياتها هي، والاعتداء على حقوقها هي، ارضهم تباع، مياههم يتم التنازل عنها بجرة قلم، شركاتهم متوقفة، عملتهم منهارة، مجموعة تسيطر على مقدراتهم وتفعل بهم ما تشاء، تطعمهم قمامة العالم بأعلى الأسعار، فلا رقابة على الأسواق ولا محاسبة، والكل تم تطويعه ليتغاضى عن الفساد والاحتكار وتغول السلطة، وإما ان تكون خادم مخلص او سيتم القضاء عليك ماديا ومعنويا، وحتى كونك قبلت الخدمة فهذا لا يعني انك سلمت فعليا من بطشنا وقد نضحي برقبتك اذا احتاج الأمر لذلك.

الشعب نسى تماما ان هناك شئ يدعى قانون، اصبح القانون الوحيد في مصر، هل يمكنني ان افعل ذلك ام يوجد قوة ما ستعوق هذا الأمر، لم يبقى اي وازع ديني او اخلاقي، فالكل هنا يبحث عما يمكنه الاستيلاء عليه والسيطرة عليه، طالما يمكنه ذلك.

النظام نجح في اقناع الناس انه هو الدولة، من ينتقده يسيء الى الدولة، ومن يطالب بإزاحته يعمل على اسقاط الدولة.

النظام نجح في وصم المعارضة ومنظمات المجتمع المدني بوصمة الخيانة والعمالة لدول هو اكثر المتعاونين معها واكثر المنصاعين لرغباتها، حتى المنظمات التي تعالج ضحايا التعذيب يتم اغلاقها
ومطاردتها والتضييق عليها ، حتى الحقوقي الذي فتح مكتبات في المناطق الشعبية اغلقوها له بالبلطجة ودون حتى وجود امر رسمي يمكنه الطعن عليه.

النظام نجح في اقناع الغالبية العظمى من الشعب ان افضل شبابه واكثرهم تميزا والذين يقبعون في السجون بعشرات الألاف بسبب مشاركتهم في احتجاجات سلمية، هم سبب كل بلاء يحل عليهم، يحملهم جرائمه هو وفشله هو.

النظام رغم كل ما فعله في هذا البلد وفي هذا الشعب مازال يجد من يصفق له ويدعمه بسبب اعلامه القائم على غسيل المخ اليومي والمستمر، والذي يمكنه ان يقنع الناس بالشئ وعكسه وبأكثر الأمور المنافية للمنطق والعلم والعقل كما اقنع الناس ان هناك جهاز بمجرد ان يشير اليك سيشفيك من فيروس سي والإيدز والصدفية، ويحول الفيروس الى "صباع كفتة" والمهزلة الكبرى ان يشارك اساتذة في كليات الطب في اقناع الناس بهذا الدجل البعيد كل البعد عن العلم، بينما من اعتبر ان الأمر تدليس ودجل اتهموه بأنه "يكره الجيش"!

هذه الأنظمة اصبحت تصم النشطاء والمدافعين عن حقوق الانسان بالمرض النفسي وبدلا من اعتبار الشخص الذي يقتل خارج اطار القانون ويعذب وينكل بالناس ويستحل حياتهم واجسادهم ويلفق لهم القضايا هو المريض المختل والسيكوباتي، يتم اعتبار الشخصية الناقدة التي تعمل على تحليل الأمور والمطالبة بتنفيذ القوانين وحماية حقوق الناس هي المريضة، ويجد هذا الأمر صدى واسع بين الكثير من الناس حتى الذين حظوا بدرجة مرتفعة من التعليم.

فإذا كنت تعمل في جهة نافذة في الوقت الحالي وعرفت عنهم ارتكاب جرائم ومخالفات جسيمة، يوظفون عليك من ينتهك حياتك ويعمل على تدمير سمعتك وصرف الناس عنك وتسفيه ما تقوله مهما كان حقيقيا وصادقا على اعتبار انك مصابا بمرض نفسي، وان الأمر لا يعدو مجرد شكوك وتهيؤات لا اصل لها، ومهما انكشف للناس حقيقة ما تقول ستظل في هذه الحالة مصدر تشكك بالنسبة لهم، فهم حتى لن يكلفوا انفسهم عناء اعطاءك الفرصة لاثبات ما تقوله، ستفقد ببساطة اعتبارك وحقوقك كإنسان، ولن تجد فرصة للعمل حيث سيتخوف منك اصحاب العمل ونجد نفسك منبوذا معزولا، وتأكد انهم لن يسمحوا لك بالفكاك من قبضتهم.

عموم الناس وصل بهم الحال الى انهم لم يعودوا يفطنوا الى من هو معهم، ومن هو ضدهم، ومن يستغلهم ويعمل على تدمير مستقبلهم، ومن هو يطالب بحقوقهم الأدمية ويطالب بمحاسبة المجرم واستبدال الفاشل بالكفؤ.

الناس لم يعد يعنيها الظلم والقتل واهدار الموارد، لم يعد يعنيها اكثر من ملئ معدتها بأي شيء ومرور اليوم ليبدأ يوم جديد يبحثون فيه عن ما يملأ معدتهم ثانية، يتحولون باختصار الى شعب من الموتى الأحياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟