الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع الموازنة العامة للدولة: من يدفع الثمن؟

دينا عمر

2017 / 5 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



منذ أوائل نوفمبر الماضي وإقرار نظام السيسي لإجراءات اقتصادية أشد عنفًا، تعقدت الأزمة في مصر لتؤدي إلى تسجيل معدلات تضخم غير مسبوقة، انعكست بالضرورة على زيادة الأسعار وموجة غلاء طاحنة. في المقابل، عكف اقتصاديو السلطة على الترويج لـ “إصلاح جرئ” إثر تعويم العملة وسط أجواء تعتيم وتصريحات متضاربة من محافظ البنك المركزي مقارنة بالنتائج الواقعية للسياسات المتبعة.

ومع التهديدات التي يطلقها السيسي في كل مؤتمر حال اندلاع احتجاجات مشابهة ليناير 2011 وسط اعتقالات تعسفية وتحويل العمال المحتجين إلى محاكمات عسكرية فورية، فإن تعقد الأزمة على المستويين السياسي والاقتصادي فَضَحَ السلطة وانحيازاتها بشكل كامل من جانب، ومن جانبٍ آخر رسَّخَ لأحقية كل مواطن في التعرف على عمق الأزمة دون كذب أو تدليس.

في هذا الإطار، عقد مركز الدراسات الاشتراكية ندوة، يوم الأحد الماضي 30 أبريل، تحت عنوان “مشروع الموازنة العامة للدولة: من يدفع الثمن؟”، تحدَّثَ فيها الصحفي الاقتصادي محمد جاد، والصحفي الاشتراكي الثوري مصطفى البسيوني.

كيف نفهم الأزمة؟
وفقًا لجاد: “تبنت مصر منذ أوائل التسعينيات التحرر الاقتصادي أي التسعير تبعًا للعرض والطلب، وهو ما يتناقض تمامًا مع نظام ما قبل عام 1991 المبني على تحكم الدولة في الأسعار. وبحسب سياسات التحرر، فإن مصر أصبحت جزءًا من مجتمع الأعمال الدولي حيث يتم تقييم العملة في بنوك الاستثمار قياسًا على مدى احتياج العالم لها، ونظرًا لكثرة الاستيراد من الخارج وتراجع الاستثمار انهارت العملة مع التعويم. لكن الوضع ازداد سوءًا من عام 2008 حيث انخفضت التدفقات الدولارية يقابله استنزاف البنك المركزي للاحتياطي النقدي على مدار السنين التالية. وفي عام 2013 أعلن محافظ البنك المركزي أن البلد مقبلة على فترة عصيبة وتم تحديد سعر العملة بمزادات بين البنوك، وفي 2016 تخلى البنك المركزي عن مراقبته تاركًا الساحة بين البنوك لتحديد سعر الدولار وفقًا للعرض والطلب.

الحكومة، على الجانب الآخر، راهنت على مستثمري البورصة والديون قصيرة الأجل بالإضافة إلى صندوق النقد الدولي لتحسن الأوضاع وجذب الاستثمار، لكن أزمة الاقتصاد المصري أعمق بكثير من ذلك، ومن المتوقع أن يحمل عام 2018 أزمات عصيبة حيث الالتزامات المديونية وصلت لمعدلات ضخمة سترتفع معها معدلات الفقر. وبالرغم من عدم طرح الحكومة للموازنة الجديدة إلا أن صندوق النقد أصدر على موقعه الرسمي تلك الموازنة المقرر تطبيقها دون اختيارات من الجانب المصري، في حين استغلت الترويكا أزمة الدول المفلسة في إعادة صياغة اقتصادها ليولد ربحًا على المدى الطويل.

وماذا عن الموازنة الجديدة وانحيازاتها؟
وفقًا للبسيوني فإن “الموازنة العامة هي الأكثر تعبيرا عن التوجه الاجتماعي للدولة، فالموازنة تتضمن أدوات توزيع الثروة من إيرادات وإنفاق. وتحت حكم النظام الحالي نشهد وضع للموازنة الثالثة، حيث موازنة 2014 – 2015 بدأت بخطاب يبدو متوازنا بتصدير أزمة تلزمنا جميعًا بتحملها وسط وعود بوضع حد أقصى للأجور وضريبة 5% على ما يزيد عن مليون جنيه دخل سنوي، كذلك فرض ضريبة بورصة وتوزيعات الأرباح. في المقابل عمدت الموازنة إلى خفض الدعم الموجه، كتخفيض دعم الطاقة 40 مليار جنيه، وانكمشت زيادة الأجور عن الموازنات السابقة. ومن الملاحظ وقتها هو محاولة النظام إحياء “الخطاب الناصري” في الاقتطاع من طبقة الأغنياء مع الحفاظ على ثبات نسبي للطبقات الأخرى. لكن ما حدث هو العكس تماما، الاستثناءات أصبحت القاعدة في فرض الحد الأقصى للأجور، وتم تجميد ضريبة البورصة 3 سنوات، وضريبة الـ 5% تم إلغاءها، وما التزمت به الدولة هو تجميد زيادة الأجور للموظفين وخفض الدعم على الوقود فقط.

ويرى البسيوني أن: “موازنة 2015 – 2016 أفرزت نفس التوجه حيث انعدمت نسبة الزيادة في الأجور مقارنة بمعدلات التضخم وموجة تخفيض أخرى في الدعم على الوقود كما تم إقرار ضريبة القيمة المضافة في نهاية العام، كذلك تحولت الضرائب من ضرائب دخل إلى ضرائب استهلاك بما يعني تحمل الفقراء بشكل مباشر لعبء توفير إيرادات الدولة. أما الموازنة الحالية 2016 – 2017 فقد تضمنت نفس أوجه الإنفاق والإيرادات بشكل أكثر عنفًا، فنسبة الزيادة في الأجور كانت 4.5% لكنه مع معدلات تضخم تخطت 20% انخفضت الأجور الحقيقية خُمس قيمتها، كذلك شهدت تلك الموازنة اتجاه أكبر في خفض الدعم على الطاقة. بالإضافة إلى إجراءات تحرير سعر الصرف وتبعاته التضخمية التي أدت إلى 27% من السكان تحت خط الفقر”.

وبحسب جاد فإنه: “على المستوى السياسي، فالطبقة الوسطى الأكثر قدرة على تنظيم نفسها وخلق الاستقرار أصبحت مهددة تحت بنود قانون الخدمة المدنية حيث معدلات نمو في الأجور شديدة التدني قياسًأ بمستوياتها التاريخية، ورغم ذلك لم يمس القانون التفاوت المرعب في الأجور بين موظفي الدولة في الجهات السيادية ونظيرتها بالقطاعات البيروقراطية”.

وكيف يعمل النظام الحاكم؟
وإذا تتبعنا السياسات الاقتصادية منذ عهد المخلوع مبارك، سنجد أن هناك امتدادًا حاليًا لسياسات الليبرالية الجديدة مرفقة بجملة شروط صندوق النقد الدولي في الاتجاه لخفض العجز والإنفاق العام، كل هذه السياسات أدى تراكمها عبر السنين إلى تغير نوعي. أو مثلما يرى البسيوني أن: “حافظ نظام مبارك على ركيزتين أساسيتين للاستقرار الاجتماعي في ظل موجات التضخم المتتالية، الأولى في الحفاظ على قطاع شعبي عريض مستقر نسبيًا من العاملين بالدولة (6 مليون موظف) رغم معاناتهم الاقتصادية، والثانية في الحفاظ على دعم قطاعات من السلع بصورة متوفرة. لكن ما يحدث الآن هو هجوم كبير على هذه الركائز، لذلك لا يمكن اعتبار نظام السيسي استمرارًا لنظام مبارك. نظام مبارك وصل لحد أقصى من أدواته السياسية والأمنية لخلق الاستقرار في المجتمع وسط توحش سياساته في خصخصة القطاع العام وتقديم امتيازات للطبقة الرأسمالية الجديدة. هذه السياسات حوصرت ضمن حدود معينة أثقلته ولم يعد قادرًا على الاستمرار في ظلها بنفس أدواته. ومع فشل الدولة في إيجاد سياسات اقتصادية أفضل تنتصر للطبقات الفقيرة، أصبح البحث عن أدوات سياسية وأمنية مختلفة هو شرط استمرار النظام في نفس تلك السياسات. لم تعد الأوعية السياسية في تشكل الأحزاب التي انتعشت نسبيا في عهد مبارك كذلك لم يعد البرلمان والإعلام الحر قادرين على التعاطي مع الأدوات الجديدة. وأصبح الاعتقال الإداري والتصفية الجسدية خارج إطار القانون هو سلوك يعتمده نظام السيسي لفرض أدواته الجديدة”.

“يمكننا وصف الوضع تحديدا بالفرق بين حصار المظاهرات وفضها وقت مبارك إلى إطلاق الرصاص الحي وقتل المتظاهرين الآن، وبين محاولة السيطرة على الحركة العمالية عن طريق التفاوض مثلا إلى التهديد واعتقال العمال ثم تحويلهم حاليًا للمحاكمات العسكرية. الخطورة هي أن نظام الثورة المضادة الحالي لم يكن مجرد امتداد لنظام مبارك، بل هو خلق نظام جديد بشكل أكثر عنفًا. وهو التعبير الأدق في وصف الموازنات المتتالية لنظام السيسي في اتخاذها أدوات مختلفة عجز سابقه عن إقرارها نحو سياسات الليبرالية الجديدة”.

فيما رأى جاد” أننا لسنا مقبلين على مرحلة ازدهار اقتصادي بعد المرحلة الحالية، و”الصبر” لن يحل تعقد الأزمة، فمعدلات الاستهلاك وصلت لأدنى مستوياتها بما لا يؤهل لنمو اقتصادي أو بيئة استثمار جذابة في ظل ارتهان الحكومة للـ “العيش يوم بيوم” ببعض المنح والقروض والاتفاقات الصغيرة”.

الخداع والكذب يفضح نظام السيسي
استنكر جاد خطاب السلطة “فالمؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ فضح التناقض بين خطاب النظام في الدعاية لانتعاش اقتصادي كبير وبين سياق المسار الاقتصادي المدار في الغرف المغلقة، حيث ارتكز على 3 مسائل: الأولى، تحرير دعم الطاقة وفتح فرصة الاستثمار في القطاع لسد العجز بين سعر الطاقة والدعم. والثانية هي ضخامة عجز الموازنة وسبل تخفيضه بطريقة لا تمس المستثمرين ومجتمع الأعمال حيث تخفيض ضرائب الدخل في مقابل تقليص الأجور الحكومية طبقًا لقانون الخدمة المدنية، والثالثة هي تقديم امتيازات استثمارية سخية. إجراءات نوفمبر 2016 فضحت عمليًا كل كذب الحكومة بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها وتقلص أرباح المستثمرين وبالتالي تسريح عمالة أكبر أو انكماش أجورهم على أقل تقدير”.

وأكد البسيوني أن “النظام يتجه إلى تصدير خطاب الأزمة في نفس سياقها دون التجرؤ على حلها بقلب الانحيازات، فهناك بالفعل عجز في الموازنة يستلزم خفض الإنفاق، وهناك ديون خارجية ضخمة في ظل ضعف الإيرادات، وعدم وجود الموازنة بشكلها الحالي قد يخلق خللًا هيكليًا، كما أن فرض ضرائب على الاستثمارات ربما يؤدي لهروب المستثمرين وزيادة البطالة.

وبرغم ما يبدو الخطاب بمنطقية مصطنعة، إلا أنه وللأسف تتداخل قوى المعارضة لحل الأزمة بأطروحات تحت نفس الظروف التي خلقتها مع بعض التعديلات حول البنود الداخلية للموازنة وتوزيعها، في حين أن النجاح الحقيقي للموازنة هو مدى تحقيق الخدمات للمواطنين. فمثلًا، تصدير خطاب حول خسارة “شركة” مترو الأنفاق ثم ارتفاع سعر التذكرة، تغاضى بالأساس عن كون المترو من وسائل النقل التي هي خدمات مدعمة تقدمها الدولة نظير انخفاض المرتبات أو بدل تنقل ضمني. الخطاب الرسمي المغلوط يحاول تبرير توجهات الموازنة على أساس العلاقات الاقتصادية للشركات، رغم أن علاقات المجتمع أوسع من إدارة شركة وتحقيق أرباح. ويرى البسيوني أن “الثورة المضادة لا تخلق، رغم أدواتها المختلفة، وضعًا دائمًا، فبرغم ضربها للركائز الأساسية لكنها في المقابل لم تخلق ركائز أخرى للاستقرار”.

فيما رأى جاد أنه لابد أن تبلور الحركة العمالية رؤية اقتصادية وسياسية واجتماعية بديلة دون كونها حركة مطلبية فقط، بتكوين تنظيماتها المستقلة والمنخرطة في ربط قضايا المصنع والشارع باسترجاع كل خبراتها الثورية المتراكمة من 2006 حتى 2013. فهو السبيل الوحيد للخروج من فلك الأزمات طويلة المدى وانحيازاتها الطبقية”.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو